بسم الله الرحمن الرحيم
في دفتر الوجود دليل النفس البشرية ، من غِناها وفقرها ، واتصال أسبابها وانقطاعها ، والرضا بمقسومها إن خسرت والحفاوة بما نالت منه إن ظفرت .
وقد يدخل الأمل على الغايات فيثبتها وقد تتطلع الغايات إلى أمال فتمحوها القدرة ، وقد يعطي الله تعالى ويكرم من غير طلب ! كل ذلك في دفتر الوجود الصالح للمحو والإثبات .
أوقفتني نفسي بمغرس فَطن لا أضغاث ميول على لطائف معاني بين أنبياء الله تعالى وكلهم على الله كريم ، فسرت إليها بمجمع فِكر وغريزة قوية وفهم لعله جيد .
رأيت بين خوالج وعوالج نفس كليم الله تعالى سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - غايات مأمولة بصور محسوسة ، أراد الله تعالى بعضها فحققها برحمته ومنع أخرى سبحانه بحكمته فأجلها !
بلواعج الحذر والخوف من بطش الطاغية قال موسى - عليه الصلاة والسلام - :
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) طه
فاستجاب سبحانه :
(قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) 46 طه
وبمقام الامتنان خاطب الله تعالى سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - دونما طلب :
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4( الشرح
وبلواعج المحبة ، ورؤية المحبوب غاية ! طلب موسى - عليه الصلاة السلام - من ربه تعالى الرؤيا ، فمنعها بحكمته :
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) 143 الأعراف
وفي مقام التصديق يُنزه الله تعالى فؤاد سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – في مقام ما وصل إليه غيره ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) 11 النجم
وسبحان من يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار .
رأى فؤاده نور ربه في مقام لا جبل يدك فيه ولا وعي يغيب عنه إكراماً ومحبة ، وبغير أمنية ولا طلب ! وما قول علماء النفس إن الإنسان مدرك بغير عينيه عن ههنا ببعيد .