مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
مركزية علم أصول الفقه في المنظومة المعرفية الإسلامية
السؤال الذي ستحاول هذه الورقة أن تجيب عنه – وقد يكون لمجرد طرحه فائدة - هو لماذا المنهج الأصولي؟ وما الغاية منه؟ وما هي الوظائف التي من شأنه أن يؤديها داخل المنظومة المعرفية الإسلامية المتكاملة؟ ثم ما هي تجليات هذه الوظائف والمهام؟
قراءة الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم قراءة الحياة قل لمن لا يقرأون الحياة .... قل لمن لا يقرأون الولادة ... قل لمن لا يقرأون الموت .. قل لمن لا يقرأون الأداء. إن من لم يهم بالأداء المتميز لا يهم بالولادة ولا بالموت ولا بالحياة ! فصول الحياة تعني أنك أنت إنسان ولابد أن تقف لتسأل : عن البدء ، من أين ؟ عن الفصول والمسافات ، كيف هو المسير ؟ عن النهاية ، متى و إلى أين ؟ وقراءة الحياة والأحياء تستلزم تجويد هذه القراءة ؛ لضمان السير على جادة العنوان . وما مخاطبة الله - سبحانه وتعالى - عيون وآذان وعقول عباده بالمظاهر التي يتجلى بها في دنياهم ؛ إلا ليومئ إليهم بالحقيقة لعلهم يدركون ، يعقلون ، يفهمون ، يتوجهون إليه تعالى فيفوزون . وقراءة الإنسان في الأصلاب ، أو على الأرض مرتدياً ثوب الهواء ، أو تحتها في عالم البرزخ الشفاف حيث تتحول الحياة إلى أرواح أشباح ترى بلا أعين وتسمع بلا أذان وتشعر بلا قلوب وتَجِد بلا وجود إلا أنها تمثل حياة ! وفي الآخرة حياة الخلود تُنشر على أعتابها صحف فصول الحكاية ، لا ارتهان فيها ولا احتمالات ،فالله تعالى الذي بدأ الخلق بإبداع إلهي : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الأنعام 101 وثنى سبحانه بإكرام الخَلق والخِلقة فقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) ) الانفطار واختتم الدين ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة3. كل ذلك إرادة تميز ومرجعية أداء . يريد الله من عباده تعالى شأنه وتقدست أسماؤه أداءً متميزاً في تعاملهم وعلاقاتهم وأعمالهم ؛ لينالوا آخرة مشرقة فما الإبداع البشري إلا مظهر من مظاهر الإبداع الإلهي في قراءة الحياة والأحياء . ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) 33-36 فصلت وتأتي أفعال وأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤكدة لهذا المعنى : (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.( أخرجه أبو يعلى والطبراني وصححه الألباني ( إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة ، وإذا ذبَحتم فأحسنوا الذَبح ، وليَحَّد أحدكم شَفرته فَليرح ذبيحته ) رواه مسلم (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه دعاوى باعثه ومنهج إيماني عظيم يرفض العمى والارتياب ، يطرح تصور ، واقعه حي لا افتراضي في لغته وتشكيلاته وأصواته ورموزه بتوصيف دقيق ومواقف لا تقبل السقوط . إن احتفاء الأحياء بالحياة جِدها بل وهزلها يفرض معاينة نماذج التميز وجودة الأداء ؛ لاقتفاء خطواتها أرأيتِ المضحكات إن لم يصنعها من يُجيد الضحك لا تُضحك ! إن من يحسنون صناعة الضحك يُصرون على إتقان صناعتهم فكيف بمن يستقرأون جِد الحياة ؟! فليؤرخ كل منا لصوته ولا ينازل غير بطل .
باسم الإنسانية
ما الحياة إلا ، توازن مهول بين موقف وضده يقف فيه الإنسان بين فظاعات فعله وبطولاته .