مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/14 14:23
خواطر عن خواطر
بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر عن خواطر
الفاتح عبد الرحمن محمد*
وأخيراً أُسدل الستار على البرنامج التلفزيوني (خواطر) لمقدِّمه أحمد الشقيري في رمضان الماضي، والذي كان يعرض بعدد من القنوات الفضائية أبرزها قناة (MBC)، وذلك بعد رحلة استمرت لإحدى عشرة سنة، بدأ كفكرة بسيطة بعنوان (خواطر شاب) في العام 2004م، لفترة لا تتجاوز الخمس دقائق للحلقة الواحدة، وتتطوَّر بعد ذلك خلال سنواته اللاحقة كمَّاً وكيفاً، حيث لوحظت الطفرة الإعدادية والإخراجية والمونتاجية الهائلة التي شهدها البرنامج الذي اهتم بمعالجة المواضيع التي تمس الحياة اليومية للشباب، فحظي بإشادة هائلة حتى إنه تحوَّل كما جاء على لسان إحدى الشابات إلى إدمان لها في شهر رمضان من كل عام، حيث غطى البرنامج المواضيع الاجتماعية والدينية والفكرية بطريقة مناسبة وجذابة لمساعدة الشباب على تنمية معرفتهم وفهمهم للعالم ولإيمانهم وكيفية تعاملهم بطريقة مبتكرة مع التحديات التي تواجههم، وتناول كذلك تلك التحديات التي تواجه بلدانهم والعالم بأسره.
لاقى البرنامج على مختلف مواسمه استحسان وترحيب كثير من المشاهدين ليس في السعودية (بحسبان أنّها بلد مقدّمه والقناة التي يُبث عبرها) فحسب بل وفي الوطن العربي، وسبب هذا الاستحسان والقبول هو الخروج من دائرة النمطية المكررة في البرامج التلفزيونية، إلى دائرة الإبداع في الفكرة والتألق في التقديم والتجديد في الطرح وملامسة الواقع الاجتماعي والثقافي البعيد عن المثاليات أو العيش في خيالات النماذج البشرية القديمة أو خيالات النماذج الحضارية الحديثة كما يقول النقاد.
وجوهر فكرة البرنامج باختصار استندت على أنَّ لدى المسلمين والعرب مخزوناً هائلاً من القيم الرائعة لكنها بقيت حبيسة الكتب والدروس والمحاضرات العلمية ولم تجد طريقها إلى التطبيق الصحيح على أرض الواقع، ولأنَّ القيم في مجملها عالمية، يتفق أسوياء البشر عامة على قبولها واحترامها ونقلها من جيل إلى جيل مثل قيم الصدق، واحترام كبار السن، والوفاء بالعهد، والمحافظة على النظام والنظافة، وبر الوالدين، والعمل، والمحافظة على الوقت وغيرها من القيم الكثيرة التي تزخر بها ثقافات الأمم قاطبة، ويزخر بها الإسلام، ولأن هذه القيم عالمية فقد وجدت طريقها للتطبيق العملي وعلى أرض الواقع لدى كثير من الشعوب.
نجح البرنامج كذلك في إيصال فكرة لكل مشاهديه عبر العالم مفادها أنَّ المجتمعات يمكنها النهوض والتطور ليس فقط بالجهود الرسمية الممثلة في الحكومات عبر برامجها المجتمعية التي يشوبها البطء أحياناً بسبب البيروقراطية، ولكن يمكن بجهود الشباب ومنظمات المجتمع المدني والتكوينات الشبابية الطوعية، يمكن تحقيق كثير من الأهداف السامية والمرامي النبيلة التي تسهم إلى حدّ كبير في النهوض بتلك المجتمعات، فكانت تلك (الثورة الشبابية الطوعية) التي انتظمت العالم العربي والإسلامي بفضل هذا البرنامج الذي أسهم بشكل كبير في وضع لبنة أو قل (جرثومة) العمل الطوعي كما يحلو للشقيري تسميتها، في معظم تلك البلدان، وهذا لا يعني أنَّ ذلك النشاط لم يكن موجوداً فيها قبل ظهور البرنامج، بل ربما هناك بلدان سبقت في مضمار هذا النشاط برنامج الشقيري، كما في مصر التي تعود بدايات ظهور المنظمات الأهلية فيها إلى القرن التاسع عشر، حيث نشأت أول جمعية أهلية في مصر عام 1821م باسم "الجمعية اليونانية بالإسكندرية"، وبعدها توالى تأسيس الجمعيات فيها، وأخذت أشكال عدّة، منها الثقافي؛ مثل جمعية مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859م، وجمعية المعارف عام 1868م، والجمعية الجغرافية عام 1875م. ومنها الديني؛ مثل الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878م، وجمعية المساعي الخيرية القبطية عام 1881م. وازدهرت هذه الجمعيات الأهلية في مصر وزاد عددها مع اعتراف دستور 1923م في مادته رقم (30) بحق المصريين في التجمع وتكوين جمعيات، حيث زاد عددها من 159 جمعية (في الفترة ما بين عامي 1900م و1924م) إلى 633 جمعية في الفترة ما بين 1925م و1944م. ومنذ منتصف السبعينيات بدأت حركة انتعاش جديدة في المجتمع المدني المصري عموماً والجمعيات الأهلية خصوصاً، حيث بلغ عددها حالياً ما يقارب 16.800 جمعية، تضم نحو 3 ملايين عضواً، وتعمل في مختلف المجالات الاجتماعية.
كذلك من تجارب العمل الطوعي الرائدة في العالم العربي، يبرز اسم السودان الذي يعود تاريخ العمل الطوعي فيه إلى العام 1957م، حيث صدر أول قانون لتسجيل الجمعيات الوطنية الطوعية، وتدرج العمل الطوعي فيه خلال السنوات التالية إلى أن وصل للعام 2006م الذي صدر فيه قانون العمل الطوعي بنسخته الأخيرة، وكان عدد المنظمات الطوعية في العام 1980م (20) منظمة فقط، وهو الآن يفوق الـ(5000) منظمة تغطي المشاكل المرتبطة بالبيئة كالجفاف والتصحُّر، وغيرها من أنشطة التكافل الأسري ومساعدة الضعفاء والمحتاجين والفزع والنفير.
مثَّل الشقيري في الموسم السادس والسابع أبرز التجارب وأكثرها حداثة، وليس من الغريب أن يتعرض لهجوم مستمر لأنه بات يقدّم خطاباً يسحب البساط من تحت أقدام الآخرين، الذين لا يقدمون أية ربط معرفي تتحول معه تلك القصص إلى وازع للأمام وليس للخلف، وبينما يفتقدون في خطابهم الوعظي لأي ربط أو مقارنة مباشرة مع الواقع، يتجه خطاب الشقيري لإيجاد ربط مباشر وحي مع الواقع، بمعنى أنه خطاب تحفيزي للانطلاق والانفتاح بينما خطاب الوعظ التقليدي مكرس للتراجع والخوف والمحافظة.
عموماً هي محض كلمات بسيطات أردت سوقها كتقييم لهذه التجربة التي أرى أنها فريدة وناجحة، واستطاع مقدِّمها (أحمد الشقيري) خلال سنواتها تلك، أن يكوِّن قاعدة عريضة من المحبين والطامحين للعمل الطوعي، كما أسهمت إمكانات البرنامج الضخمة في وصوله لهذه المرتبة من الشهرة والتميُّز، وكتحليل أيضاً أرى أنَّ الشقيري لن يقف عند هذا البرنامج فحسب، فمقبل الأيام ستكشف لنا عن ميلاد برنامج جديد ربما يحمل بعض ملامح فكرة خواطر التي يقول الشقيري أنها قد وصلت، وهذا هو السبب الرئيس الذي حدا به لإيقاف البرنامج في موسمه الحادي عشر، أو ربما يخرج علينا بفكرة جديدة لا تقل روعةً وإثماراً عن خواطر.
مراجع المقال:
[1] ويكبيديا الموسوعة الحرة.
[2] ورقة بحثية بعنوان: تاريخ العمل الطوعي في السودان "رؤية مستقبلية"، د. عادل محمد الطيب عربي، أستاذ مساعد، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.
* باحث بمجمع الفقه الإسلامي السُّـوداني.
أضافة تعليق