مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2016/10/18 23:10
الخطأالطبي و المسؤولية الطبية-الجزء الأول-
الخطأ الطبي و المسؤولية الطبية -الجزء الأول-
سميرة بيطام


مقدمـة
:
تعتبر المسؤولية الطبية وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة. وقد وضعت التشريعات والنصوص المحددة لتلك المسؤولية، ولعل أقدم تلك التشريعات التي نملكها ما تضمنته قوانين شريعة حمورابي في ذلك في حدود القرن 18 ق م..
وبتطور العلوم الطبية عبر مختلف العصور، فقد تطورت تلك التشريعات أيضا وبشكل منسجم مع تطور الطب، فجاء الطبيب ابو قراط الذي وضع قسم الطبيب والمعروف بقسم ابوقراط*، ولما جاء الإسلام وضع ضوابط وقوانين لممارسة الطب والتي يشكل محورها حديث النبي عليه الصلاة والسلام (من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن)، وبناءا عليه فقد حدد الأطباء العرب القدامى شروطا لانتفاء مسؤولية الطبيب في حالة وقوع الخطأ الطبي فنجد ابن القيم الجوزية في كتابه الطب النبوي، أحد الذين فصلوا وفندوا تلك الشروط، ولما ازداد عدد الأطباء والصيادلة الممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية الإسلامية كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وخاصة بعد انتشار المتعلم الماهر والدجال الجاهل، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسب، وقد ألفت العديد من الكتب التي تبحث في هذا النظام وتطبيقاته، إلا أنه حديثا وبسبب التقدم الكبير الذي حدث في مجال الطب. سيما خلال العقود القليلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بمجال جراحات زرع الأعضاء أو الجراحات التجميلية، بالإضافة إلى تطور وسائل التشخيص والعلاج كما في حالة الأمراض الخبيثة منها أو المستعصية، فقد تعددت  صور المسؤولية الطبية وتشعبت إلى الحد الذي يتطلب إعادة مناقشة تطوير القوانين التي تضبط مسؤولية الطبيب في حالة وقوع الخطأ، وعلى نحو يفي بالحاجة إلى ممارسة مهنة الطب في جو يشجع الأطباء على أدائها وفق أحدث الطرق العلاجية، دون التفريط بحقوق المريض عند وقوع الخطأ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)– قسم ابوقراط : (إني أقسم بالله رب الحياة والموت، واهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج، وأقسم بأقليبيوس، وأقسم بأولياء الله من الرجال والنساء جميعا وأشهدهم جميعا على أني أفي بهذه اليمين وهذا الشرط وأرى أن المعلم لي هذه الصنعة بمنزلة آبائي وأواسيه في معاشي وإن أحتاج إلى مال واسيته وواصلة من مالي وأن الجنس المتناسل منه فأرى أنه مساو لإخوتي وأعلمهم هذه الصناعة إن احتاجوا إلى تعليمها بغير أجرة ولا شرط ... ولا أعطي إذا طلب مني دواء قاتلا ولا أشير أيضا بمثل هذه المشورة وكذلك أيضا لا أرى أن أدني من النسوة مرززة (شئ يتداوى بها النساء) تسقط الجنين وأحفظ نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة، ولا أشق عما في مثانته حجر ولكن أترك ذلك إلى من كانت حرفته هذا العمل ...).

وقد يتعرض الطبيب للانتقادات المتباينة والمتعاكسة أحيانا، فقد يتهم بالتقصير لعدم لجوئه الى أساليب حديثة ذكرها علم الطب، كما قد يتهم بالتهور للجوئه الى أساليب حديثة لم يثبت بعد شأنها، وهكذا نرى الطبيب المحافظ كالطبيب المقدام،كلاهما عرضة للانتقاد والنقد من الناحية الفنية.
كما قد يتهم الطبيب أحيانا بعدم التبصر وبالإهمال وعدم الروية وغير ذلك من أمور عامة وليست خاصة بالطب والأطباء.
والإشكالية المطروحة هي متى تقع المسؤولية الطبية على الطبيب؟
أما بشأن الفرضيات العلمية التي بإمكاننا صياغتها فهي :
1 - وجود الأذى والضرر لدى المريض.
2 - وجود الصلة بين الضرر الحاصل والخطأ الطبي الواقع.
3 - في الممارسة الطبية الحديثة لا تصلح المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل إلا إذا قام الطبيب بعمله دون أن يكون له حق بذلك، أو يكون قد انتهك حرمة القوانين أو أنه تجاهل الالتزامات التي قيد نفسه بها.
4 - إن ما يطلب من الطبيب هو أن يقدم لمريضه العناية اللازمة حسب ما يقتضيه الوجدان والعلم، ولا يسأل إلا إذا أهمل ذلك.
5 - الطبيب الذي يقترض من البنوك من أجل بناء عيادته وتجهيزها بأحدث المعدات، هو مطالب برد الأموال وفوائدها بأقصى سرعة، وطبيعي أن تؤثر هذه السرعة في عمله خاصة في إجراء العمليات الجراحية التي تعرف أكثر الأخطاء الطبية.
أما المنهج الذي اتبعته في دراسة الموضوع فهو وصفي تحليلي في مختلف عناصر البحث حتى أتمكن من الشرح الوافي لمضمونها استنادا على فكرة أن الطب كلما استحدث شيئا كان بالمقابل على القانون أن يحل مشكلاته، من ذلك مثلا صفة التزام الطبيب هل هو ملزم بتحقيق غاية للمريض وهي الشفاء أم ملزم بتحقيق الوسائل وبذل العنايات من اجل الحصول على هذا الشفاء.
أما سبب اختياري لموضوع الخطأ الطبي والمسؤولية الطبية فيعود إلى الأخطاء الكثيرة التي يرتكبها الأطباء وأولئك الضحايا والذين يعدون بالمئات خاصة وأن ملائكة الرحمة كما يحلو للبعض تسميتهم  غير معصومين من الزلل  وأن من بينهم مهملين .... وفي بلد ما زال فيه القطاع الصحي يرزخ تحت وطأة غياب التقنيات الحديثة وقلة الأطر المتكونة، وغياب البنيات التحتية، يمكن لضحايا أخطاء الأطباء أن يكونوا بالآلاف، فالطالبة الباحثة موظفة في القطاع الصحي وما يحدث في الميدان من أخطاء لهو خير دليل على ما سبق قوله، كما أن المحاكم اليوم لا تخلو من رفع الدعاوى وتقديم الشكاوي لأجل المطالبة بالحقوق والتعويض عما ضاع منها.
بالإضافة إلى أن الكثير من الضحايا يشتكون من التواطؤ الذي يخص التعاطف بين الأطباء في حالات كثيرة، إذ أن الطبيب المعرض بدوره للوقوع في الخطأ لا يمكن أن يصدر أحكاما دون دلائل ملموسة وحتى إن حاول الاستعانة بالشهود،فهم بالأساس لن يكونوا سوى أصدقاء أو العاملين مع الطبيب مرتكب الخطأ، لذلك جاءت معظم الأحكام في هذه القضايا بالرفض، ولم تكن الأحكام التي فيها الحكم بالتعويض إلا قليلة على الرغم من الكم الهائل من القضايا الموضوعة على أنضار القضاء والمتعلقة بالأخطاء الطبية، بل وفي بعض الأحيان يكون التعويض هزيلا لا يتناسب مع جسامة الخطأ الطبي المرتكب في حق المريض.
في حين أن البعض يربط أخطاء الأطباء بالإهمال والسعي نحو جمع المال، أما المستشفيات العامة فالأخطاء مصادرها متعددة منها :   
غياب المعدات وقلة الأطر، إضافة إلى مشكلة الأجور الهزيلة، وهذا ما يدفع الحكومة إلى تشغيل الأطباء المتدربين في المستشفيات العمومية، ثم إن هناك إصرار بعض الأطباء على الانتهاء بأقصى سرعة من أعمالهم للالتحاق بالعيادات الخاصة بعد الدوام.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان القضاء يقف حائرا في قضايا الخطأ الطبي، إذ أن الأطباء يرفضون اعتبار أخطائهم المهنية جرائم تستلزم المعاقبة فالخوض في الموضوع يظل محظورا على رجل القانون، وهو حظر تحاول الإيديولوجية الطبية أن تفرضه نظرا وعملا، فهو موضوع يخص الأطباء وحدهم دون غيرهم ولا شأن لرجل القانون بذلك، بل إن هذا الأخير لا يستطيع ولن يستطيع أبدا أن يقدر المهمة الإنسانية والاجتماعية النبيلة التي يؤديها الأطباء خدمة للمجتمع وللصالح العام، وبالتالي المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم.
وهناك بدون شك مبالغات وافتراءات وأخبار ملفقة وأحيانا كاذبة حول بعض الأخطاء الطبية التي تنشر في الصحف والمجلات لغاية الإثارة الإعلامية، أو بدافع الثأر أو لأسباب شخصية تدفع بعض المحللين والكتاب للتهجم على مركز طبي خاص بدون أي برهان على مصداقية ادعاءاتهم وانتقاداتهم بدافع النيل من سمعته وانجازاته المرموقة.
فما من معصوم عن الخطأ وما من طبيب يقوم بالمعالجات المعقدة والصعبة غير معرض لحدوث مضاعفات لمرضاه إلا إذا أنكر ذلك وكذب أو تجنب معالجة تلك الحالات الصعبة.
فهذه باختصار أهم الأسباب التي من ورائها اخترت موضوع الخطأ الطبي والمسؤولية الطبية لمحاولة تسليط الضوء على موضوع ليس بالجديد بل هي مشكلة على الصعيد العالمي، يعمل المحامون والأطباء في كافة أرجاء العالم من أجل حل القضايا المتعلقة بسوء الممارسة الطبية.
أما الهدف من الدراسة فهو تسليط الضوء على موضوع ليس بالجديد بل هي مشكلة على الصعيد العالمي، يعمل المحامون والأطباء في كافة أرجاء العالم من أجل حل القضايا المتعلقة بسوء الممارسة الطبية.
وفيما يخص الدراسة أو الدراسات السابقة فان المكاتب لا تخلو من المراجع والكتب القيمة، فلقد اطلعت على الكتب والمذكرات الموجودة بمكتبة المدرسة الوطنية للصحة العمومية ولاحظت مدى إسهام الطالب أو الباحث في المجال العلمي المتنوع بتنوع البحوث المتناولة ولا يهم في ذلك الاختصاص المتبع،فالمهم هو أنني تحسست ثراء رفوف المكتبة بالكتب سواء القانونية أو الطبية إلى غير ذلك، بالإضافة إلى تصفحي للكتب الموجودة بالمكتبة الوطنية بالحامة والتي تحوي على مراجع قلما نجدها في مكاتب أخرى أذكر على سبيل المثال مجموعة أجزاء للدكتور سليمان مرقس تحت عنوان : الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات، في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، وكتاب الوسيط في شرح جرائم القتل والإصابة الخطأ للمستشار معوض عبد التواب وكتاب رضاء المجني عليه وأثره على المسؤولية الجنائية –دراسة مقارنة- للدكتور محمد صبحي محمد نجم. والقائمة طويلة.
ولقد صادفت في بحثي هذا بعض العراقيل و الصعوبات، حيث بحثت على الجانب الإحصائي في مختلف المراجع خاصة في الجزائر، لكنني لم أستفد ببعض الإحصائيات .وقد يتساءل المرء عن غياب مثل هذا العنصر المهم؟.
إضافة إلى أن الدراسة القانونية تقريبا لا تعطي تفسيرا محددا لمثل هذه المواضيع من الناحية القانونية، وهذا راجع إلى طبيعة الموضوع أين يصعب إثبات الخطأ وبالتالي يصعب تحديد المسؤوليات.
هذا من جهة ومن جهة أخرى يلاحظ انعدام الاجتهاد القضائي خاصة على عاتق من تقع مسؤولية ارتكاب الفعل أو الخطأ؟
ولأجل تسليط الضوء على محاور الخطأ الطبي والمسؤولية الطبية، اتبعت في ذلك خطة يمكن القول على أنها كانت شاملة من ناحية الإلمام بالعناصر، حيث اشتملت على ثلاث فصول، فبعد المقدمة، تناولت في الفصل الأول عنصر الخطأ الطبي في مطلبين. المطلب الأول شمل فرعين تطرقت فيهما بعد تعريف الخطأ الطبي إلى معياره ودرجاته.
أما المطلب الثاني فقد تناولت فيه عناصر الخطأ الطبي والمتمثلة في عنصر الإهمال و الرعونة، عدم الاحتراز وكذلك عدم احترام القوانين.
وفي المبحث الثاني تناولت فيه عنصر الخطأ الطبي من ناحية التطبيق والإثبات في المطلب الأول، بدءا بمختلف المراحل وانتماءا إلى الإثبات أين ورد ذلك في المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد اشتمل على عنصر المسؤولية الطبية في مبحثين، حيث تناولت في المبحث الأول مفهوم المسؤولية الطبية ونطاقها. وفي المبحث الثاني تطرقت إلى التزام كل من الطبيب وكذا الفريق المساعد تجاه المريض.
وفي الفصل الثالث تطرقت إلى دعوى المسؤولية الطبية في مبحثين، تناولت في المبحث الأول نطاق المسؤولية الطبية وذلك في ثلاث مطالب بحيث فصلت مدى مسؤولية الفريق الطبي، بدءا بالطبيب الجراح وانتهاءا بمساعد التمريض لأصل في المبحث الثاني إلى عنصر التعويض في المسؤولية الطبية وذلك قي مطلبين (تقدير التعويض، ووقته). وأخيرا خاتمة الموضوع التي كانت بمثابة حوصلة لأهم النقاط المتوصل اليها من خلال هذه الدراسة.
ويبقى اجتهادي هذا ناقصا وقابلا للإثراء والنقاش من طرف أساتذتي المناقشين والمختصين.
"فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر"
 
 
الفصل الأول : الخطأ الطبي
المبحث الأول : الخطأ الطبي، تعريفه، درجاته، عناصره
ما من معصوم عن الخطأ وما من طبيب يقوم بالمعالجات المعقدة والصعبة غير معرض لحدوث مضاعفات لمرضاه إلا إذا ما أنكر ذلك وكذب أو تجنب معالجة تلك الحالات الصعبة.
هناك بعض الأخطاء الناتجة عن الجهل والتقصير والإهمال وقلة المهارة التي لا مبرر لها، وأخطاء قد تحصل قضاء وقدر ولا يمكن أحيانا تجنبها، فحسب الإحصائيات، وصل عدد معدل الوفيات بسبب الأخطاء الطبية إلى حوالي 100.000 حالة سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أعلى قمة للعناية الطبية والتي تتميز بأبرز وأفضل المراكز الطبية والأطباء في العالم(1).
فالمريض بإمكانه بنفسه أو أهله الوقاية من الوقوع في براثن الشعوذة الطبية والتجارة الرخيصة لتفادي معظم الأخطاء الطبية باختياره طبيبه، أو المركز الطبي بكل دقة بعيدا عن الدعايات، وبناءا على السمعة والخبرة والنتائج المميزة وأن يرفض أي علاج إذا ما اقتنع بالبراهين الطبية عن ضرورته ومنفعته وقلة مضاعفاته.
كما أن عليه أن يصر على استشارة عدة أخصائيين في حال تردده  وعدم رضاه عن الإيضاحات والمعلومات التي توفرت له وأن من واجبه أيضا أن يستفسر حول ضرورة إجراء التحاليل المخبرية والأشعة وغيرها من الفحوصات وألا يتردد عن استيضاح الطبيب حول خبرته الطبية في معالجة حالات شبيهة بمرضه.
وفي حال عزم الجراح بإجراء عملية جراحية له فعليه أن يتفهم جميع تفاصيلها ومنافعها وأضرارها ومضاعفاتها وكلفتها، وأن يتقبلها قبل الموافقة عليها. وأما إذا وصفت له معالجة دوائية عليه التأكد من صوابها ومدتها وجرعة الدواء وطريقة استعماله ومضاعفاته الجانبية.
فانه في غاية الأهمية أن يدرك المريض ضرورة اشتراكه الفعلي في معالجته وأن يستوعب أن معظم الأخطاء الطبية قد تحصل نتيجة فشل علاج مسبق أو بسبب معالجة خاطئة من البداية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الأطباء في قفص الاتهام ..... حقيقة أم افتراء، جريدة  الرياض اليومية، الأحد 20 رمضان 1426هـ الموافق لأكتوبر 2005م.     
وأنها قد تقع في المراكز الطبية والصيدليات وعيادات الأطباء، وفي بيوت المرضى أنفسهم وأنه يمكن الوقاية من معظمها بإتباع التوصيات وذلك بدون تبرير حدوثها كقضاء وقدر وحسب.

المطلب الأول : تعريف الخطأ الطبي وتمييزه عن الغلط
الخطأ بوجه عام هو الانحراف عن السلوك الواجب أو بعبارة أخرى التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تقضي بها الحياة الاجتماعية .
أما الخطأ الطبي بوجه خاص، فهو عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، فالأصل أن أي شخص يباشر مهنته تستلزم دراية خاصة ويعتبر ملزما بالإحاطة بالأصول العلمية التي تمكنه من مباشرة، فيعد مخطئا إن كان غافلا عنها(1).
فانه لا يعثر على تعريف جامع مانع للضرر LE PREJUDICE أما الضرر في نصوص التقنين المدني، بالرغم من أن فكرة الضرر وردت في كل النصوص م124 إلى 140 مدني جزائري، وكذلك من المادة 176 وما يليها المخصصة لتنفيذ الالتزام، والملاحظ أن هذه المواد التي تعطي توضيحات هامة عن الضرر القابل للتعويض، لا تقدم تعريفا للضرر وإنما يستنتج من دراستها ضرورة وجود ضرر ولا مسؤولية بدونه.
ومجاراة للفقه، يعرفه بأنه الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة بسلامة جسمه أو بماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك(2).
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - محمد سامي الشوا، مسؤولية الأطباء وتطبيقاتها في قانون العقوبات، القاهرة : دار النهضة العربية، 2003م ، ص9.
(2) - مقدم سعيد، نظرية التعويض عن الضرر المعنوي، الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب، د. ت، ص35.

هكذا ينظر القانون للخطأ الطبي، إذ لا مسؤولية على الطبيب إذا ثبت خطأ واضح من جانبه وعلى المريض الزبون أن يثبت أن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب هو السبب في الضرر الذي يشكو منه.
والقانون المغربي يقف إلى جانب الأطباء على اعتبار كما يقول الأستاذ أحمد أدريوش أن : الطب فن وليس علم، وهو لم يصل بعد إلى درجة الكمال، إذ لازالت الكثير من نتائجه احتمالية بل لا زال يحيطه الغموض ويثار من حوله الجدل، وأنه لما كان أفراد المهنة الواحدة غير مطالبين بأن يعرفوا عنها أو يتقنوا منها إلا بقدر ما يعرف أو يتقن نظرائهم في تلك المهنة(1).
الفرع الأول : معيار الخطأ الطبي :
لقد اختلفت الآراء حول المعيار أو الضابط الواجب إتباعه لبيان ما إذا كان التصرف المنسوب إلى الشخص يعتبر خطأ أم لا، فيرى البعض وجوب الأخذ بالمعيار الشخصي أي وجوب النظر إلى الشخص المخطئ وظروفه الخاصة ومقارنة تصرفه بالتصرف المشوب بشبهة الخطأ، فإذا تبين أن السلوك موضع الاتهام أقل دقة وعناية مما اعتاده في مثل هذه الظروف وأنه كان يستطيع في أحواله العادية أن يتفادى الفعل الضار المنسوب إليه اعتبر مقصرا.
بينما يرى البعض الآخر وجوب الأخذ بالمعيار الموضوعي، وقوامه الشخص المعتاد الذي يلتزم في تصرفاته متوسطا من الحيطة والحذر، والشخص المعتاد هو الذي يتصف بعناية وحذر متوسطين ينتمي إلى نفس المجموعة الاجتماعية أي البيئة المهنية التي ينتمي إليها المتهم(2).
إذا كان الأخذ بالمعيار الموضوعيCRITERE OBJECTIF  يؤدي إلى عدم الاعتداد بالظروف الداخلية للشخص موضع المسؤولية، كقدراته الشخصية ودرجة يقظته وظروف سنه وتعليمه وصحته، إلا أنه ينبغي مع ذلك الأخذ في الحسبان الظروف الخارجية التي تحيط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - القانون والقضاء في صف الأطباء، المرضى وحدهم يتحملون مسؤولية الخطأ الطبي عن موقع الانترنيت : www .alwatan. com/graphics  /31/01/2003 
(2) - محمد عبد الوهاب الخولي، المسؤولية الجنائية للأطباء عن استخدام الأساليب المستحدثة في الطب والجراحة، دراسة مقارنة،  القاهرة : دار الفكر العربي، 1997م، ص66 .

بالشخص وقت حدوث الفعل، أي أن  القاضي يقدر الخطأ الطبي على أساس السلوك الذي كان ينبغي أن يصدر من الطبيب موضع المسؤولية على ضوء الظروف المحيطة به، وذلك مثل مدى خطورة حالة المريض وما يتطلبه ذلك من إسعافات سريعة وإمكانيات، قد لا تكون متوفرة، أو إجراء العلاج في مكان بعيد لا توجد به معونة طبية أو في زمان معين يصعب فيه العمل .
يتضح مما سبق أن معيار الخطأ الذي يستقر عليه القضاء في تحديد مسؤولية الطبيب يرتكز على ثلاثة أسس(1) :
الأول : تقدير سلوك الطبيب على ضوء سلوك طبيب آخر من نفس المستوى  فمعيار خطأ طبيب الامتياز يختلف عن الأخصائي وعن الأستاذ وهكذا. 
الثاني : الظروف الخارجية التي تحيط بالعمل الطبي، توافر الإمكانيات من عدمه (الوحدة الريفية تختلف عن العيادة ،عن المستشفى المجهز). ومدى وجوب التدخل السريع.
الثالث : مدى اتفاق العمل الطبي مع تقاليد المهنة والأصول العلمية المستقرة.
الفرع الثاني : درجات الخطأ الطبي
لقد تساءل العديد من الفقهاء إن كان الطبيب يسأل عن كل أخطائه مهما كانت درجتها، وقد ذهب كثير منهم إلى أن مساءلة الطبيب عن كل خطأ بدافع الخوف من المساءلة القانونية.
ولأن التفرقة بين الخطأ العادي والخطأ الفني لا تقدم الدقة اللازمة في تحديد مدى درجة مسؤولية الطبيب عن افتعاله، فان الفقه قد اتخذ معيارا آخر لتحديد درجة الخطأ والتمييز بذلك بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير.
وتقر المحاكم للطبيب بالاستقلال في ممارسة مهنته طبقا لما يمليه عليه ضميره فهو لا يسأل عن أخطائه الفنية، كالخطأ في التشخيص والعلا، إلا في حالة الغش والخطأ الجسيم، أو كما لو ثبت انه اظهر جهلا مطبقا بأصول العلم والفن الطبي(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) -  محمد حسين منصور، المسؤولية الطبية، القاهرة : دار الجامعة الجديدة للنشر، 2001م، ص19.
(2) -  نفس المرجع،، ص21.

فالخطأ الجسيم هو " القصور عن عناية أقل الناس كفاية وعدم توقع ما يتوقعه الكافة"، وقد درج القضاء الفرنسي في أحكامه القديمة على التفرقة بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير، لكن الأحكام الحديثة استقرت على أن مسؤوليتهم تخضع للأحكام العامة.
 
المطلب الثاني : عناصر الخطأ الطبي
في مقال لهيئة الإذاعة البريطانية "القسم العربي" أن مجلة بريطانية مختصة بالشؤون الطبية أشارت إلى أن عددا قد يصل إلى 30.000 شخص يتوفون سنويا في بريطانيا بسبب أخطاء طبية.
ودعت المجلة إلى إعادة النظر في إجراءات السلامة الطبية و إلى مزيد من التدريب للأطباء للتقليل من أخطاء الأطباء و الوصول بها إلى حد أخطاء الطيارين أو عمال المحطات النووية.
وأوضح محرر المجلة ريتشارد سميث في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية إلى أن عدد المتضررين سيرتفع إذا ما أضيف إليه من يعانون من عواقب وخيمة من جراء تلك الأخطاء دون أن يصل بهم إلى حد الوفاة موضحا أن تلك النسبة قدرت مقارنة بالنسبة الأمريكية التي تصل إلى حد مائة ألف شخص هناك، يتوفون نتيجة أخطاء يمكن تجاوزها(1).
وقد أدت هذه الأرقام حسب تصريحاته إلى ذعر في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك انه يفوق مجموع عدد من يتوفى أو يصاب نتيجة حوادث السيارات والطائرات والانتحار أو التسمم، ونبه الدكتور سميث إلى عدم إلقاء اللوم بشكل تلقائي على الأطباء وحدهم موضحا أن الأخطاء ليست دائما بسببهم بل أنها قد تحدث بسبب الطاقم الطبي المساعد للطبيب في المستشفيات والعيادات داعيا إلى إعادة النظر في النظام برمته.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سيف سالم، احذروا أخطاء الأطباء قصص ومقالات لها علاقة ببعض الأخطاء الطبية عن مقال لهيئة الإذاعة البريطانية  "القسم العربي"   BBC -on-line   بتاريخ 20/03/2000.

الفرع الأول :  الإهمال   la négligence           
تنص المادة 288 من قانون العقوبات الجزائري على أنه "كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة، يعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات وبغرامة مالية من 1000 إلى 20.000 دج.
فإذا كان الحق في الحياة وسلامة الجسم من الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان,فان أي فعل يشكل مساسا بهذه الحقوق، إنما هو اعتداء على مصلحة يحميها القانون،قد ينتج عنه ضرر مادي أو أدبي يلزم مرتكبه بالتعويض.
فالإهمال هو التفريط وعدم الانتباه وعدم توقي الحيطة والحذر التي من شأنها أن تحول  دون حدوث الضرر.
وبأسلوب آخر، هو محض سلوك سلبي لنشاط ايجابي كان يتعين أن يكتمل باحتياط أغفل مع ذلك اتخاذه، أو هو إغفال الجاني اتخاذ احتياط يوجبه الحذر على من كان في مثل ظروفه للحيلولة دون وقوع القتل أو الإيذاء اللذين كان يمكن لهذا الشخص أن يتقيهما لو أنه أحسن تقدير العواقب وأكثر ما يكون في الأعمال التي تصطحب بشيء من الخطر ويكون من واجب الفاعل محاذرة وإتقان هذا الخطأ(1).
فعن جريدة الاتحاد العدد 9087 الصادرة من دولة دبي أن مواطنا في مدينة العين اكتشف أن الدواء الذي صرفته صيدلية المستشفى بعد فحص طفله المريض أنه منتهي الصلاحية ... ومن حســـن حظ هذا الطفل أن والده اكتشف تاريخ انتهاء الصلاحية قبل أن يقدم له الدواء .... وتوضع بعد هذا الحادث علامة استفهام كبيرة، فوزارة الصحة تقوم بحملات تفتيشية على الصيدليات التجارية في الأسواق وتصادر الأدوية منتهية الصلاحية، أما التي تقارب الانتهاء فإنها تطلب من الصيدلية الانتباه لتاريخها وسحبها قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها ومن يخالف فلا يلوم إلا نفسه.
وإذا كانت الإجراءات الرقابية صارمة على الصيدليات التجارية فمن باب أولي أن تنتبه وزارة الصحة للأدوية التي تضعها على رفوف صيدلياتها!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  مكسح حياة وشرفي صليحة ، المسؤولية الجنائية للأطباء، مذكرة تخرج لنيل شهادة الليسانس في العلوم القانونية – جامعة باتنة، 2002م – 2003م، ص 9.

هذه الحالة مرت بسلام لأن الأب يعرف القراءة والكتابة ولكن لو لم ينتبه لتاريخ الصلاحية فماذا كان يمكن أن يحدث؟
فإذا كانت بعض المشكلات ترى الوزارة أن فيها قضاءا وقدرا وأنها أمور طبيعية تحصل في أرقى المستشفيات وبأيدي أمهر الأطباء، فبماذا ستبرر صرف دواء انتهت صلاحيته؟
الفرع الثاني : الرعونة la maladresse     
تنص المادة 289 من قانون العقوبات الجزائري على أنه (إذا نتج عن الرعونة أو عدم الاحتياط إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تتجاوز 03 أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار أو إحدى هاتين العقوبتين).
يراد بالرعونة سوء التقدير أو نقص المهارة أو الجهل بما يتعين العلم به وأوضح حالاتها أن يقدم الشخص على عمل غير مقدر خطورته وغير مدرك ما يحتمل أن يترتب عليه من آثار، وهي سوء التقدير الذي يرجع إلى الخفة والجهل وعدم الحذق أو سوء التصرف أو عدم الكفاءة(1).
جميلة غزالي، طفلة تبلغ من العمر أقل من سنة، أجريت لها عملية جراحية في مستشفى ابن رشد بالمغرب على مستوى المخ، بعد العملية أخرجت الطفلة لكن أصابع الرجل مبتورة نتيجة تثبيت جهازعلى رجليها على مستوى طاولة العمليات.
ما هي العلاقة بين جراحة في المخ و الرجل؟
هنا رفضت الأم استرجاع ابنتها بل تقدمت بشكوى إلى الوكيل، هذا الأخير الذي طلب من الأم أن تقوم بالمتابعة القضائية للمطالبة بحقها(2).
مثل هذه التدخلات الجراحية تتحول إلى مشكلة، شلل ولما لا، وفيات بسبب سوء التقدير ونقص المهارة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) - مكسح حياة وشرفي صليحة، المرجع السابق الذكر، ص9
 www. casafree. com/erreurs-medicales (2

الفرع الثالث : عدم الاحترازl’imprudence 
عدم الاحتراز هو إقدام الشخص على أمر كان يجب عليه الامتناع عنه أو توقعه للأخطار التي قد تترتب على عمله ومضيه فيه، دون أن يتخذ الوسائل الوقائية بالقدر اللازم لدرء هذه الأخطار. ويتحقق عدم الاحتراز بالاخلال بواجبات الحذر،عندما يقوم جراح العيون بإجراء الجراحة على العينين معا وفي وقت واحد، مع أنه لا توجد ضرورة للإسراع في إجراء الجراحة في العينين في وقت واحد معا، دون اتخاذ الاحتياطات التامة لتأمين نتيجتها والتزام الحيطة الواجبة التي تتناسب وطبيعة الأسلوب الذي اختاره معا في وقت واحد، مما أفقده البصر كلية.
الفرع الرابع : عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح  والأنظمة :
وهي عدم مطابقة سلوك المسؤول مع قواعد السلوك الآمرة والصادرة عن السلطة العامة. وقد استعمل لفظ "القوانين واللوائح والأنظمة" للإحاطة بجميع النصوص التي تقرر القواعد العامة للسلوك،سواء صدرت عن السلطة التشريعية أم عن السلطة التنفيذية ،مثال ذلك النصوص التي تنظم المرور، واللوائح الخاصة بالصحة العامة وتنظيم المهن والصناعات المختلفة، ويتسع لفظ القوانين لتشمل قانون العقوبات.أما اللوائح فتشمل القرارات والتعليمات الإدارية على اختلاف أنواعها.
فمثلا يقوم طبيب أخصائي بممارسة غير مشروعة للطب وهي إعطاء نظارات لتصحيح النظر دون وصفة طبية لكل شخص تجاوز 16 سنة من العمر، خلافا لما نصت عليه المادة 505 من قانون الصحة العمومي الفرنسي(1).
ووفقا للمرسوم التنفيذي رقم 92- 276 المؤرخ في 6 جويلية 1992م  والمتضمن مدونة أخلاقيات مهنة الطب الجزائري، فقد نصت المادة الثانية منه على أن "مضمون مدونة أخلاقيات مهنة الطب تفرض على كل طبيب، طبيب الأسنان، صيدلي أو طالب في الطب، أو في جراحة الأسنان أو في الصيدلة أن يمارس المهنة وفق الشروط المنصوص عليها في التشريع المقنن والمنظم لهذه المهنة.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)     -  محمد يوسف ياسين، المسؤولية الطبية، دمشق : منشورات الحلبي الحقوقية، 2003م، ص90.
 
 
المبحث الثاني : الخطأ الطبي، تعريفه، تطبيقاته، إثباته.
لعل الطريقة الفعالة للتعرف على مفهوم وطبيعة الخطأ الطبي تتمثل في تقصي أنواعه وتطبيقاته في مجالات العمل الطبي المختلفة وهي : العلاج بكل أشكاله ومراحله، الجراحة وما يتبعها.
وعليه سوف نتطرق لذلك في مطلبين، الأول نخصصه للمراحل المختلفة للعلاج  والثاني لإثبات الخطأ وكذلك رابطة السببية.
المطلب الأول : مرحلة الفحص، التشخيص، العمليات الجراحية
الفرع الأول : مرحلة الفحص والأخطاء المرتكبة :
كثيرا ما تقضي الأصول الطبية بأجراء فحوص أولية لاختبار حالة المريض قبل وصف الدواء أو مباشرة طريقة من طرق العلاج، فعدم قيام الطبيب بذلك من باب الإهمال يمكن أن يثير مسؤوليته.
ويستعين الطبيب في الفحص ببعض الأجهزة البسيطة، مثل السماعة الطبية وجهاز قياس الضغط وغيرها من الأدوات المساعدة على اكتشاف موضع وسبب الألم .
وتتمثل الفحوص الطبية في التحاليل والأشعة وإجراء رسومات دقات القلب والموجات فوق الصوتية، وهي كلها فحوصات أولية les examens préalables.
وقد أعفت المحكمة الفرنسية الطبيب من المسؤولية عن عدم قيامه بالفحوص الأولية لسرعة الحالة المعروضة عليه، والتي استدعت التدخل الجراحي الفوري من جهة ولعدم إشارة المريض أو طبيبه المعالج بأن به حساسية خاصة أو سوابق مرضية تستدعي التحفظ من جهة أخرى، حيث أن أهمية السرعة في هذه الحالة تتعدى أهمية القيام بإجراء الفحوص(1).
     وهو ما نصت عليه المادة 9 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري حيث نصت على أن "الطبيب وجراح الأسنان عليهما تقديم الإسعافات للمريض في حالة خطر وفورا، أو التأكيد على ضمان العلاج المناسب".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص55.

      فبما أن تصرف المدعي عليه المستأنف في تركه المدعية على سرير الفحص والانصراف عنها لاهتمام آخر وعدم تقديمه لها المساعدة اللازمة في وضعها للنزول عن سرير الفحص، أن تصرف المدعى عليه، كان يشكل إخلالا بموجبات العناية اللازمة للمريض والتي تمكن في تأمين حصول الفحص في ظروف سليمة وخالية من المحا زير(1).
الفرع الثاني :  مرحلة التشخيص والأخطاء المرتكبة :
يستقر القضاء على أن مجرد الخطأ في التشخيص لا يثير مسؤولية الطبيب إلا إذا كان هذا الخطأ منطويا على جهل ومخالفة للأصول العلمية الثابتة التي يتحتم على كل طبيب الإلمام بها، بشرط أن يكون الطبيب كذلك قد بذل الجهود الصادقة اليقظة التي يبذلها الطبيب المماثل في الظروف القائمة(2).
فالتشخيص إذن هو العمل المحدد للأمراض عند المريض وصفاتها  وأسبابها، فهو فن تخميني يعتمد على المقدرة الطبيعية للطبيب وقوته الخاصة في الملاحظة والاستنتاج والتي تتفاوت من طبيب لآخر.
وفي حكم أيدت محكمة النقض الفرنسية الحكم الصادر بإدانة طبيب من الوجهة المدنية تأسيسا على فكرة فوات فرصة الحياة، وقد حاولت المحكمة العليا إيجاد سند قانوني لهذه الفكرة، وتتعلق وقائع القضية بتكليف أخصائي تخدير بمهمة الإشراف على رعاية آنسة بعد أن أجري لها عملية استئصال الزائدة الدودية appendicectomie، وقد انتابت المريضة بعض الأمراض التي اخفق الطبيب في تشخيصها، وتوفيت المريضة، وقد استوجبت محكمة Colmar في حكمها الصادر في 9 يوليو 1976م مسؤولية الطبيب وألزمته بدفع تعويض كامل لورثة المجني عليها الشرعيين.
وقد أيدت محكمة النقض تأسيس حكم الإدانة على فكرة فوات الفرصة و لكن نقضته فيما يتعلق بقضائه بالتعويض الكامل حيث قررت "أن تفويت فرصة في البقاء على قيد الحياة لا يمنح سوى الحق في تعويض جزئي".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  محمد يوسف ياسين، المرجع السابق الذكر، ص 20.
(2) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 47.

الفرع الثالث : مرحلة العمليات الجراحية والأخطاء المرتكبة  
تحكم الجراحة القواعد العامة في المسؤولية الطبية، فهي من ذات طبيعة الالتزامات التي يتحمل مسؤوليتها الطبيب، ولذلك فهي التزام بوسيلة وعناية وليست في مطلق الأحوال بنتيجة حتى في أبسط الجراحات.
إن فشل الجراحة لا يعتبر قرينة قاطعة على مسؤولية الجراح إذا كان قد قام بواجباته كاملة وفق أصول الفن الجراحي ومعطيات العلم وقت إجراء العملية. 
على الرغم من أنه لم ترد أي نصوص قانونية تجبر الجراح على حضور طبيب مختص في التخدير أثناء العملية، ولكن ذلك أصبح عادة منذ تحول التخدير إلى اختصاص مستقل بذاته.
ونكيف قانونا هذه العلاقة بين الجراح وطبيب التخدير على أنها اشتراط لمصلحة الغير-المريض- (المادة 116/01 من القانون المدني الجزائري)(1).
وتؤكد محكمة النقض الفرنسي سلطة المحكمة في تقدير خطأ الطبيب المستوجب للمسؤولية الجنائية والمدنية، مثال في إجراء جراحة في العينين معا في وقت واحد انتهت بفقد الإبصار(2).
مثال للخطأ الطبي الجراحي الواضح :
تروي شابة من مدينة وجدة كيف أقدم جراح على استئصال كليتها السليمة بدل المريضة ليتركها في مواجهة الموت في أي لحظة(3).
إن مسؤولية الجراح تكون ذات طبيعة عقدية إذا اختار المريض بنفسه الطبيب المخدر، أو إذا قبله ضمنيا أو عبر عن قبوله اختيار الجراح، أو قبل أن يشترط هذا الغير لمصلحته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) -  M.M. HANNOUZ, et R. HAKEM, précis de droit medical à l’usage des  praticiens  de la medicine et du droit, o.p.u, Alger, repression, 1992, p59   
(2) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 83.
(3) -  القانون والقضاء في صف الأطباء، عن موقع الأنترنيت  www.alwatan.com

والمثال التقليدي لأخطاء الجراحين هو نسيان قطعة شاش في جسم المريض وعلى أن الفقه دأب على اعتبار ذلك خطا طبيا،إلا أنه وبالنظر إلى خطورة الجراحة ودقتها، حيث تتطلب الحذر الشديد واليقظة، وحيث كل دقيقة تمر تحسب من وقت العملية. اعتبر القضاء هذا النسيان مجرد حادث جراحي وعلى النقيض من ذلك نسيان أداة أو مقص يعتبر خطا جسيما حيث يقف القضاء موقفا حازما.
ويبدو أن مثل هذا الخطأ كثير التكرار نظرا لأن الشاش الطبي المبلل بالدماء ينكمش ويندمج داخل أحشاء الجسم ويصعب تمييزه، ويلقي الجراح غالبا بالمسؤولية على عاتق الممرضة .
ففي إحدى القضايا بعد إجراء الجراحة بنجاح بستة أشهر أصيب المريض بآلام حادة وارتفاع في درجة الحرارة ولم تجد معه كافة الأدوية، ولم يكن هناك بد من إعادة فتح الجرح، فتم العثور على الشاش المتعفن، رغم استخراجه، إلا أن المريض مات بعد عدة أيام تأثرا بالتقيحات والالتهابات، والآثار السيئة لذلك الخطأ. دفع الجراح بمسؤولية الممرضة لكن المحكمة رفضت هذا الدفع حيث ينبغي عليه التأكد من نقاء الجرح قبل قفله، وأن يتأكد من عدد قطع الشاش المستعملة ولا يكفي مجرد سؤال الممرضة عما إذا كانت قد راجعت العدد(1).       
لا شك أن مثل هذا السؤال يلقي بجانب من المسؤولية على الممرضة. إلا أن ذلك لا يعفي الجراح من المسؤولية.
وكذلك يعتبر طبيب التخدير مسؤولا شخصيا عن أخطائه في إطار الفريق الطبي متى ثبت ثبوتا أكيدا وواضحا أن خطأه فقط هو الذي أدى إلى الضرر، ويستقر القضاء على أن الجراح لم يعد مسؤولا عن أخطاء طبيب التخدير طالما المريض لم يعترض على تواجده لافتراض قيام عقد ضمني بين الطرفين.
المطلب الثاني : عبء الإثبات la charge de la preuve.   
طبقا للقواعد العامة فان المريض (المدعى) هو الذي يقع عليه عبء إثبات عناصر المسؤولية الطبية من خطأ وضرر وعلاقة السببية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص85.
وإن كان إثبات الضرر يعد أمرا لا يثير كثيرا من الصعوبات إلا أن الأمر يختلف فيما يتعلق بإثبات الخطأ ورابطة السببية .
حسبما تقدم يعتبر الطبيب مخطئا إذا أخل بأصل من الأصول العلمية سواء كانت مدونة أو عرفية فهي تشكل الحد الأدنى للحيطة، والأصول العلمية إما أن تكون ثابتة بقوانين عامة أو خاصة(1).
الفرع الأول : إثبات خطأ الطبيب
المبدأ العام هو أن الطبيب يلتزم ببذل عناية، ويترتب على ذلك أنه ينبغي على المريض –حتى يثبت تخلف الطبيب عن الوفاء بالتزامه– إقامة الدليل على إهمال الطبيب أو انحرافه عن الأصول المستقرة في المهنة، أي أن سلوك الطبيب لم يكن مطابقا لسلوك طبيب مماثل من نفس المستوى، وذلك مع الأخذ في الاعتبار الظروف الخارجية المحيطة به(2).
فالقاعدة العامة في الإثبات أن (البينة على  من ادعى)، ومؤدى ذلك أن يثبت المضرور أن ثمة ضررا أصابه نتيجة لخطأ اقترفه المدعى عليه، ولما كان الخطأ هو الإخلال بالتزام يفرضه القانون أو يتبناه فان الفعل الخطأ هو عبارة عن واقعة قانونية وليس تصرفا قانونيا، ومن ثم يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ،فإذا ادعى مريض مثلا أن طبيبه الجراح قد ترك أداة من أدوات الجراحة في جسمه عند إجراء جراحة له، وجب عليه أن يثبت أن الجراح قد استخدم هذه الأداة في الجراحة وأنها وجدت فعلا في موضع الجراحة(3).
وكذلك إذا ادعى المريض أن الطبيب أهمل تعقيم الإبرة التي حقنه بها و لم يستطع المريض المدعى أن يثبت بطريق مباشر واقعة عدم التعقيم، فان هذه الواقعة يمكن أن تستنبط عن طريق القرائن القضائية طالما أنه ثبت أن موضع الحقنة قد التهب وظهرت عليه آثار التلوث عقب إجراء الحقن بقليل. ولو أن الحقن حاليا أصبحت لاستعمال واحد أي لمرة واحدة.  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سمير عبد السميع الأودن، مسؤولية الطبيب الجراح وطبيب التخدير ومساعديهم، مدنيا وجنائيا- واداريا : الاسكندرية :  منشأة المعارف ، 2004م ، ص81.
(2)  -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 178.
(3)  -   سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص78.

فإذا ما وقع خطا الطبيب على أصل مدون بنصوص قانونية ،فيعتبر الخطأ ثابت فور مخالفة الطبيب لأي نص من هذه النصوص، بمعنى انه نزل بسلوكه عن الحد الأدنى للحيطة اللازمة لحماية حقوق المريض ويبدو ذلك في عدم مراعاة الطبيب للقوانين واللوائح والأوامر ومن أمثلة ذلك:
- أن يقوم الصيدلي بإعطاء حقنة بدون ترخيص.
- أو يقوم طبيب الأسنان بفتح أكثر من عيادة.
- أو يقوم طبيب التخدير بإجراء عملية جراحية.
- أو تقوم المولدة بمزاولة عملها دون الحصول على ترخيص أو بناءا على إذن من طبيب لو كان مختصا بأمراض النساء(1).
الفرع الثاني : إثبات رابطة السببية    
تقضي القواعد العامة بأنه لا يكفي لكي تتحقق مسؤولية الطبيب بشقيها المدني والجنائي أن يقع ضرر بالمريض وخطأ من الطبيب ،بل يجب أيضا أن يكون الضرر الذي أصاب المريض نتيجة لذلك الخطأ الذي وقع من الطبيب، ولا يكفي في ذلك مجرد اقتران الخطأ بالضرر بل يجب أن يكون هذا الضرر لاحقا للخطأ وناشئا عنه بحيث لا يمكن تصور وقوع الضرر ولو لم يحصل الخطأ.
وقد عنى الفقه وخاصة الألماني،بتحديد معنى السببية وأسفر ذلك عن اتجاهين رئيسيين في بيان مدلولهما (الأول) وهو الذي تعبرعنه نظرية تكافؤ الأسباب، ومقتضاها أن السبب هو العامل الذي تدخل في إحداث الضرر،بحيث لولاه لما وقع، فإذا تعددت هذه العوامل التي لو تخلف أحدها ما وقع الضرر، وكانت جميعا أسبابا متكافئة في إحداثه، والاتجاه (الثاني) على العكس، لا يسوي بين هذه العوامل المتعددة فلا يعتبرها جميعا أسباب لمجرد أنه لو تخلف احدها ما وقع الضرر، بل يفرق بينها، فمنها ما يربطه بالضرر علاقة سببية بالمعنى الدقيق ومنها ما لا يرتفع إلى مرتبة السبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 78.

ويقع عبء إثبات علاقة السببية بين الخطأ الذي وقع من الطبيب والضرر الذي لحق بالمريض على عاتق هذا الأخير، وله أن يلجأ في ذلك إلى كافة الوسائل، ويمكن أن يلعب أهل الخبرة دورا هاما في هذا المجال، حيث من الممكن عن طريقهم معرفة ما إذا كانت هناك علاقة سببية بين الخطأ و الضرر(1).
وقد وقفت بعض المحاكم حائرة أمام العوامل المتشعبة التي تؤثر في نتيجة العلاج فمالت إلى التشدد في تقدير علاقة السببية مقررة استبعادها طالما لم يثبت لها بطريق قاطع أن خطا الطبيب قد تفاعل في إحداث الضرر بحيث لولاه لما وقع.
        
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص149.

 
الفصل الثاني : مفهوم المسؤولية الطبية والالتزام الطبي
المبحث الأول : مفهوم المسؤولية الطبية ونطاقها.
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للمسؤولية الطبية.
الأصل أن المرء لا يسأل إلا عن خطئه الشخصي (ألاّ تزر وزارة وزر أخرى)(*) أن الخطأ هو إخلال بواجب قانوني مقترن بادراك المخل إياه، فلا يسأل المرء عن نتيجة خطأ يره إلا إذا كان واجبا عليه أن يراقب ذلك الغير وأن يمنعه من ارتكاب أخطاء تضر بالآخرين.
وقد ورد في نص المادة 48 من مدونة أخلاقيات مهنة الطب الجزائري من أن (الطبيب وجراح الأسنان مطالبون بتقديم العلاجات في جو تعاوني من الواجب أن يكون مدعما لكسب احترام قواعد الوقاية، مع التنبيه للمريض ولمحيطه الأسري من أن ذلك يدخل ضمن مسؤولياتهم ومسؤولية زملائهم .....).
ولقد نصت المادة 1383 من القانون المدني الفرنسي من أن مسؤولية الفعل الناجم عن كل من هو تحت الحماية أو الأشخاص الذين يتمتعون بالسلطة، ويقابلها في القانون المدني الجزائري المادتين 136 و 138.
فالمواد 124- 136 و 138 من القانون المدني الجزائري تحدد الطبيعة أو الأساس القانوني لمسؤولية الطبيب.
الفرع الأول :  المسؤولية التعاقدية :
إن المسؤولية بوجه عام هي حالة الشخص الذي ارتكب أمرا يستوجب المؤاخذة، فإذا كان الأمر مخالفا قواعد الأخلاق فحسب وصفت مسؤولية مرتكبه بأنها أدبية واقتصرت على إيجاب مؤاخذة أدبية لا تعدو استهجان المجتمع ذلك المسلك المخالف للأخلاق.
وفي حالة المسؤولية المدنية يكون الفاعل قد أخل بالتزام مقرر في ذمته وترتب على هذا الإخلال ضرر للغير فيصبح مسؤولا قبل المضرور، وملتزما بتعويضه عما أصابه من ضرر  ويكون للمضرور وحده حق المطالبة بالتعويض، ويعتبر هذا الحق خالصا له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) – سورة النجم، الآية 37.

والمسؤولية التعاقدية تأخذ منبعها من العقد فهي إذن : (العقد هو اتفاقية من خلالها يستطيع شخص أو عدة أشخاص مجبرين تجاه شخص أو عدة أشخاص آخرين، للقيام بفعل أو الامتناع عن فعل شيء (نص المادة 54 من القانون المدني الجزائري)، فهو اتفاق إرادي يهدف إلى تحقيق غاية، نحن مجبرون لأننا أردنا ذلك ولأننا مجبرين على تنفيذ آداء.
الفكرة الرئيسية هنا هي احترام الوعد وهذا الوعد يولد فكرةالالزام التعاقدي(1).
والمسؤولية التعاقدية تنجم عند التباطوء في عدم تنفيذ الطرف الأول للعقد  وللالتزامات أو سوء تنفيذها مما يتسبب ذلك في قيام الطرف الثاني للعقد بالاحتجاج عن الأضرار.
مختلف حالات المسؤولية التعاقدية :
لقد تضمن القانون المدني الجزائــري على 03 حالات للمسؤولية التعاقدية وهي :
1 - المسؤولية الناتجة عن فعل شخصي بإحداث ضرر (المادة 124 الى 133 قانون مدني جزائري).
2 - المسؤولية الناتجة عن فعل الغير (المادة 134 إلى 137 قانون مدني جزائري).
3 - المسؤولية الناتجة عن فعل الأشياء (المادة 138 إلى 140 قانون مدني جزائري).
أما المذهب الكلاسيكي فهو يشترط على الضحية لقيام المسؤولية إثبات ثلاث شروط وهي  :
1 - الخسارة الملحقة بالضحية.
2 - إثبات الخطأ.
3 - علاقة السببية بين الخطأ و الضرر.
أما المذهب الحديث فهو يعتمد لقيام المسؤولية على فكرة الضرر أو أكثر، وعلى الضحية إثبات الخطأ وهو شيء يصعب إثباته. خاصة في القطاع الصحي أو في الميدان الطبي.
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - M.M. HANNOUZ : op.cit - p12

الفرع الثاني : المسؤولية التقصيرية
تقوم المسؤولية التقصيرية كجزاء على الإخلال بالتزام قانوني سابق ومن ثم يكـــون مصدرها العمل غير المشروع، يستند الالتـــزام بالتعويض مباشرة إلى نص قانوني يفرضه، ومن هنا يمكن أن يطلق على الالتزام بالتعويض في هذه الحالات - تجاوزا- أنه مسؤولية مدنية مصدرها القانون أو أنها مسؤولية قانونية(1).
1)  -  النظرية التقليدية أو نظرية ازدواج المسؤولية المدنية :
استند أنصار النظرية التقليدية القائلة بالمغايرة التامة بين المسؤوليتين التعاقدية والتقصيرية وهي جزاء الإخلال بالالتزام العقدي تعتبر ناشئة من العقد مباشرة وتخضع لأحكامه ولارادة العاقدين، وأن المسؤولية التقصيرية وهي التزام بتعويض، إنما تنشأ عن فعل ضار مخالف لالتزام قانوني، فيعتبر هذا الفعل الضار مصدرها وتنظم أحكامها نصوص القانون، أي أن الأول مصدرها إرادة العاقدين، في حين أن الثانية مصدرها القانون والفعل الضار.
2)  -  النظرية الحديثة أو نظرية وحدة المسؤولية المدنية :
كان لمغالاة النظرية التقليدية في القول بازدواج المسؤولية المدنية وبمغايرة المسؤولية العقدية للمسؤولية التقصيرية في طبيعتها وفي أحكامها رد فعل شديد في أواخر القرن الماضي، فنهض لمحاربتها الفقيهان jrain-mouling et lefebvre حيث تطرقا إلى إثبات وحدة المسؤولية العقدية والتقصيرية.
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني في الالتزامات، في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الثالث، الطبعة الخامسة، بيروت : مكتبة صادر، ب. ت، ص 5.

وجه الحقيقة في هذه الفروق  و موقف المشرع الحديث منها :
ظهرت نظرية وسطة اعتنقتها الغالبية الكبرى من الفقهاء الحديثين تسعى إلى التوفيق بين هاتين النظريتين المتطرفتين في أساسها وطبيعتها، ولكنها تسلم بوجود الفروق العملية.التي قررتها نصوص تشريعية بين أحوال المسؤولية الناشئة من الإخلال بالتزام عقدي وأحوالها الناشئة من الإخلال بالتزام قانوني(1).
المطلب الثاني :  نطاق المسؤولية الطبية :
إذا باشر الطبيب علاج مريض في ظروف عادية، فالغالب أن يكون ذلك بناء على اتفاق بينهما، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية منذ أكثر من قرن باعتبار المريض ملزما بأتعاب الطبيب التزاما تعاقديا(2).
وكان يجب بناء على ذلك أن يعتبر التزام الطبيب بالعلاج التزاما تعاقديا أيضا، وأن يترتب على الإخلال به مساءلة الطبيب طبقا لقواعد المسؤولية التعاقدية، غير أن المحاكم الفرنسية لم تأخذ أول الأمر بذلك بل ظلت إلى ما بعد انقضاء الثلث الأول من القرن الحالـي تعتبر مسؤولية الطبيب عما يقع منه من خطأ أو إهمال في علاج المريض مسؤولية تقصيرية تتطلب من المريض إقامة الدليل على خطأ الطبيب.
والشراح الفرنسيون رجعوا منذ أوائل هذا القرن إلى تكييف مسؤولية الطبيب تكييفا صحيحا بقطع النظر عن فائدة التفرقة بين نوعي المسؤولية من الوجهة العملية واعتبروها مسؤولية تعاقدية مصدرها الإخلال بالالتزام الناشئ بين الطبيب والمريض وتوقعوا أن المحاكم لابد عائدة إلى هذا التكييف متى عرضت عليها المسألة في صورة تكون فيها التفرقة بين نوعي المسؤولية ذات أهمية عملية.
وقد تم ما توقعوا، فقد عرضت محكمة النقض في سنة 1936م هذه الصورة المرتقبة في قضية كانت تدور فيها الأهمية حول تعيين المدة التي تتقادم بها دعوى مسؤولية الطبيب الناشئة عن إهماله في العلاج إهمالا يقع تحت طائلة قانون العقوبات.
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  -  سليمان مرقس، المرجع السابق الذكر، ص 40.
(2)  -  نفس المرجع، ص 59.

ويترتب عليه بالتالي نشوء دعوتين متميزتين، دعوى مدنية ودعوى عمومية (جنائية)، وهل يمكن اعتبار مدة التقادم الجنائي (وهي 03 سنوات) أم هي مدة التقادم المدني (وهي 30 سنة) كما تقضي به قواعد المسؤولية التعاقدية.
وأخيرا قضت المحكمة في 20 ماي 1936م باعتبار مسؤولية الطبيب مسؤولية تعاقدية لا تسقط بسقوط الدعوى العمومية.
إذن المسؤولية الطبية تأخذ مصدرها من العقد الذي يتشكل بين الطبيب والمريض، ويترتب عن ذلك نتيجتين(1) :
1 - عبء الإثبات لا يتمثل في الطبيعة التعاقدية أو الطبيعة الجنائية للإلزام الذي يزن هذا العبء بالنسبة للفاعل والضحية ولكن في الغرض من الموضوع.
2 - هناك إلزام بالاحتياط والعناية اللازمة، على الضحية أن تثبت أن الفاعل لم يقم بذلك وإثبات الدليل.
الفرع الأول :  المسؤولية على أساس الخطأ
إن إعادة التأكيد على أن الأساس في المسؤولية لأجل الخطأ لها صلة بالتزام موظفي الصحة الممارسين الأحرار، ومؤسسات الصحة، مصالح الصحة وكل شخص معنوي يمارس وظيفة الوقاية، التشخيص أو العلاج، كلهم متكفلون بمسؤولياتهم المدنية.
فمن المقرر قانونا أن كل إهمال أو عدم انتباه، أو عدم مراعاة الأنظمة، يفضي إلى القتل الخطأ، يعرض صاحبه للمسؤولية الجزائية، متى ثبت أن خطأ الطبيب أدى إلى وفاة الضحية، وتوفرت العلاقة السببية بينهما استنادا لتقرير الخبرة، واعترافات المتهم، إذ أمر بتجريع دواء غير لائق بصحة المريض(2).
والمستشفيات العامة هي مصالح عمومية يجري العمل فيها طبقا للقوانين واللوائح التي تنطبق ليس على القائمين بأمرها فقط بل على المرضى الذين يعالجون فيها، فهؤلاء جميعا في مركز قانوني تحدده قوانين المصلحة.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - AYADI ABDERRAHMANE, spécificité de la responsabilité médicale en psychiatrie. alger : Juin 2005. p8. 
(2) -  طاهري حسين، الخطأ الطبي والخطأ العلاجي في المستشفيات العامة (دراسة مقارنة). الجزائر : دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2004م، ص355.

فمسؤولية الدولة على خطأ الأطباء الداخلين في السلك الدائم هي مسؤولية مباشرة،طالما أن خطأهم قد حصل في الدائرة التي يقومون فيها بالعمل باسم الدولة، إذ في حدود هذه الدائرة يعتبر نشاط الطبيب نشاطا للدولة، فتختفي شخصية الطبيب وتبرز شخصيتها.
لذلك قررت الدولة أن مسؤولية الإدارة تنشأ عن أي خطأ من المشرفين على إدارة المستشفى وعن الخطأ الجسيم من القائمين بالعمل الطبي، وأن مسؤولية المستشفيات منوطة بحصول خطأ في تنظيم المصلحة أو خطأ جسيم في العلاج الجراحي الذي أجري على المريض.
فعندما يتعلق الأمر بالمرافق الطبية، فان مجلس الدولة الفرنسي يتطلب الخطأ الجســــيم لإمكان مساءلــــة الإدارة بالتعويض عن الأضرار المترتبة على الأعمال الطبية، أما الخطأ البسيط فهو لا يكفي لتحريك المسؤولية إلا إذا كان سبب الخطأ سوء تنظيم وإدارة العمل المرفقي(1).
والتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ ألمصلحي صعب التحديد نوعا ما حسب أحكام القضاء، وهناك من يرى أن المعيار في التفرقة بينهما ينحصر في عنصرين وهما : نية الطبيب وجسامة الخطأ .
- فإذا كان الطبيب يؤدي عمله نزولا عند مصلحة خاصة به أو ليشبع رغباته، حيث أن خطأه كان جسيما وإهماله كان فاحشا، فالخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا.
- أما إذا كان الطبيب يؤدي مهامه وفق ما أوكل إليه، فما يصدر عنه من خطأ فهو مصلحي، كأن يقوم بإجراء عملية الشبكية للمريض الأعمى بسبب ظهور العصب البصري، فرغم علم الطبيب بالحال المريض إلا أنه يقوم بإجراء العملية بقصد الربح مستغلا أمل المريض في الإبصار رغم استحالة ذلك.
فإذا اقترف طبيب المستشفى العمومي أو الممرض خطأ فيما يتولاه من علاج ما تسبب عنه سوء حالة المريض، فانه إذا كان منه جهلا، فهو خطأ مصلحي، أما إذا كان فيما يجريه بقصد التجربة مثلا فهو خطأ شخصي، وكذلك الجراح الذي يجري جراحة بغير رضاء المريض، فالرابح أن رضاء المريض لا يضفي وصف المشروعية على فعل الطبيب، لأن الرضاء ليس سببا من أسباب الإباحة في الجرائم التي تمس جسم الإنسان حيث أن سلامته تعد من النظام العام وحمايته أمر تقتضيه مصلحة المجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 234.

وعندما تستخدم المستشفيات العامة أساليب علاج جديدة دون أن يثبت بصفة نهائية النتائج المترتبة عليها أو بعبارة أخرى دون أن يعرف بعد الآثار المترتبة عليها على وجه الثقة، وإذا ما سبب العلاج الجديد أضرارا للمريض (كمضاعفات استثنائية وغير عادية بطريقة خطرة أو جسيمة وكانت كنتيجة مباشرة للعلاج)، فان القاضي الإداري يعتبر أن المريض قد أصابه خطر، خاصة إذا كان الالتجاء إلى هذه الأساليب العلاجية الجديدة لم يكن لازما لأسباب ضرورية لحياة المريض  (حكم المحكمة الإدارية لمدينــــة Lyon الفرنسية الصادر في 21 ديسمبر1990م في قضية (Consorts Gomez.
الفرع الثاني : المسؤولية دون خطأ
إذا كان الخطأ هو أساس المسؤولية المدنية دائما، فان الأمر لا يقتصر على ذلك فيما يتعلق بالمسؤولية الإدارية، حيث يعرف القضاء الإداري أساسا آخر للمسؤولية غير الخطأ، حيث يمكن أن تترتب المسؤولية دون خطأ وهذا ما يعرف بالمسؤولية بدون خطأ أو على أساس المخاطر(1).
     إلا أن من الواجب أن نبادر بالتنبيه على الصفة الاستثنائية للمسؤولية بدون خطأ ،فلا تزال القاعدة العامة، إقامة المسؤولية على أساس الخطأ، ولا تترتب المسؤولية بدون خطأ إلا على سبيل الاستثناء وبشروط  معينة، وهذا ما يتعلق بالوضع في فرنسا(2).
الاختصاص القضائي بدعوى المسؤولية :
إن الدعوى التي يرفعها المريض ضد الطبيب أو الجراح والذي ارتكب خطأ طبيا هي ليست من اختصاص القضاء العادي وإنما القضاء الإداري، بشرط أن لا تشكل أخطاء شخصية منفصلة عن أداء الخدمة الصحية المكلف بأدائها.
أما إذا كان الخطأ الذي ارتكبه الطبيب لحسابه الشخصي فهو يخضع للقضاء العادي وتطبق عليه قواعد المسؤولية المدنية.
هذا ويجب حتى تتحقق المسؤولية للمرافق الطبية العامة من توافر شرطين(3) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - محمد صبحي محمد نجم، رضاء المجني عليه وأثره على المسؤولية الجنائية (دراسة مقارنة)، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1983م، ص 181.
(2) - عبد الله حنفي، قضاء التعويض (مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية)، القاهرة : دارالنهضة العربية، 2000م، ص 343 
(3) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص253.

الأول : هو تحقـق الضرر للشخص، ويجب أن يكون الضرر مباشرا، أي يكون بمثابة النتيجة المباشرة لنشاط المرفق، بمعنى أن توجد علاقة مباشرة بين نشاط المرفق العام والضرر، وإلا سقط الحق في التعويض، كما يلزم أن يكون الضرر محققا، أي مــؤكد الوجود، ويـمكن أن يكون قد وقـع فعلا أو سـيقع في المستقبل (فالضرر الذي يصيب الطفل المريض بعجز في ساقه يحول بينه وبين القدرة على ممارسة عمله في المستقبل ضرر محقق وإن كان في المستقبل). ومن شأن هذا الضرر أن يتحمل المرفق الطبي تعويض الطفل المصاب عنه، أما الضرر الاحتمالي، فلا يجب التعويض عنه.
فما معنى التقادم إذن في هذه الحالات؟
كما يجب أن يكون الضرر الموجب لمسؤولية المرفق الطبي دون خطأ، هو الضرر الشخصي، أي الضرر الذي يصيب شخصا معينا بذاته أو أشخاصا معينون بذواتهم.
والضرر الذي يثير مسؤولية المرفق الطبي العام دون خطأ، يجب أن يكون جسيما أو استثنائيا في مداه وحجمه، ويقدر هذا وفقا لحالة المريض عندما يصاب بمرض آخر جديد عند إقامته بالمستشفى العام للعلاج. (التعفنات أو العدوى الاستشفائية Les infections nosocomiales).
الثاني : يشترط في المسؤولية الطبية للمرفق العام أن تتحقق علاقة مباشرة بين نشاط الإدارة والضرر الذي أصاب المضرور، أي أن يكون الفعل الضار الصادر من الإدارة هو الذي سبب الضرر.
فالشرط الثاني هو رابطة السببية بين نشاط الإدارة والضرر الناتج عنه.
ونجد أن مجلس الدولة الفرنسي رفض إقرار المسؤولية دون خطأ للمرفق الطبي وهذا لعدم إثبات رابطة السببية بين آداء المرفق والضرر، لكن بالمقابل نجد أن إثبات رابطة السببية في المجال الطبي ليس سهلا، ولنعطي مثالا على ذلك المصاب بفيروس الايدز نتيجة نقل دم ملوث.
وفي غير هذا النظام الخاص بشأن التعويض عن الإصابة بفيروس الايدز بسبب نقل الدم، فالتعويض عن الأضرار غير العادية المتولدة عن نشاط المرفق الطبي يبقى خاضعا لإثبات علاقة السببية بين نشاط المرفق والضرر الذي لحق المضرور(1).
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 255.

ومن بين التطبيقات القضائية في بلادنا الجزائر في إقامة مسؤولية المستشفى، قرار المحكمة العليا (الغرفة الإدارية) المؤرخ في 29 جانفي 1979م، حملت فيها المسؤولية لمستشفى مصطفى باشا الجامعي(1) :
تستخلص وقائع هذه القضية أن الشاب (ب) أدخل المستشفى بسبب كسر في يده اليسرى وقدم له بعض العلاج الولي اثر قبوله، غير انه أهمل فيما بعد ولم تقدم له أي علاجات وبقي دون مراقبة، وبعد مضي أربعة أيام أصيب بتعفن مما لزم بتر يده.
كما أن المحكمة العليا حملت مسؤولية المرفق الصحي،الإهمال في العلاج في قرارها بتاريخ 26 أفريل 1992م وبينت المحكمة العليا (الغرفة الإدارية) قضائها على أساس تفويت فرصة الحياة أو الشفاء، وقضت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء قسنطينة بتحمل المستشفى المسؤولية بسبب نشاط علاجي في قرارها بتاريخ 19 سبتمبر 1975م بسبب سوء قلع الضرس(2).
المبحث الثاني :  الإجماع على أن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية :
سواء في الأحوال التي تقوم فيها بين الطبيب والمريض علاقة عقدية أو في الأحوال الأخرى التي لا يكون فيما بينهما مثل هذه العلاقة، تتحدد التزامات الطبيب وفقا لما تقضي به قواعد المهنة وقوانينها، ما لم ينص العقد على زيادة بعض الالتزامات أو نقصها في الحدود التي لا يجوز فيها الاتفاق على ذلك.
ومن المسلم بوجه عام أن قواعد المهنة وقوانينها لا تفرض على الطبيب التزاما بشفاء المريض ولا حتى بضمان عدم استفحال المرض وإنما تلزمه فقط أن يبذل في علاج المريض قدرا من العناية، فمتى بذل الطبيب هذا القدر من العناية برءت ذمته ولو لم يشف المريض أو بعبارة أخرى أن التزام الطبيب التزام بوسيلة وليس التزام بنتيجة.
ومن الظروف الظاهرة التي يجب أن يقام لها وزن في تحديد مدى التزامات الطبيب ما عرف عنه من علم أو خبرة أو تخصص في ناحية معينة وهو ما يسميه بعض الشراح، المستوى المهني للطبيب، لأن هذا المستوى يكون معروفا للناس ظاهرا لهم بحيث يوحي إليهم ثقة مشروعة في أن الطبيب سيبذل قدرا من العناية تتفق مع هذا المستوى(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  طاهري حسين، المرجع السابق الذكر، ص 49.
(2) -  نفس المرجع، ص 50
(3) -  سليمان مرقس، المرجع السابق الذكر، ص 398.

ولقد نصت مدونة أخلاقيات الطب الجزائري في المادة 6 من أن (الطبيب وجراح الأسنان هم في خدمة الفرد والصحة العمومية، حيث يمارسون وظائفهم في إطار احترام الحياة والفرد البشري).
بالموازاة قررت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الشهير الصادر في 20 ماي 1936م أن العقد الذي يتم بين الطبيب والمريض يوجب على الأول إن لم يكن بطبيعة الحال الالتزام بشفاء المريض، فعلى الأقل بأن يبذل عناية لا من أي نوع، بل جهودا صادقة يقظة متفقة مع الظروف التي يوجد بها المريض ومع الأصول العلمية الثابتة(1).
المطلب الأول :  مدى التزام الطبيب
من المسلم أن الطبيب الذي يتخذ مسلكه نموذجا تتحدد بمقتضاه التزامات الطبيب المدعى عليه،يفرض فيه أن يبذل في علاج مريضه- كما تقول محكمة النقض الفرنسية- جهودا صادقة يقظة ومتفقة مع الأصول الثابتة، فيما عدا حالة الظروف الاستثنائية(2).
هذه هي القـاعدة التي تتحدد وفقا لها التزامات الطبيب فيما يتعلق بالعلاج، سواء وجد بينه وبين المريض عقد أو لم يوجد،مادام العقد إن وجد لا ينص على تعديل هذه الالتزامات ولكن إذا تضمن العقد اتفاقا على زيادة هذه الالتزامات أو على نقضها، أيكون الاتفــاق صحيحا واجب التطبيق أم لا؟، وبعبارة أخرى، أيصح أن يتعهد الطبيب بأكثر من بذل العناية الواجبة طبقا للمعيار المذكور أو أن لا يلتزم إلا ببعض هذه العناية؟.
    لقد ثار الشك فيما يتعلق بجواز تعهد الطبيب بشفاء المريض، فذهب البعض إلى بطلان هذا العقد لاستحالة محله، ولكن الراجح صحته لأن الشفاء ليس مستحيلا.
ويؤخذ في الحسبان كذلك عند تحديد مدى التزام الطبيب ،الظروف الخارجية التي يوجد فيها ويعالج فيها المريض، كمكان العلاج والإمكانيات المتاحة، كأن يكون ذلك في مستشفى مزود بأحدث الآلات والمخترعات أو في جهة نائية منعزلة لا وجود فيها لشيء من هذه الإمكانيات، أو أن تكون حالة المريض في درجة من الخطورة تقتضي إجراء جراحة له فورا في مكان وجوده ودون نقله إلى مستشفى أو عيادة(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 204.
(2) -  سليمان مرقس، المرجع السابق الذكر، ص 400.
(3) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 207.

بالإضافة إلى أن الجهود المبذولة من طرف الطبيب يجب أن تكون متفقة مع الأصول العلمية الثابتة، فمن غير المعقول استعمال الوسائل الطبية البدائية التي لا توافق التطور العلمي الحديث.
الفرع الأول :  الالتزامات التي تتصل بالواجبات الإنسانية والأخلاقية
فيما يتعلق بواجب الطبيب تلبية نداء المريض أو المبادرة إلى إسعافه أو علاجه ولو دون طلب في حالات الخطر العاجل، ثار الشك حول حق الطبيب في الامتناع عن تلبية نداء المريض أو عدمه، وبالتالي حول مسؤولية الطبيب عن امتناعه عن علاج  مريض في حالة خطرة؟.
إن التزامات الطبيب ليست مقصورة على عنايته بعلاج المريض الذي يتولى العلاج أو الإسعاف على الأقـــل، وإلى إلزامه بمواصلة العناية بالمريض وعدم ترك علاجــه من غــير أن تتوفــر له أســباب العــلاج عن طريق طبيب آخر، والى ضرورة الحصول على رضا خاص من المريض بكل علاج يحتمل منه الضرر وبكل جراحة خطرة، والى عدم إفشاء سر المريض فيما يتعلق بمرضه وأسباب هذا المرض.
ولعل أظهر التزام يرتبط بالناحية الأخلاقية والإنسانية لمهنة الطب هي(1) :
* التزام الطبيب بإعلام المريض والحصول على موافقته، فان مخالفة هذا الالتزام يمثل خطأ يؤدي إلى قيام مسؤوليته لأنه لا يتضمن عنصر الاحتمال، فهو ليس التزاما ببذل عناية وإنما التزام بتحقيق نتيجة أو غاية، وكل ذلك انطلاقا من مبدأ الثقة التي يوليها المريض في الطبيب.
* كما أنه من أكثر الالتزامات التصاقا بواجبات الطبيب الأخلاقية والإنسانية هو التزامه بحفظ أسرار المهنة، أي أن يقع على الطبيب التزام بالاحتفاظ بكل ما يصل إلى علمه أو يكتشفه عن المريض من أسرار ولا يفشيها للغير.
إن واجب الطبيب في الاحتفاظ بأسرار المريض هو واجب تمليه الشريعة الدينية إلى جانب أنه التزام قانوني، حيث يشكل الإخلال بهذا الالتزام مساءلة جنائية ومدنية، لماذا؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 314.

لأن المريض عندما يضع ثقته في طبيبه وراء رغبته في الشفاء مما يعانيه من آلام، يدفعه ذلك إلى الإباحة بأدق أسراره حتى أنه يخبره بأمور لم يطلع عليها أحد، ونكون أمام جريمة الإفشاء إذا أفشى الطبيب ولو جزءا من السر مهما كان يسيرا.
ويمكن أن يصل الأمر إلى أبعد الحدود في الالتزام بكتمان السر الطبي حتى بعد وفاة المريض،إذ يجوز لورثة المتوفى رفع دعوى ضد الطبيب إذا مسهم ضرر نتيجة الإفشاء بسر المتوفى.
ولكن ما معنى السر؟
لقد وجدت صعوبة في تحديد معناه وتباينت الآراء، فمنهم من يرى أنه ما يضر بالسمعة والكرامة، ورأي آخر يرى انه كل ما من شأنه البوح به، إحداث ضرر بشخص ما.
وقد جرى العرف على اعتبار بعض الأمراض المعدية مثل (البرص، الجذام، الزهري) وغيرها من الأمراض المعدية المشابهة، من قبيل الأمراض التي لا يجوز إفشاء سرها لأنها بطبيعتها تدعو إلى النفور من المصاب بها مما يمس طمأنينة صاحبها و يجرح مشاعره(1).
ولقد نصت المادة 37 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على أن (السر المهني يسمح للطبيب وجراح الأسنان بإخفاء كل ما رأوه أو سمعوه من باب الثقة أثناء مزاولتهم لمهنتهم).
كما أن المادة 39 من نفس المدونة، نصت على أن (على الطبيب وجراح الأسنان السهر على عدم إفشاء الوثائق الطبية و كل ما له علاقة بالمرضى).
الفرع الثاني :  الالتزام بضمان سلامة المريض
تنص المادة 9 من مدونة أخلاقيات مهنة الطب الجزائري على أن (الطبيب، جراح الأسنان، من واجبهما إسعاف المريض في حالة خطر وضمان تلقيه العلاجات المناسبة).
لأن هذا الواجب هو بمثابة تلبية نداء المريض أو هي مبادرة إلى إسعافه وعلاجه ولو دون طلب في حالات الخطر العاجل، ولقد ثار الشك حول حق الطبيب في الامتناع عن تلبية نداء المريض أو عدمه، وبالتالي حول مسؤولية الطبيب عن علاج مريض في حالة خطرة، فقيـــل أول الأمر أن المرء لا يعــــد مخطئا إلا إذا أخــــل بواجب يفرضه عليه نص قانوني أو اتفاق، وأن من حق كل شخص أن يمتنع عن أي عمل غير واجــــب عليه، بشرط ألا يسيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 317.

استعمال حقه في الامتناع بقصد الإضرار بالغير، غير أن الراجح الآن أن مسلك الممتنع يقارن بمسلك الرجل العادي في مثل ظروفه.
فإذا كان المريض في حالة عاجلة إلى الإسعاف ،تعين على الطبيب الذي يلجأ إليه في ذلك أن يبادر إلى إسعافه وعلاجه إلى أن يزول عن المريض الخطر أو يتيسر له وجود طبيب آخر يتولى علاجه وإلا كان امتناعه خطأ يوجب مسؤوليته عن الأضرار التي تصيب المريض بسبب ذلك(1).
ولقد نصت المادة 182- فقرة 2- من قانون العقوبات الجزائري على أن (يعاقب بالعقوبات نفسها، كل من امتنع عمدا عن تقديم مساعدة إلى شخص في حالة خطر كان بإمكانه تقديمها إليه بعمل مباشر منه أو بطلب الإغاثة له، وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه أو على غيره).
هذه المادة ليست خاصة بالأطباء وحدهم ولكن الطبيب بحكم مهنته هو أول شخص في المجتمع ملزم بتقديم المساعدة لكل من يكون في حالة خطر وخاصة المريض(2).
المطلب الثاني : حالات استثنائية يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة
إذا كانت القاعدة العامة حول التزام الطبيب ببذل العناية، فهناك حالات استثنائية توقع على عاتق الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة وهي سلامة المريض.
والالتزام بالسلامة obligation de sécurité لا يعني الالتزام بشفاء المريض، بل بألا يعرضه لأي أذى من جراء ما يستعمله من أدوات أو أجهزة أو ما يعطيه من أدوية، وبألا ينقل إليــه مرضا آخر نتيجة العـــدوى من جراء المكان أو ما ينقله إليه من دم أو خلافه. وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن التزامات الطبيب بصدد التركيبات الصناعية والتزامات أطباء الأسنان والصيادلة(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سليمان مرقس، المرجع السابق الذكر، ص 402.
(2) - عايش شريف، المسؤولية الجزائية للطبيب في المستشفيات العامة، مذكرة تخرج لنيل شهادة ما بعد التدرج المتخصص (إدارة أعمال منظمات الصحة)، المدرسة الوطنية للصحة العمومية، الجزائر: 2005م، ص38.
(3) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 212.

الفرع الأول : استعمال الأدوات والأجهزة الطبية : 
يبدو من خلال اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي أن اعتراف الإدارة بالخطأ الجسيم لأجل إثبات المسؤولية بات صعبا، نظرا للتكييف الخاطئ للأعمال التي تتكيف في بعض الأحيان على أساس أنها أعمال طبية، وأحيانا أخرى على أساس أنها أعمال علاجية، فكان مجلس الدولة في هذه الحالات يرفض الدعوى ولذلك عمد في كل هذه الحالات إلى رفض الدعوى منذ سنة 1960م، ووضع طريقة جديدة للتقليل من استعمال معيار الخطأ الجسيم كأساس لإثبات مسؤولية المرفق الصحي، لتمكين المضرور من المطالبة بالتعويضات بطريقة سهلة مترتبة أساسا عن الأعمال العلاجية، أو متعلقة بالتسيير الإداري للمرفق(1).
والأضرار المقصودة هي تلك التي تنشأ نتيجة وجود عيب أو عطل بالأجهزة والأدوات إذ يقع التزام على الطبيب، مقتضاه استخدام الآلات السليمة التي لا تحدث أضرارا بالمريض(2).
وقد تنشأ الأضرار عن أعمال طبية بحتة نظرا للخصائص الفنية والعلمية، فالتزام الطبيب هنا هو التزام ببذل عناية ولا تقوم مسؤوليته إلا إذا ثبت تقصير من جانبه.
وتمتد مسؤولية الطبيب لتشمل الأضرار التي تصيب المريض نتيجة سقوطه من فوق منضدة الفحص بسبب هبوطها المفاجئ، أو عند صعوده أو نزوله من عليها(3).
الفرع الثاني :  نقل الدم و إجراء التحاليل الطبية
أولا : نقل الدم
يعتبر نقل الدم أحد أهم طرق اتصال دم إنسان بدم إنسان آخر، وبالتالي فهو وسيلة خطيرة لنقل الفيروسات الضارة إلى دم إنسان سليم.
ويلزم أن يتم الحصول على الدم في مراكز خاصة، تتوافر بها شروط صحية محددة بحيث يتم توفـــير الدم لـــها عن طريـــق متبرعـين، تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشر إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  مور محمد، مسؤولية المرافق الصحية في القانون الجزائري، مذكرة تخرج الممارسين المفتشين، المدرسة الوطنية للصحة العمومية،  الجزائر : 2005م، ص59.
(2) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر ، ص 213.
(3) -  نفس المرجع، ص 214

الستين، بحيث لا يزيد عدد ما يتبرع به الرجل عن 5 مرات والمرأة عن 3 مرات خلال السنة الواحدة(1).
وتجدر في البداية الإشارة إلى أن دم الإنسان قد يتعرض فضلا عن إصابته بالأمراض المعدية، إلى إصابات أخرى لا تتعلق بهذه الأمراض، خاصة تلك المشكلات التي تحدث بشكل فوري عند عملية نقل الدم مثل انحلال الدم الناشئ عن عدم توافق الفصيلة الدموية، كما أن نقل الدم بكمية كبيرة بإمكانه أن يزيد العبء على القلب مما قد يؤدي إلى الوفاة ما لم يقدم العلاج السريع.
ويقع على عاتق الطبيب المعالج وطبيب التحاليل وبنك الدم التزاما محددا بتحقيق نتيجة هي نقل الدم النقي إلى المريض، والمتفق مع فصيلة دمه، وتقوم بالتالي المسؤولية العقدية عن الضرر الذي يلحق بالمريض نتيجة نقل دم غير مناسب أو ملوث بجراثيم، وعلى المريض أن يرجع على طبيبه بمقتضى العقد المبرم معه نتيجة إهماله ورعونته في تنفيذ عملية النقل(2).
لكن هناك من يرى في رجوع المريض مباشرة على طبيب التحاليل لمطالبته بالتعويض بسبب الإخلال بالالتزام بسلامة الدم وهذا طبقا إما للمسؤولية التقصيرية أو رجوعا إلى أحكام الاشتراط لمصلحة الغير.
كما أن المسؤولية تقع على مركز أو بنك نقل الدم بالتعويض عن الأضرار التي ألمت بالمريض بسبب نقل دم ملوث إليه.
مما لا شك فيه أن قضية الدم الملوث بفيروس الايــدز والتي جرت وقائعها في فرنسا تعد أحد أهم الأسباب التي أثارت فكرة المسؤولية الجنائية  والمدنية عن تلوث الدم بهذا الفيروس فعلى الرغم من استقرار الفقه والقضاء هناك على ضرورة قيام المسؤولية الجنائية قبل كل من تسبب في نقل فيروس للايدز إلى الغير، إلا أن الاختلاف كان ولا يزال قائما حول التكييف القانوني لنقل دم ملوث بفيروس الايدز(3).
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  أمين مصطفى محمد، الحمايـة الجنائيـــة للدم من عدوى الايدز والالتهاب الكبدي الوبائي، الإسكندرية : دار الجامعة الجديدة للنشر، 1999م، ص13.
(2) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 329.
(3) -  أمين مصطفى محمد، المرجع السابق الذكر، ص41.

ثانيا : إجراء التحاليل الطبية
يدخل في نطاق التحاليل الطبية،استعمال الأشعة في تشخيص وعلاج الأمراض، فإذا ما أجرى الطبيب المتخصص علاجا أو فحصا بالأشعة، التزم بمراعاة الحرص التام في استعمالها ودراسة وقراءة نتائجها، وتتحقق مسؤولية الطبيب هنا إما : إهمالا في تحري الدقة في قراءة صورة الأشعة، وإما افتقادا غالى الخبرة اللازمة توافرها في أخصائي الأشعة(1).
وهذا النوع من الفحوص والتحاليل طرأت عليه تقنيات حديثة لضمان حسن كفاءتها، لذا كان افتراض خطأ الطبيب عند حدوث الضرر يكون بعيدا عن عنصر الاحتمال، وهنا يقع على الطبيب التزام بتحقيق نتيجة محددة.
الفرع الثالث : عمليات التجميل
استقرت محكمة النقض الفرنسية على مبدأ مسؤولية كل من الصانع والبائع للمنتجات الجاري استعمالها للعناية بالبشرة والجسم الإنساني وأدوات التجميل، حيث يقع عليهم الالتزام بالسلامة والعناية المشددة، مؤدى ذلك التزام الصانع بسلامة المنتج وخلوه من أية آثار ضارة بالمستهلك(2).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فانه فيما يخص مسؤولية الجراحين في الجراحة التجميلية، فان الجراح ليس مسؤولا عن تحقيق نتيجة وإنما التقليل من التشويهات، ويكون ملزما بدفع التعويضات بحسب المجموع المدفوع(3).
المطلب الثالث : صفة التزام الفريق المساعد
تبدو أهمية موضوع مسؤولية الطبيب عن أفعال مساعديه من الأطباء في مجال الجراحة على وجه الخصوص، حيث يستعين الجراح بمساعد له أثناء الجراحة ليساعده خصوصا في بعض الأعمال الطبية السابقة أو اللاحقة لعملية التدخل الجراحي، مثل فتح المكان من الجسم الذي يحتاج للجراحة، ثم خياطة الجرح بعد الانتهاء، كما أن الاستعانة تكون ضرورية بطبيب التخدير الذي يعد المريض للجراحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص330.
(2) -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 232. 
(3) - www. responsabilite medicale. com.              

وبناء عليه إذا ارتكب طبيب التخدير خطأ، فان الجراح يكون مسؤولا مسؤولية عقدية عن ذلك.فخطأ طبيب التخدير يؤدي إلى عدم تنفيذ التزام الجراح ببذل العناية اللازمة في علاج المريض، فطبيب التخدير ليس أجنبيا عن العقد على أساس أن الجراح هو الذي عهد إليه بمساعدته في القيام بالجراحة أي أداء التزامه تجاه المريض(1).
لذلك فمسؤولية الطبيب الجراح عن طبيب مشارك له سواء طبيب التحاليل، الأشعة التخدير، أو المتكفلين بالأجهزة المعاونة مثل أفراد هيئة التمريض وحتى طلاب كلية الطب.
فهؤلاء جميعا ليسوا أجانب عن العقد الذي يلتزم الطبيب الجراح بمقتضاه تنفيذ الالتزامات الطبية تجاه المريض.
الفرع الأول : إجراء الفحوص البيولوجية
ينبغي على الطبيب قبل إجراء العملية الجراحية القيام بالفحص الشامل الذي تستدعيه حالة المريض وتقتضيه طبيعة الجراحة.
ولا يقتصر الفحص على الموضع أو العضو الذي سيكون محلا للعملية، بل على الحالة العامة للمريض ومدى ما يمكن أن يترتب من نتائج جانبية على التدخل الجراحي، ويجب على الطبيب الاستعانة – عند عدم تمكنه من التيقن من حالة المريض- بمن هم أكثر تخصصا في المجالات الطبية الأخرى.
فمثلا يشكل خطأ طبيا قيام الجراح بالعملية الجراحية دون أن يتأكد من حالة المريض ما إذا كان على الريق أم لا، وإغفال هذا الواجب  يؤدي إلى خنق المريض نتيجة قيء فضلات  الطعام تحت تأثير المخدر.
الفرع الثاني : استعمال جهاز الأشعة
تعد الأشعة إحدى الاكتشافات العلمية والتي تلعب دورا بارزا في الحقل الطبي في عصرنا الحاضر، رغم فعاليتها إلا أن سوء استخدامها يؤدي إلى أضرار جانبية وهذا راجع  إما بسبب الطريقة الخاطئة للاستعمال أو الحالة الصحية للمريض.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 357.

ومن ثم فان استخدام الطبيب للأشعة يلقي عليه التزاما بالحرص والحيطة في إجرائها ومسؤولية الأخصائي في ذلك أشد بطبيعة الحال من مسؤولية الطبيب العادي(1).
فإذا تكرر استعمال الأشعة في موضع واحد أدى ذلك إلى حدوث قرحة فهنا يعد مسؤولا عن هذا الاستعمال الخاطئ.
والاتجاه الغالب في القضاء هو افتراض خطأ الطبيب بمجرد حدوث الضرر نتيجة استعمال الأشعة وذلك بالنظر إلى التقدم الفني الكبير الذي أحدثه العلم في هذا المجال عن طريق تحسين أجهزة الأشعة وضمان كفاءتها وتزويدها بالإمكانيات اللازمة لمنع المضار لجسم الإنسان(2).
الفرع الثالث : العناية الطبية عقب إجراء العملية الجراحية :
يقرر أحد الفقهاء بأن القضاء يفرض على الجراح التزام حقيقي بتحقيق نتيجة،بتقريره : أن على الجراح قبل وبعد إجراء العملية، أن يتذرع بالوسائل المفيدة والمؤثرة، كما لا يتجنب فقط كل نسيان، ولكن لكي يدرك هذا النسيان إذا ما حدث، فعبارة (تجنب كل نسيان) تفيد التزاما بوسيلة، أما عبارة(أن يدرك هذا النسيان) فهي تشير إلى التزام بنتيجة، لا يستطاع الطبيب الإعفاء منه إلا بتبريره لوجود قوة قاهرة أو بسبب أجنبي ينأى بهما عن المسؤولية.
إن هذا الالتزام بالمراقبة والعناية بعد إجراء العملية يقع على عاتق الجراح بالدرجة ا.لأولى، الذي عليه أن يتأكد من أن المريض خاضع لرقابة شخص مؤهل، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 30 ماي 1986م : (حيث ..... إذا كانت المراقبة بعد العملية الجراحية تقع على عاتق الطبيب المخدر في حدود اختصاصه، فان الجراح ينبغي عليه أن يتمسك أيضا بهذا الالتزام العام بالحيطة والحذر.
كما قضت محكمة باريس عن طريق قرار لها صادر بتاريخ 16 نوفمبر 1973م بمسؤولية طبيب أجرى عملية جراحية على المريض، استأصل خلالها اللوزتين، ونشأ عنها نزيف تسبب في وفاته أرجعت المحكمة سبب الوفاة إلى أن الطبيب خالف الأصول الطبية التي تقضي بأن المريض يظل تحت المراقبة الطبية 24 ساعة بعد العملية(3).
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)     -  محمد حسين منصور، المرجع السابق الذكر، ص 56.
(2) -  نفس المرجع، ص 57.
(3) -  سمير عبد السميع الأودن، المرجع السابق الذكر، ص 309.

غير أنه يجب التمييز بين العناية الطبية المرتبطة بالعملية الجراحية وتلك التي يلزم  توافرها للمريض بصفة عامة بغض النظر عن كونه أجرى العملية.
واعتبر مسؤولا الطبيب الذي عقب إجراء عملية جراحية لمريض في عينه، تركه يعود إلى منزله دون أية مساعدة أو احتياطات، مع علمه بأن المريض سيصعد الطابق الثالث وأن الجرح لا زال حساسا بالدرجة التي يمكن أن تنشأ عن ذلك مضاعفات خطيرة له.

أضافة تعليق