مأمورية الجمال في حضارة الإنسانية
لكم سيكون الأفق واسعا و انأ اكتب عن مأمورية راقية بأبعاد الإنسانية المتوازنة ، لن أمل من وصف الشعور حول كل ما يحيط بي من صراعات و اشتباكات لظهور الفائز بقوى ليست هي المطلوبة شرعا و منهاجا.
هي ليست فلسفة و لا حلم و لا خيال ، هي نتاج تخمين العقل الراجح و مثابرة النفس الطيبة لتحصيل الخير في قوالب مضبوطة شكلا بهيا يبعث على الارتياح و الإقبال على الحياة بنفس نقي و متجدد.
قد يظن الكثير من أن هذه المأمورية هي العبادة بكل أشكالها و هي حقيقة الوجود لابن آدم ، لكني أمتد بإحساسي إلى أبعد من هذا المبدأ الثابت و الغير متغير إلى إنسانية الإنسان و التي حباه الله بها حتى يتفرق و يتميز عن باقي المخلوقات بذاك العطاء في كل شيء ، ليس ما تقدمه اليد فقط و إنما ما ينبع من ذاتية كيانه من تفاعل و انفعال ليتشكل ذاك الصرح البريء من الشفافية و المودة و الثقة ، و التي لولا الإنسانية لما أدركنا مفاهيم هذه الكلمات..
فحضارة التجديد و البناء تستوجب أن يكون فينا نحن المسلمون ذاك الجمال المميز لنا عن غيرنا من بني البشر الذين يؤمنون بديانات أخرى ، لأن جمال الإيمان يفرض علينا أن نقوم بمأمورية على سطح الأرض و هي إحياء عبق الرسالة النبيلة و العريقة على مدى العصور.
ليس المطلوب منا تعلم العلم و فهم الدين بما في ذلك السنة و فقط، إنما المطلوب منا لأجل تحقيق هذه الحضارة تلك النهضة بمفهوم الاستيقاظ من سبات أحلام اليقظة و التواكل المستمر إلى أن جيلا آخر غيرنا هو من سيصنع مجدنا كمسلمين، هذا تفكير خاطئ و لو أن جيل الصحابة سيتكرر ولكن بحضارة توافق فكرة التغيير ..فقد يكون الاكتفاء بأثر الرسول عليه الصلاة و السلام ، لكن هذا غير كاف لأجل تفجير بركان التغيير لأن ما يحدث الآن للإنسانية هو شبيه بتمايل زمام الأمور نحو التشبث بالاستقرار تارة و نحو التراجع للوراء بسبب الضعف و اليأس المؤقت تارة أخرى ، لذلك الحضارة واجبة بل أكيدة لترفع صرح الأمة عاليا من على ركائز قوية و صلبة لا تزعزعها رياح التغريب و التفريد و التي هي إحدى خطط المستعمر لكل حضارة عريقة ، و لنا أن نتصور في حضارات سابقة في المجتمعات الانسانية في عصر المويين و العباسيين ، و خير الأمثلة في ذلك العهد العثماني ، كيف كانت فيه انزلاقات
متعمدة لمحاولة قطع لجام السيادة من يد حاكمها و في العصر الحديث سقوط الأندلس بعد أن حكمها المسلمون دهرا من الزمن و شيدوا حضارة عريقة فكانت مرجعية علمية للغرب و لا تزال المساجد بأبهة الفن المعماري تشهد على ذلك الإبداع..
أعتقد أن المأمورية الحقيقية هي أن ينعكس الجمال في كل شيء و على كل شيء ، و الجمال الذي أقصده هو جمال الخلق بكل مقوماته و لبناته من حلم و تسامح و تجاوز لسفاسف الأمور إلى أهم القضايا التي تتوقف عليها نهضة أي دولة و أي مجتمع إنساني أصيل .
علينا أن ندرك جيدا أنه من غير حضارة في الخلق لن يشيد هرم الأمة الإسلامية ،لأنه بالتسامح و التكافل و المودة و الإيثار نستطيع أن نتجاوز الكثير و الأصعب من العراقيل المثبطة لهممنا كمسلمين و إن ارتضينا لأنفسنا باللف و الدوران حول دائرة النزاعات و التشكيك في النوايا لن نرى نور الفجر طول حياتنا حتى لو أوتينا مالا و عدة ،لأنه من غير حضارة أخلاق لن يتمكن المال من تشييد قلاع قوية و دروع صلبة و منارات وضيئة ، فحتى لو لم نعبر عن سماحة أخلاقنا بالكلام سيكفي أن يبدو الجمال مترجما عما تكنه صدورنا و تخفق له قلوبنا من نبل الإحساس بمكارم الفضائل..
إذن..كفانا مضيعة للوقت بين قيل و قال، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يرضى لكم ثلاثا و يكره لكم ثلاثا ،فيرضى لكم : أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا، و يكره لكم :قيل و قال و كثرة السؤال ، و إضاعة المال".أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة.
يبقى أنه من الصمت ما كان حكمة للانجاز الهادئ و السليم بعيدا عن غوغاء اللغو.. فكان نبراسا لنتعلم من أخطائنا حتى نتقدم خطوات للأمام و ليس للخلف في ازدواجية الآداء السلبي و المشتت للقوى ،لأن الفعل الحقيقي هو في تلك المأمورية الجميلة في حضارة الإنسانية..