مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/01/06 11:02
حينما يحكمنا القانون و ليس الأهواء
حينما يحكمنا القانون و ليس الأهواء
 
يقول الدكتور شبلي الملاط أن دولة القانون يراها في "ثوب رئاسي جديد" و يعتبر القانون احدى الركائز لهذه الرئاسة الجديدة مؤكدا بذلك أن يكون القانون هو القاعدة الحصرية لتعاطي المواطن مع الدولة ،أما الغاية من حكم القانون فهو الارتقاء بالمجتمع الى الديمقراطية الصحيحة و التي تقوم على الفصل بين السطات و استقلالية القضاء .
و ليس يخلو أي تعديل دستوري في أي دولة كانت الا و نادت بمبدأ استقلالية الجهاز القضائي و في تصورنا أن هذه الاستقلالية ستمنح للقضاة حرية لمقاضاة المتهمين موظفين بذلك مبادئهم السامية التي منحهم اياها الدستور و هو ما يخلق ما يسمى ذاك التلازم بين الديمقراطية و الحرية كشرطين توافقيين لحكم القانون.
يمكن أن تتساوى في المعنى مصطلحي سلطة القانون و سيادة القانون فكلاهما يشير الى مبدأ السمو في التدرج السلمي و الهرمي للآليات المنظمة لسلوك الناس و علاقاتهم فيما بينهم و بين مؤسسات الدولة ،و هنا نستحضر مقولة أرسطو لما قال " ان حكم القانون أفضل من حكم الفرد أيا كان".
و يمكن استخلاص الخصائص الرئيسية لحكم القانون و هي كما يلي و باقتراح من تصوري كقانونية :
*عدم تطبيق مبدأ عدم رجعية القانون بمعني أن يسير القانون باتجاه المستقبل و ليس عودة للماضي ، لأنه كلما تجدد و تطور كلما ساير التغيرات و رافق المتطلبات التي يحتاج اليها المجتمع من تعديلات تلبي فيه حاجة المطالبة بحقه دونما اللجوء الى الاضرابات أو الى الهياكل النقابية لتمنحه حقا كان من المفروض على القانون أن يقيده في التعديل الدستوري بما يوافق ميولاته المشروعة ، أقول المشروعة لألا يتخذ من المطالبة المبالغ فيها انحراف للقانون عن المهمة المخولة له بعيدا عن الأهواء الشخصية أو المصالح المادية ،  فكلما خضع القانون لحكم الله و شريعته كان أقرب للصواب منه للخطأ كقانون وضعي من ابتكار و صنع الانسان ، فالكمال لله سبحانه و تعالى و الانسان يصيب و يخطئ.
*توظيف العامل الأخلاقي في المعاملات القانونية من طريقة سن المواد وصولا الى عملية التطبيق في الأجهزة القضائية ، فالقانون لوحده لا يكفي حتى لو طبق بصرامة ، فقادة المجتمعات التي تسعى لتحقيق المساواة بتطبيق العدالة و القوانين الرادعة عيلها أن تربط هذا العمل بالوازع الديني و محاولة إيقاظه في نفوس المجرمين للقضاء أو للانقاص من جرائم العود التي تأخذ لها سياقا متصاعدا فور انتهاء مدة السجن التي يقضيها المجرم بداخل الزنزانة ، فكل معاملة سياسية أو قانونية أضيف اليها جانب الأخلاق الا و حققت نتائج قيمة و ملموسة ، لنصل الى عملية التهذيب و الترويض للشخصية المجرمة التي قد تتمرد على القانون و سيادته و تعمل وفق الأهواء الانتقامية فتبدأ القيمة العملية القانونية في الاضمحلال و بالتالي تنضر بتعا لذلك فكرة السيادة.
*أن يسعى القانون لحماية حقوق الانسان بمعاملة جميع المواطنين بالتساوي و تسليط العقوبات عند الاخلال بمادة أو نص من نصوصه ،و لا يقصى من ذلك مسؤولي الدولة عن مسؤولياتهم المباشرة حينما وكلت لهم حقائب وزراية تتضمن برامج حكومية و سطرت لتحقيقها مخططات و استراتيجيات و جندت لها أموال ضخمة ، فبقدر ما تكون المحاسبة على سنتيم واحد لم يعرف له انفاق بقدر ما يتعود المسؤولين على أمانة الآداء لأنها تكليف و لم تكن تشريفا لهم للعبث بمصير الملايين من المواطنين الذين وضعوا ثقتهم في منتخبيهم بكل شفافية ، فهم أيضا لديهم الحق في أن تستعرض أموالهم بكل وضوح و استعراض أهم المشاريع المنجزة لهم و حساب الباقي من الأموال حتى لا تتسرب الى بطون الفاسدين ، و هنا يتحرر القانون من حكم الأهواء ليصبح هو الأقوى و الأعلى  و الأصح..
*كلما كان هناك حماية لمحاكمة عادلة كلما اقتربت المجتمعات من فجر جديد للسلام و العدل و بصورة علنية يحبها العقل و يميل لها القلب بعيدا عن عاطفة قد تنجرف وراء عدل اضافي و مبالغ فيه طالما أن الشعوب كانت مقبورة في ظلام الظلم و الاستبداد و الاهانة.
*كلما أنصف القانون مختلف فئات المجتمع برد الاعتبار لهم و بعودة الحقوق اليهم كلما ارتقى بمبدأ الشرعية و المساواة ،بما أن الانسان دائما هو محور النزاعات و بوصلة الحقوق المائلة في كل صوب تبحث لها عن انصاف ، و هنا يجب على القانون أن يبنى على الأخلاق قبل أن يبنى على التصورات الواقعية ، فالواقع المتصل بالأخلاق يكون أقرب للعدل.
يبقى على مسؤولي الدولة و رجال القانون على اختلاف تخصصهم في القانون الاقتراب من المواطن البسيط ،اقتراب أقصد به انساني و أخلاقي قبل أن يكون سلطوي و متسلط ، فالمواطن يختار له من يمثله في هياكل الدولة ليحقق له مستقرا من الحياة البسيطة بمرافقها و عليه مسؤولية في الكفة الأخرى في أن يعمل و يعطي الصورة المثلى لدولته في أن يحافظ على مؤسساتها و يساهم في التنوع الانتاجي و الرقي الحضاري و لا يكتفي بالمطالب من غير أن تكون له مشاركة متبادلة ، و هذا يصنع التغيير و الانبعاث الحضاري الذي اشتاقت له عقول و رسمته أفكار و لكن لم تسعى سواعد لتطبيقه و المساهمة في برنامجه ، فالتمني بتغليب الأهواء أحيانا لا يخدم المصلحة العليا للوطن و للمواطن بل المشاركة المتبادلة بالثقة بين الرئيس و المرؤوس و على مستوى كل الأصعدة المؤسساتية ،فالقانون هو الآخر يبحث له عن حاضنة مجتمعية متفهم وواعية بالأخص ، و ليست من تبحث عن القانون للتملص من الزلات و الجرائم و الأخطاء ، فما كان ساميا يبقى كذلك و يجب على المواطنين أن يرتقوا بسلوكهم الى مستوى ذاك السمو باحترام القانون في كل المعاملات ولو كانت بسيطة ليتحقق صلب المجتمع المتوازن و المثقف و المدرك للقيمة القانونية لأي تعديل دستوري و الذي يأتي بعد كل تجريب لمراحل من القيادة السياسية التي لا تقبل لها بغير سيادة القانون حكما و حاكما.

أضافة تعليق