التعاون الدولي في مكافحة جرائم الفساد
مقدمة :
تتعاون الدول الأطراف في المسائل الجنائية و تنظر حيثما كان ذلك مناسبا و متسقا مع نظامها القانوني الداخلي في مساعدة بعضها البعض في التحقيقات الاجراءات الخاصة بالمسائل المدنية و الادارية ذات الصلة بالفساد ، و في مسائل التعاون الدولي اشترط توافر ازدواجية التجريم اذا كان السلوك الذي يقوم عليه الجرم التي تلتمس بشأنه المساعدة، يعتبر فعلا اجراميا في قوانين كلتا الدولتين الطرفين.
بإمكان طرح الاشكالية التالية:
ما هي أوجه التعاون الدولي في مجال المتابعة القضائية في جرائم الفساد و ما هي آليات تجسيد هذا المبدأ،للإجابة على هذه الاشكالية ارتأيت اتباع الخطة التالية
المبحث الأول :تكريس مبدأ التعاون الدولي في مجال الفساد
المطلب الأول: التعاون الدولي و ما يترتب عليه من التزامات في مجال المتابعة القضائية الدولية
المطلب الثاني: العلاقة بين عولمة القانون الجنائي و التعاون القضائي الدولي في مجال المتابعة القضائية الدولية
المبحث الثاني: آليات التعاون الدولي في مجال المتابعة القضائية
المطلب الأول: اشكالية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي و مقتضيات السيادة الوطنية
المطلب الثاني : موقف البرلمان الجزائري من التعاون الدولي في المسائل الجنائية المتعلقة بحماية حقوق الانسان ، و مكافحة الفساد من جهة أخرى.
خاتمة
المبحث الأول : تكريس مبدأ التعاون في مجال المتابعة القضائية في جرائم الفساد
لم تنشأ فكرة الدعوة الى صياغة اتفاقية عالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية من فراغ ، فقد شكلت ظواهر العولمة و التقدم التقني و الجريمة تحالفا لم تتردد في استغلاله الجماعات الاجرامية المنظمة في شتى انحاء العالم.
فقد تسارع ايقاع هذه الظواهر الثلاث في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ و ربما غير مسبوق و قد بات تداخل هذه الظواهر أمرا مثيرا للقلق خاصة و أن ظاهرة العولمة تتيح امكانيات شتى اقتصادية و اجتماعية و مصرفية من ناحية أخرى.
و قد تطورت الجريمة بشكل ملحوظ ، و لم يقتصر الأمر على مجرد زيادة كم معدلات الجرائم بل تطورت هذه الأخيرة تطورا كافيا و نوعيا أكثر من صعيد منها :
*صعيد طبيعة الظاهرة الاجرامية ذاتها بظهور أنشطة اجرامية جديدة كغسل الاموال و الجرائم الالكترونية.
*صعيد التخطيط و الاعداد لتنفيذ هذه الجرائم باستغلال سهولة الانتقال من دولة الى قارة أخرى صيرورة الجريمة ذاتها مشروعا منظما بأكثر من كونها سلوكا فرديا.
ويترتب على ظاهرة الجريمة المنظمة تحديات عدة ،منها ما يتعلق بأمور التجريم و العقاب حيث تستعصي بعض الأنشطة الاجرامية المنظمة الجديدة على ادراجها ضمن الأوصاف الجنائية التقليدية في القوانين الجنائية الوطنية ، و منها ما يرتبط بهشاشة نظام الملاحقة الاجرائية في اطار القوانين الوطنية على صعيد الملاحقة الجنائية الدولية.
و اذا كانت القاعدة التقليدية تلازم السيادتين التشريعية و القضائية في المجال الجنائي ،فان وطأة ظاهرة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تقتضي تجاوز بعض المفاهيم القانونية التقليدية و هو ما يعني ضرورة الاعتراف في بعض الحالات و على نحو ما بحجية التشريع الجنائي عبر وطني ، و بحجية الحكم الصادر عن محاكم دولة أخرى، و تتجلى أهمية ذلك على وجه الخصوص في مجال الجرائم التبعية التي تفترض ارتكاب جريمة أصلية على اقليم دولة ما ثم وقوع الجريمة التبعية على اقليم دولة اخرى و مثال ذلك جرائم تزييف النقود و الاتجار في المخدرات و غسيل الأموال ،و الاعتداء على الملكية الفكرية،فمثل هذه الأنشطة ترتكب غالبا بواسطة شبكات اجرامية منظمة ينتقل أعضاؤها عبر حدود الدول ، و تتوزع أركان و عناصر هذه الجرائم على اقليم أكثر من دولة.
المطلب الأول: التعاون الدولي و ما يترتب عليه من التزامات
تمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة استراتيجية شاملة سواء على الصعيد الموضوعي (الجرائمي) أو الصعيد الاجرائي لمنع و ملاحقة و معاقبة ظاهرة الجريمة المنظمة عموما و بعض الظواهر الاجرامية المحددة على وجه الخصوص و هي غسيل الأموال و الفساد و عرقلة سير العدالة،فالغرض من هذه الاتفاقية كما تنص المادة الأولى منها (تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية و مكافحتها بمزيد من الفعالية).
ان الاتفاقية قد تجاوزت في مكافحتها لظاهرة الجريمة المنظمة و ظاهرة الفساد بصفة عامة مسلمات السياسة العقابية التقليدية التي ترتكز بالأساس الى العقوبات السالبة للحرية و تعتمد على المسؤولية الجنائية للفرد ،فيلاحظ من ناحية أولى أن الاتفاقية أولت اهتماما ملحوظا بالجزاءات و التدابير ذات الطبيعة المالية مثل المصادرة و الضبط سواء على الصعيد الوطني وفقا لنص المادة 12 من الاتفاقية أو على صعيد التعاون الدولي و فقا لنص المادة 13 ، كما نصت على كيفية التصرف في العائدات الاجرامية أو الممتلكات المصادرة ،بل و استحدثت أحكاما جديدة غير مسبوقة في هذا الشأن مثل استخدام هذه العائدات أو الممتلكات في تعويض الضحايا ( المادة 14/2 من الاتفاقية) أو التبرع بها أو بجزء منها الى الهيئات الدولية الحكومية في مجال مكافحة الجريمة أو أقسام هذه العائدات أو الأموال المتأتية منها فيما بين الدول بعضها البعض( م 4/3 من الاتفاقية).
من هذه المنطلقات صدر عن الأمم المتحدة العديد من القرارات لمواجهة ظاهرة الفساد ، فهناك القرار 152/46 لـ 30 جويلية 1992 ، و قرارات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي رقم 14/1995 و كذا القرار 16/1998 بشان اجراءات مقاومة الفساد.
و اذا كان حق الابلاغ عن الجرائم بشكل عام و عن جرائم الفساد بشكل خاص يعتبر من الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية و القوانين الوطنية و من شأن الابلاغ عن الجريمة في كثير من الأحيان أن يحول دون وقوعها و كذلك تفادي النتائج الخطيرة التي قد تنجم عنها ، الأمر الذي يسهم في بناء الثقة و الطمأنينة في المجتمع و يؤدي الى تعزيز مشاركة الأفراد بشكل خاص و المجتمع بشكل عام في مكافحة الاجرام بشتى صوره.
لقد سعت الدول الى مكافحة الاجرام في البداية بعدة اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف ثم تنامى الاهتمام بهذا التعاون فأصبح يشغل الحيز الأكبر في اتفاقيات الأمم المتحدة حيث أفردت المواد 50 و ما بعدها لتشجيع التعاون الدولي و تعزيزه في مجالات عديدة منها :
1-تسليم المجرمين:
نصت عليها المادة 44 من الاتفاقية ،حيث تنطبق هذه المادة على الافعال المجرمة عندما يكون الشخص موضوع طلب التسليم موجودا في اقليم الدولة الطرف متلقية الطلب، أن يكون الجزم الذي يلتمس بشأنه التسليم جرما خاضعا للعقاب بمقتضى القانون الداخلي لكل من الدولة الطرف الطالبة و الدولة الطرف متلقية الطلب (1).
اذا اشتمل التسليم عدة جرائم منفصلة ،يكون الجزم واحد منها على الأقل منها خاضعا للتسليم بمقتضى هذه المادة ، و تتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم في عداد الجرائم الخاضعة للتسليم في كل معاهدة تسليم تبرم فيما بينها.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأستاذ أمير فرج يوسف ،الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية امام كلية الحقوق ، 2008 ،ص 358.
و على الدولة الطرف التي تجعل تسليم المجرمين مشروطا بوجود معاهدة أن تبلغ الأمين العام للأمم المتحدة وقت ايداعها صك التصديق على هذه الاتفاقية ، و يخضع التسليم للشروط التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة الطرف متلقية الطلب أو معاهدات التسليم السارية بما في ذلك الشروط المتعلقة بالعقوبة الدنيا المشترطة للتسليم.
و يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب و بناءا على طلب من الدولة الطرف الطالبة ان تحتجز الشخص المطلوب تسليمه و الموجود في اقليمها ، أو أن تتخذ تدابير مناسبة أخرى لضمان حضوره اجراءات التسليم ، متى اقتنعت بان الظروف تستدعي ذلك و أنها ظروف ملحة.
2-نقل الأشخاص المحكوم عليهم :
يجوز للدول الأطراف ان تنظر في ابرام اتفاقات أو ترتيبات ثنائية او متعددة الأطراف بشأن نقل الأشخاص الذين يحكم عليهم بعقوبة الحبس أو بأشكال أخرى من الحرمان من الحرية لارتكابهم أفعالا مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية الى اقليمها لكي يكمل أولئك الأشخاص مدة عقوبتهم (2).
3-المساعدة القانونية المتبادلة:
تقدم الدول الأطراف بعضها الى بعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات و الملاحقات و الاجراءات القضائية المتصلة بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية و يجوز طلب المساعدة القانونية المتبادلة لأي غرض من الأغراض التالية :
*اما للحصول على أدلة أو أقوال أشخاص
*اما لتبليغ المستندات القضائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)الأستاذ امير فرج ، مكافحة الفاسد الاداري و الوظيفي و علاقته بالجريمة على المستوى المحلي و الاقليمي و العربي و الدولي في ظل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ، الاسكندرية ، ص 647،648
*اما لتنفيذ عمليات التفتيش و الحجر و التجميد
*اما لفحص المواقع و الأشياء
*اما لتقديم المعلومات و المواد و الأدلة و تقييمات الخبراء
*أو لتحديد العائدات الاجرامية أو الممتلكات او الأدوات أو الأشياء الأخرى أو لاقتفاء الأثر.
*اما لأجل تيسير مثول الأشخاص طواعية في الدولة الطرف الطالبة ، و اما لتقديم أي نوع آخر من المساعدة و التي لا تتعاض مع القانون الداخلي للدولة الطرف المتلقية الطلب.
تقدم الطلبات كتابة و بأي وسيلة كفيلة بان تنتج سجلا مكتوبا لغلة مقبولة لدى الدولة الطرف متلقية الطلب و يتعين ابلاغ الأمين العام باللغة او باللغات المقبولة وقت قيام كل دولة بإيداع صك تصديقها على هذه الاتفاقية أو اقرارها.
4-نقل الاجراءات الجنائية :
هنا تنظر الدول في امكانية نقل اجراءات الملاحقة المتعلقة بفعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية الى بعضها البعض ، بهدف تركيز تلك الملاحقة في الحالات التي يعتبر فيها ذلك النقل في صالح حسن سير العدالة.
5-التعاون في مجال انفاذ القانون :
تتعاون الدول الأطراف فيما بينها تعاونا وثيقا بما يتوافق مع نظمها القانونية و الادارية الداخلية ، كي تعزز فاعلية تدابير انفاذ القانون من أجل مكافحة الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية.
6-التحقيقات المشتركة :
يجوز القيام بتحقيقات مشتركة بالاتفاق حسب الحالة و تكفل الدول الأطراف المعنية مراعاة الاحترام التام لسيادة الدولة الطرف التي سيجري ذلك التحقيق داخل اقليمها.
7-أساليب التحري الخاصة :
تقوم كل دولة طرف بقدر ما يسمح به قانونها الداخلي باتخاذ ما يلزم من تدابير لتمكين سلطاتها من استخدام أسلوب التسليم المراقب من خلال اتباع أساليب خاصة كالترصد الالكتروني و غيره من العمليات السرية.
8- استرداد الموجودات :
على الدول أن تمد يد العون لغيرها من الدول في هذا المجال من خلال انفاذ أمر مصادرة صادر عن محكمة في دولة طرف أخرى ، الى جانب هذه الصور من الالتزامات هناك مبدأ التعاون الخاص ، حيث تسعى كل دولة طرف دون اخلالها بقانونها الداخلي الى اتخاذ تدابير تجيز لها أن تحيل دون مساس بتحقيقاتها او ملاحقاتها أو اجراءاتها معلومات عن العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة الى دولة طرف أخرى دون طلب مسبق.
المطلب الثاني:
العلاقة بين عولمة القانون الجنائي و التعاون القضائي الدولي في مجال المتابعة القضائية الدولية:
أصبحت ظاهرة العولمة حديث العام و الخاص ، أما تأثيراتها فلم يعد احد بمنأى عنها ، اذ امتدت الى الأفراد في حياتهم اليومية و أوضاعهم المعيشية و قيمهم الاجتماعية ، فهي اليوم ترتبط بما يرونه و يسمعونه عن وسائل الاعلام العابرة للحدود.
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل أن تأثير العولمة على القوانين الجنائية أدى الى ميلاد سياسة جنائية دولية؟.
ان حتمية النتيجة في ثقافة العولمة التي تنتشر عن طريق وسائل الاتصال المتطورة جدا و لا تستطيع الدول بأي حال من الأحوال منعها من الدخول و لا فرض تأشيرة على دخولها.
أما عن طبيعة الجريمة في ذاتها ، فان ظاهرة العولمة جعلتها تتسم بخطورة اجرامية خاصة بالنظر الى الأسلوب الذي تعتمد عليه.
التحليل ينطلق من مجموعة من الملاحظات منها أن هناك ظاهرة اجرامية أصبحت ذات امتداد عالمي، و أن هناك علاقة سبب و أثر بين العولمة و هذا التطور و هذا الوضع يرتبط بوجود أزمة قانونية تتعلق بمصداقية القانون و فعاليته.
في غياب تشريعات و مؤسسات فاعلة ترسم حدودا و تحدد ضوابط النشاط الاقتصادي ، انقلبت طبيعة العلاقة بين الدولة و السوق، فلم تعد الدول تقر شروط المنافسة في اطار الدولة و السوق و انما اصبحت السوق تفرض على الدول ان تتنافس على اجتذاب الاستثمارات التي غالبا ما تحظى البلدان الأكثر استعدادا بدافع الفساد أو تحت ضغط الحاجة لغض الطرف عن التجاوزات.
و الصيغ الجديدة للجريمة أضحت تمثل عدوانا جديا على مصالح أساسية فردية و جماعية ، اذ هناك حاجة ملحة لتعبئة قانونية جديدة حول متطلبات اصلاح القانون الجنائي لتخليصه من عيوبه الراهنة ، و لأجل تحقيق هذا المبدأ لا بد من اصلاح منشود في اتجاهات هي:
الاتجاه الأول:
الترابط الحاصل على الصعيد الكوني الذي يستلزم تطوير فضاء عمومي عالمي و استحداث قانون جنائي دولي قادر على مواجهة الظواهر الاجرامية المعاصرة.
الاتجاه الثاني:
اعادة الاعتبار الى مبدأ الشرعية و تقليص كتلة القانون الجنائي المتضخمة من خلال مراجعة صياغته على أساس اقرار مبدا دستوري يمنع وضع أي قاعدة قانونية متعلقة بالجرائم او العقوبات او الاجراءات الجنائية الا في اطار تعديلات تشريعية.
و كذلك من خلال الاطلاع على الاتفاقيات المتعددة نجد أن بعضها تبنى احكاما خاصة تهدف الى ايجاد نوع من الفاعلية في مجال المتابعة القضائية الدولية لمكافحة جرائم الفساد.
فمثلا هناك نصوص دولية تقتضي بأن السرية المصرفية لا يمكن ان تكون سببا في رفض التعاون القضائي في المجال الجنائي ، و المثال على ذلك ما نصت عليه المادة 7 من اتفاقية الاتجار الغير مشروع بالمخدرات لسنة 1988 ، هذه الأخيرة نصت أيضا على تسليم المجرمين المفترضين ين الدول و الموجودة في دولة طرف في الاتفاقية ،بالإضافة الى ذلك فان انشاء محاكم دولية جنائية كالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة و تلك الخاصة بجرائم الابادة العرقية في رواندا...الى غير ذلك ، ما يمثل تطورا دوليا هاما في المجال الجنائي.
و للمشرع الجزائري موقف من عولمة القانون الجنائي في مجال المتابعة القضائية الدولية، فقد بين مساهمة الجزائر في هذا المجال ، خاصة في توحيد التشريعات العربية من خلال اعتماد الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب من طرف مجلسي وزراء العدل و الداخلية العرب بموجب قرار مشترك صادر بتاريخ 22/04/1999 ،ثم مشروع قانون عربي استرشادي لتنظيم زراعة الأعضاء البشرية و منع مكافحة الاتجار فيها و هذا بناءا على اقتراح الجزائر ،حيث صدر قرار من مجلس وزراء العرب في دورته 19 بالجزائر ، يقضي بتكليف الجزائر بإعداد مشروع استرشادي لزراعة الأعضاء البشرية و منع الاتجار فيها.
كما توجد فكرة التنسيق العربي في المحافل الدولية اتجاه تدابير مكافحة الارهاب الدولي فيما يلي:
1-تنسيق الموقف العربي بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الحدود الوطنية
2-تنسيق المواقف بخصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
3-تنسيق المواقف مع المعهد الدولي للعلوم الجنائية بسيراكوزا الايطالي ، حيث تم اعداد مشروع عربي موحد استرشادي للتعاون الجنائي الدولي من طرف المعهد.
المبحث الثاني: آليات التعاون في مجال المتابعة القضائية في مكافحة الفساد
ان التطور الحاصل في آليات التعاون الدولي في المجال الجنائي قد أوجد صورا أخرى للتعاون يجمع بينها عدد من السمات المشتركة تنصب على المساس بالحرية الشخصية للأشخاص ، استنادا الى اجراء صادر في دولة أخرى أو شخص من أشخاص القانون الدولي يهدف اعادته أو تسليمه و لذلك كان مصطلح القبض على الهاربين و اعادتهم هو الأكثر شمولا و تعبيرا عن هذه الصورة من صور التعاون القضائي الدولي.
فإلى جانب التسليم الذي يمثل الصورة التقليدية و الأكثر أهمية للتعاون القضائي بين الدول، فان التقدم هو أحد الجوانب الحديثة للقبض على الهاربين و مثولهم أمام القضاء و ذلك في العلاقات بين الدول و المحاكم الجنائية الدولية.
و من ناحية أخرى ،فان الترحيل أو الابعاد قد يشكل أحد جوانب التعاون القضائي الدولي، ذلك أنه و ان كانت هذه القرارات بحسب الأصل قرارات و تصرفات أحادية الجانب، الا أنها في مجال التنفيذ قد تحتاج الى نوع من التعاون الدولي ، كما هو الحال في حالة طلب تعهدات ديبلوماسية باحترام حقوق الشخص المرحل و حرياته الأساسية.
و الى جانب ذلك هناك أشكال أخرى أكثر حداثة للتعاون القضائي بين الدول في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم ، أبرزها أمر القبض الأوروبي ،و الذي أقر بموجب القرار لمجلس الاتحاد في 13 يونيو 2002، و يعد تطبيقا لمبدأ الاعتراف المتبادل بالأحكام و الأوامر القضائية في الاطار الأوروبي ، و تجيز هذه الآلية تنفيذ قرارات القبض الصادر في احدى دول الاتحاد من قبل دولة أخرى (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)د.مصطفى عبد الغفار:تطور آليات التعاون القضائي الدولي في المواد الجنائية في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم في ضوء الاليات الحديثة لمكافحة الجريمة ، معهد الدراسات القضائية و القانونية، البحرين ،ص 4
و الجرائم القابلة للتسليم هي كما يلي:
1-الجرائم القليلة الأهمية ،و عادة ما يختلف حد العقوبة في حالة ما اذا كان طلب التسليم للاتهام و المحاكمة أو لتنفيذ عقوبة مقضي بها.
2-الجرائم السياسية : النهج المتبع في هذا الصدد هو استبعاد عدد من الأفعال من دائرة الجرائم السياسية مثل القتل و احداث اصابات بالغة و الاختطاف ،فضلا عن جرائم الارهاب.
3-الجرائم المعاقب عليها بالقانون العسكري ، و التي تشكل جريمة وفقا للقانون العادي ، اذ تحرص العديد من الدول على استبعاد هذه الجرائم من نطاق الجرائم الجائز التسليم بشأنها.
4-الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، فالدول التي ألغت عقوبة الاعدام تحرص على استبعاد هذه الجرائم من نطاق الجرائم الجائز طلب التسليم بشأنها.
ان خطورة هذه الجرائم تحتم على جميع الدول تكثيف التعاون الدولي بهدف السيطرة على جريمة الفساد بصفة عامة و الجريمة المنظمة بصفة خاصة ،ووضع آليات تنفيذية تعمل على تفكيك هذه الجماعات و ملاحقة أعضائها ،فالمقترب الأمني أمر لا مناص منه للتصدي للإرهاب و الجريمة المنظمة ،لكنه مقترب غير كاف ، فهو علاجي أكثر منه وقائي ،لذلك نرى وجوب تعزيزه بمقترب شمولي للمكافحة.
و يأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1-الانفتاح على مكونات المجتمع المدني في جميع الدول بهدف اشراكها في التصدي للإرهاب و الجريمة المنظمة ، و خلق بيئة سوسيو ثقافية مناهضة للإرهاب و للجريمة المنظمة.
2-تكاثف الجهود لجميع الدول و المنظمات الدولية من أجل القضاء على التخلف و الفقر و الحرمان و الذي يساعد على ايجاد البيئات الملائمة لانتشار الأفكار المتطرفة و اشكال الجريمة المختلفة.
3-حل المنازعات الدولية و بؤر التوتر حلا عادلا و منصفا للجميع ، و القضاء على جميع أشكال الاحتلال الاستعماري و التمييز العنصري.
4-حماية حقوق الانسان و الكرامة البشرية و عدم اتخاذ مكافحة الارهاب و الجريمة المنظمة ذريعة لانتهاك هذه الحقوق كما حدث عقب احداث 11 سبتمبر.
المطلب الأول: اشكالية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي و مقتضيات السيادة الوطنية
تنهض الدولة كنظام دستوري بحماية الحقوق و الحريات و المصالح الأساسية للمجتمع ،و هي تعبر بذلك عن ارادة الشعب صاحب السيادة من خلال سلطاتها الثلاثة التشريعية و التنفيذية و القضائية متوسلة في تحقيق تلك الحماية بالقوانين التي تقررها و توافق عليها السلطة التشريعية و التي لا تنتج آثارها و تحقق غاياتها الا بتدخل قضائي يضمن فاعلية نصوصها ، التي تضل صامتة جامدة حتى يتولى القاضي تطبيقها على الوقائع المعروضة عليه و يصدر أحكامه التي تنال قوة الحقيقة القانونية حين تحوز قوة الامر المقضي ، و لهذا صح القول بأن القضاء ركن في قانونية النظام و انه لا قانون بغير قاض (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)المستشار سري محمود صيام : المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد ، مركز الدراسات و البحوث ،ص 6.
فلا جدوى من اجماع دولي على مكافحة الفساد يجري التعبير عنه في مواثيق دولية تحظى بالتصديق و بالدخول في حيز النفاذ ، و من سن قوانين وطنية تصدر بغرض تحقيق هذه المكافحة ايمانا بضرورتها و التزاما بتلك المواثيق.
و من المؤكد أن ظاهرة التقدم التقني غير المسبوق قد أسهمت مع ظاهرة العولمة في انتشار و تدويل ظاهرة الجريمة المنظمة.
و هو الأمر الذي يتطلب و يبرر بطبيعة الحال تعاونا قضائيا بين مختلف دول العالم لأجل مكافحة هذه الظاهرة لكن هذا التعاون القضائي المنشود يظل محفوفا أيضا بمخاطر المساس بالسيادة الوطنية للدولة في شقيها التشريعي و القضائي (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5)برنامج تعزيز حكم القانون في بعض الدول العربية ، ندوة اقليمية حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، القاهرة ،28/29مارس 2007.
من هنا تبرز أهمية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي من ناحية، و بين مقتضيات السيادة الوطنية من ناحية أخرى، فضرورات التعاون القضائي تتطلب أحيانا تجاوز بعض المفاهيم القانونية التقليدية لاسيما في مجال الاختصاص الجنائي الدولي، و كذلك تفعيل نظام تسليم المجرمين بما يحول دون افلاتهم من العقاب وفقا لقاعدة اما المحاكمة و اما التسليم ، و كذلك اعمال مفهوم المساعدة القانونية بين الدول في صورتها المختلفة ،لكن نجاح هذا التعاون الدولي يتوقف على أمرين:
أولهما: أن يكون تعاونا طوعيا ينبع من اقتناع الدول ذاتها بأهميته و فائدته ، اذ تكشف التجربة عن أن التعاون بالنظر الى مدلوله اللغوي لا ينبغي ان يقوم على الاكراه او الالزام ، و الا فالتحايل عليه متصور بطرق شتى ، فقد أسفرت مناقشات صياغة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عن تعديل العديد من النصوص بحيث تتجاوز صيغ الاكراه و الالزام ، و تراعي في ذات الوقت ما هنالك أحيانا من خصوصية قانونية وطنية.
ثانيهما :الأخذ بعين الاعتبار بواقع اختلاف النظم التشريعية و القضائية لكل دولة ، و التي و ان كانت تعكس قدرا مشتركا من حضارة عالمية واحدة الا انها ترتبط أيضا بظروف محلية من اجتماعية و اقتصادية و ثقافية يصعب انكارها.
المطلب الثاني: موقف البرلمان الجزائري من التعاون الدولي من المسائل الجنائية المتعلقة بحماية حقوق الانسان و مكافحة الفساد من جهة اخرى
لقد تفاقمت آفة الفساد في خطورتها ة آثارها السلبية على الحياة العامة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الأمنية للمجتمعات و الدول في العالم بصورة متزايدة.
وهكذا تطورت هذه الآفة من مجرد مظهر من مظاهر البيروقراطية الادارية الى جريمة قانونية لتتحول بعد ذلك و بفعل تشابك و تعقد أسبابها و مظاهرها ة آثارها و خطورتها و عولمتها الى ظاهرة بالغة الخطورة على المصالح العامة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الأمنية في جميع دول العالم بدرجات مختلفة(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6)مجلة الفكر البرلماني، الجزائر ،العدد11 لسنة 2006،ص 186.
الأمر الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة قاسم مشترك بين الدول حيث يتطلب التكاثف و التعاون الدولي و الاقليمي للوقاية منه.
و الدولة الجزائرية قد تفطنت لخطورة هذه الظاهرة منذ البداية و كانت تدير الاقتصاد الوطني في ظل النظام الاشتراكي ، حيث احتكار القطاع العام لأغلب الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية.
و لذلك تسلحت منذ البداية بنظام رقابي شامل ومحكم مسنودا بترسانة من النصوص القانونية التي بلورت بصورة مبكرة الجرائم الاقتصادية.
و لقد أدى التحول الى نظام اقتصاد السوق و بروز القطاع الخاص بصورة واسعة الى اتساع نطاق الشراكة الاقتصادية الأجنبية و تفاعلات العولمة الاقتصادية و آثار السلبية المعروفة على مستوى العالم ،فقام البرلمان الجزائري بتقنين عملية الوقاية من الفساد و مكافحته التي صادق عليها في دورته الخريفية لسنة 2005.
الأمر الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة قاسم مشترك بين الدول حيث يتطلب التكاثف و التعاون الدولي و الاقليمي للوقاية منه.
و فيما يخص حماية حقوق الانسان فقد سعى البرلمان الى ترشيد أساليب عمل و آداء الجهاز بكفاءة عالية و تعميق الديمقراطية و حماية حقوق الانسان و تعزيز و تكثيف التعاون بين البرلمانات في العالم اقليميا و دوليا لتحقيق طموحات و تطلعات و انشغالات الشعوب و الأمم في كافة المجالات (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7)مجلة الفكر البرلماني، الجزائر ، العدد4 لسنة 2006.
خاتمة :
من أجل مكافحة الفساد مكافحة فعالة ،تقوم كل دولة طرف بقدر ما تسمح به المبادىء الأساسية لنظامها القانوني الداخلي ، و ضمن حدود امكانياتها ووفقا للشروط المنصوص على معاهدات دولية و اتباع أساليب خاصة كالترصد الالكتروني و غيره من أشكال الترصد و العمليات السرية استخداما مناسبا داخل اقليمها ، و كذلك لقبول المحاكم ما يستمد من تلك الأساليب من أدلة.
و لغرض التحري عن الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية ،تشجع الدول الأطراف على أن تبرم عند الضرورة اتفاقات او ترتيبات ثنائية او متعددة الأطراف مناسبة لاستخدام اساليب التحري في سياق التعاون على الصعيد الدولي، و تبرم تلك الاتفاقات او الترتيبات و تنفذ بالامتثال التام لمبدأ تساوي الدول في السيادة ، و يراعي في تنفيذه التقيد الصارم بأحكام تلك الاتفاقات او الترتيبات.
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه و الذي قد يكون افتتاحية لطرح اشكالية بحث اخرى في نفس الموضوع و هو :
هل سيتم التوصل الى آلية أخرى أكثر نجاعة لمكافحة جرائم الفساد من خلال طرح جملة من التغييرات تراها الدول الطامحة لعلاج الظاهرة من خلال تعديلات في المنظمات الدولية و قوانينها و كذا طريق معالجتها لمثل هكذا جرائم ؟..
قائمة المراجع :
1-الأستاذ امير فرج يوسف ، الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية امام كلية الحقوق ،طبعة 2008.
2-الأستاذ امير فرج يوسف، مكافحة الفساد الاداري و الوظيفي و علاقته بالجريمة على المستوى المحلي و الاقليمي و العربي و الدولي في ظل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ،الاسكندرية ،طبعة 2010.
3-د.مصطفى عبد الغفار، تطور آليات التعاون القضائي الدولي في المواد الجنائية في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم على ضوء الآليات الحديثة لمكافحة الجريمة ،البحرين ، معهد الدراسات العربية و البحوث.
4-المستشار سري محمود صيام : المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد ، الرياض ،مركز الدراسات العربية و البحوث .
الوثائق و الدوريات :
1-برنامج تعزيز حكم القانون في بعض الدول العربية ،ندوة اقليمية حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، القاهرة، في 28-29 مارس 2007.
2-مجلة الفكر البرلماني ،الجزائر ، العدد 11 لسنة 2006.
مقدمة :
تتعاون الدول الأطراف في المسائل الجنائية و تنظر حيثما كان ذلك مناسبا و متسقا مع نظامها القانوني الداخلي في مساعدة بعضها البعض في التحقيقات الاجراءات الخاصة بالمسائل المدنية و الادارية ذات الصلة بالفساد ، و في مسائل التعاون الدولي اشترط توافر ازدواجية التجريم اذا كان السلوك الذي يقوم عليه الجرم التي تلتمس بشأنه المساعدة، يعتبر فعلا اجراميا في قوانين كلتا الدولتين الطرفين.
بإمكان طرح الاشكالية التالية:
ما هي أوجه التعاون الدولي في مجال المتابعة القضائية في جرائم الفساد و ما هي آليات تجسيد هذا المبدأ،للإجابة على هذه الاشكالية ارتأيت اتباع الخطة التالية
المبحث الأول :تكريس مبدأ التعاون الدولي في مجال الفساد
المطلب الأول: التعاون الدولي و ما يترتب عليه من التزامات في مجال المتابعة القضائية الدولية
المطلب الثاني: العلاقة بين عولمة القانون الجنائي و التعاون القضائي الدولي في مجال المتابعة القضائية الدولية
المبحث الثاني: آليات التعاون الدولي في مجال المتابعة القضائية
المطلب الأول: اشكالية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي و مقتضيات السيادة الوطنية
المطلب الثاني : موقف البرلمان الجزائري من التعاون الدولي في المسائل الجنائية المتعلقة بحماية حقوق الانسان ، و مكافحة الفساد من جهة أخرى.
خاتمة
المبحث الأول : تكريس مبدأ التعاون في مجال المتابعة القضائية في جرائم الفساد
لم تنشأ فكرة الدعوة الى صياغة اتفاقية عالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية من فراغ ، فقد شكلت ظواهر العولمة و التقدم التقني و الجريمة تحالفا لم تتردد في استغلاله الجماعات الاجرامية المنظمة في شتى انحاء العالم.
فقد تسارع ايقاع هذه الظواهر الثلاث في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ و ربما غير مسبوق و قد بات تداخل هذه الظواهر أمرا مثيرا للقلق خاصة و أن ظاهرة العولمة تتيح امكانيات شتى اقتصادية و اجتماعية و مصرفية من ناحية أخرى.
و قد تطورت الجريمة بشكل ملحوظ ، و لم يقتصر الأمر على مجرد زيادة كم معدلات الجرائم بل تطورت هذه الأخيرة تطورا كافيا و نوعيا أكثر من صعيد منها :
*صعيد طبيعة الظاهرة الاجرامية ذاتها بظهور أنشطة اجرامية جديدة كغسل الاموال و الجرائم الالكترونية.
*صعيد التخطيط و الاعداد لتنفيذ هذه الجرائم باستغلال سهولة الانتقال من دولة الى قارة أخرى صيرورة الجريمة ذاتها مشروعا منظما بأكثر من كونها سلوكا فرديا.
ويترتب على ظاهرة الجريمة المنظمة تحديات عدة ،منها ما يتعلق بأمور التجريم و العقاب حيث تستعصي بعض الأنشطة الاجرامية المنظمة الجديدة على ادراجها ضمن الأوصاف الجنائية التقليدية في القوانين الجنائية الوطنية ، و منها ما يرتبط بهشاشة نظام الملاحقة الاجرائية في اطار القوانين الوطنية على صعيد الملاحقة الجنائية الدولية.
و اذا كانت القاعدة التقليدية تلازم السيادتين التشريعية و القضائية في المجال الجنائي ،فان وطأة ظاهرة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تقتضي تجاوز بعض المفاهيم القانونية التقليدية و هو ما يعني ضرورة الاعتراف في بعض الحالات و على نحو ما بحجية التشريع الجنائي عبر وطني ، و بحجية الحكم الصادر عن محاكم دولة أخرى، و تتجلى أهمية ذلك على وجه الخصوص في مجال الجرائم التبعية التي تفترض ارتكاب جريمة أصلية على اقليم دولة ما ثم وقوع الجريمة التبعية على اقليم دولة اخرى و مثال ذلك جرائم تزييف النقود و الاتجار في المخدرات و غسيل الأموال ،و الاعتداء على الملكية الفكرية،فمثل هذه الأنشطة ترتكب غالبا بواسطة شبكات اجرامية منظمة ينتقل أعضاؤها عبر حدود الدول ، و تتوزع أركان و عناصر هذه الجرائم على اقليم أكثر من دولة.
المطلب الأول: التعاون الدولي و ما يترتب عليه من التزامات
تمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة استراتيجية شاملة سواء على الصعيد الموضوعي (الجرائمي) أو الصعيد الاجرائي لمنع و ملاحقة و معاقبة ظاهرة الجريمة المنظمة عموما و بعض الظواهر الاجرامية المحددة على وجه الخصوص و هي غسيل الأموال و الفساد و عرقلة سير العدالة،فالغرض من هذه الاتفاقية كما تنص المادة الأولى منها (تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية و مكافحتها بمزيد من الفعالية).
ان الاتفاقية قد تجاوزت في مكافحتها لظاهرة الجريمة المنظمة و ظاهرة الفساد بصفة عامة مسلمات السياسة العقابية التقليدية التي ترتكز بالأساس الى العقوبات السالبة للحرية و تعتمد على المسؤولية الجنائية للفرد ،فيلاحظ من ناحية أولى أن الاتفاقية أولت اهتماما ملحوظا بالجزاءات و التدابير ذات الطبيعة المالية مثل المصادرة و الضبط سواء على الصعيد الوطني وفقا لنص المادة 12 من الاتفاقية أو على صعيد التعاون الدولي و فقا لنص المادة 13 ، كما نصت على كيفية التصرف في العائدات الاجرامية أو الممتلكات المصادرة ،بل و استحدثت أحكاما جديدة غير مسبوقة في هذا الشأن مثل استخدام هذه العائدات أو الممتلكات في تعويض الضحايا ( المادة 14/2 من الاتفاقية) أو التبرع بها أو بجزء منها الى الهيئات الدولية الحكومية في مجال مكافحة الجريمة أو أقسام هذه العائدات أو الأموال المتأتية منها فيما بين الدول بعضها البعض( م 4/3 من الاتفاقية).
من هذه المنطلقات صدر عن الأمم المتحدة العديد من القرارات لمواجهة ظاهرة الفساد ، فهناك القرار 152/46 لـ 30 جويلية 1992 ، و قرارات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي رقم 14/1995 و كذا القرار 16/1998 بشان اجراءات مقاومة الفساد.
و اذا كان حق الابلاغ عن الجرائم بشكل عام و عن جرائم الفساد بشكل خاص يعتبر من الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية و القوانين الوطنية و من شأن الابلاغ عن الجريمة في كثير من الأحيان أن يحول دون وقوعها و كذلك تفادي النتائج الخطيرة التي قد تنجم عنها ، الأمر الذي يسهم في بناء الثقة و الطمأنينة في المجتمع و يؤدي الى تعزيز مشاركة الأفراد بشكل خاص و المجتمع بشكل عام في مكافحة الاجرام بشتى صوره.
لقد سعت الدول الى مكافحة الاجرام في البداية بعدة اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف ثم تنامى الاهتمام بهذا التعاون فأصبح يشغل الحيز الأكبر في اتفاقيات الأمم المتحدة حيث أفردت المواد 50 و ما بعدها لتشجيع التعاون الدولي و تعزيزه في مجالات عديدة منها :
1-تسليم المجرمين:
نصت عليها المادة 44 من الاتفاقية ،حيث تنطبق هذه المادة على الافعال المجرمة عندما يكون الشخص موضوع طلب التسليم موجودا في اقليم الدولة الطرف متلقية الطلب، أن يكون الجزم الذي يلتمس بشأنه التسليم جرما خاضعا للعقاب بمقتضى القانون الداخلي لكل من الدولة الطرف الطالبة و الدولة الطرف متلقية الطلب (1).
اذا اشتمل التسليم عدة جرائم منفصلة ،يكون الجزم واحد منها على الأقل منها خاضعا للتسليم بمقتضى هذه المادة ، و تتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم في عداد الجرائم الخاضعة للتسليم في كل معاهدة تسليم تبرم فيما بينها.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأستاذ أمير فرج يوسف ،الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية امام كلية الحقوق ، 2008 ،ص 358.
و على الدولة الطرف التي تجعل تسليم المجرمين مشروطا بوجود معاهدة أن تبلغ الأمين العام للأمم المتحدة وقت ايداعها صك التصديق على هذه الاتفاقية ، و يخضع التسليم للشروط التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة الطرف متلقية الطلب أو معاهدات التسليم السارية بما في ذلك الشروط المتعلقة بالعقوبة الدنيا المشترطة للتسليم.
و يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب و بناءا على طلب من الدولة الطرف الطالبة ان تحتجز الشخص المطلوب تسليمه و الموجود في اقليمها ، أو أن تتخذ تدابير مناسبة أخرى لضمان حضوره اجراءات التسليم ، متى اقتنعت بان الظروف تستدعي ذلك و أنها ظروف ملحة.
2-نقل الأشخاص المحكوم عليهم :
يجوز للدول الأطراف ان تنظر في ابرام اتفاقات أو ترتيبات ثنائية او متعددة الأطراف بشأن نقل الأشخاص الذين يحكم عليهم بعقوبة الحبس أو بأشكال أخرى من الحرمان من الحرية لارتكابهم أفعالا مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية الى اقليمها لكي يكمل أولئك الأشخاص مدة عقوبتهم (2).
3-المساعدة القانونية المتبادلة:
تقدم الدول الأطراف بعضها الى بعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات و الملاحقات و الاجراءات القضائية المتصلة بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية و يجوز طلب المساعدة القانونية المتبادلة لأي غرض من الأغراض التالية :
*اما للحصول على أدلة أو أقوال أشخاص
*اما لتبليغ المستندات القضائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)الأستاذ امير فرج ، مكافحة الفاسد الاداري و الوظيفي و علاقته بالجريمة على المستوى المحلي و الاقليمي و العربي و الدولي في ظل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ، الاسكندرية ، ص 647،648
*اما لتنفيذ عمليات التفتيش و الحجر و التجميد
*اما لفحص المواقع و الأشياء
*اما لتقديم المعلومات و المواد و الأدلة و تقييمات الخبراء
*أو لتحديد العائدات الاجرامية أو الممتلكات او الأدوات أو الأشياء الأخرى أو لاقتفاء الأثر.
*اما لأجل تيسير مثول الأشخاص طواعية في الدولة الطرف الطالبة ، و اما لتقديم أي نوع آخر من المساعدة و التي لا تتعاض مع القانون الداخلي للدولة الطرف المتلقية الطلب.
تقدم الطلبات كتابة و بأي وسيلة كفيلة بان تنتج سجلا مكتوبا لغلة مقبولة لدى الدولة الطرف متلقية الطلب و يتعين ابلاغ الأمين العام باللغة او باللغات المقبولة وقت قيام كل دولة بإيداع صك تصديقها على هذه الاتفاقية أو اقرارها.
4-نقل الاجراءات الجنائية :
هنا تنظر الدول في امكانية نقل اجراءات الملاحقة المتعلقة بفعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية الى بعضها البعض ، بهدف تركيز تلك الملاحقة في الحالات التي يعتبر فيها ذلك النقل في صالح حسن سير العدالة.
5-التعاون في مجال انفاذ القانون :
تتعاون الدول الأطراف فيما بينها تعاونا وثيقا بما يتوافق مع نظمها القانونية و الادارية الداخلية ، كي تعزز فاعلية تدابير انفاذ القانون من أجل مكافحة الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية.
6-التحقيقات المشتركة :
يجوز القيام بتحقيقات مشتركة بالاتفاق حسب الحالة و تكفل الدول الأطراف المعنية مراعاة الاحترام التام لسيادة الدولة الطرف التي سيجري ذلك التحقيق داخل اقليمها.
7-أساليب التحري الخاصة :
تقوم كل دولة طرف بقدر ما يسمح به قانونها الداخلي باتخاذ ما يلزم من تدابير لتمكين سلطاتها من استخدام أسلوب التسليم المراقب من خلال اتباع أساليب خاصة كالترصد الالكتروني و غيره من العمليات السرية.
8- استرداد الموجودات :
على الدول أن تمد يد العون لغيرها من الدول في هذا المجال من خلال انفاذ أمر مصادرة صادر عن محكمة في دولة طرف أخرى ، الى جانب هذه الصور من الالتزامات هناك مبدأ التعاون الخاص ، حيث تسعى كل دولة طرف دون اخلالها بقانونها الداخلي الى اتخاذ تدابير تجيز لها أن تحيل دون مساس بتحقيقاتها او ملاحقاتها أو اجراءاتها معلومات عن العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة الى دولة طرف أخرى دون طلب مسبق.
المطلب الثاني:
العلاقة بين عولمة القانون الجنائي و التعاون القضائي الدولي في مجال المتابعة القضائية الدولية:
أصبحت ظاهرة العولمة حديث العام و الخاص ، أما تأثيراتها فلم يعد احد بمنأى عنها ، اذ امتدت الى الأفراد في حياتهم اليومية و أوضاعهم المعيشية و قيمهم الاجتماعية ، فهي اليوم ترتبط بما يرونه و يسمعونه عن وسائل الاعلام العابرة للحدود.
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل أن تأثير العولمة على القوانين الجنائية أدى الى ميلاد سياسة جنائية دولية؟.
ان حتمية النتيجة في ثقافة العولمة التي تنتشر عن طريق وسائل الاتصال المتطورة جدا و لا تستطيع الدول بأي حال من الأحوال منعها من الدخول و لا فرض تأشيرة على دخولها.
أما عن طبيعة الجريمة في ذاتها ، فان ظاهرة العولمة جعلتها تتسم بخطورة اجرامية خاصة بالنظر الى الأسلوب الذي تعتمد عليه.
التحليل ينطلق من مجموعة من الملاحظات منها أن هناك ظاهرة اجرامية أصبحت ذات امتداد عالمي، و أن هناك علاقة سبب و أثر بين العولمة و هذا التطور و هذا الوضع يرتبط بوجود أزمة قانونية تتعلق بمصداقية القانون و فعاليته.
في غياب تشريعات و مؤسسات فاعلة ترسم حدودا و تحدد ضوابط النشاط الاقتصادي ، انقلبت طبيعة العلاقة بين الدولة و السوق، فلم تعد الدول تقر شروط المنافسة في اطار الدولة و السوق و انما اصبحت السوق تفرض على الدول ان تتنافس على اجتذاب الاستثمارات التي غالبا ما تحظى البلدان الأكثر استعدادا بدافع الفساد أو تحت ضغط الحاجة لغض الطرف عن التجاوزات.
و الصيغ الجديدة للجريمة أضحت تمثل عدوانا جديا على مصالح أساسية فردية و جماعية ، اذ هناك حاجة ملحة لتعبئة قانونية جديدة حول متطلبات اصلاح القانون الجنائي لتخليصه من عيوبه الراهنة ، و لأجل تحقيق هذا المبدأ لا بد من اصلاح منشود في اتجاهات هي:
الاتجاه الأول:
الترابط الحاصل على الصعيد الكوني الذي يستلزم تطوير فضاء عمومي عالمي و استحداث قانون جنائي دولي قادر على مواجهة الظواهر الاجرامية المعاصرة.
الاتجاه الثاني:
اعادة الاعتبار الى مبدأ الشرعية و تقليص كتلة القانون الجنائي المتضخمة من خلال مراجعة صياغته على أساس اقرار مبدا دستوري يمنع وضع أي قاعدة قانونية متعلقة بالجرائم او العقوبات او الاجراءات الجنائية الا في اطار تعديلات تشريعية.
و كذلك من خلال الاطلاع على الاتفاقيات المتعددة نجد أن بعضها تبنى احكاما خاصة تهدف الى ايجاد نوع من الفاعلية في مجال المتابعة القضائية الدولية لمكافحة جرائم الفساد.
فمثلا هناك نصوص دولية تقتضي بأن السرية المصرفية لا يمكن ان تكون سببا في رفض التعاون القضائي في المجال الجنائي ، و المثال على ذلك ما نصت عليه المادة 7 من اتفاقية الاتجار الغير مشروع بالمخدرات لسنة 1988 ، هذه الأخيرة نصت أيضا على تسليم المجرمين المفترضين ين الدول و الموجودة في دولة طرف في الاتفاقية ،بالإضافة الى ذلك فان انشاء محاكم دولية جنائية كالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة و تلك الخاصة بجرائم الابادة العرقية في رواندا...الى غير ذلك ، ما يمثل تطورا دوليا هاما في المجال الجنائي.
و للمشرع الجزائري موقف من عولمة القانون الجنائي في مجال المتابعة القضائية الدولية، فقد بين مساهمة الجزائر في هذا المجال ، خاصة في توحيد التشريعات العربية من خلال اعتماد الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب من طرف مجلسي وزراء العدل و الداخلية العرب بموجب قرار مشترك صادر بتاريخ 22/04/1999 ،ثم مشروع قانون عربي استرشادي لتنظيم زراعة الأعضاء البشرية و منع مكافحة الاتجار فيها و هذا بناءا على اقتراح الجزائر ،حيث صدر قرار من مجلس وزراء العرب في دورته 19 بالجزائر ، يقضي بتكليف الجزائر بإعداد مشروع استرشادي لزراعة الأعضاء البشرية و منع الاتجار فيها.
كما توجد فكرة التنسيق العربي في المحافل الدولية اتجاه تدابير مكافحة الارهاب الدولي فيما يلي:
1-تنسيق الموقف العربي بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الحدود الوطنية
2-تنسيق المواقف بخصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
3-تنسيق المواقف مع المعهد الدولي للعلوم الجنائية بسيراكوزا الايطالي ، حيث تم اعداد مشروع عربي موحد استرشادي للتعاون الجنائي الدولي من طرف المعهد.
المبحث الثاني: آليات التعاون في مجال المتابعة القضائية في مكافحة الفساد
ان التطور الحاصل في آليات التعاون الدولي في المجال الجنائي قد أوجد صورا أخرى للتعاون يجمع بينها عدد من السمات المشتركة تنصب على المساس بالحرية الشخصية للأشخاص ، استنادا الى اجراء صادر في دولة أخرى أو شخص من أشخاص القانون الدولي يهدف اعادته أو تسليمه و لذلك كان مصطلح القبض على الهاربين و اعادتهم هو الأكثر شمولا و تعبيرا عن هذه الصورة من صور التعاون القضائي الدولي.
فإلى جانب التسليم الذي يمثل الصورة التقليدية و الأكثر أهمية للتعاون القضائي بين الدول، فان التقدم هو أحد الجوانب الحديثة للقبض على الهاربين و مثولهم أمام القضاء و ذلك في العلاقات بين الدول و المحاكم الجنائية الدولية.
و من ناحية أخرى ،فان الترحيل أو الابعاد قد يشكل أحد جوانب التعاون القضائي الدولي، ذلك أنه و ان كانت هذه القرارات بحسب الأصل قرارات و تصرفات أحادية الجانب، الا أنها في مجال التنفيذ قد تحتاج الى نوع من التعاون الدولي ، كما هو الحال في حالة طلب تعهدات ديبلوماسية باحترام حقوق الشخص المرحل و حرياته الأساسية.
و الى جانب ذلك هناك أشكال أخرى أكثر حداثة للتعاون القضائي بين الدول في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم ، أبرزها أمر القبض الأوروبي ،و الذي أقر بموجب القرار لمجلس الاتحاد في 13 يونيو 2002، و يعد تطبيقا لمبدأ الاعتراف المتبادل بالأحكام و الأوامر القضائية في الاطار الأوروبي ، و تجيز هذه الآلية تنفيذ قرارات القبض الصادر في احدى دول الاتحاد من قبل دولة أخرى (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)د.مصطفى عبد الغفار:تطور آليات التعاون القضائي الدولي في المواد الجنائية في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم في ضوء الاليات الحديثة لمكافحة الجريمة ، معهد الدراسات القضائية و القانونية، البحرين ،ص 4
و الجرائم القابلة للتسليم هي كما يلي:
1-الجرائم القليلة الأهمية ،و عادة ما يختلف حد العقوبة في حالة ما اذا كان طلب التسليم للاتهام و المحاكمة أو لتنفيذ عقوبة مقضي بها.
2-الجرائم السياسية : النهج المتبع في هذا الصدد هو استبعاد عدد من الأفعال من دائرة الجرائم السياسية مثل القتل و احداث اصابات بالغة و الاختطاف ،فضلا عن جرائم الارهاب.
3-الجرائم المعاقب عليها بالقانون العسكري ، و التي تشكل جريمة وفقا للقانون العادي ، اذ تحرص العديد من الدول على استبعاد هذه الجرائم من نطاق الجرائم الجائز التسليم بشأنها.
4-الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، فالدول التي ألغت عقوبة الاعدام تحرص على استبعاد هذه الجرائم من نطاق الجرائم الجائز طلب التسليم بشأنها.
ان خطورة هذه الجرائم تحتم على جميع الدول تكثيف التعاون الدولي بهدف السيطرة على جريمة الفساد بصفة عامة و الجريمة المنظمة بصفة خاصة ،ووضع آليات تنفيذية تعمل على تفكيك هذه الجماعات و ملاحقة أعضائها ،فالمقترب الأمني أمر لا مناص منه للتصدي للإرهاب و الجريمة المنظمة ،لكنه مقترب غير كاف ، فهو علاجي أكثر منه وقائي ،لذلك نرى وجوب تعزيزه بمقترب شمولي للمكافحة.
و يأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1-الانفتاح على مكونات المجتمع المدني في جميع الدول بهدف اشراكها في التصدي للإرهاب و الجريمة المنظمة ، و خلق بيئة سوسيو ثقافية مناهضة للإرهاب و للجريمة المنظمة.
2-تكاثف الجهود لجميع الدول و المنظمات الدولية من أجل القضاء على التخلف و الفقر و الحرمان و الذي يساعد على ايجاد البيئات الملائمة لانتشار الأفكار المتطرفة و اشكال الجريمة المختلفة.
3-حل المنازعات الدولية و بؤر التوتر حلا عادلا و منصفا للجميع ، و القضاء على جميع أشكال الاحتلال الاستعماري و التمييز العنصري.
4-حماية حقوق الانسان و الكرامة البشرية و عدم اتخاذ مكافحة الارهاب و الجريمة المنظمة ذريعة لانتهاك هذه الحقوق كما حدث عقب احداث 11 سبتمبر.
المطلب الأول: اشكالية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي و مقتضيات السيادة الوطنية
تنهض الدولة كنظام دستوري بحماية الحقوق و الحريات و المصالح الأساسية للمجتمع ،و هي تعبر بذلك عن ارادة الشعب صاحب السيادة من خلال سلطاتها الثلاثة التشريعية و التنفيذية و القضائية متوسلة في تحقيق تلك الحماية بالقوانين التي تقررها و توافق عليها السلطة التشريعية و التي لا تنتج آثارها و تحقق غاياتها الا بتدخل قضائي يضمن فاعلية نصوصها ، التي تضل صامتة جامدة حتى يتولى القاضي تطبيقها على الوقائع المعروضة عليه و يصدر أحكامه التي تنال قوة الحقيقة القانونية حين تحوز قوة الامر المقضي ، و لهذا صح القول بأن القضاء ركن في قانونية النظام و انه لا قانون بغير قاض (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)المستشار سري محمود صيام : المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد ، مركز الدراسات و البحوث ،ص 6.
فلا جدوى من اجماع دولي على مكافحة الفساد يجري التعبير عنه في مواثيق دولية تحظى بالتصديق و بالدخول في حيز النفاذ ، و من سن قوانين وطنية تصدر بغرض تحقيق هذه المكافحة ايمانا بضرورتها و التزاما بتلك المواثيق.
و من المؤكد أن ظاهرة التقدم التقني غير المسبوق قد أسهمت مع ظاهرة العولمة في انتشار و تدويل ظاهرة الجريمة المنظمة.
و هو الأمر الذي يتطلب و يبرر بطبيعة الحال تعاونا قضائيا بين مختلف دول العالم لأجل مكافحة هذه الظاهرة لكن هذا التعاون القضائي المنشود يظل محفوفا أيضا بمخاطر المساس بالسيادة الوطنية للدولة في شقيها التشريعي و القضائي (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5)برنامج تعزيز حكم القانون في بعض الدول العربية ، ندوة اقليمية حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، القاهرة ،28/29مارس 2007.
من هنا تبرز أهمية التوفيق بين ضرورات التعاون القضائي الدولي من ناحية، و بين مقتضيات السيادة الوطنية من ناحية أخرى، فضرورات التعاون القضائي تتطلب أحيانا تجاوز بعض المفاهيم القانونية التقليدية لاسيما في مجال الاختصاص الجنائي الدولي، و كذلك تفعيل نظام تسليم المجرمين بما يحول دون افلاتهم من العقاب وفقا لقاعدة اما المحاكمة و اما التسليم ، و كذلك اعمال مفهوم المساعدة القانونية بين الدول في صورتها المختلفة ،لكن نجاح هذا التعاون الدولي يتوقف على أمرين:
أولهما: أن يكون تعاونا طوعيا ينبع من اقتناع الدول ذاتها بأهميته و فائدته ، اذ تكشف التجربة عن أن التعاون بالنظر الى مدلوله اللغوي لا ينبغي ان يقوم على الاكراه او الالزام ، و الا فالتحايل عليه متصور بطرق شتى ، فقد أسفرت مناقشات صياغة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عن تعديل العديد من النصوص بحيث تتجاوز صيغ الاكراه و الالزام ، و تراعي في ذات الوقت ما هنالك أحيانا من خصوصية قانونية وطنية.
ثانيهما :الأخذ بعين الاعتبار بواقع اختلاف النظم التشريعية و القضائية لكل دولة ، و التي و ان كانت تعكس قدرا مشتركا من حضارة عالمية واحدة الا انها ترتبط أيضا بظروف محلية من اجتماعية و اقتصادية و ثقافية يصعب انكارها.
المطلب الثاني: موقف البرلمان الجزائري من التعاون الدولي من المسائل الجنائية المتعلقة بحماية حقوق الانسان و مكافحة الفساد من جهة اخرى
لقد تفاقمت آفة الفساد في خطورتها ة آثارها السلبية على الحياة العامة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الأمنية للمجتمعات و الدول في العالم بصورة متزايدة.
وهكذا تطورت هذه الآفة من مجرد مظهر من مظاهر البيروقراطية الادارية الى جريمة قانونية لتتحول بعد ذلك و بفعل تشابك و تعقد أسبابها و مظاهرها ة آثارها و خطورتها و عولمتها الى ظاهرة بالغة الخطورة على المصالح العامة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الأمنية في جميع دول العالم بدرجات مختلفة(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6)مجلة الفكر البرلماني، الجزائر ،العدد11 لسنة 2006،ص 186.
الأمر الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة قاسم مشترك بين الدول حيث يتطلب التكاثف و التعاون الدولي و الاقليمي للوقاية منه.
و الدولة الجزائرية قد تفطنت لخطورة هذه الظاهرة منذ البداية و كانت تدير الاقتصاد الوطني في ظل النظام الاشتراكي ، حيث احتكار القطاع العام لأغلب الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية.
و لذلك تسلحت منذ البداية بنظام رقابي شامل ومحكم مسنودا بترسانة من النصوص القانونية التي بلورت بصورة مبكرة الجرائم الاقتصادية.
و لقد أدى التحول الى نظام اقتصاد السوق و بروز القطاع الخاص بصورة واسعة الى اتساع نطاق الشراكة الاقتصادية الأجنبية و تفاعلات العولمة الاقتصادية و آثار السلبية المعروفة على مستوى العالم ،فقام البرلمان الجزائري بتقنين عملية الوقاية من الفساد و مكافحته التي صادق عليها في دورته الخريفية لسنة 2005.
الأمر الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة قاسم مشترك بين الدول حيث يتطلب التكاثف و التعاون الدولي و الاقليمي للوقاية منه.
و فيما يخص حماية حقوق الانسان فقد سعى البرلمان الى ترشيد أساليب عمل و آداء الجهاز بكفاءة عالية و تعميق الديمقراطية و حماية حقوق الانسان و تعزيز و تكثيف التعاون بين البرلمانات في العالم اقليميا و دوليا لتحقيق طموحات و تطلعات و انشغالات الشعوب و الأمم في كافة المجالات (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7)مجلة الفكر البرلماني، الجزائر ، العدد4 لسنة 2006.
خاتمة :
من أجل مكافحة الفساد مكافحة فعالة ،تقوم كل دولة طرف بقدر ما تسمح به المبادىء الأساسية لنظامها القانوني الداخلي ، و ضمن حدود امكانياتها ووفقا للشروط المنصوص على معاهدات دولية و اتباع أساليب خاصة كالترصد الالكتروني و غيره من أشكال الترصد و العمليات السرية استخداما مناسبا داخل اقليمها ، و كذلك لقبول المحاكم ما يستمد من تلك الأساليب من أدلة.
و لغرض التحري عن الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية ،تشجع الدول الأطراف على أن تبرم عند الضرورة اتفاقات او ترتيبات ثنائية او متعددة الأطراف مناسبة لاستخدام اساليب التحري في سياق التعاون على الصعيد الدولي، و تبرم تلك الاتفاقات او الترتيبات و تنفذ بالامتثال التام لمبدأ تساوي الدول في السيادة ، و يراعي في تنفيذه التقيد الصارم بأحكام تلك الاتفاقات او الترتيبات.
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه و الذي قد يكون افتتاحية لطرح اشكالية بحث اخرى في نفس الموضوع و هو :
هل سيتم التوصل الى آلية أخرى أكثر نجاعة لمكافحة جرائم الفساد من خلال طرح جملة من التغييرات تراها الدول الطامحة لعلاج الظاهرة من خلال تعديلات في المنظمات الدولية و قوانينها و كذا طريق معالجتها لمثل هكذا جرائم ؟..
قائمة المراجع :
1-الأستاذ امير فرج يوسف ، الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية امام كلية الحقوق ،طبعة 2008.
2-الأستاذ امير فرج يوسف، مكافحة الفساد الاداري و الوظيفي و علاقته بالجريمة على المستوى المحلي و الاقليمي و العربي و الدولي في ظل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة ،الاسكندرية ،طبعة 2010.
3-د.مصطفى عبد الغفار، تطور آليات التعاون القضائي الدولي في المواد الجنائية في مجال القبض على الهاربين و اعادتهم على ضوء الآليات الحديثة لمكافحة الجريمة ،البحرين ، معهد الدراسات العربية و البحوث.
4-المستشار سري محمود صيام : المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد ، الرياض ،مركز الدراسات العربية و البحوث .
الوثائق و الدوريات :
1-برنامج تعزيز حكم القانون في بعض الدول العربية ،ندوة اقليمية حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، القاهرة، في 28-29 مارس 2007.
2-مجلة الفكر البرلماني ،الجزائر ، العدد 11 لسنة 2006.