الحركة الإسلامية والنظام السياسي .. من التحالف إلى التنافس (الحلقة السابعة).. التأسيس واكتمال ملامح الحركة
نواصل نشر المبحث الثالث من كتاب ’’ الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن .. من التحالف إلى التنافس’’، لمؤلفه الأستاذ ناصر الطويل الذي خص المصدر أون لاين بنشره .
كنا قد نشرنا في الحلقة السابقة الفترة الأولى من المرحلة الثانية التي تمثلت في تشكيل نواة الحركة وظهور البدايات الأولى.
وهنا نواصل نشر الفترة الثانية من المرحلة الثانية ، والتي تمثل فترة التأسيس واكتمال ملامح الحركة .
2) التأسيس واكتمال ملامح الحركة:
بعد استشهاد الأستاذ الزبيري ورحيله المبكر، افتقد الإسلاميون أهم مرجعياتهم، لكن المكونات المتميزة في شخصية المخلافي، جمعت أصحاب كل تلك البدايات تحت قيادته في أواسط الستينيات’’(1)، فقد تم اختيار الأستاذ عبده محمد المخلافي أمينا عاما للحركة الإسلامية في اليمن، واندمجت البدايات المتعددة للعمل الإسلامي في إطار كيان واحد بما في ذلك العمل الإسلامي الذي كان ينشط في مدينة عدن تحت لافتة ’’المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي’’، ولتوحيد الرؤية والجهود عُقِدَ في مدينة تعز بتاريخ 28 سبتمبر 1966م أول اجتماع لمناطق العمل، دعا إليه ورأسه الأستاذ عبده محمد المخلافي، وحضره كل من: عبد الواحد الزنداني، والقاضي أحمد أحمد سلامة، والأستاذ محمد عبد الله اليدومي، والأستاذ عبد السلام العنسي، والأستاذ عبد الملك داود، والأستاذ محمد علي بن أحمد شملان (السماوي)، ويحيى بن أحمد صبره، والشيخ محمد حسن دماج، واتُّخِذ في هذا الاجتماع قرار بضرورة النهوض بواقع العمل الإسلامي في اليمن(2).
والى جانب النشاط في مدينة عدن كان العمل الإسلامي في شمال اليمن ينشط في منطقتين جغرافيتين: صنعاء ويمتد نطاق العمل فيها حتى مدينة ذمار، وتعز وتتبعها محافظة إب، وإن كان يلزم الإشارة إلى أن مستوى العمل التنظيمي في ذلك الوقت كان ذا طابع بسيط، لأن الناشطين الإسلاميين لم يكن لهم آنذاك سابق خبرة في العمل التنظيمي –باستثناء الأستاذ المخلافي الذي التحق بتنظيم الإخوان في مصر-، وللظروف اليمنية شديدة الاضطراب، ولطغيان القضايا الوطنية على القضايا التنظيمية، فالإسلاميون كانوا - مثل غيرهم من القوى السياسية- ينافحون في مواجهة قضايا ذات طابع وطني، ومن هنا فإن العمل التنظيمي في تلك المرحلة كان اقرب إلى العمل التجميعي والفكري، واتسم بغلبة طابع الاجتهاد الفردي.
و في نهاية حكم الرئيس السلال، شهدت اليمن واحدة من أوسع عمليات التطهير السياسي وأكثرها عنفا، ففي شهر سبتمبر 1966م تم إعفاء عدد كبير من الشخصيات التي اختلفت مع الرئيس السلال والقيادة العربية المصرية من المناصب السياسية والإدارية.. وجرت عمليات اعتقال واسعة، قدرت المصادر الغربية حصيلتها بألفي معتقل(3) من مختلف التيارات السياسية وفي ذلك الجو، تم اعتقال عبده محمد المخلافي مع ثمانين شخصاً آخرين من مدينة تعز، ونقل إلى سجن القلعة في صنعاء، واستمر فيه ثلاثة أشهر(4)، فيما عاد علي فارع العصيمي إلى قريته، وانتقل كل من: عبد المجيد الزنداني، ومشرَّف عبد الكريم المحرابي، وعبد السلام خالد كرمان إلى عدن، وانغمس هؤلاء في النشاط الدعوي والحركي فيها، فقد تولى الأستاذ الزنداني إدارة معهد النور بمدينة عدن، وتولى الأستاذ عبد السلام خالد التدريس في المعهد الإسلامي، و’’نشط في العمل الدعوي في مسجد أبان وعدد من مساجد حي (كريتر)، وساهموا في إعداد مشاريع نظام داخلي موحد للمركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي بعدن والمركز الإسلامي في تعز’’(5).
وبعد خروج القوات المصرية وقيام حركة نوفمبر 1967م، تنفست الحركة الإسلامية الصعداء (تنفساً نسبيا)، فعاد الأستاذ المخلافي إلى التدريس في المدرسة الثانوية الوحيدة آنذاك، وبناءا على مطالب عدد من التجار والمشائخ والمواطنين، تم تعيينه مديرا لفرع التربية بلواء تعز، كما عاد الأستاذ الزنداني، ومشرف عبد الكريم من عدن إلى صنعاء، أما الأستاذ عبد السلام خالد كرمان فقد حصل على منحة دراسية إلى بغداد، وأسس هناك وإلى جانبه الأستاذ عبدالستار الشميري لعمل إسلامي بين الطلاب الموفدين من شمال وجنوب اليمن.
وبشكل عام فقد انتهت المضايقات التي كانت تتعرض لها الحركة- والأطراف السياسية الأخرى- من قبل المخابرات المصرية، والتي كانت تستعين ببعض العناصر اليمنية المتعاطفة معهما، فضلاً عن حملاتها الإعلامية الشديدة ضد حركة الإخوان المسلمين أينما وجدت، باليمن أو خارج اليمن(6).
وبوصول القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى السلطة، مدعومًا من مشائخ القبائل، وحزب الأحرار اليمني، وحزب البعث، والإخوان المسلمين، توفرت أجواء مناسبة للإخوان أفضل مما كانت عليه في عهد الرئيس السلال، فقد تم تقليص نفوذ التيارات اليسارية والقومية الراديكالية، وانتقلت السلطة إلى شخصية مدنية معروفة بخلفيتها الدينية.
ركز الإخوان المسلمون والذين كان عددهم محدودا جهودهم في العمل التربوي والتعليمي، فقد تعين الأستاذ عبده محمد المخلافي مديرًا لمكتب التربية بمحافظة تعز، واتجه بقية أعضاء التنظيم وفي مقدمتهم الأستاذ عبد المجيد الزنداني، للعمل بين الأوساط الطلابية في مدارس العاصمة صنعاء.
وفي عام 1968م تم تعيين الأستاذ المخلافي عضوًا في المجلس الوطني، الذي كان من مهامه صياغة دستور دائم، والإعداد لانتخابات مجلس الشورى، وفي شهر مايو1969م توفي في حادث مروري غامض، وتعرض العمل الإسلامي بعد وفاته إلى حالة إرباك جديدة، وسرعان ما اجتمع أبرز الإخوان، واختاروا الأستاذ عبدالمجيد الزنداني مراقبا عاما للجماعة والأستاذ ياسين عبد العزيز نائبًا له ومسؤولاً عن العمل في منطقة تعز، وبنفس الاجتماع أُقرت أول وثيقة تنظيمية تهدف إلى بلورة النشاط التنظيمي للحركة.
وإذا كانت التطورات تسير لصالح الإسلاميين في شمال اليمن، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة للإسلاميين في الشطر الجنوبي، الذي أعلن استقلاله في 30 نوفمبر1967م، فقد انتهت التفاعلات فيه إلى سيطرة اليسار المتطرف على الجبهة القومية والسلطة معاً، وهو تيار لم يسبق له أن أدار دولة، فتعامل مع كل المخالفين له بالإقصاء والقتل والتشريد والاغتيالات، وكان نصيب الحركة الإسلامية من ذلك الكثير، لأنها تمثل الخط الإسلامي من جهة، وبسبب تحالفها مع حسين عثمان عشال من جهة ثانية، ولأنه كان من السهل رصدها والوصول إليها والقبض على أعضائها من جهة ثالثة، إذ لم تكن ذات طبيعة تنظيمية معقدة، والأهم من هذا وذاك حصول اختراق لها من قِبَل شخص يُدعى محمد عبد الباري حسان، وهو أحد عناصر الحزب الديمقراطي الثوري في الشمال، حيث كان ينقل تفاصيل ما يدور في المركز الإسلامي إلى قيادة الجبهة القومية(7)، وبعد الإطاحة بنظام الرئيس قحطان الشعبي تم على الفور إغلاق المركز الإسلامي الثقافي بعدن، وهاجر معظم قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية إلى شمال اليمن، حيث اندمجوا في التنظيم، ونشطوا من خلاله.
وفي عام 1970م اتخذت قيادة الحركة قراراً بمد النشاط الإخواني إلى المدن الرئيسية، وكُلف الأستاذ عبد الستار الشميري ليتولى قيادة العمل في مدينة الحديدة والأرياف التابعة لها، حيث اُستصدر له قرار من وزير التربية والتعليم –حينذاك- الأستاذ احمد جابر عفيف لتعيينه نائباً لمدير مكتب التربية والتعليم في محافظة الحديدة(8)، وهكذا نشط العمل التنظيمي في ثلاث مناطق: صنعاء، ويتبعها عدد من المحافظات وكان المسئول عن العمل فيها القاضي العلامة أحمد أحمد سلامة، وتعز، وتتبعها محافظة إب ومسؤولها الأستاذ ياسين عبد العزيز، فيما استمر الأستاذ عبد الستار الشميري مسؤولاً عن العمل التنظيمي في الحديدة.
في تلك الفترة وتحديدًا عام 1971م، تعرف الإخوان في اليمن على خبرات تنظيمية من عدد من قيادات الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية، ساهمت في بلورة وترتيب العمل التنظيمي داخل الحركة.
وعلى المستوى الوطني فاز أربعة من الإخوان بعضوية مجلس الشورى، والذي تم انتخابه في عام 1971م، وهم: أحمد محمد الأكوع، وعلي محمد الأكوع، عبد السلام العنسي، عبد السلام خالد كرمان، وشغل الأخير منصب أمين عام المجلس.
وقبل ذلك وتحديدا عام 1968م، كانت الحركة قد شكلت لافتة سياسية خاصة بها هي الجمعية العلمية اليمنية، فقد وثق الأستاذ الزنداني علاقته بعلماء الشريعة المشهورين في ذلك الوقت، وأقنعهم بالحاجة إلى تشكيل جمعية للعلماء تكون ناطقة باسمهم، وهكذا تشكل مجلس الجمعية برئاسة القاضي عبد الله الحجري، وعضوية كل من: القاضي يحيى بن لطف الفُسيل، والقاضي على السمان، والقاضي محمد المنصور، والعلامة محمد بن علي الفران، والعلامة حمود بن عباس المؤيد، والأستاذ عبد المجيد الزنداني، فيما شكل الإخوان الجهاز الإداري للجمعية نظرا لصغر سنهم، واُسند منصب أمين عام الجمعية لأحمد محمد الأكوع الذي كان يسهل بعض أعمال الجمعية، كونه ضابطاً في وزارة الداخلية.
كان الأستاذ عبد المجيد الزنداني هو المحرك الأساسي للجمعية، ومن خلالها وبمشاركة من العلماء السابقين، تمكن الإخوان من صياغة المناهج الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم، في مادة الفقه الإسلامي ومقررات التربية الإسلامية صياغة إسلامية تتجاوز التجاذب المذهبي وتقر الصحيح المتفق عليه، وتعكس رؤية الإخوان، كما تم توظيف الجمعية العلمية في نشر الدعوة من خلال إقامة معهد الإرشاد بالمدرسة العلمية، لتقديم الدروس للمدرسين والطلاب في أيام الصيف، والقيام بالزيارات الدعوية للمناطق القريبة من صنعاء(9)، وإلقاء المحاضرات الدينية في المعسكرات والمدارس والخطب المنبرية في المساجد، وتوزيع الكتب الدعوية.
وبنفس القدر تقريبًا، صارت الجمعية العلمية واجهة سياسية يتحرك من خلالها الإخوان في القضايا العامة، فإذا ما وجدت ظاهرة أو عمل مخالف للشريعة، وقرر الإخوان أن يقفوا ضده، يتم ذلك من خلال الجمعية، وهكذا صار كل ما يحتاج إليه التنظيم الإخواني من عمل علني يقام من خلال الجمعية، وعمليا كان الإخوان يتعاملون مع الأحداث والتطورات السياسية على صعيدين مع الجماهير من خلال الجمعية، ومع السلطة من خلال اللقاء المباشر مع الرئيس عبد الرحمن الإرياني(10)، وقد تم حل الجمعية في بداية عهد الحمدي.
أما علاقة الإخوان بالرئيس عبد الرحمن الإرياني، فقد اتسمت في بدايتها بالتعاون نظرًا للتقارب الفكري بينه وبين رموز الإخوان، وتشير بعض المصادر إلى أن الرئيس الإرياني قدم في مرحلة معينة بعض الدعم المالي للإخوان(11)، وقد سمحت لهم الحرية التي اتسم بها عهده بالنشاط الفردي والجماعي، لـكن العلاقة بينهما لم تستمر في السير في نفس الاتجاه، فقد أبدى الإخـوان تبرما من تساهل الإرياني أمام انتشـار الأفـكار والتنظيمات اليسارية، وتقريبه للبعثيين الذين كانوا يسيطرون عـلى معظم المناصب الحكومية، وبسبب ذلك أخذت الحركة تتململ من سياساته، وتعارضها، سواء بالتصريحات أم الانتقادات العلنية، وحتى أثناء اللقاءات المباشرة معه، وعلى إثر ذلك توترت العلاقة بين الرئيس الإرياني وبعض أعضاء الحركة أو المحسوبين عليها، خاصة عندما كان حزب البعث طرفا في ذلك الخلاف، حتى أن بعض قيادات الحركة فضلوا الخروج من صنعاء إلى المناطق الشمالية احتجاجا على سياسة الرئيس الإرياني آنذاك(12).
وتصاعد التوتر بشكل أشد على إثر الخلاف بين الرئيس الإرياني ومجلس الشورى، نتيجة لتوقيع رئيس الوزراء محسن العيني لاتفاقية القاهرة مع الشطر الجنوبي، بعد انتهاء الحرب بين الشطرين عام 1972م، ودِفاع الرئيس الإرياني عن العيني، وتوقيعه لاتفاقية طرابلس مع رئيس الدولة في الجنوب سالم ربيع علي، في ذلك الوقت هاجم عدد من المحسوبين على الإخوان الرئيس الإرياني علنًا، وفي مقدمتهم الشيخ عمر أحمد سيف والأستاذ سعيد فرحان، مما دفعه إلى حبسهم برغم أنهما عضوان في مجلس الشورى.
أما قيادات الإخوان فقد كانت في أواخر فترة حكم الرئيس عبد الرحمن الإرياني-كما يشير الأستاذ عبد الملك منصور- في حيرة من أمرهم في كيفية التعامل معه، فليس بإمكانهم إعلان معارضته، لأنه يعد أحد مناضلي وعلماء اليمن المشهورين ويتمتع بشرعية دينية، مثله مثل قيادات الحركة، وبنفس الوقت يصعب السكوت على تقاربه مع اليساريين وتمكينه للبعثيين!.
ــــــــــــــــ
المراجع :
(1) نصر طه مصطفى، التجمع اليمني للإصلاح، القضايا والمواقف، صنعاء، 2000م، ط1، ص: 13.
(2) مقابلة أجراها الباحث مع الشيخ، محمد حسن دماج عضو الهيئة العليا للإصلاح، بتاريخ،13/5/2006م.
(3) انظر في ذلك، أحمد يوسف أحمد، الدور المصري في اليمن،( القاهرة، الهيئة العامة للكتب) ،ص: 456-457
(4) التجمع اليمني للإصلاح، من أعلام الإصلاح في اليمن ، مرجع سبق ذكره ، ص: 62.
(5) سعيد ثابت سعيد، موقف الإسلاميين من الوحدة، التفاصيل الكاملة، مجلة نوافذ، العدد (26) مايو 2000م، ص: 26.
(6) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ عبد الرحمن العماد، مصدر سبق ذكره.
(7) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ أحمد القميري بتاريخ 21/10/2008م.
(8) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ عبد الستار الشميري، بتاريخ 2/3/2006م.
(9) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ حسن الذاري بتاريخ 12/10/2008م.
(10) مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور عبد الملك منصور، أحد قيادات الإخوان في مرحلة السبعينيات، بالقاهرة بتاريخ 28 /5/ 2006م.
(11) مقابلة أجراها الباحث مع القاضي أحمد محمد الأكوع بتاريخ 6/3/ 2006م.
(12) مقابلة أجراها الباحث مع الشيخ محمد حسن دماج، مصدر سبق ذكره.
.المصدر
نواصل نشر المبحث الثالث من كتاب ’’ الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن .. من التحالف إلى التنافس’’، لمؤلفه الأستاذ ناصر الطويل الذي خص المصدر أون لاين بنشره .
كنا قد نشرنا في الحلقة السابقة الفترة الأولى من المرحلة الثانية التي تمثلت في تشكيل نواة الحركة وظهور البدايات الأولى.
وهنا نواصل نشر الفترة الثانية من المرحلة الثانية ، والتي تمثل فترة التأسيس واكتمال ملامح الحركة .
2) التأسيس واكتمال ملامح الحركة:
بعد استشهاد الأستاذ الزبيري ورحيله المبكر، افتقد الإسلاميون أهم مرجعياتهم، لكن المكونات المتميزة في شخصية المخلافي، جمعت أصحاب كل تلك البدايات تحت قيادته في أواسط الستينيات’’(1)، فقد تم اختيار الأستاذ عبده محمد المخلافي أمينا عاما للحركة الإسلامية في اليمن، واندمجت البدايات المتعددة للعمل الإسلامي في إطار كيان واحد بما في ذلك العمل الإسلامي الذي كان ينشط في مدينة عدن تحت لافتة ’’المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي’’، ولتوحيد الرؤية والجهود عُقِدَ في مدينة تعز بتاريخ 28 سبتمبر 1966م أول اجتماع لمناطق العمل، دعا إليه ورأسه الأستاذ عبده محمد المخلافي، وحضره كل من: عبد الواحد الزنداني، والقاضي أحمد أحمد سلامة، والأستاذ محمد عبد الله اليدومي، والأستاذ عبد السلام العنسي، والأستاذ عبد الملك داود، والأستاذ محمد علي بن أحمد شملان (السماوي)، ويحيى بن أحمد صبره، والشيخ محمد حسن دماج، واتُّخِذ في هذا الاجتماع قرار بضرورة النهوض بواقع العمل الإسلامي في اليمن(2).
والى جانب النشاط في مدينة عدن كان العمل الإسلامي في شمال اليمن ينشط في منطقتين جغرافيتين: صنعاء ويمتد نطاق العمل فيها حتى مدينة ذمار، وتعز وتتبعها محافظة إب، وإن كان يلزم الإشارة إلى أن مستوى العمل التنظيمي في ذلك الوقت كان ذا طابع بسيط، لأن الناشطين الإسلاميين لم يكن لهم آنذاك سابق خبرة في العمل التنظيمي –باستثناء الأستاذ المخلافي الذي التحق بتنظيم الإخوان في مصر-، وللظروف اليمنية شديدة الاضطراب، ولطغيان القضايا الوطنية على القضايا التنظيمية، فالإسلاميون كانوا - مثل غيرهم من القوى السياسية- ينافحون في مواجهة قضايا ذات طابع وطني، ومن هنا فإن العمل التنظيمي في تلك المرحلة كان اقرب إلى العمل التجميعي والفكري، واتسم بغلبة طابع الاجتهاد الفردي.
و في نهاية حكم الرئيس السلال، شهدت اليمن واحدة من أوسع عمليات التطهير السياسي وأكثرها عنفا، ففي شهر سبتمبر 1966م تم إعفاء عدد كبير من الشخصيات التي اختلفت مع الرئيس السلال والقيادة العربية المصرية من المناصب السياسية والإدارية.. وجرت عمليات اعتقال واسعة، قدرت المصادر الغربية حصيلتها بألفي معتقل(3) من مختلف التيارات السياسية وفي ذلك الجو، تم اعتقال عبده محمد المخلافي مع ثمانين شخصاً آخرين من مدينة تعز، ونقل إلى سجن القلعة في صنعاء، واستمر فيه ثلاثة أشهر(4)، فيما عاد علي فارع العصيمي إلى قريته، وانتقل كل من: عبد المجيد الزنداني، ومشرَّف عبد الكريم المحرابي، وعبد السلام خالد كرمان إلى عدن، وانغمس هؤلاء في النشاط الدعوي والحركي فيها، فقد تولى الأستاذ الزنداني إدارة معهد النور بمدينة عدن، وتولى الأستاذ عبد السلام خالد التدريس في المعهد الإسلامي، و’’نشط في العمل الدعوي في مسجد أبان وعدد من مساجد حي (كريتر)، وساهموا في إعداد مشاريع نظام داخلي موحد للمركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي بعدن والمركز الإسلامي في تعز’’(5).
وبعد خروج القوات المصرية وقيام حركة نوفمبر 1967م، تنفست الحركة الإسلامية الصعداء (تنفساً نسبيا)، فعاد الأستاذ المخلافي إلى التدريس في المدرسة الثانوية الوحيدة آنذاك، وبناءا على مطالب عدد من التجار والمشائخ والمواطنين، تم تعيينه مديرا لفرع التربية بلواء تعز، كما عاد الأستاذ الزنداني، ومشرف عبد الكريم من عدن إلى صنعاء، أما الأستاذ عبد السلام خالد كرمان فقد حصل على منحة دراسية إلى بغداد، وأسس هناك وإلى جانبه الأستاذ عبدالستار الشميري لعمل إسلامي بين الطلاب الموفدين من شمال وجنوب اليمن.
وبشكل عام فقد انتهت المضايقات التي كانت تتعرض لها الحركة- والأطراف السياسية الأخرى- من قبل المخابرات المصرية، والتي كانت تستعين ببعض العناصر اليمنية المتعاطفة معهما، فضلاً عن حملاتها الإعلامية الشديدة ضد حركة الإخوان المسلمين أينما وجدت، باليمن أو خارج اليمن(6).
وبوصول القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى السلطة، مدعومًا من مشائخ القبائل، وحزب الأحرار اليمني، وحزب البعث، والإخوان المسلمين، توفرت أجواء مناسبة للإخوان أفضل مما كانت عليه في عهد الرئيس السلال، فقد تم تقليص نفوذ التيارات اليسارية والقومية الراديكالية، وانتقلت السلطة إلى شخصية مدنية معروفة بخلفيتها الدينية.
ركز الإخوان المسلمون والذين كان عددهم محدودا جهودهم في العمل التربوي والتعليمي، فقد تعين الأستاذ عبده محمد المخلافي مديرًا لمكتب التربية بمحافظة تعز، واتجه بقية أعضاء التنظيم وفي مقدمتهم الأستاذ عبد المجيد الزنداني، للعمل بين الأوساط الطلابية في مدارس العاصمة صنعاء.
وفي عام 1968م تم تعيين الأستاذ المخلافي عضوًا في المجلس الوطني، الذي كان من مهامه صياغة دستور دائم، والإعداد لانتخابات مجلس الشورى، وفي شهر مايو1969م توفي في حادث مروري غامض، وتعرض العمل الإسلامي بعد وفاته إلى حالة إرباك جديدة، وسرعان ما اجتمع أبرز الإخوان، واختاروا الأستاذ عبدالمجيد الزنداني مراقبا عاما للجماعة والأستاذ ياسين عبد العزيز نائبًا له ومسؤولاً عن العمل في منطقة تعز، وبنفس الاجتماع أُقرت أول وثيقة تنظيمية تهدف إلى بلورة النشاط التنظيمي للحركة.
وإذا كانت التطورات تسير لصالح الإسلاميين في شمال اليمن، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة للإسلاميين في الشطر الجنوبي، الذي أعلن استقلاله في 30 نوفمبر1967م، فقد انتهت التفاعلات فيه إلى سيطرة اليسار المتطرف على الجبهة القومية والسلطة معاً، وهو تيار لم يسبق له أن أدار دولة، فتعامل مع كل المخالفين له بالإقصاء والقتل والتشريد والاغتيالات، وكان نصيب الحركة الإسلامية من ذلك الكثير، لأنها تمثل الخط الإسلامي من جهة، وبسبب تحالفها مع حسين عثمان عشال من جهة ثانية، ولأنه كان من السهل رصدها والوصول إليها والقبض على أعضائها من جهة ثالثة، إذ لم تكن ذات طبيعة تنظيمية معقدة، والأهم من هذا وذاك حصول اختراق لها من قِبَل شخص يُدعى محمد عبد الباري حسان، وهو أحد عناصر الحزب الديمقراطي الثوري في الشمال، حيث كان ينقل تفاصيل ما يدور في المركز الإسلامي إلى قيادة الجبهة القومية(7)، وبعد الإطاحة بنظام الرئيس قحطان الشعبي تم على الفور إغلاق المركز الإسلامي الثقافي بعدن، وهاجر معظم قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية إلى شمال اليمن، حيث اندمجوا في التنظيم، ونشطوا من خلاله.
وفي عام 1970م اتخذت قيادة الحركة قراراً بمد النشاط الإخواني إلى المدن الرئيسية، وكُلف الأستاذ عبد الستار الشميري ليتولى قيادة العمل في مدينة الحديدة والأرياف التابعة لها، حيث اُستصدر له قرار من وزير التربية والتعليم –حينذاك- الأستاذ احمد جابر عفيف لتعيينه نائباً لمدير مكتب التربية والتعليم في محافظة الحديدة(8)، وهكذا نشط العمل التنظيمي في ثلاث مناطق: صنعاء، ويتبعها عدد من المحافظات وكان المسئول عن العمل فيها القاضي العلامة أحمد أحمد سلامة، وتعز، وتتبعها محافظة إب ومسؤولها الأستاذ ياسين عبد العزيز، فيما استمر الأستاذ عبد الستار الشميري مسؤولاً عن العمل التنظيمي في الحديدة.
في تلك الفترة وتحديدًا عام 1971م، تعرف الإخوان في اليمن على خبرات تنظيمية من عدد من قيادات الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية، ساهمت في بلورة وترتيب العمل التنظيمي داخل الحركة.
وعلى المستوى الوطني فاز أربعة من الإخوان بعضوية مجلس الشورى، والذي تم انتخابه في عام 1971م، وهم: أحمد محمد الأكوع، وعلي محمد الأكوع، عبد السلام العنسي، عبد السلام خالد كرمان، وشغل الأخير منصب أمين عام المجلس.
وقبل ذلك وتحديدا عام 1968م، كانت الحركة قد شكلت لافتة سياسية خاصة بها هي الجمعية العلمية اليمنية، فقد وثق الأستاذ الزنداني علاقته بعلماء الشريعة المشهورين في ذلك الوقت، وأقنعهم بالحاجة إلى تشكيل جمعية للعلماء تكون ناطقة باسمهم، وهكذا تشكل مجلس الجمعية برئاسة القاضي عبد الله الحجري، وعضوية كل من: القاضي يحيى بن لطف الفُسيل، والقاضي على السمان، والقاضي محمد المنصور، والعلامة محمد بن علي الفران، والعلامة حمود بن عباس المؤيد، والأستاذ عبد المجيد الزنداني، فيما شكل الإخوان الجهاز الإداري للجمعية نظرا لصغر سنهم، واُسند منصب أمين عام الجمعية لأحمد محمد الأكوع الذي كان يسهل بعض أعمال الجمعية، كونه ضابطاً في وزارة الداخلية.
كان الأستاذ عبد المجيد الزنداني هو المحرك الأساسي للجمعية، ومن خلالها وبمشاركة من العلماء السابقين، تمكن الإخوان من صياغة المناهج الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم، في مادة الفقه الإسلامي ومقررات التربية الإسلامية صياغة إسلامية تتجاوز التجاذب المذهبي وتقر الصحيح المتفق عليه، وتعكس رؤية الإخوان، كما تم توظيف الجمعية العلمية في نشر الدعوة من خلال إقامة معهد الإرشاد بالمدرسة العلمية، لتقديم الدروس للمدرسين والطلاب في أيام الصيف، والقيام بالزيارات الدعوية للمناطق القريبة من صنعاء(9)، وإلقاء المحاضرات الدينية في المعسكرات والمدارس والخطب المنبرية في المساجد، وتوزيع الكتب الدعوية.
وبنفس القدر تقريبًا، صارت الجمعية العلمية واجهة سياسية يتحرك من خلالها الإخوان في القضايا العامة، فإذا ما وجدت ظاهرة أو عمل مخالف للشريعة، وقرر الإخوان أن يقفوا ضده، يتم ذلك من خلال الجمعية، وهكذا صار كل ما يحتاج إليه التنظيم الإخواني من عمل علني يقام من خلال الجمعية، وعمليا كان الإخوان يتعاملون مع الأحداث والتطورات السياسية على صعيدين مع الجماهير من خلال الجمعية، ومع السلطة من خلال اللقاء المباشر مع الرئيس عبد الرحمن الإرياني(10)، وقد تم حل الجمعية في بداية عهد الحمدي.
أما علاقة الإخوان بالرئيس عبد الرحمن الإرياني، فقد اتسمت في بدايتها بالتعاون نظرًا للتقارب الفكري بينه وبين رموز الإخوان، وتشير بعض المصادر إلى أن الرئيس الإرياني قدم في مرحلة معينة بعض الدعم المالي للإخوان(11)، وقد سمحت لهم الحرية التي اتسم بها عهده بالنشاط الفردي والجماعي، لـكن العلاقة بينهما لم تستمر في السير في نفس الاتجاه، فقد أبدى الإخـوان تبرما من تساهل الإرياني أمام انتشـار الأفـكار والتنظيمات اليسارية، وتقريبه للبعثيين الذين كانوا يسيطرون عـلى معظم المناصب الحكومية، وبسبب ذلك أخذت الحركة تتململ من سياساته، وتعارضها، سواء بالتصريحات أم الانتقادات العلنية، وحتى أثناء اللقاءات المباشرة معه، وعلى إثر ذلك توترت العلاقة بين الرئيس الإرياني وبعض أعضاء الحركة أو المحسوبين عليها، خاصة عندما كان حزب البعث طرفا في ذلك الخلاف، حتى أن بعض قيادات الحركة فضلوا الخروج من صنعاء إلى المناطق الشمالية احتجاجا على سياسة الرئيس الإرياني آنذاك(12).
وتصاعد التوتر بشكل أشد على إثر الخلاف بين الرئيس الإرياني ومجلس الشورى، نتيجة لتوقيع رئيس الوزراء محسن العيني لاتفاقية القاهرة مع الشطر الجنوبي، بعد انتهاء الحرب بين الشطرين عام 1972م، ودِفاع الرئيس الإرياني عن العيني، وتوقيعه لاتفاقية طرابلس مع رئيس الدولة في الجنوب سالم ربيع علي، في ذلك الوقت هاجم عدد من المحسوبين على الإخوان الرئيس الإرياني علنًا، وفي مقدمتهم الشيخ عمر أحمد سيف والأستاذ سعيد فرحان، مما دفعه إلى حبسهم برغم أنهما عضوان في مجلس الشورى.
أما قيادات الإخوان فقد كانت في أواخر فترة حكم الرئيس عبد الرحمن الإرياني-كما يشير الأستاذ عبد الملك منصور- في حيرة من أمرهم في كيفية التعامل معه، فليس بإمكانهم إعلان معارضته، لأنه يعد أحد مناضلي وعلماء اليمن المشهورين ويتمتع بشرعية دينية، مثله مثل قيادات الحركة، وبنفس الوقت يصعب السكوت على تقاربه مع اليساريين وتمكينه للبعثيين!.
ــــــــــــــــ
المراجع :
(1) نصر طه مصطفى، التجمع اليمني للإصلاح، القضايا والمواقف، صنعاء، 2000م، ط1، ص: 13.
(2) مقابلة أجراها الباحث مع الشيخ، محمد حسن دماج عضو الهيئة العليا للإصلاح، بتاريخ،13/5/2006م.
(3) انظر في ذلك، أحمد يوسف أحمد، الدور المصري في اليمن،( القاهرة، الهيئة العامة للكتب) ،ص: 456-457
(4) التجمع اليمني للإصلاح، من أعلام الإصلاح في اليمن ، مرجع سبق ذكره ، ص: 62.
(5) سعيد ثابت سعيد، موقف الإسلاميين من الوحدة، التفاصيل الكاملة، مجلة نوافذ، العدد (26) مايو 2000م، ص: 26.
(6) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ عبد الرحمن العماد، مصدر سبق ذكره.
(7) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ أحمد القميري بتاريخ 21/10/2008م.
(8) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ عبد الستار الشميري، بتاريخ 2/3/2006م.
(9) مقابلة أجراها الباحث مع الأستاذ حسن الذاري بتاريخ 12/10/2008م.
(10) مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور عبد الملك منصور، أحد قيادات الإخوان في مرحلة السبعينيات، بالقاهرة بتاريخ 28 /5/ 2006م.
(11) مقابلة أجراها الباحث مع القاضي أحمد محمد الأكوع بتاريخ 6/3/ 2006م.
(12) مقابلة أجراها الباحث مع الشيخ محمد حسن دماج، مصدر سبق ذكره.
.المصدر