مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
دراسة حول المحاكم الجنائية المختلطة
نتيجة للدروس التى اظهرتها تجربة المحاكم الجنائية الدولية التى تم انشاءها عقب الحرب العالمية الثانية والنجاحات التى حققتها المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ليوغسلافيا السابقة ورواندا فى معاقبة الاشخاص المسؤليين عن ارتكاب الجرائم التى تنتهك قواعد القانون الدولى الانسانى برز للوجود نوع آخر من انواع المحاكم الجنائية الدولية وهو ما عرف بالمحاكم الجنائية الدولية المختلطة لتلافى سلبيات المحاكم الجنائية الدولية الخاصة والاستفادة من ايجابياتها سواءا ما تم انشاءه بقرار من مجلس الامن الدولى او باتفاقيات خاصة بين الدول ، ويرى بعض الفقهاء ان تلك المحاكم تؤدى الى المزج بين قواعد المتابعات الوطنية مثل القرب الجفرافى والنفسى الى الضحايا والاثر الايجابى على مؤسسات الدولة المحلية مع فوائد المشاركة الدولية كالموراد والموظفين والامن
مستقبل القضاء الجنائى الدولى
ان المقصود بالقضاء الجنائى الدولى المؤقت هو تلك المحاكم المنشأة بقرارات صادرة من دول متحالفة وكذلك من الامم المتحدة المتمثلة فى مجلس الامن وذلك من اجل البت فى جرائم معينة وقعت على منطقة معينة وفى زمن معين وبخصوص نزاع محدد بذاته ، وهذا على اثر ما اسفرت عنه الحربين العالميتين وكذلك الحروب الاهلية فى اقاليم دولة معينة من خسائر ومجازر فى حق البشرية وخلقت انتهاكات للقانون الدولى الانسانى. وقد جاءت تسمية تلك المحاكم بالمحاكم الجنائية المؤقتة لانها تنتهى بنهاية الغرض الذى انشأت من اجله ، وقد مثل ذلك النوع من القضاء الجنائى الدولى آلية فاعلة من اجل اقرار العدالة الجنائية الدولية وذلك بمحاكمة المجرمين الذين يقومون بانتهاك قواعد القانون الدولى الانسانى اثنا الحروب النزاعات المسلحة . بالرجوع الى آاليات انشاء مثل تلك المحاكم نجد ان المجتمع الدولى قد ايستعمل آليتين لانشاء المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ، وهما انشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة عن طريق ابرام اتفاقية دولية ، مثل ما حدث فى انشاء محكمتى نورمبيرغ وطوكيو ، وانشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة عن طريق اصدار قرار من مجلس الامن الدولى تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة مثل ما حدث فى انشاء محكمتى يوغسلافيا السابقة ورواندا.
قضية دارفور بين القضاء الوطنى والقضاء الجنائى الدولى
بدأ النزاع فى منطقة دارفور بين الحكومة المركزية وبعض الحركات المسلحة فى حوالى 2003م بعدان رفعت الحكومة المركزية راية الجهاد الاسلامى فى جنوب وغرب السودان . تحول ذلك النزاع الى صراعات مسلحة اشتركت فيها فصائل ما يسمى بالجنحويد وهى فصائل من بعض القبائل العربية قامت الحكومة السودانية كما تدعى الحركات المسلحة بتسليحها وقد قامت تلك الفصائل بالاشتراك مع الدفاع الشعبى والقوات المسلحة بحسب ادعاء تلك الحركات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة جماعية فى ذلك النزاع المسلح مما يرجح معه مسؤولية حكومة السودان ومليشيات الجنجويد عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي تشكل جرائم بموجب القانون الدولي. وعلى وجه الخصوص، فقد تبين للجنة أن قوات الحكومة والمليشيات شنت هجمات عشوائية، شملت قتل المدنيين، والتعذيب، والاختفاء القسري، وتدمير القرى، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والنهب، والتشريد القسري، في جميع أرجاء دارفور. وقد نُفذت هذه الأعمال على نطاق واسع وبصورة منهجية، وهي بالتالي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. نجحت الحركات المسلحة المناوئة للحكومة فى تدويل تلك القضية وتمكنت بفضل دعم بعض المنظمات الحقوقية والانسانية ومجموعات ضغط اقليمية ودولية من الوصول الى مجلس حقوق الانسان والذى اصدر بدوره قرارا بتكوين لجنة دولية لتقصى الحقائق . قامت تلك اللجنة بزيارة إقليم دارفور بعد أن سمحت لها الحكومة السودانية بذلك وتمكنت من الوقوف على الحقائق بزياراتها الميدانية واطلاعها على المستندات واستجوابها للضحايا والشهود وخلصت فى نهاية الأمر الى وجود شبهة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فى دارفور ومن ثم قامت مفوضية حقوق الإنسان برفع تقرير تلك اللجنة الى الأمين العام للأمم المتحدة والذي قدمه بدور الى مجلس الأمن الدولى حيث قام المجلس باتخاذ القرار رقم 1593 الذى احال بموجبه الوضع فى دارفور الى محكمة الجنايات الدولية بموجب سلطاته تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة تحت المادة 13ب من النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية.