حسن خليل غريب
لا تنبئ نتائج الصراع العسكري الحاصل اليوم في عدن وجوارها عن تحولات جذرية في مجرى الصراع في اليمن أكثر من أنها حفرت موطئ قدم على الأرض للطرف اليمني الداعم للشرعية السلطوية بحماية من مظلة (عاصفة الحزم) الجوية. وهو تطور يصب في مجرى فرض أوراق قوة جديدة قد تدعم الدعوة للحوار بين الأطراف اليمنية المتصارعة ولكنها غير كافية للوصول إلى تلك الطاولة.
وللوصول إليها بشكل جدي هناك حسابات تدعو البعض من القوى اليمنية المؤثرة، في دعم ما يُسمى التيار الحوثي المستقوي بإيران، أن يعودوا إلى ضمائرهم التي ما زلنا نراهن على أنها ستستفيق في لحظة ما على أن الصراع في اليمن اليوم ليس من أجل السلطة بل هو صراع من أجل المحافظة على الأمن القومي العربي. وبناء على أن موقفنا السلبي من القوة الحوثية لم يكن لأسباب أحقيتهم في المشاركة بالسلطة، بل يستند إلى استقوائهم بالنظام الإيراني الذي يعتبر أن الحوثيين جسر لعبور مشروعهم الاستيطاني في اليمن كمدخل من المداخل الأخرى لمشروعهم الاستيطاني التوسعي في أقطار عربية أخرى. وكل ذلك يصب في العكس من مبدأ المحافظة على الأمن القومي العربي.
إن تغليب الأولوية للدفاع عن الأمن القومي العربي على كل أولوية أخرى كأولوية المشاركة في السلطة السياسية هو القاعدة الثابتة في تحديد مواقعنا ومواقفنا من الصراع الدائر في اليمن. ولأن عاصفة الحزم انطلقت من هذا المبدأ كنا من مؤيديها والداعين لانتصارها على الساحة اليمنية. ولم يكن تأييدنا لها مبنياً على تأييدها وإسنادها لأي طرف يمني داخلي لتغليبه في صراع سلطوي داخلي، لأننا نرفض أي تدخل يأتي من خارج الحدود القطرية لتقوية طرف داخلي على حساب آخر من أجل تقوية مواقعه في السلطة.
من الواضح أن ثابت الحفاظ على الأمن القومي العربي هو ما دفع بنا لتأييد طرف داخلي يمني بالمقدار الذي يتبنى فيه مبدأ حماية الأمن القومي العربي، وليس لأي سبب آخر. وهذا ما يشكل حجر الزاوية في موقفنا من عاصفة الحزم ومن يتمحور حول أهدافها من الأطراف اليمنية.
لكل ذلك نرى أن اليمن اليوم، بعد استعادة عدن من أيدي الحوثيين، أصبح على مفترق طرق بين الحل المبدئي وتوفير عوامل تساعد على المحافظة على الأمن القومي من جهة، ودخول القضية اليمنية مرحلة الابتزاز الأميركي والإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي من جهة أخرى.
وعن ذلك، وبعد أن بدأت صفحة جديدة من المعارك العسكرية في اليمن، تلك الصفحة التي ابتدأت منذ استعادة مدينة عدن بواسطة المؤيدين لإعادة الشرعية، نحسب أن اليمن دخل دائرة المساومات بين دول الخليج كطرف أول، والتحالف الإميركي –الإيراني كطرف ثاني.
لم تكن عاصفة الحزم لتعلن صفارة الانطلاق الأولى لولا ما تأكد لدى دول الخليج أن الأمن الخليجي أصبح مطوقاً بشكل خاص، والأمن القومي العربي دخل الدائرة الحرجة بشكل عام.
ولم تكن العاصفة المذكورة لتعلن صفارة الانطلاق الأولى لو لم تتأكد دول الخليج من أن أمن دولهم لا يشكل الأولوية في الاستراتيجية الأميركية بعد إعلان الاتفاق الأخير بين الشيطان والملائكة.
ولم تكن الإدارة الأميركية لتهتم بإعادة صفاء العلاقة مع دول الخليج العربي لأهميتها التاريخية والعملية، ولكنها تمارس لعبة الجمع بين (نار تصدير الثورة الإيرانية) و(الوقود الخليجي) وهي لعبة جهنمية، لأن أسبابها تعود إلى الأطماع الإيرانية في الوطن العربي. ولأن تلك الأطماع لن تزول إلاَّ بزوال أسبابها وهي مبدأ (تصدير الثورة الإيرانية)، بينما زوالها يقف بالضد من أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد المتفق عليه بين المتحالفين الأميركي والإيراني. نجد أن الإدارة الأميركية تريد تزويج النار والوقود إن لم يكن بالتراضي فبالإكراه. فالحقيقة تظهر واضحة في أن تلك الإدارة بحاجة إلى تصدير إيران لثورتها لأنه يشكل لها الضمان الاستراتيجي لتقسيم الوطن العربي. ففي التقسيم مصلحة للشيطان والملائكة معاً.
ولهذا، وإذا كان العمل العسكري مدخلاً لحل سياسي، وإذا كان الحل السياسي مرتبطاً بالقوى ذات التأثير على أرض المعركة، فمن البديهي أن تتسع طاولة الحوار لكل من الثلاثي: الخليجي والأميركي والإيراني.
فالطرف الخليجي بحاجة إلى حل لا يكون المقرر فيه الطرف الإيراني حتى ولو كان جزءاً منه.
والطرف الأميركي بحاجة إلى حل يوافق عليه النظام الإيراني ودول الخليج. ولكن على شرط أن لا يمس الحل بالاتفاق الأميركي –الإيراني حول البقاء في العراق.
والطرف الإيراني بحاجة إلى بقاء تأثير له في اليمن والعراق وسورية ولبنان. ولأن القضية اليمنية تأتي في آخر سلم أولويات النظام الإيراني فمن المتوقع أن تتم المساومة عليها من أجل الاحتفاظ بالأولويات الاستراتيجية الأخرى التي يحتل العراق فيها موقع الصدارة.
ولهذا، ومن أجل إحباط المشاريع الحقيقية المسكوت عنها، نراهن على أن تعود القوى اليمنية الحليفة للحوثيين في اليمن، إلى ضميرها القومي بأن يبتعدوا عن مساندة المشروع الحوثي وهذا ما يعيد التوازن في القوى العسكرية اليمنية المتصارعة في الداخل، وهذا الإجراء سيُضعف التأثير الإيراني، مما يعيد الحوثيين إلى رشدهم ويلغي دورهم المنفوخ ورماً، وبالتالي يُبعد إيران عن طاولة الحوار السياسي ويمنعها من المساومة على العراق في اليمن.
*التجديد العربي*