مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/01/08 22:15
الدعوة الاسلامية
 
 
دور الدعوة كمنهج فعال للنهضة
 
لقد تناول المستشرقون من علماء أوربا الإسلام و المسلمين بالدراسة من نواح مختلفة وكان منهم من ملكه الهوى فأضله على جهل أو علم ، و منهم من آثر أن يكون منصفا يصدع بالحق متى هدي إليه بعد البحث و التنقيب.
و مهما يكن ، فان الدراسة التي تتميز بالجد و العمق للإسلام لم تبدأ إلا منذ القرن التاسع عشر ، حين ذاعت ثقافة الشرق و الاسلام في أوربا ، و حين أخذ الغرب يبسط سلطانه باسم الاستعمار على الشرق و البلاد الاسلامية ، عندئذ نهض كثير من 
 رجال أوربا العلماء لبحث هذا الإسلام و تراثه و رجاله ، محاولين معرفة سر حيويته و بقائه.
و قد كان هؤلاء الباحثون – و لايزالون- طوائف شتى ، ينتمون إلى أمم عديدة ، و تدفعهم عوامل مختلفة إلى احتمال البحث و عنائه ،أين ألف بينهم جميعا العمل على تجلية الإسلام من نواحيه المختلفة ،كل من الناحية التي تخصص فيها و على ما يرى من الأوضاع.
و قد كان اهتمامهم بكتب السير و التاريخ ،ثم أخذوا في دراسة القرآن و علومه ، و الفقه  وأصوله ، وعلم أصول الدين و الفرق الإسلامية ، وما إلى ذلك كله من مظاهر الفكر الإسلامي.
إن الإسلام  بمعناه العام هو الانقياد ،أي انقياد المؤمنين لله ، فهذه الكلمة تركز أكثر من غيرها على الوضع الذي وضع فيه محمد صلى الله عليه و سلم المؤمنين بالنسبة إلى موضوع عبادتهم ( و هو الله) و كذا إحساس الشعور بالتبعية الذي يحس به الإنسان أمام القدرة غير المحدودة ، و هذا هو المبدأ السائد في الدين.
و الدعوة إلى الله  هو ما يجسد هذه الفكرة و كذلك الشعور بأحقية استمرارية الرسالة على مدى العصور.
هناك حقيقة اولية بسيطة عن طبيعة الدين الإسلامي ، و طريقة عمله في حياة البشر و لكن مع بساطتها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين ،حقيقته الذاتية وواقعه التاريخي حاضره و مستقبله كذلك.
على  أن البعض ينتظر من هذا الدين – ما دام منزلا من الله- أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب  و دون أي اعتبار لطبيعة البشر و لطاقتهم الفطرية و لواقعهم المادي في أية مرحلة من مراحل نموهم و في أية بيئة من بيئاتهم.
إن هذا الدين منهج الهي للحياة البشرية ، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية و في حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في كل بيئة ، و يبدأ العمل من النقطة التي يكون البشر عندها حينما يتسلم مقاليدهم ، و يسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم  و بقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة.
إن الله قادر –طبعا-  على تبديل فطرة الإنسان ، عن طريق هذا الدين أو عن غير طريقه ولكنه –سبحانه- شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة لحكمة يعلمها ، وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد و الرغبة في الهدى : " و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.." و شاء أن تعمل فطرة الإنسان دائما و لا تمحى و لا تعطل :" و نفس  و ما سواها ،فألهمها فجورهـــا
 و تقواها ،قد أفلح من زكاها ، و قد خاب من دساها..".
و شاء أن يتم تحقيق منهجه الإلهي للحياة البشرية عن طريق الجهد البشري ، و في حدود الطاقة البشرية :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهمو لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض....".
و شاء أن يبلغ الإنسان من كل هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد و ما ينفق من الطاقة ، و ما يصبر على الابتلاء في تحقيق هذا المنهج الإلهي القويم ، و في دفع الفساد عن نفسه و عن الحياة من حوله " أحسب الناس أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ، و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين".
و الأهمية تبرز بنفسها و لنفسها و هي أن لكل أحد من الخلق واجب في أن يدرك الحقائق
 و يعرفها ، و الرسالييون هم أكثر الناس إدراكا لهذه الأهمية في أن الدعوة تعمل في واقع الحياة البشرية و تفسر أحداث التاريخ البشري على ضوئها فيفقه الدعاة خط سيرها التاريخي من ناحية ، و يعرف كيف يواجه هذا الخط  و يوجهه من ناحية أخرى ، و يعيش مع حكمة الله و قدره ، فينطبع بهما الانطباع الصحيح من ناحية ثالثة.
 
انه المنهج الإلهي ، الذي يمثله " ألإسلام في صورته النهائية ، كما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم  لا يتحقق بكلمة " كن" الإلهية ،مباشرة لحظة تنزله ، و لا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس و بيانه، و لا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك و سير الكواكب إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر ، تؤمن به إيمانا كاملا ، و تستقيم
عليه –بقدر طاقتها- و تجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين و في حياتهم كذلك ، و تجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك.
إن الملاحظ للواقع الإنساني سيستنتج أن المنهج الإلهي ترك للجهد البشري أن يتولى حقيقة إصلاح النفوس البشرية و بالتالي إصلاح الحياة البشرية ، فمن أهداف إصلاح النفوس أن يتم نماء حقيقة الإيمان في القلب ، و لا يتم ذلك إلا بمجاهدة المنكر باللسان بالتبليغ و البيان و بذلك رفض الباطل الزائف ، و تقرير الحق الذي جاء به الإسلام ، و المجاهدة باليد بالدفع و الإزالة من طريق الهدى حين يعتري ضوئه بالقوة الباغية و البطش الغشوم..و سيلقى مبلغ الدعوة في تلك المجاهدة ابتلاء و أذى ، و الصبر مع الابتلاء و الأذى ، و الصبر على الهزيمة و الصبر على النصر أيضا ، يعلوهما الصبر على النصر و تتفتح له في الإيمان آفاق لم تكن لتنفتح له أبدا و هو قاعد آمن ،ساكن ، و تتبين له حقائق في الناس و في الحياة لم تكن لتتبين له أبدا بغير هذه الوسيلة ، ويبلغ هو بنفسه و بمشاعره و تصوراته و بعاداته و طباعه و انفعالاته و استجاباته ، ما لم يكن ليبلغه أبدا بدون هذه التجربة الشاقة العسيرة
و هذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى :" و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" ،و أول ما تفسد :فساد النفوس بالركود الذي تأسن معه الروح ، و تسترخي معه الهمة ،و يتلفها الرخاء و الطراوة ،ثم تأسن الحياة كلها بالركود ، أو بالحركة في مجال الشهوات وحدها ،كما يقع للأمم حين تبتلى بالرخاء ، و لا ننسى في ذلك أن أساس رقي الأمم و تحضرها هي النهضة بأبعادها الدعوية و التي ترتكز أساسا على العمل الجماعي بلغة التوحيد.
 
فدور الدعوة في تنمية و تطوير المجتمعات الإنسانية لهو دور فاعل و فعال ، ولعل من أهم أسباب اختيار هذا الموضوع يعود للأهمية التي تكتسيها الدعوة لأجل القيام بنهضة الأمم
و قد يخطر لقائل أن يقول حين يسمع التوجيهات الربانية الرفيعة في إقرار هذا العدل الشامل الكامل الذي لا يملك منهج آخر من مناهج البشر أن يحققه في صورته هذه، لأنه ليس من بين هذه المناهج كلها ما يمكن أن يتجرد من عوامل الهوى الإنساني ، و الضعف و الحرص على المصلحة الذاتية في صورة من الصور.
و قد يخطر لقائل أن يقول حين يسمع التوجيهات الربانية الرفيعة في إقرار هذا العدل الشامل الكامل ، الذي لا يتأثر بالهوى ، و لا يتأثر بالعصبية و القرابة من مثل قوله تعالى للجماعة المسلمة :" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ، و لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، و اتقوا الله ،ان الله خبير بما تعملون".
و قد يخطر لقائل أن يقول: ما هي الضمانات التي تجعل الجماعة المسلمة تحقق هذا العدل الذي يدعوها إليه ، و يأمرها به؟
و الضمانة الحقيقية للمنهج الإسلامي كله كامنة في ضمير المسلم ، منبعثة من إيمانه ، فمتى وجد الإيمان بهذا الدين وجدت معه أقوى ضماناته ، و المسلمون يتعلمون من دينهم أن مقومات وجودهم و انتصارهم و التمكين لهم في الأرض تقوم كلها على الوفاء بهذه التوجيهات ، و إلا تعرض وجودهم للزوال، و انقلب انتصارهم هزيمة، و ذهب ريحهم و ذلوا و هم يسمعون الله سبحانه و تعالى يقول لهم" و لينصرن الله من ينصره ، ان الله لقوي عزيز ، الذين ان مكناهم في الأرض و أقاموا الصلاو و آتوا الزكاة ، و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ، و لله عاقبة الأمور"
و الجماعة المسلمة ضمانة حقيقية لتحقيق هذه التوجيهات ،فهي تقوم على هذه العقيدة ،
و تأخذ نفسها بالتزام ما ألزمها الله ،و ترى في كل إهمال أو تفريط نذيرا بسوء يلحقها كلها،و لا يصيب الذين ظلموا منها خاصة....
و من ثم نحن ملزمون بتحقيق ذلك المنهج لتحقيق ذلك العدل الشامل الكامل ، الذي لا يتحقق إلا في ظل هذا المنهج المتفرد ، و هذا هو الأساس السليم القويم الوحيد لقيام نظام للحياة البشرية على جذوره الطبيعية ، فكل نظام لحياة البشر لا يقوم على أساس من هذا التفسير الشامل ، لا يقوم على جذوره الطبيعية ،و هو نظام مصطنع لا يمكن أن يعيش طويلا  و هو مصدر شقاء للبشر منذ قيامه فيهم حتى تحطمه فطرتهم و ترجع الى الأصل السليم القويم ، فنحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج ليقوم نظام الحياة البشرية على جذوره الطبيعية و ليس هنالك منهج آخر تتوافر فيه هذه الخاصية التي لا بد منها سوى منهج
 الدعوة الإسلامية و هي الدعوة إلى منهج الله إيمانا و اعتقادا و عملا.

أضافة تعليق