انتفاضة تألق
سميرة بيطام
وسع لي المجال في لقطة سيكون لي بد منها أن أفتح باب سيارتي لأرقب عبر خطواتي الثقيلة وقد أحطت نفسي بعناية الدفء بداخل معطفي ...لا تزال نسمات البرد تلوح لي أن الجو لا يؤتمن لكني سحبت قلمي من جيبي على ضفة بحر غاضب بالمرة و قد بعث في ذاتي نشوة هي قمة في الروعة وأنا أركن بسيارتي على ضفة طريق مزدحم بالمارة..لكن انفصلت عن ضوضاء العباد و الأضواء الخاطفة ...سميرة بيطام
اخترت لي جلسة لامعة كان فيها صخب الموج و لهيب البرد و قوة الشعور أن انتفاضة الضمير اكسبتني رداءا جديدا و أنا على أهبة كتابة خاطرة من خواطري بمدادي الغزير هو الآخر في نسيج الكلمات التي علقت عليها في مخيلتي قبل صياغتها على صفحة ورقتي...
كان الحديث مكتظا في ٍرأسي و المواعيد تزعجني بالمرة لأنها أحيانا تجبرني أن أتخلى عن نظام يومي فرض نفسه علي منذ أعوام خلت ، لكنه الواجب مع من علمني أن أعيش ببرامج اليقظة و استغلال ثانية العمر فيما يفيد ...متعب الأمر صحيح لكنها هي هكذا طموحات المعذبين في الارض ، لذلك اخترت لي واجهة في لقاء صريح مع أمواج البحر العالية فوق قامتي و قامة كل من تحدى طاقة ليست تخبو بسهولة إلا و هي تحدث ضجة و انسيابا في الابداع ، كم راقني المشهد و أنا أنتفض مع الموقف في ابتسامة مني اخفيت معها الكثير من التعب ، لا أعرف ان ما كان الأدباء و المؤلفون يشعرون بزخم العياء و اكتظاظ الأفكار و الواجبات ، فلم أعد أقدر على أن أنهي ما رسمته في الصباح من برنامج ، صدقا لم أعد أقدر على كفاية السلام و التحية و البوح بما يختلج في القلب من محبين لي أحببتهم على طول خط العمر حتى أني أبرمج أكل وجبتي مع اثنين أو ثلاث لأفرح قلبا كان منتظرا للمسة يدي في وقت الغروب و لو بسؤال عن مريض واحد ، عذرا لمن قصرت بحقه فلا الوقت يكفي و لا العقل خالي من لقطات الانجاز و لا القلب أحب شخصا أو لقطة أو فكرة أو ذكرى ، فالمزاحمون كثر و أصبحت أختار من قلمي خواطرا لأجيب عمن لم أجبه في أوانه ، روعة هي الحياة حينما تكون فيها زحمة للمارة و للموج و للطير و للورد و للنحل و الكل مسافر حيثما شاء له الرحمان أن يستقر ، لكني أرحل في كل يوم ألف رحلة حتى ان جن الليل أركن في ضوء خافت علني أريح انتفاضتي من حيوية تألقها في أيام أراها سعيدة و مقبلة على آمال عديدة ، مع الأوفياء و المكافحين و الصابرين و المحتسبين ، و يا لروعة ابتسامة الصغير سقف آخر لاشتياقي لأن أبقى عادية جدا أو صغيرة مع هكذا شخص صغير في السن ، فلا شيء يريح أعصابي من هكذا تفرد على رمل مختلط بلون الصدف إلا لعب مع أطفال و لو في غير أوانه ، لأن كسري لجدار النظام لدي يشعرني بطاقة جديدة ...حيث ألتقط لي صدف واحدة تلو الأخرى لأسلمها للأطفال المتواجدين معي و لأستعد لأن أعيش نبض الوفاء مع ربي و مع نفسي و لو أن الأنانية لا تسكن صدري على الاطلاق ، فقد أصبحت أتوق لأن أتكلم قليلا و أفكر كثيرا و أكتب عبرا و حكما و الباقي من وقتي هو للطبيعة الساحرة من ألفتها و ألفتني فان أنا حنيت لمجلسي على عشب أخضر حن لي الحمام بمشيه من أمامي تمهيدا لمسيرة التغيير التي بدأت و لم أشعر ببدايتها لأني أحيانا أركز في مشتريات الملبس و المكتب و أنسى أخبار اليوم التي بالتناسي أفقدتني توتري الزائد لحال الكرة الارضية و صخب الحروب ،و قد اعتنق الليل و النهار على خلاف معي ان أنا استمريت بالحزن على أمتي ، فالحزن لن يغير شيئا من قراري و الفرح لن يلغي شيئا من وصايا من ماتوا و تركوا نصيبا من ارث كبير في أن نحافظ على هواء أوطاننا من النسمات الدخيلة من هنا و هناك ، لن يكون شيئا غريبا في أوساط محافلنا لأننا لم نوجه أي دعوى لمن لا ينتمي لنا قوة و عقيدة ، فانتفاضة التألق لم تكن إلا لأهل التقوى و لم تنطلق إلا بإذن من رب العالمين من ارتضى لأهل الصبر ثوابا و أجرا بعد طول كفاح.. فما بال عزيمتي قد تناولت بالأمس حكايا و ألغاز و انتهى معها زمن الخوف و حل محله زمن البرد و قد احتميت بمعطفي من على أفق منظر البحر المتمرد ليسمعني طلقة البدء في التألق ، فما كان مني إلا أن وضعت يدي في جيبي استعدادا للقاء نور الفجر الواعد كما رسمته لي أحلامي و كما رآه نقادي من أساتذة و قراء ، لم يكن شيء يزيدني تركيزا في موج البحر إلا لأن ارتفاع الهامة زادني اشتياقا لبطولة تعارك الأمواج في قلب البحر المنتفض هو الآخر و المتزامن مع انتفاضة التألق في قلمي...ما أحلاه من مشهد..و بواخر الرحيل تدفقت من كل صوب فزينت مشهدي ببوح البرد لي أن القادم هو الأحلى باندفاع قوي لإصرار رحلة الموج و هي تصحبني حتى تنتهي الانتفاضة و مع ركون الموج المندفع و جدت نفسي قد أخذت مركبتي و قد ودعت النورس و حبات الرمل و كلي شعور بالهناء أنه أحلى و أسعد لقطة لدي حينما انتهيت من معزوفتي على غروب الشمس وقت الأصيل ...فقريبا نصر من الله و فتح.