مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2017/01/25 18:15
الاعلام بين حقيقة مكافحة الارهاب و الواقع الاعلامي الدولي
 
الاعلام بين حقيقة مكافحة الارهاب و الواقع الاعلامي الدولي
اعداد: الأستاذة سميرة بيطام
كلية الحقوق بن يوسف بن خدة ، جامعة الجزائر1-الجزائر
في اطار المؤتمر الدولي المحكم لكليات الشريعة و الاعلام و القانون
المنعقد خلال الفترة 30-31 مارس2016 بالجامعة الزرقاء
المملكة الأردنية الهاشمية

 
مقدمة :

يبدو أن مفردتي، واصطلاحي "الإعلام" و "الإرهاب"، من أكثر المفردات ترداداً- لعقود عديدة مضت، وسيستمران، لعقود أخرى مقبلة-، في الخطابات السياسية، والإعلامية، والدينية-، وعلى ألسنة الجمهور في مناطق عديدة من عالمنا، وبلا تمييز، وذلك لاعتبارات عديدة منها :
*إن كلا المصطلحين- على عمومهما- يتصفان بالقدم، والاستمرارية، و الأهمية  على اختلاف أدواتهما وتعبيراتهما، وما يعتريهما من تطور وتجديد في الوظائف والوسائط والآليات والأهداف ، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 و التي ضربت برجي أمريكا بقوة و أحدثت رعبا لدى الأمريكيين مما أدى بالحدث الى اشتهار القاعدة و حركة طالبان ممثلة في قائدها بن لادن و التي ركزت وسائل الاعلام اهتمامها بهذه الظاهرة التي شغلت بال المحللين السياسيين و الخبراء العسكريين في كيفية القضاء على هذه الظاهرة الارهابية.
* من جهة أخرى يشكل التلازم الإشكالي بين الإعلام وأجهزته ووسائطه المتعددة، و ظاهرة الإرهاب إلى أن كليهما يحقق بعض أهدافه الوظيفية والاحترافية والسياسية بالتجاوز، فبعض المتابعين يذهب للقول "إن الإعلامي هو أفضل صديق للإرهابي "- ويذهب غيره إلى القول إن الإعلامي هو شريك الإرهابي ، بل إن بعضهم الآخر ذهب إلى القول إن "العمل الإرهابي ليس شيئاً في حد ذاته ، التشهير هو كل شيء". (أنظر في هذا الصدد، محمد السماك، الإرهاب، والعنف السياسي، ص 17، دار النفائس، بيروت 1992 )..و تبقى الآراء تختلف من شخص لآخر و ما يوضح الصورة و الرأي اكثر هو الاعلام الهادف و الصادق من ميدان المعركة و من قلب الحدث.
إن العنف بأنماطه المتعددة المادية، والرمزية، واللفظية والخطابية، هو جزء لا يتجزأ من الأنساق السياسية والدينية والإيديولوجية والاجتماعية والثقافية... الخ، في المجتمعات الإنسانية على اختلاف طوائفها و نسق عيشها ،فهي  تنتج أشكالاً متعددة ومركبة من الاستبعادات والإقصاءات لفئات وشرائح اجتماعية وقومية ولغوية ودينية ومذهبية، وعرقية و يترتب على الإقصاءات والاستبعادات السياسية والثقافية والدينية والسياسية تراكم الإحباطات، والإحساس بالظلم، والحقد والكراهية، والغضب لبعض العناصر المستبعدة ،  و هي ما تولد في إحدى مراحل تطورها دوافع عدوانية، ومن ثم إنتاج مركب من العنف الذى قد يتخذ وجوهاً احتجاجية أو تمردية أو إرهابية أو فوضوية بما يؤدي إلى المساس بأهداف بشرية أو رموز أيقونية للقوة السياسية ، أو الدينية أو الاقتصادية لدولة ما، أو جماعة عرقية أو قومية أو لغوية، أو قادة سياسيين، أو كتاب وصحفيين، ومبدعين، أو أشخاص عاديين يتحولون إلى أهداف بشرية لأعمال العنف، والإرهاب لإشاعة الرعب والخوف المعمم.
إن الإعلام و"الإرهاب" يرمى كليهما – كجزء من وظائفه وأهدافه- إلى السعي وراء الآخر
فالأجهزة الإعلامية – المقروءة والمسموعة والمرئية - تسارع إلى السبق الإعلامي، وراء الأخبار والحكايات والتحليلات ورصد الوقائع والتطورات للجماعات التي تمارس العنف الإرهابي، ومن ثم تسعى إلى متابعة حثيثة وراء المنظمات الارهابية  والوقائع السياسية و يبقى الاعلام يتابع الأحداث الارهابية لينقلها للمشاهد عبر مختلف نقاط المعمورة لينقل حقيقة العالم المضطرب اليوم أكثر من أي وقت مضى ، لكن هل رسالة الاعلام هي مؤداة بصورة حقيقية كما تبغيها ضمائر الناس المحبة للعدل و الصراحة و الواقعية ؟ و هل الإعلام يؤدي فعلا دور الرسالة الهادفة لمكافحة الإرهاب؟. و هذه هي إشكالية البحث الجوهرية انبثقت من مجموع تلك الأسئلة لنؤطرها كما يلي :
حقيقة الإرهاب تنظيما و آفاقا من خلال ما يبثه الإعلام الدولي من أخبار و أحداث تنلقها وسائل الميديا العديدة و بين الإعلام الواقعي و ما يجب أن يكون عليه من مصداقية في نقل الحدث و الخبر من قلب الحدث و بالصورة الواقعية كما هي لا كما يريدها الإعلام الدولي و الذي يبحث له دائما عن امتياز يخوله تلك المكانة الدولية و التي تجهل منه جهازا فعالا في المجتمع الدولي.
و من هنا يمكن استخلاص جملة أهداف البحث و هي :
*تسليط الضوء على ظاهرة الإرهاب الدولي من خلال الواقع الإعلامي و ما يبثه الإعلام الدولي بصفة عامة.
*محاولة معرفة مدى مصداقية الإعلام كجهاز متصل باهتمام المشاهد و المحلل و كل فئات المجتمع بصفة عامة في نقل الصورة الحقيقية لظاهرة الإرهاب التي باتت تهدد أمن و سلامة الدول.
*تصور حقيقة الإرهاب من خلال ما ينقلع الإعلام من قلب الحدث و بالحقيقة لجس نبض تأثيرات الظاهرة على الأمن و السلام الدوليين.
و بالتالي فالأهمية من هذا البحث أصبحت حتمية لا خيارية نظرا لما تشكله الظاهرة الإرهابية من اهتمام المجتمع الدولي المعاصر.
و عليه فالمنهجية المتبعة لمثل هذه الدراسات هي منهجية وصفية تحليلية كأسلوب و كطريقة لتحليل الموضع تحليلا وفيا  وفق المعطيات و التصورات المطروحة واقعا و اجتهادا.
هذا ما سنحاول تناوله عبر بحثنا الموسوم ب :
الاعلام بين حقيقة مكافحة الارهاب و الواقع الاعلامي الدولي.
و هذا عبر الخطة التالية:
المبحث الأول مفهوم الارهاب و العوامل المساعدة على توسعه
المطلب الأول:مختلف التعاريف المنسوبة للإرهاب
المطلب الثاني: اهتمام الاعلام بظاهرة الارهاب كآفة متوغلة في المجتمع الدولي المعاصر
المبحث الثاني:دور الاعلام في مكافحة الارهاب
المطلب الأول:استراتيجية الدول اعلاميا لتتبع جريمة الارهاب و الارهابيين
المطلب الثاني : سلبيات الاعلام في التحريض على انتشار الارهاب
خاتمة
 
المبحث ألأول مفهوم الارهاب و العوامل المساعدة على توسعه
ان الارهاب و ما يرتبط به من مضامين ترويعية و مقلقة للسلم و الأمن الدوليين لهو الظاهرة الأكثر جلبا لاهتمام الساسة و رجال الفكر و الاعلام و المهتمين بشؤون حقوق الانسان لما تمثله هذه الظاهرة من تهديد لحياة البشر و توتر في العلاقات فيما بين الدول بسبب الارهاب و ما يهدد أمنها القومي و راحة شعوبها و طمأنينتهم.
و عليه ، فان الإرهاب (1) و ما يرتبط به من عنف و تطرف و ترويع و جريمة منظمة و ما يستتبعه من خوف و رعب و مقاومة مسلحة و اختطاف رهائن و طائرات وقتل و تدمير ، أصبح من أهم سمات العالم المعاصر الذي نعيش فيه ، ففي كل يوم نجد أخبار الارهاب تملأ الصحف و المجلات و نشرات الأخبار ، فالإرهاب لا قلب له و لا وطن يسكن فيه أو يستقر فيه و لا وقت محدد له.
و يرى الدكتور جميل حزام يحي الفقيه( أستاذ مساعد في الدائرة القانونية و الادراية بمركز الدراسات و البحوث اليمني بصنعاء ، الديوان العام) من أن أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية التي أثارت حفيظة دول الغرب على ما يسمى الارهاب بشكل واسع حيث حشدت له إمكانيات مبالغا فيها ، إلا أنه عندما كانت دول العالم الثالث في التحديد تعاني من هذه الآفة لم يحرك الغرب ساكنا ، فقد تعالت صرخات الدول المسماة بالديمقراطية الغربية التي أصبحت هدفا لبعض الأعمال التي أطلق عليها قادتها و مفكريها ب( الإرهاب) ، فما معنى هذا المصطلح بأكثر تفصيل ؟.
المطلب الأول: مختلف التعاريف المنسوبة للإرهاب
كون  أن وضع تعريف جامع و شامل للإرهاب  تعتبر عقبة كبرى في طريق الجهود المبذولة لوضع حد و حل حاسم لهذا الداء العضال ، فأقوال الباحثين (2) تعددت حول الأسباب التي أدت الى اثارة مثل هذه الصعوبة حول تعريف الارهاب.
فالإرهاب مصطلح غامض و هناك العديد من المعاني التي يمكن أن يشملها حيث  يستخدم لإضفاء مزيد من اللوم على طرف بالمقارنة بطرف آخر*.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اننا بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى الى مرجعية دينية واحدة غير متعددة ، و هي سبيلنا الى وحدة العالم الاسلامي بكل مذاهبه الدينية المتعددة التي للأسف دخلت في حرب وصلت الى درجة الدم بدلا من أن تتوجه حروبها الى الآخر( العدو الحقيقي).

أولا : المعنى اللغوي للإرهاب
ان المفاهيم  القديمة لم تذكر كلمة ارهاب و لكنها عرفت الفعل( رهب ،يرهب ، رهبة و رهبا ، أي خاف و رهبة و رهب أي خافه) و الرهبة هي الخوف و الفزع ، و لم يظهر لفظ الإرهاب في المعاجم إلا حديثا.
و الارهابي هو من يلجأ الى العنف لإقامة سلطته ، و الحكم الإرهابي نوع من الحكم  يقوم على  العنف و القسوة ،تعمد اليه حكومات أو جماعات ثورية لتحقيق أهداف و مطامع سياسية ، فهو سلوك غير قانوني و يخالف النصوص التشريعية و المواثيق الدولية ، فهو انتهاك لحرمة القانون و سلطته الرادعة.
أما كلفظ سياسي (3) فقد اشتقت اللغة الايطالية لفظ ( (terire بمعنى يخيف و يفزع أو يشيع هلعا شديدا من اللفظ اللاتيني terror  ، فكلفظ سياسي  الإرهاب هو الاستخدام المنظم للعنف و الترهيب و التخويف لتحقيق هدف ما و الإرهابي هو الذي يقوم بهذه الأعمال و التصرفات.
و على أساس ذلك بإمكاننا أن نورد عددا من التعاريف للإرهاب لعدد من الدول و المؤسسات و المختصين فيما يلي:
1-الولايات المتحدة الأمريكية (4):
هذه أمثلة من التعريفات الشائعة في الولايات المتحدة الأمريكية :
*تعريف الكونغرس الأمريكي 1977 : الارهاب الدولي يشمل بغض النظر عن الفاعلين المزعومين.
*تعريف وكالة الاستخبارات المركزية 1980: التهديد الناشئ عن عنف من قبل أفراد أو جماعات.
*تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي 1983: الارهاب هو اما عنيف أو عمل يشكل خطرا على الحياة الانسانية و ينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة.
*تعريف وزارة العدل 1984 : هو سلوك جنائي عنيف يقصد به وضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف.
*تعريف الجيش الأمريكي 1983: أعتبر التعريف الموحد لاستعماله من قبل الجيش الأمريكي و القوى الجوية الأمريكية و الأسترالية و البريطانية و الكندية و النيوزيلندية.
*تعريف وزارة الدفاع الأمريكية 1983 : الاستعمال أو التهديد بالاستعمال غير المشروع للقوة أو العنف من قبل منظمة ثورية.
*تعريف وزارة الدفاع الأمريكية 1986 : الاستعمال و التهديد بالاستعمال غير المشروع للقوة أو العنف ضد الأشخاص أو الأموال غالبا لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو  عقائدية *تعريف وزارة الخارجية 1988:عنف ذو باعث سياسي يرتكب عن سابق تصور و تصميم ضد أهداف غير حربية من قبل مجموعات وطنية فرعية أو عملاء دولة سريين و يقصد به عادة التأثير على جمهور ما.
و قد اقتفت التشريعات الوطنية لأقطار أخرى و بالذات البلدان الغربية أثر هذه التعريفات ، فمكتب جمهورية ألمانيا الاتحادية لحماية الدستور 1985 يعرف الإرهاب أنه " كفاح موجه نحو أهداف سياسية يقصد تحقيقها بواسطة جرائم قاسية.
أما في بريطانيا 1974 كان ينظر الى الارهاب باعتباره استعمال العنف لأغراض سياسية و يشمل أي استعمال للعنف بغرض وضع الجمهور أو أية شريحة منه بحالة خوف ، هذا و لقد ذكر كتاب كثيرون  تعاريف مختلفة للإرهاب منهم : كروزير 1974 ، حيث يصف الارهاب عندما يكون الباعث عليه هو تحقيق غايات سياسية و يذكر نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل أن الارهاب هو الاقدام عمدا و بصورة منظمة على ارتكاب جرائم قتل الأبرياء و تشويههم و تعريضهم للخطر و ذلك لبث الخوف من أجل غايات سياسية ، و بهذا يجعل الأفراد وحدهم مرتكبي الأعمال الإرهابية ، بينما يذهب غرين كونه واحد من أشهر الاختصاصيين القانونيين في الارهاب بأنه عمل من أعمال العنف أو التهديد به يمارس من قلب فاعل للضغط على ادارة ما أو دولة ما أو أية مؤسسة أخرى أو للحصول على تنازلات منها.
أما الأستاذ محمود شريف بسيوني الذي يعتبر من أكبر الرواد العرب في مجال القانون و الذي بدأ سلسلة تعريفاته للإرهاب بقوله أنه استراتيجية تشجيع العنف المرتكب من قبل الأفراد للوصول الى سلطة من حيث النتيجة.
أما عن نماذج من الاتفاقيات الدولية فقد عرفت اتفاقية جنيف لقمع و معاقبة الارهاب لعام 1937 على أن الأعمال الارهابية هي الأعمال الاجرامية الموجهة ضد دولة ما و تستهدف خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور.
أما الاتفاقية الأوربية لعام 1977 فلم تأتي بتعريف محدد للإرهاب ، فقد عددت مجموعة من الأفعال منها ما كان قد جرم سابقا باتفاقيات دولية سابقة أو كان التعامل الدولي حرمها و أضاف اليها كل الأفعال الخطرة التي تهدد حياة الأشخاص أو أموالهم.
أما الاتفاقية العربية لعام 1998 فقد عرفت الارهاب في مادتها الأولى فقرة (2) بأنه " كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا كانت بواعثه أو أغراضه ، يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي و يهدف الى افشاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر.
و التعاريف كثيرة و متعددة و قد تم أخذ المهم منها.
 
المطلب الثاني: اهتمام الإعلام بظاهرة الارهاب كآفة متوغلة في المجتمع الدولي المعاصر
يشهد عصر المعلوماتية و ثورة الاتصالات تنوعا كبيرا و متسارعا وواسعا في وسائل الاتصال و التواصل مما فتح أمام الاعلام آفاقا واسعة رحبة لم تكن في بال أحد من الإعلاميين من قبل ، الأمر الذي زاد من قوة و قدرات الاعلام في ايصال الرسائل و التأثير باتجاهات الرأي العام بشكل غير مسبوق ، مما يضع أما الاعلام و الاعلاميين مسؤوليات جسام في تصحيح الانحرافات و التصدي للظواهر السلبية في المجتمع و الارهاب إحدى هذه الظواهر ، و لذلك يعتبر الاعلام على درجة كبيرة من الأهمية في ظل الاستعدادات الأمنية الحديثة من خلال تبصير الأفراد و الجماعات بحقيقة الفكر الارهابي المنحرف و كشف أساليبه الإجرامية ، و فضح الخارجين على قيم المجتمع و معاييره و توضيح الأهداف الخبيثة لظاهرة الإرهاب و التطرف ، الأمر الذي بات يتطلب تحديد الاحتياجات التي يمكن من خلالها توظيف و استخدام الاعلام من أجل مواجهة المخاطر التي تهدد الأمن الوطني للدولة ، و من ثم كان لابد للإعلام أن يقوم بتوظيف وسائله من خلال ما يلي (5):
*العمل على تنمية المجتمع و تنظيم قدراته للمساهمة في مواجهة هذه الظاهرة و في الوقت نفسه توعية الشعب و اثارة حماسه للتعاون مع أجهزة الأمن لإحباط مخططات هذه الظاهرة.
*الحصول على المعلومات اللازمة لإحباط المخطط الخارجي الداعم لعناصر الارهاب.
و الاعلام من خلال اسهامه في تحقيق الأمن و مواجهة الفكر الارهابي و التطرف يعتبر الركيزة الأساسية التي توفر الحماية و تمهد الطريق للنمو الاقتصادي و الاجتماعي و حماية المال العام من الفساد و كذا حماية فئة الشباب من الانحراف أو الاقبال للانضمام الى صفوف المنحرفين و الارهابيين.
و من هنا كانت أهمية الاعلام في مواجهة الارهاب و التطرف من خلال رصد ظاهرة الارهاب من أجل التوصل الى مصادر التمويل و أسباب تجنيد الاتباع و اتباع النظم.
كما أن الاعلام يسعى من خلال مهمته المتنوعة الى استمالة الرأي العام للاتجاه المعاكس للإرهاب عن طريق الحث الى نظام الوسطية في كل شيء ، و الاعتدال في معالجة القضايا الموضوعية للآراء المختلفة و ذلك بإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي و تشجيع الحوار و طرح القضايا الحساسة و المهمة للمجتمع مع المسؤولين لإيجاد الحلول و درء المفاسد في البرامج الحكومية خاصة ما تعلق منها بالبرامج التنموية و التعليمية لأنها هي من يوجه و يؤسس لقوامة المجتمع و لابد من اطلاع المواطنين على حجم المخاطر الناتجة عن ظاهرة الارهاب و مدى تأثيرها على المجتمع و نشر المعلومات باتخاذ كافة التدابير الوقائية ، و من هنا ترسخت فكرة قياس اتجاهات الرأي العام تجاه الجماعات الارهابية و جس النبض حول تأثيرها على المجتمع و استبيان طرق مواجهتها بمساعدة المواطنين الى جانب أجهزة الأمن لمواجهة هذه الظاهرة و الابلاغ عن المشتبه فيهم.
كما تتوسع مهمة الاعلام دوليا لرصد انتشار ظاهرة الارهاب في المجتمعات الأخرى للتعريف بالجماعات الارهابية و بالتالي الاشارة في المهمة الاعلامية الى المنظمة و جريمة التفجيرات لمؤسسات الدول الحساسة و المقرات الأكثر تجمعا للمواطنين كالملاعب و المطاعم و المسارح ، ويبدو دور الإعلام هنا منطلقا من تعميق العلاقات الدولية و توحيد صناعة القرار ، لان الضرر يمس الجميع و ليس جهة بمنأى عن الدول الأخرى ، ما يجعل مهمة الأجهزة الأمنية صعبة في تحقيق الأمن بأجهزة محدودة العدد و العتاد و الأهداف خاصة في ظل ظروف أمنية عالمية و اقليمية متغيرة و مختلفة ، كل هذه التغييرات استدعت تحولا جذريا في مفهوم الأمن العام و الذي استدعى الى تجاوز المحدودية في الفكر و التصور و الانتقال  من الفكر التقليدي الى فتح آفاق بعيدة الدراسة ليست تقف عند حد أو مجال.
 
 
المبحث الثاني:دور الاعلام في مكافحة الارهاب
لقد أصبح الاعلام لغة عصرية و حضارية لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها ، ما يتطلب فهمها و استيعابها من خلال امتلاك مقومات و عناصر لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم اليوم ،حيث استلزم ذلك تعدد وسائل الاعلام و متنوع بين مسموع و مرئي و مسموع و مرئي في آن واحد.
و الرأي العام دائما يبحث عن الحقيقة ، حقيقة الحدث و فاعله و مصدره سواء على الساحة المحلية أو الإقليمية ، فان التعاطي مع الأحداث و نشرها و سرد تفاصيلها يستلزم نشرها و متابعتها بشكل منتظم لتكون التغطية كاملة و هذا يستدعي وجود معايير مهنية تراعي ظروف المجتمع و أخلاقياته ما يعني العمل بمنهجية توازن بين حق الجمهور بالمعرفة و بين عاداته الثقافية و الاجتماعية و الدينية على اعتبار أن المعايير المميزة للإعلام الهادف و الصريح هي معايير أخلاقية و إنسانية و موضوعية ، و لا شك أن ظاهرة الارهاب تستجلب اهتمام الشعوب و كذا الحكومات لما لها من تأثير على البرامج الحكومية و بالأخص أمن و استقرار الشعوب ، و ظاهرة الإرهاب في شكلها و مضمونها هي عبارة عن منظمة تهدف الى خلق جو من الخوف و الرعب و التهديد باستخدام القوة لبث البلبلة و الفوضى في أوساط افراد المجتمع من أجل السيطرة عليه لصالح القائم به و لجهات يحسب لها أنها تبث الخوف واللاستقرار عبر تهديداته ،فالجماعات الارهابية تحجم عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقا أنها لن تترافق مع الدعاية الإعلامية ، هذه الأخيرة التي تكشف حجم الخسائر التي ألحقوها بأهدافهم.
و أحيانا نجد أن الاعلام يحيد عن معيار الصدق في نقل الأحداث فيسعى للترويج للإرهاب و اعطائه بعدا أكبر من حجمه و هذا ما أوضحه الأستاذ برونو فوي و الأستاذ رونر من جامعة زيورخ في سويسرا عام 2006 في بحثهما المعنون ب "الدم و الحبر ، لعبة المصلحة المشتركة بين الإرهابيين و الإعلام ، أن الطرفين أي الاعلام و الارهابيين يستفيدان من الأعمال الإرهابية ، فالإرهابيون يحصلون على دعاية مجانية لأعمالهم ، و الإعلام يستفيد ماليا لأن التقارير المنشورة عليها وزيادة قيمة الدعاية المنشورة عليها ، و هذا ما دفع ديفيد برودر المراسل الصحفي في تغطية العمليات الارهابية اعلاميا و اجراء مقابلات اعلامية مع الارهابيين تعتبر وسيلة لمكافأتهم على أفعالهم الإجرامية ، و قد يستعطفون الرأي العام و يجدون لهم مناشدين و هذا ما يدفع بكثير من الشباب الى الانضمام الى الصفوف الارهابية و بذلك التشجيع على المزيد من هذه الأعمال ، و من هنا يمكن معرفة الدور الحقيقي للإعلام في مكافحة الارهاب في ظل الانتهاكات المشاهدة لحقوق الانسان خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي و ما يتبعها من مشاهد دموية و مأساوية لم تفضي إلا للمزيد من الحرب و ما وسائل التواصل الاجتماعي و الشبكات الاعلامية عبر الانترنت إلا وسائل روجت للظاهرة و كشفت المستور منها.
و من هنا على الاعلام أن يكون  محترفا و متخصصا و أمينا عبر كوادره من يقومون بالتغطيات الصحفية من قلب الحدث ، و لنأخذ مثال على ذلك احداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بعد وقوعها وجهت أصابع الاتهام للإسلام كدين يشجع على التطرف و هو غير ذلك ، و هنا يكمن دور الاعلام في توضيح الأسباب الحقيقية و دواعي ظاهرة الاعلام و البحث عن آليات لمكافحته أو الحد من انتشاره بدل الترويج و التعميم الذين انجرت خلفهما وسائل الاعلام في التعامل مع الأحداث و تداعياتها ، هذه الفئة التي سماها الباحث الفرنسي فانسان جيشير بالمثقفين الاعلاميين الذين انزلقوا من الدرس الأكاديمي الرصين الى الكتابات التبسيطية التضليلية عن الاسلام لتتحول بذلك أحداث 11 سبتمبر الى مناسبة تم توظيفها من قبل الاعلام الغربي في تشويه صورة الاسلام.
*-خوض الأفكار كأسلوب اعلامي لتطويق الارهاب:
الأمر الذي يجعل تسليط الضوء على أبرز سمات المعالجة الاعلامية العربية للظاهرة الاعلامية من حيث تركيزها على الحدث أكثر من التركيز على الارهاب كظاهرة لها أسبابها و عواملها، حيث تتوارى في الغالب معالجة جذور هذه الظاهرة و أسبابها العميقة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية ما يجعلها تبدو و كأنها مجردة و مطلقة ، حيث تسود في الغالب معالجة العملية الارهابية كحدث منعزل و ليس كعملية تجري في سياق معين و تحدث في بيئة معينة ، اظافة إلى هيمنة الطابع الاخباري على التغطية الاعلامية العربية و تغييب التغطية ذات الطابع التحليلي و التفسيري ، الأمر الذي يؤدي الى بقاء المعالجة الاعلامية على سطح الحدث أو الظاهرة ما يضعف قدرتها على الاقناع و يفقدها التأثير الفاعل و الملموس ، و هذا ما تفتقر اليه بعض وسائل الاعلام و هو غياب الكادر الاعلامي المؤهل و المختص.
المطلب الأول: إستراتيجية الدول إعلاميا لتتبع الارهاب
لقد شهدت العديد من الدول العربية عمليات ارهابية مروعة خاصة في المملكة العربية السعودية و مصر ، و اليمن و ليبيا و تونس و العراق و مؤخرا ظهر في فرنسا فضلا عن ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل في الأراضي الفلسطينية مستهدفا المقدسات و المواطنين و الممتلكات على حد سواء.
و من هنا تأتي الإستراتيجية (6) الإعلامية العربية المشتركة المقترحة لمكافحة الارهاب التي تقدمها المملكة العربية السعودية و هو مقترح من شأنه تطوير منظومة العمل العربي في مجال الاعلام بما يتناسب مع التطورات المذهلة في عالم الاعلام و مواكبة مستجداته على الساحة العالمية ، خاصة و أن الاعلام العربي يشهد في هذا العصر حراكا ديناميكيا لا ينحصر في الاعلام الحكومي الرسمي ،بل هناك الاعلام الخاص الذي بات يشكل حضورا متميزا الى جانب الإعلام الحكومي ، و من شأن هذا الاعلام الخاص مساندة الاعلام الحكومي الرسمي في التصدي لهذه الظاهرة و كشف زيف الارهابيين و من يقف ورائهم.
هذا و قد استفاد الاعلام كثيرا من الأدوات التي أتاحتها الثورة التكنولوجية الحديثة ،الأمر الذي أدى الى تعاظم أهمية تأثير وسائل الاعلام في عصر الفضاء المفتوح في التوعية الأمنية و في رفع مستوى الحس الأمني لدى المواطنين و توجيههم توجيها صحيحا و التأثير في توجيهاتهم و انتماءاتهم بما يخدم مصلحة الوطن و المواطن.
و من هنا نستنتج الدور الايجابي للإعلام في دراسة و مناقشة و تحليل الظواهر المستحدثة و منها ظاهرة الارهاب و التطرف و تفنيد مزاعمها و أباطيلها التي تتطلب من الاعلام و مؤسساته توخي الدقة في عرض الحقيقة و البعد عن التهويل أو التهوين و على السلطات الأمنية تزويد وسائل الاعلام بالمعلومات و الحقائق عن تلك الظاهرة الارهابية و أحداثها و ما يستجد بشأنها في الوقت المناسب بما يوضح الصورة الحقيقية و بما لا يترك فراغا يستثمره الآخر على نحو سيء و ينبغي لذلك توافر تخطيط استراتيجي مناسب لمواجهة تحديات الحاضر و متطلبات المستقبل.
*دواعي و مبررات الاستراتيجية :
ان الدور المعرفي يتمثل أساسا في التشخيص الدقيق لظاهرة الارهاب من وجهة نظر العلم الاجتماعي حتى تتبين أبعاده المختلفة و يمكن بناء على هذا التشخيص بناء سياسة متكاملة لمواجهته.
و من ناحية ثانية لا بد للإعلام العربي -على وجه الخصوص- من معالجة موضوع تجديد الخطاب الديني باعتباره ضرورة حتمية في المواجهة الثقافية للإرهاب ، و حتى يقوم الاعلام العربي بدوره التنويري المفتقد، فلا بد من التركيز على أهمية تكوين " العقل النقدي" باعتبار ذلك البداية الضرروية لتجديد الفكر الديني.
و هناك في مجال إبراز الدور المعرفي(7) للإعلام في مواجهة الارهاب موضوعات شتى لا تمكن الاستفاضة في تفاصيلها و لكن نستطيع أن نشير الى أبرز معالمها.
و أول هذه الموضوعات هو ضرورة الدراسة النقدية و هذا ما طالب به فريق الخبراء في توصياته الختامية بالجامعة العربية(8) الجهات المعنية بالإعلام و مكافحة الارهاب في الدول العربية بان تقدم للإدارة الأمانة الفنية لمجلس وزراء الاعلام العرب بما لديها من انتاج قابل للنشر و التداول عربيا و مشروعات و مقترحات لسيناريوهات الانتاج النموذجي الخاص بالتصدي لظاهرة الارهاب لتعميمه على باقي الدول الأعضاء و ذلك بشكل مستمر و دوري.
كما طالب فريق الخبراء في توصياته الختامية من بعثات الجامعة العربية في الخارج و المكاتب الاعلامية التابعة للسفارات العربية لكي تضع في أولوياتها البرامج الاعلامية لتغيير الصورة النمطية عن العرب و المسلمين في الخارج كما شدد على ايجاد آلية اعلامية عربية موحدة لمواجهة الاساءات المتكررة للدين الاسلامي و للعرب و المسلمين.
كما طالب فريق الخبراء من العراق مجددا موافاة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بما تم حول انشاء المرصد الاعلامي العربي المخصص لمتابعة تغطيات وسائل الاعلام لظاهرة الارهاب.
و دعا اتحاد الكتاب و اتحادات المنتجين العرب الى ضرورة تضمين الانتاج التلفزيوني و السينمائي العربي أعمال فنية تدعو الى  نبذ العنف و تعمل على اظهار الوجه القبيح للإرهاب و نشر قيم التسامح و التعايش مع الآخر و تشجيع الأعمال الإبداعية ، و إلى استمرار التنسيق بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية و الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب حول القضايا الاعلامية و الأمنية التي تعمل على التصدي لظاهرة الإرهاب و تفعيل الإستراتيجية للتصدي للظاهرة.
و من هنا تكون للإعلام اللغة العصرية و الحضارية لا يمكن التخلي عنها أو الاستغناء عليها.
 
المطلب الثاني: سلبيات الإعلام في التحريض على انتشار الارهاب
ان أهمية  الاعلام لا تكمن في اقتنائه و مجاراته الآخرين في طريقة استخدامه و توجيهه و انما في كيفية استعماله و توظيفه بشكل هادف و على نحو يجعله قادرا على التعبير الموضوعي عند تناول القضايا المختلفة ، بحيث نضمن الوسائل للإعلام بإطار مرجعي كفيل بتوفير تغطية منهجية تتماشى مع قواعد الاعلام و نظرياته بعيدا عن العفوية و الارتجال ، و هذا ما تفتقد له الكثير من وسائل الاعلام في وقتنا الراهن مع كل أسف بعد أن رهنت سياساتها و تطلعاتها بالتعايش مع متطلبات وسائل الاعلام بما يضمن لها الترويج لمضامين برامجه المختلفة ، و بالتالي ضمان الوصول الى أكبر عدد من المشاهدين ، و من هنا كان على الاعلام بأنواعه أن لا يحيد عن مهمته النبيلة و هي من سلبياته حيث يتعرض المواطن العربي للكثير من المواد (9) الإعلامية التلفزيونية التي يستقبلها من المنطقة العربية و خارجها ، و ما نلحظه على أشكالها ، و كان هذا الأمر لافتا في البحث و صرفه الى دراسة تأثير هذه المواد على القيم الثقافية للجمهور العربي ، خاصة و أن التلفزيون طبيعة تجعله ينفرد ببعض الخصائص التي تميزه على وسائل الاتصال الجماهيري النظيرة فالجمهور أحوج ما يكون متمسكا به هو وصف أداء احدى وسائل الاتصال الجماهيري و هي التلفزيون أو (القنوات الفضائية) و السعي لمعرفة مدى انعكاساتها الايجابية أو السلبية على قيم الجمهور ، و لذلك سعى الغرب للتأثير الايديولوجي على شعوب العالم الثالث مباشرة مستغلا في ذلك آلته الإعلامية القوية ، و في مقدمتها البث التلفزيوني و هذا ما جاء في تقرير الشؤون الخارجية الأمريكية " يمكن أن نحقق بعض أهداف سياستنا الخارجية من خلال التعامل المباشر مع شعوب الدول الأجنبية بدلا من التعامل مع حكوماتهم و من خلال استخدام الأدوات الحديثة و فنيات الاتصال ، يمكننا اليوم أن نصل الى قطاعات كبيرة و مؤثرة من السكان في هذه البلاد ، و أن نقوم بإعلامهم و التأثير عليهم في اتجاهاتهم ،بل يمكن في بعض الأحيان أن نحرضهم على سلوك طريق معين.
و من هنا يصبح الباب مفتوحا  للإعلام الغربي لتسويق ثقافته و الترويج عن فكره و قيمه و السعي لتشكيل آراء المشاهدين ازاء الأحداث العالمية ،وضع دعاية تمكن من رؤية العالم بعيون غربية ، و من ثم يتغير نمط الحياة الاجتماعية في الدول النامية و منها الدول العربية لتسير على خطى السلوك الغربي ووفق مفاهيمه ، هذه المفاهيم منها ما هو مغلوط و مضلل ، كالذي يحدث مع فئة الشباب الذين تم التأثير عليهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت لغزو فكرهم و استبداله بفكر يحرض على العنف و الفساد.
     و ما من شك أن هذا التحديد له أهمية كبرى في مكافحة أهم و أخطر جريمة على مجتمعاتنا المعاصرة و هي الجريمة الارهابية ،و أن وضع تلك الحلول لتلك المشكلات السابقة تعكس مدى السياسة الجنائية  الموجودة في الدول في سبيل مواجهة هذا النوع الخطر من الجرائم الذي بات يحتاج لتضافر كافة الجهود الداخلية و الدولية في مكافحتها(10).
*التحريض الاعلامي و علاقته بالمساهمة في الجريمة الارهابية:
قد يفوق المحرض في خطورته فعله الفاعل للجريمة ، باعتبار أن المحرض هو الرأس المفكر و العقل المدبر للجريمة ، و لن تكون فيه مبالغة لو وصف الفعل بالشرارة الأولى التي تؤدي الى خلق الجريمة ، فالإرهاب مسيرته طويلة يبدأ من الفكر و العقل و السلوك المتطرف الذي يعتبر أداة من أدوات الإرهاب المسلح ، لذلك فان إيقاف مصادر التحريض الذي يبدأ من التهييج العام ، و ينتهي بالمشاركة في ساحات القتال أضحى ضرورة فرضها الواقع الدولي.
خاصة مع تطور وسائل الاعلام الجديد و بالأخص الرسائل الالكترونية يجعل الفاعل عابرا للحدود الجغرافية ، و أصبح هناك ما يسمى بالعالم الافتراضي الذي يجمع عبر شبكة الأنترنت اهتمامات مشتركة ، مما سهل نقل المعلومات بين الناس باختلاف أجناسهم و معتقداتهم .
      و لذلك يعد الارهاب الالكتروني جريمة مستجدة نسبيا أخذ يقرع أجراس الخطر في السنوات الأخيرة لتنبيه مجتمعات العصر الراهن بحجم المخاطر و ظهور الخسائر الناجمة عنه بوصفه اعتداء سافرا على جماعة المسلمين و امامهم و تهديدا ظاهرا على الأمن القومي و السيادة الوطنية و زعزعة استقرار المجتمع و تماسكه ، و يلحق أنواعا و أصنافا من الأضرار بالمسلمين الآمنين و المستأمنين(11).
و ما يزيد من خطورة الارهاب الالكتروني الأسباب الآتية:
1- عدم امتلاك الأنترنت من قبل جهة حكومية مركزية محددة.
2-عدم وجود جهة رسمية تسيطر على الأنترنت
3-سرعة نقل المعلومة
4-امكانية القيادة و التحكم في تنفيذ العمليات الارهابية عن بعد
5-ايصال و سرعة نشر و ترويج مذهب الخوارج و بالتالي التشجيع على التطرف و الأفكار المنحرفة.
6-سهولة التخفي تحت أسماء مستعارة و ألقاب وهمية و صعوبة الوصول الى مرتكبي الجرائم الارهابية و هذا ما أثبته الواقع أن الجماعات الارهابية أكثر المستعملين  للتقنيات الحديثة و الأكثر استفادة من التقنية الحديثة ، و يعتبر التويتر مصدرا معتمدا للتصريحات الشخصية و مصدرا معتمدا للتصريحات الحكومية و الاخبارية.
و يمكن القول أن مواقع التواصل الاجتماعي كوسائط للإعلام و الاتصال و نقل المعلومات و المعارف يماثل التغيير الذي أحدثته وسائل الاتصال و التواصل كالبرقيات و التلفزيون.
و يعطي موقع الاحصاءات www.worldmeters.info/ar الذي يبين عدد التغريدات و مدى ارتفاع نسبتها و هو ما يدل على سرعة التأثير و التأثر و الانقياد وراء هذه الوسيلة ، و بهذا تتضح خطورة استخدام هذه الوسيلة من قبل التنظيمات الارهابية فردية كانت أو جماعية لنشر عقيدتهم و أفكارهم ، لما لها من الأثر الكبير على الناس.
و اعتبر الارهابيون الجدد أن التقنية الالكترونية من أفضل الأسلحة الناعمة في آداء العمل الإرهابي ، و للإرهاب صور شتى و أشكال متعددة أدت الى الاختلاف في تعريفه ، فهو إرهاب الأفراد و الجماعات الارهابية المتسترة بالدين و ارهابها ضد السلطة الشرعية و هو الارهاب الذي يقوم على تنظيمه و تنفيذه جماعة أو أفراد و يدخل في ذلك العمليات التي تقوم بها جماعات مسلحة لتحقيق أهداف محددة مثل تغيير نظام الحكم أو فرض سياسة معينة ، و هذا النوع من الارهاب هو الذي يرتكب بواسطة أشخاص منحرفي العقيدة و المنهج و الفكر ضد نظام شرعي قائم ، و يهدف هذا النوع من الارهاب الالكتروني لتحقيق عدة أهداف من أهمها ما يلي :
1-اغتيال الشخصيات السياسية و الأمنية
2-العمل على تقويض النظام السياسي في البلاد
3-القيام بأعمال التفجير لزعزعة الأمن
4-تدمير المنشآت الحيوية و المرافق العامة و المقار الديبلوماسية
5-اغتيال رعايا الدول الأخرى انتقاما من سياسة دولهم ضد المسلمين و زعزعة العلاقات بين الدولتين.
6-اختطاف وسائل النقل العامة أو تفجيرها.
 
*صور الارهاب الالكتروني في (تويتر):
يستخدم الارهابيون التقنية الالكترونية لتحقيق أغراضهم الخبيثة عدة استخدامات ، أذكر هنا بعض تلك الصور التي يستخدم فيها الارهابيون  الانترنت و البريد الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي للتخطيط و تنفيذ جرائمهم و هي كالآتي:
1-التحريض الصريح على الخروج على ولي الأمر المسلم عبر تلك المعوقات المستعارة بالدعوة الى الخروج بمواقف منددة.
2-التحريض على الخروج باللسان بذكر مساوئ ولاة الأمور بتغريدات تصنع الجو المشحون و تهيج الغوغاء و اثارة السفهاء عن ولي الأمر المسلم و على النظام العام في الدولة و التعبئة بذكر بعض مظاهر القصور في الدولة ، مستغلين تعاطف الناس في قضاياهم عامة و حاجاتهم الدنيوية خاصة و جذبهم بعبارات براقة و أساليب حماسية عبر تغريدات .
3-تجنيد فكري للشباب و الفتيات الأغرار بتلميع صور الخوارج المارقين و التكفيريين و المفسدين.
4-بث الارهاب عقيدة و فكرا و سلوكا بإنشاء مواقع الأنترنت الخاصة بالجماعات الارهابية لنشر عقيدة الخروج على الحكام المسلمين و تكفيرهم و تكفير من يعمل في أنظمة الحكومات الاسلامية القائمة.
5-بث المواد التي تخدم أهدافهم و فكرهم المرئية منها و المسموعة و المقروءة.
6-الحصول على التمويل يتم استجداء العاطفين من الناس باسم الدين و الجهاد لدفع تبرعات مالية لأشخاص اعتباريين يمثلون وجهة لهؤلاء الارهابيين و يتم ذلك عبر البريد الالكتروني بطريقة ماكرة تنطلي على المتبرعين.
و المقصود بالتحريض الالكتروني على الارهاب هو "ايجاد فكرة الاعتداء على أمن وسيادة السلطة الشرعية في ذهن الغير عن طريق الوسائل الالكترونية و الحث و التشجيع على ذلك عبر الحواسيب أو أجهزة أخرى قارئة أو مزورة ببرامج حاسوبية بإعطائها تعليمات خاصة من شأنها الاعتداء على السلطة أو تهديدها(14).
و هذا السلوك هو مناف لما جاء به الإسلام و ما حثت عليه السنة النبوية ، فمن نص القرآن قوله تعالى " و لا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها و ادعوه خوفا و طمعا ، ان رحمة الله قريب من المحسنين".
و هذه الآية فيها دلالة على تحريم الفساد و ما التحريض على الارهاب هو أعظم من عمل الفساد في حد ذاته.
و من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قوله " أنها ستكون هناك وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائنا ما كان".
و هو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها ستكون فتن و محدثات ، و ما ذاك إلا لخطورة التفرق ووجوب الحذر منه و من وسائله المؤدية اليه لتبقى الأمة جماعة واحدة لا جماعات و يتحد ولائها.
لذلك فان الانكار باستخدام الوسائل الالكترونية التحريضية لهو من باب وأد الفتنة و اخماد نار الشر و سفك الدماء ، و في ذلك يقول شيخ الإسلام بن تيمية" و لهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة و قتالهم بالسيف و ان كان فيهم ظلم ، لأن الفساد في القتال و الفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم دون قتال و لا فتنة ، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناها".
 
خاتمة:
لا شك أن ظاهرة الارهاب تحظى باهتمام الشعب و الحكومات في شتى أنحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على أمن الدولة و استقرارها بعد أن اتضح اننا أمام ظاهرة اجرامية منظمة تهدف الى خلق جو عام من الخوف و الرعب و التهديد باستخدام العنف ضد الأفراد و الممتلكات ، و هذا يفسر أن الظاهرة الخطيرة تهدف الى زعزعة استقرار المجتمعات و التأثير في أوضاعها السياسية و ضرب اقتصادها .
ووسائل الاعلام تقوم أحيانا و بدون قصد بالترويج لغايات الارهاب و اعطائه هالة اعلامية لا يستحقها في ظل الأهداف التي يراد تحقيقها من وراء العمل الاعلامي أو العمل الارهابي بما هي شهرة و سلطة و مال و تأثير فكري ،مثلما حدث مع أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية  الى تحميل منظومة قيمية و فكرية بعينها مسؤولية هذه الأحداث عندما اتهمت الاسلام بقمع الحريات و ممارسة العنف و التسلط ، و قد ساهم هذه الترويج و التعميم الذي انجرت اليه معظم وسائل الاعلام الغربية في التعامل مع هذه الأحداث و مع تداعياتها من أسماهم الباحث الفرنسي فانسان جيشير بالمثقفين الإعلاميين الذين انزلقوا من الدرس الأكاديمي الرصين الى الكتابات التبسيطية التضليلية عن الإسلام ، و تمرير صورة مضللة عنه تساوي بينه و بين العنف و الارهاب بل تجعلها المصدر و السبب ، الأمر الذي استغلته الادارة الأمريكية في تبرير غزو و احتلال بلدان أخرى بحجة  الحروب الاستباقية أو الوقائية ، كما هي الحجة و الذريعة التي ساقتها الادارة الأمريكية في حربها على العراق و أفغانستان لتحقيق رغبة المحافظين الجدد.
و من هنا كانت الحاجة لتسليط الضوء على أبرز سمات المعالجة الاعلامية العربية للظاهرة  الاعلامية من حيث تركيزها على الحدث أكثر من التركيز على الارهاب كظاهرة لها أسبابها و عواملها ، حيث تتوارى في الغالب معالجة جذور الظاهرة و أسبابها العميقة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية ما يجعلها تبدو و كأنها مجرة و مطلقة.
يبقى أن الاعلام له مسؤولية نقل الحدث للمشاهد و للسياسي و للمهتم مهما كان مجال تخصصه و للمواطن العادي الذي يهمه الأمر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الوطني و الدولي على السواء..و كل هذه الفئات المجتمعية تريد الصدق و المصداقية بعيد عن تجارة المعلومة و الخبر و الترويج و الإشهار للنبأ ، و هي من أساسيات الاعلام الهادف الذي له أن يتخلى عن كل أسباب الاحتكار و التوظيف الغير شرعي لمهامه بما يخدم فئة أو مؤسسة أو دولة ، و موضوع الإرهاب احدى المواضيع التي أخذت الحيز الأكبر من الاهتمام خاصة أنه أصبح تحديا اقليميا و دوليا في ظل القناعات التي ترسخت حول فشل المقاربة الأمنية و العسكرية.
و هنا على الاعلام أن يختار له مكانة مثلى بين حقيقة الواقعه الارهابي و التعتيم الاعلامي الدولي مثلما وصفت السيدة مارجريت تاتشر رئيس الوزراء البريطانية السابقة هذه الدعاية (المجانية) بالأكسجين اللازم للإرهاب الذي يستطيع الاستغناء عنه ، لأن تغطية الحدث الارهابي اعلاميا يحقق مكاسب تكتيكية و إستراتيجية للقائمين به.
 

الهوامش:
1-د.اسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي ، الارهاب و محاربته في العالم المعاصر ، مرجع مصنف الكترونيا ،ص 04 www.kotobarabia.com-
2-د.جميل حزام يحي الفقيه ، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي العام ، أنظر محتوى المؤلف على الرابط التالي:
ycsr.org/derasat-yemenia/issue-93/mafhoom.pdf
3-د.جميل حزام يحي الفقيه ، المرجع السابق.
4-د.جميل حزام يحي الفقيه،المرجع السابق
5-عماد علو ، أهمية دور الاعلام في مواجهة الإرهاب و التطرف ، صحيفة الزمان على الموقع الالكتروني:
www.azzaman.com/p=77385
6-الاستراتيجية الاعلامية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب ، القاهرة 19/12/2013 ، الأمانة  العامة ، قطاع الإعلام و الاتصال ، إدارة الأمانة الفنية لمجلس وزراء الاعلام و العرب.
7-دور الاعلام في مكافحة الإرهاب ، السيد ياسين ، صحيفة الحياة ، يوم الأحد 23 أغسطس 2015 ، يمكن تحميل الصحيفة على الموقع :
www.alhayat.com/opinion/writers/10729487
8-خبراء عرب يطالبون بتفعيل الاستراتيجية الاعلامية العربية المشتركة لمكافحة الارهاب ،
وكالة الأنباء الجزائرية ،www.aps.de/monde/10229
9-مجذوب بخيت محمد توم ، طرق التأثير على القيم الثقافية و الدينية في التلفزيون العربي ، مجلة العلوم و البحوث ، جامعة السودان للعلوم و التكنولوجيا ، العدد الثاني ،فبراير 2011.
10-عبد الله بن سعود الموسى ، التحريض على الجريمة الارهابية بين الشريعة الاسلامية و القانون الوضعي (دراسة مقارنة) مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية -كلية الدراسات العليا -قسم العدالة الجنائية ، تخصص السياسة الجنائية 1427 هـ ، 2006 م.
11-د.محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل ، التحريض الالكتروني على الارهاب تكييف الفقهي و حكمه (تويتر انموذجا) ، جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية 1435ه ،
ص 6.
12-د.محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل ، المرجع السابق ، ص 25.
13-د.محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل ، المرجع السابق ، ص 26.
14-د.محمد بن عبد العزيز بن محمد العقيل ، المرجع السابق ، ص27.
 
 
 
 
 

أضافة تعليق