الأسس الجمالية للشخصية المتوازنة
إن طاقات الفرد في المجتمع قد تتجمع و تتكثف و تبقى مخزونة في باطنه حتى تقبر معه في النهاية، لأنها تبدو ضئيلة ،تافهة ، مثلما تجري مياه الأنهار ليل نهار لتتلاشى في البحار و المحيطات ، أو كما تذهب طاقة الأشعة الشمسية هباءا ، و كأن الشمس تطالعنا كل يوم تنتظر من يكتشف طاقتها ، فلا تكثف أشعتها و لا تستغل فوائدها فتتحول ببطء من منطقة لأخرى حين تمل الانتضار ، فتجد أن المنطقة التي غادرتها قد نامت من ساعات بعد الغروب ..
ألسنا نطمع للصعود إلى القمة؟ أليس من الصحيح أن نمر بالسلالم الأولى التي تقودنا إلى هناك و من تلك السلالم ما تمثله الأسس الجمالية في الشخصية المتوازنة ، إذ بهذا التوازن يرتفع الناجح إلى مكانته السامية حينما يستغل فرص التوفيق فيكبر في عيون الناس بقدر ما يتضاءل و يتواضع ، و ليس في صفحات التاريخ الإسلامي إنسان عظيم لم يتصف بالتواضع خلقا و معاملة و صبرا و إيثارا و حلما ، و الكتب السماوية المقدسة و التي هي قائدة الكتب الاجتماعية و حاملة صرح الإصلاح تضع خصلة التواضع أساسا أوليا للخلق العظيم.." فلا تصعر خدك للناس و لا تمش في الأرض مرحا..".
فليكن شعور الآخرين نصب أعيننا و لنحاول أن نجد المناسبة التي ترفع من شأنهم و تشعرهم بأنهم أرفع مما يتصورون ، لا للتحدث إليهم مباشرة ، بل للتحدث عن بواطن اللباقة و الذكاء في فعل من أفعالهم ، حتى عندما نجامل من نحب ، علينا أن نبحث عن المحاسن و ما أكثرها لو فتشنا بإمعان و تركيز شرط أن نكف النظر إلى أنفسنا، هكذا تكون المجاملة مدعومة بالصدق ، و نجعلها تتنوع بأسلوب فني يتغير من مرة إلى أخرى ، و قد نلاقي عكس ما نتمنى ، فلنغض النظر عن مساوئ الناس من أجل كسب ودهم ، و لنطمئن في داخلنا من أن المجاملة لن تفشل حتى مع غير البشر..
فلماذا يخاف الإنسان من تقديم كلمات جميلة و مؤدبة إلى من يستحقها ؟ هل فيها تكلفة؟ هل فيها خسارة مادية أو معنوية ؟.
الأرقام التالية :60 ،80،100 هي أرقام جامدة لكن الحياة دبت فيها و أصبحت تعني درجات ، بسبب ارتباطها بمعاني التقدير و التقييم على الأداء ، فان كان هذا شأن الأرقام الجامدة فلا بد ان تكون الكلمات اللغوية أفصح تعبيرا و أعمق تأثيرا و ليكن قاموس الشرح ما توارث عن السلف الصالح و سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم.
يبدو أن أحسن أسلوب لتجنب تنافر الشخصيات و تصادمها حتى و إن كانت متوازنة هو الابتعاد عن التوتر الذي يخلفه الجدل ، و ما يجر وراءه من كراهية و عداء ،فالبدء في الحديث عند التحدث إلى الناس بمناقشة الأمور التي نتفق معهم فيها ، فحسن الكلام مفتاح الصدور المغلقة ، و الغريب أن الكثير من الناس من يبذل عناية واسعة في مظهر بيته ، و يخطط مواضع جلوس الزائرين في الحديقة ،لكن في الأخير تبقى هذه الأماكن مغلقة ربما طوال السنة ، و يشعر أصحابها بالحاجة إلى الأصدقاء و المحبين ، فهذا خطأ في التخطيط طبعا ، فاللازم هو تكوين علاقات اجتماعية ودية و صلات طيبة ، ولا داعي للحاجة إلى التكليف في ترتيب الأثاث و إفراغ الجيوب لشراء الأواني الفاخرة و الأقداح الباهضة الثمن.
لقد خططنا لتوسيع حياتنا الاجتماعية و أغفلنا أسلوب جذب الناس إلينا ، و يرى بعض الحكماء أن الذي يعوزنا هو حسن المعاشرة و القول الطيب من الكلام .
فالأسس الجمالية كثيرة و هي تسكن في قلب و عقل الشخصية المتوازنة لأن صاحب هذه الشخصية حتما سيكون ناجحا في تخطيط حياته و ليس من الضروري أن يكون مشهورا ، فذيوع الصيت ليس دليلا على العظمة ، فالعظيم هو أولا إنسان و ثانيا هو يمتلك درجة عالية من المزايا التي يتصف بها المرء حين يكون في أحسن حال بمعنى وضعه من الإنسانية ، فالعظمة تشبعها طيبة الإنسان و تزينها أقواله و تترجمها أفعاله و تبقى سريرته ميراثا يقتدى به بعد موته و من يدري فربما يدخل التاريخ من أبوابه الواسعة بسبب شيء واحد هو امتلاكه للأسس الجمالية في شخصيته المتوازنة فيعم خيره لدى الناس..