في آخر معرض كتاب بالجزائر، إقتنيت مذكرات الأستاذ طاهر قايد باللغة الفرنسية و المنشورة في دار نشر سمر.
رافقني الكتاب طيلة شهر رمضان المبارك و تمكنت من تدبر جيدا المراحل التي مر بها طاهر قايد صغيرا و بالغا. أحسن السرد حقيقة، يجد القاريء نفسه مشدود للصفحات، يقرأ و يقرأ و ينهل من روح متوثبة للحرية و العدل و حب الوطن. الأستاذ طاهر قايد غني عن التعريف و قد سلط في مذكراته الضوء علي حقبة الجهاد في سبيل الله أي تحرير البلاد من المحتل الغاشم.
مع قلمه نحيط جيدا بكل تفاصيل الإستعباد و الإحتقار التي يكنها المحتل الفرنسي لأبناء البلاد الأصليين، فالوعي السياسي الذي تبلور لديه شيئا فشيئا و في كل مرة كان عرضة فيه لتضييق الإحتلال و حقده ناحية المنتمين لوطنهم الجزائر، كبر و نضج و نتج عنه نضال ساعة بساعة و هذا رغم المخاطر و الإستدعاءات و الشكوك التي تحوم حوله و قد كان من المفيد أن يكشف عن علاقته ببعض الشخصيات الوطنية و منهم الراحل عبان رمضان رحمه الله و الذي قال فيه قول الحق، لم يكن مستبدا برأيه بل عرف عنه الإستماع إلي من حوله و خاصة منهم من يثق فيهم.
هذا و مساندة أفراد عائلته و حرصهم علي إكمال مشواره الدراسي و تقلده لمسؤولية إختيار مناضلين جدد في البداية لصالح حزب مصالي الحاج و بعدها لصالح جبهة التحرير الوطني جعلوه في تواصل مستمر مع أبناء التحرير مسؤولين و مجاهدين و كم كانت شاقة رحلة الجهاد. فالعيش في حالة حذر و يقظة طوال الوقت ليس من السهل تحملها. هذا و كان عليه في كل مرة وضع مسافة بينه و بين الخلافات و الأزمات التي عرفها التيار الوطني بدء من حركة إنتصار الحريات الديمقراطية و هو عضو مؤسس لنقابة الإتحاد العام للعمال الجزائريين و قد كان رفيقه في معسكرات الإعتقال السيد عيسات إيدير الذي إستشهد لاحقا رحمهم الله جميعا.
و أظهر الأستاذ قايد تأثير الهجرة الجزائرية في فرنسا في صياغة ثقافة سياسية وطنية و مدي إرتباط المهاجرين الجزائريين بأرضهم، فكثيرة هي مبادراتهم في ترميم قراهم و تنشيط التجارة و مساندة أبناء بلدهم في محنهم و معاناتهم مع المحتل الغاصب. و قد كان شاهد علي التعذيب في سجون الإحتلال بما أنه هو نفسه كان ضحية التعذيب و قد ألقي القبض عليه في 1956 و رغم حكم البراءة الذي صدر في حقه إنتقل من السجن إلي المعتقل حتي 30 مارس 1962 أي بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار. طوال ستة سنوات كاملة كان سجين ينتقل من سجن إلي معسكرات الإعتقال الموزعة في الشمال و الجنوب و قد أسهب في وصف حياة المعتقل و كيف واجه هو و زملاءه المعتقلين ألوان من التعسف و العدوان الفرنسي و في كل مرة كان يتوجب عليهم المقاومة و الإصرار علي موقفهم الرافض للإحتلال الفرنسي.
ركز في كتابه علي نضاله إبان الإحتلال الفرنسي للجزائر و وصف بدايات الإستقلال خير توصيف بإشارته الحكيمة إلي أن مضامين بيان 1 توفمبر من تحديد مرجعية الجزائر المبادءي الإسلامية تناساها مسؤولي و كوادر جبهة التحرير في الخارج.
بإمكان القراء الكرام مطالعة الكتاب و هو متوفر في المكتبات بعنوان :
Souvenirs et impressions d'une vie heureuse malgré les peines Par Tahar Gaïd, éditions Samar, 312 pages.