بقلم عفاف عنيبة
حينما بدأت اقرأ ملخص كتاب الصحافي الفرنسي نيكولا حنين، المعنون ب"جهاد أكاديمي"، إنتبهت إلي محاولة الكاتب الصحافي الذي كان أسيرا في يد تنظيم داعش من جوان 2013 إلي أبريل 2014 في بسط دوافع التنظيم المتطرف لسلوك هذا النهج القتالي العنيف، فهو كصحافي غربي تعاطف مع مقتل صحافي جيمس فولي علي يد داعش إلا أنه أبدي تعاطفا موازيا مع الآلاف المؤلفة من المدنيين السوريين الذين قتلوا بغير وجه حق و لم يحصلوا علي تعاطف الغرب معهم كما تضامن مع موت جيمس فولي.
نحن كمسلمين، لم نفهم منذ زمن طويل لماذا مذابح دير ياسين ليست بمذابح و ما وقع في 8 ماي 1945 بسطيف و قالمة ليسوا بمجازر و قتل المدنيين بطائرات بدون طيار في أفغانستان و اليمن ليسوا بجرائم و تقوم الدنيا و لا تقعد علي جرائم تنظيم الدولة الإسلامية ؟
هل لتخلفنا و لإنقسامنا و لإنحطاطنا الأخلاقي و لإستبدادنا، لا ينظر لنا الغرب المؤسساتي كبشر ؟ فلا يعبأ بموتانا و لا جرحانا و لا قتلانا.
نعم و لا، نتفهم لماذا ظهر في حياتنا في أفغانستان و سوريا و العراق و اليمن تنظيمات مثل القاعدة و داعش و النصرة، فمعاملة الغرب الفوقية لنا هي من ولدت هذه الظاهرة المتطرفة للفهم الخاطيء لديننا الحنيف. نتفهم لماذا يلجأ تنظيم الدولة الإسلامية إلي تصوير عمليات قطع الرؤوس و بثها علي المباشر لجماهير العالم المسمرة أمام شاشتها المترفة، فأعضاء هذا التنظيم يريدون تبليغ رسالة واضحة المعالم للرأي العام الدولي و لمؤسساته السياسية و هي:
"مللنا وحشيتكم و وصايتكم السياسية و هيمنتكم الإقتصادية و الثقافية و دعمكم لحكامنا المستبدين، ها أننا قادرين علي مجابهة عنجهيتكم بأسلحة بسيطة فأس و سكين و كاميرا و هكذا لغة تفهمونها جيدا."
لا بد لنا من الإقرار بأن لجوء تنظيم الدولة الإسلامية إلي تحريف تطبيق الحدود -لا يعقل أن نقبل بقتل صحافيا جاء مغامرا بنفسه ليتقصي الحقيقة- عائد بالأساس إلي دعم النظام السياسي الغربي لأنظمة فاسدة ديكتاتورية! و أن التوجه العام لدي المؤسسة السياسية الغربية قائم علي تعاطي متعال مع شعوب مسلمة مقهورة بفعل أنظمة سياسية فاسدة، فما جري في مصر مثلا، أظهر بأن الغرب لا تهمه حقوق إنسان و لا كرامة الإنسان المسلم بقدر ما يهمه أن يجد من يحمي مصالحه، فلا أحد من الدول الغربية قطع علاقته الديبلوماسية مع نظام إنقلابي في مصر بالرغم تصريح السيدة انجيلا ميركل بأن التجربة الديمقراطية الواعدة في مصر أصيبت بإنتكاسة خطيرة جراء الإنقلاب إلا أن الزعيمة الألمانية لم تتحرج من شهور في إستقبال المجرم سيسي!!
فاللغة التي يتقنها معنا الغرب المؤسساتي هي لغة مصالحه الوجودية، من يخدمها يرضي عنه و من لا يخدمها، ينظر له أنه عدو، هذا و هم لم يجدوا فينا الند الحضاري الذي يعاملهم علي قدم المساواة، فنفرض عليهم فرضا إحترامنا.
فقادة تنظيم داعش و من شابهها وظفوا التأويل القاصر لنصوص دينية غافلين عن حقيقة تطور المجتمعات الإنسانية علي مستوي المعاملات و هذا علي مدي ثمانية قرون، ثم تخلف المسلمين الحضاري حرمهم من التفاعل مع محتويات دينهم من أخلاق و أحكام و حدود، فحكم الإعدام كحد علينا بتطبيقه برصاصة في الرأس أو الشنق و ليس بقطع رأس الشخص المدان فعليا، فعقاب الموت كاف كي لا نضيف له عذاب الذبح! هذا و من يقوم بتنفيذ الحد لا بد أن يكون مكلف من هيئة قضائية شرعية تابعة لدولة قائمة بذاتها و ليس عناصر مقاتلة لتنظيم هم في حالة تقاتل، فأن يتآمر و يحارب عناصر داعش رجال النصرة، لا اعتقد أن مثل هذا التقاتل تنطبق عليه صفة الجهاد في سبيل الله!
هذا و نحن في حاجة إلي بعث الروح في حضارتنا بإصلاح أوضاعنا علي المستوي المحلي، فلا ينزل علينا أناس آتون من دول غربية أو دول عربية ليعيدوا إحتلال العراق و سوريا مطبقين فهمهم الخاطيء للدين علي أرض الواقع و علي سكان محليين وجدوا انفسهم بين فخاخ ثلاث، فخ السلطة المستبدة و فخ الجماعات المسلحة و فخ تحالف دولي يقنبل كل ما يظنه تحرك أرضي لداعش و أخواتها، متي سيفهم هؤلاء أن الإسلام كي يعيش علينا بإلتزام قيمه الأخلاقية و الروحية ؟ بذلك نتمكن فقط من إسترجاع المبادرة الحضارية. فبتفعيل طلب العلم جنبا إلي جنب النضال السلمي من أجل إحقاق الحق و العدل في أنفسنا و في الآخرين، نخرج من دائرة الفراغ. هذا و التغيير في الإتجاه الصائب لا بد له أن يأتي عفويا و منسجما مع طموحات الشعوب المسلمة و هذا بإحترام خصوصيات كل شعب مسلم علي حدة و علينا أيضا بإحترام سنة التدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فنحن نملك شعوب و أجيال لم تتربي في ظل الأخلاق الإسلامية السامية و هم متشبعين بثقافة اللادين، فكيف بنا نطبق عليهم الحدود بين عشية و ضحاها دفعة واحدة ؟
نحن لسنا في حاجة إلي خلافة البغدادي بقدر ما نحن في حاجة إلي جو من الحرية يسمح لنا بالتحرك وفق التصور المثالي لديننا الحنيف.
و جو الحرية لن يتأتي لنا هكذا بالتمني بل يتوجب علينا إيجاده، و العملية في حد ذاتها تستلزم منا صبر و أناة و طول نفس لدفع بالتي هي أحسن عصابات الفاسدين و المفسدين الماسكين بزمام الحكم في بلداننا من دول الخليج إلي شمال إفريقيا.
لسنا في حاجة إلي إراقة دماء بعضنا البعض لندخل في تصادم دموي مع رموز الأنظمة المستبدة، نحن بمقدورنا أن نلجأ إلي كل الوسائل السلمية المتاحة، من التظاهر إلي الإعتصامات إلي الإضرابات.
أوجب ظهور داعش ضرورة الذهاب إلي إصلاح أوضاعنا من الداخل بكامل إرادتنا و سلميا، فصفحة التخاذل و الصمت و الخنوع طويت و للأبد، فالأنظمة الفاسدة أدركت بالرغم عنها أن لا مفر لها من الزوال، فأمامها تنظيم الدولة الإسلامية و من خلفها غضب الشعوب المضطهدة، فنحن مصممون علي خيار التغيير السلمي و التدرج في تحكيم شرع الله في أرضه و عباده شاء من شاء و أبي من أبي.