محمد صيقل
تمهيد وتأسيس
جاء الإسلام على أمة عربية مشتتة الفكر والتصور بل وحتى الاعتضاد ببعضها البعض ، وإلا فعلامَ يقتل امرؤ أخاً له في الدم على ترهة يحمله عليها طيش تفكير ، جاء الإسلام كدين ينظم مظاهر الحياة من حول الإنسان ، هذه الفكرة تتضح في الفكرة التي تحرك بها شارح النظم و الأفكار وقضايا الحياة جميعاً ! وهو القرآن الكريم فانطلق يوضح ويجلي متداخلات الحياة أمامهم حتى إنه أنتج حضارة استغربت لها كل البشرية المعاصرة والسابقة ، وهم وإلى اليوم يدرسون أسباب هذه القوة .
والمشكلة التي تطوق الإسلام كدين ونظام ، تكمن في ضراوة المقابل وتهديفه لحملاته الشنعاء بينما يغط أبناؤه في سبات السلبية والجهل والتنكب لأبجديات دينهم القويم ، هذه المشكلة جعلت رواداً للبعث الحضاري ينقمونها من اللحظة الأولى لتاريخ الأمة المسلمة، كنهج عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود وتجربة أحمد بن نصر الخزاعي وغيرهم من رجال الفكر والتجديد ، ولم ينس أرباب هذه الأفكارِ المحرِّكةِ انطلاقتَهم الأصيلة والتي تقوم في تصور القرآن وتشخيصه على الاهتمام بالوحي والأرض كعاملين حقيقيين لإعمار الكون وفق المراد الإلهي، ولكن النظر الحقيقي هو الذي يكيف مكمن الخلل ويشخص الداء،وتنوعت التعاطيات الفكرية لهذه القضية ساعيةً إلى إيجاد المخرج والحل للأمة لكي تعيد لها مجدها وكرامتها .
فكَّرت كثير من الأطروحات السابقة ، وخرجت الكثير منها خداجاً دونما ثمرة ،إما منظِّرٌ يقول إن الأزمة وجدانية صرفة ، وآخر يدعي أنها روحية ، وثالث يقول إنها عقلية وووو.......!
وينسى القوم روح الإسلام وشموليته بأنه يتعاطى هذه الجوانب جميعاً ، ويأتي الإمام حسن البنا رحمه الله وينظر من علٍ إلى الواقع محاولاً تشخيص القضية ، وأحسب – كما حقق ذلك قبلي جموع محتشدة من الكتاب والمفكرين – أنه حاز قدراً كبيراً من التوفيق والتسديد عندما رأى – رحمه الله – أن القيمة الحقيقة التي ينبغي أن يلتفت إليها وتسدد ثغراتها هو الفاعل الحقيقي الذي نصَّبه خالقه لاحتضان القضيتين المذكورتين آنفاً ( الوحي والأرض)! الأرض التي يجب أن تستعمر وتبنى بزخرفها وجمالها ومكوناتها لكن على خطوات الوحي الذي يؤسس لتكميل الحياة على مراد مُنْزِله وهو الله ! الحياة التي يعتبر بناؤها عندالله من أعظم القربات له سبحانه وفق قاعدة جوهرية عظيمة تنص على أن ( الحياة في سبيل الله أعظم عند الله من الموت في سبيل الله) ذلك أنه (ما شرع الموت في سبيل الله إلا من أجل إقامة الحياة في سبيل الله ).
جاء الإمام البنا رحمه الله ليقول لنا لا إقامة لـ (الوحي والأرض) إلا بإقامة الفاعل الحقيقي فيهما والذي عليه مدارهما ، إنه الإنسان ! الإنسان بكل أجزائه الخمسة ( الروح وهي أعلى ما فيه ثم العقل ثم الوجدان ثم النفس ثم الجسد) .
إن كل مكون من هذه المكون يحتاج إلى مؤسسات عملاقة لترعاه وتحقق مراد المدبر للكون كله فيه ، ذلك أن البشر يعيشون في محنة كبرى فـ(محنة البشر أنهم مكلفون بالارتقاء إلى الملأ الأعلى على حين أنهم خلقوا من حمأٍ مسنون) على حد تعبير الشيخ الغزالي رحمه الله.
جاء الإمام البنا وهو يشخص أن الإنسان هو المدخل الحقيقي لإصلاح الدنيا كلها( إني جاعل في الأرض خليفة) ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، ولكنه قام مقام المتسائل ما هي مشلكة الإنسان فقال إن مشكلة الإنسان هي بحثه عن شئ يأْلهُه ويعبده غير الله فلا بد من تحقيق التعبد الكامل لصاحب الشأن كله وهو الله ، ثم نظر رحمه الله طَرْفاً آخر فوجد أن هناك مسلمين ولكن لديهم مشكلة مفارقة لما ذكر من شأن بقية البشر ، فتوصل بعد تأمل أن مشكلة المسلم اليوم تكمن في انبعاده عن الفهم الحقيقي للإسلام ، وهنا يحق لنا أن نقرر نيابة عنه رحمه الله أن عملاقية الأمة المسلمة تكمن في فهمها الحقيقي لمقتضيات وقواعد دينها الحنيف .
إن نعمة الفهم السوي نعمة تنعدم عند كتل كبيرة من البشر ، وهي حلقة مفقودة عند جمع غفير من المسلمين .
هذه المسألة جعلت قمة شامخة من قمم الإسلام كالإمام بن القيم – رحمه الله – يقول في كتاب الروح ذاماً سوء الفهم:
’’ سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، لا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد’’.
وجعلته يقول كما في إعلام الموقعين مادحا حسن الفهم:
’’ صحة الفهم وحُسن القصد من أعظم نعمة الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطى عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منها، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليها، وبها يأمنُ العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فَسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حَسُنَت أفهامهم ومقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أُمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة. وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد’’
إن استياء الإمام بن القيم من سوء الفهم – ولوحسنت النوايا – يبرز عندما نرى فرقاً وجماعات كالخوارج مثلاً يعبدون الله حتى لايستطيع إنسان أن يجاري عبادتهم لكنهم بفهمهم السقيم يستحلون الدماء ، وعليه تأتي هذه الحقيقة الناطقة بلسان التعقل إن حسن النوايا لايمكن له يوماً أن يبرر سيئ الأفعال .
كل هذا الكلام يوطئ لنا للحديث عن الملامح العامة التي يضعها لنا البناء المحترف ’’البنا’’ في أصوله العشرين والتي تستقي معانيها من زلال وعذب الوحي ليتسق بناء الوحي الشريف للأرض التي أنيط بنا عمارتها لا تدميرها ،للوحي الذي يأمر بالجمال لا البشاعة والقبح ، للوحي الذي يعلي قيمة البشر ولايحطه ، للوحي المكتمل الذي يأبى النقصان في كل أمر مع اعترافه كسنة توجد في الحياة يعذر من وقع فيها ولكنه لا يرضى منه أن تكون سمة ديمومة له ، إنه الفهم نعيش معه في نسق متصل نعيشه في حلقات لعل الله ينفع المتحدث بها قبلك أنت أيها النهم في المعرفة .
كتب / محمد صيقل
[email protected]
تمهيد وتأسيس
جاء الإسلام على أمة عربية مشتتة الفكر والتصور بل وحتى الاعتضاد ببعضها البعض ، وإلا فعلامَ يقتل امرؤ أخاً له في الدم على ترهة يحمله عليها طيش تفكير ، جاء الإسلام كدين ينظم مظاهر الحياة من حول الإنسان ، هذه الفكرة تتضح في الفكرة التي تحرك بها شارح النظم و الأفكار وقضايا الحياة جميعاً ! وهو القرآن الكريم فانطلق يوضح ويجلي متداخلات الحياة أمامهم حتى إنه أنتج حضارة استغربت لها كل البشرية المعاصرة والسابقة ، وهم وإلى اليوم يدرسون أسباب هذه القوة .
والمشكلة التي تطوق الإسلام كدين ونظام ، تكمن في ضراوة المقابل وتهديفه لحملاته الشنعاء بينما يغط أبناؤه في سبات السلبية والجهل والتنكب لأبجديات دينهم القويم ، هذه المشكلة جعلت رواداً للبعث الحضاري ينقمونها من اللحظة الأولى لتاريخ الأمة المسلمة، كنهج عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود وتجربة أحمد بن نصر الخزاعي وغيرهم من رجال الفكر والتجديد ، ولم ينس أرباب هذه الأفكارِ المحرِّكةِ انطلاقتَهم الأصيلة والتي تقوم في تصور القرآن وتشخيصه على الاهتمام بالوحي والأرض كعاملين حقيقيين لإعمار الكون وفق المراد الإلهي، ولكن النظر الحقيقي هو الذي يكيف مكمن الخلل ويشخص الداء،وتنوعت التعاطيات الفكرية لهذه القضية ساعيةً إلى إيجاد المخرج والحل للأمة لكي تعيد لها مجدها وكرامتها .
فكَّرت كثير من الأطروحات السابقة ، وخرجت الكثير منها خداجاً دونما ثمرة ،إما منظِّرٌ يقول إن الأزمة وجدانية صرفة ، وآخر يدعي أنها روحية ، وثالث يقول إنها عقلية وووو.......!
وينسى القوم روح الإسلام وشموليته بأنه يتعاطى هذه الجوانب جميعاً ، ويأتي الإمام حسن البنا رحمه الله وينظر من علٍ إلى الواقع محاولاً تشخيص القضية ، وأحسب – كما حقق ذلك قبلي جموع محتشدة من الكتاب والمفكرين – أنه حاز قدراً كبيراً من التوفيق والتسديد عندما رأى – رحمه الله – أن القيمة الحقيقة التي ينبغي أن يلتفت إليها وتسدد ثغراتها هو الفاعل الحقيقي الذي نصَّبه خالقه لاحتضان القضيتين المذكورتين آنفاً ( الوحي والأرض)! الأرض التي يجب أن تستعمر وتبنى بزخرفها وجمالها ومكوناتها لكن على خطوات الوحي الذي يؤسس لتكميل الحياة على مراد مُنْزِله وهو الله ! الحياة التي يعتبر بناؤها عندالله من أعظم القربات له سبحانه وفق قاعدة جوهرية عظيمة تنص على أن ( الحياة في سبيل الله أعظم عند الله من الموت في سبيل الله) ذلك أنه (ما شرع الموت في سبيل الله إلا من أجل إقامة الحياة في سبيل الله ).
جاء الإمام البنا رحمه الله ليقول لنا لا إقامة لـ (الوحي والأرض) إلا بإقامة الفاعل الحقيقي فيهما والذي عليه مدارهما ، إنه الإنسان ! الإنسان بكل أجزائه الخمسة ( الروح وهي أعلى ما فيه ثم العقل ثم الوجدان ثم النفس ثم الجسد) .
إن كل مكون من هذه المكون يحتاج إلى مؤسسات عملاقة لترعاه وتحقق مراد المدبر للكون كله فيه ، ذلك أن البشر يعيشون في محنة كبرى فـ(محنة البشر أنهم مكلفون بالارتقاء إلى الملأ الأعلى على حين أنهم خلقوا من حمأٍ مسنون) على حد تعبير الشيخ الغزالي رحمه الله.
جاء الإمام البنا وهو يشخص أن الإنسان هو المدخل الحقيقي لإصلاح الدنيا كلها( إني جاعل في الأرض خليفة) ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، ولكنه قام مقام المتسائل ما هي مشلكة الإنسان فقال إن مشكلة الإنسان هي بحثه عن شئ يأْلهُه ويعبده غير الله فلا بد من تحقيق التعبد الكامل لصاحب الشأن كله وهو الله ، ثم نظر رحمه الله طَرْفاً آخر فوجد أن هناك مسلمين ولكن لديهم مشكلة مفارقة لما ذكر من شأن بقية البشر ، فتوصل بعد تأمل أن مشكلة المسلم اليوم تكمن في انبعاده عن الفهم الحقيقي للإسلام ، وهنا يحق لنا أن نقرر نيابة عنه رحمه الله أن عملاقية الأمة المسلمة تكمن في فهمها الحقيقي لمقتضيات وقواعد دينها الحنيف .
إن نعمة الفهم السوي نعمة تنعدم عند كتل كبيرة من البشر ، وهي حلقة مفقودة عند جمع غفير من المسلمين .
هذه المسألة جعلت قمة شامخة من قمم الإسلام كالإمام بن القيم – رحمه الله – يقول في كتاب الروح ذاماً سوء الفهم:
’’ سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، لا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد’’.
وجعلته يقول كما في إعلام الموقعين مادحا حسن الفهم:
’’ صحة الفهم وحُسن القصد من أعظم نعمة الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطى عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منها، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليها، وبها يأمنُ العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فَسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حَسُنَت أفهامهم ومقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أُمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة. وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد’’
إن استياء الإمام بن القيم من سوء الفهم – ولوحسنت النوايا – يبرز عندما نرى فرقاً وجماعات كالخوارج مثلاً يعبدون الله حتى لايستطيع إنسان أن يجاري عبادتهم لكنهم بفهمهم السقيم يستحلون الدماء ، وعليه تأتي هذه الحقيقة الناطقة بلسان التعقل إن حسن النوايا لايمكن له يوماً أن يبرر سيئ الأفعال .
كل هذا الكلام يوطئ لنا للحديث عن الملامح العامة التي يضعها لنا البناء المحترف ’’البنا’’ في أصوله العشرين والتي تستقي معانيها من زلال وعذب الوحي ليتسق بناء الوحي الشريف للأرض التي أنيط بنا عمارتها لا تدميرها ،للوحي الذي يأمر بالجمال لا البشاعة والقبح ، للوحي الذي يعلي قيمة البشر ولايحطه ، للوحي المكتمل الذي يأبى النقصان في كل أمر مع اعترافه كسنة توجد في الحياة يعذر من وقع فيها ولكنه لا يرضى منه أن تكون سمة ديمومة له ، إنه الفهم نعيش معه في نسق متصل نعيشه في حلقات لعل الله ينفع المتحدث بها قبلك أنت أيها النهم في المعرفة .
كتب / محمد صيقل
[email protected]