بسم الله الرحمن الرحيم
سلوكيات الأزمات
الأزمة هي نمط معيّن من المشكلات أو المواقف التي يتعرض لها فرد أو أسرة أو جماعة. ويعرّفها "رابوبرت Rapoprt" بأنّها "موقف مشكل يتطلب رد فعل من الكائن الحي لاستعادة مكانته الثابتة وبالتالي تتم استعادة التوازن". كما يعرّفها "كمنج Cumming" بأنّها "موقف أو حدث يتحدى قوى الفرد ويضطره إلى تغيير وجهة نظره وإعادة التكيف مع نفسه أو مع العالم الخارجي أو مع كليهما".
ولكنّي هنا بصدد تناول سلوكيات الفرد أو الجماعة عند الأزمات التي تحيط به أو بهم، ومدى التغيير الكلي أو الجزئي فيها، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار أنّ بعض الأزمات يمكن أن يطول أمدها كما في القضية الفلسطينية (التي أعتبرها أم الأزمات بالنسبة للفلسطينيين تحديداً ولجميع المسلمين بصفة عامة)، وبعض حالات دول (الربيع العربي) التي لا زالت أزمتها مستمرة لأكثر من أربع سنوات، كسوريا واليمن ومصر بدرجة أقل، كما لا ننسى تداعيات بعض الأزمات التي تنتج واقعاً جديداً يُفرض على أصحابه، ويضعهم في قالب جامد لا يقدرون على التفاعل مع المجتمع حولهم، للقدر الكبير من الضوابط والقوانين التي تحيط بهم وتحد من حركتهم، كما في اللجوء أو الهجرة الشرعية أو غير الشرعية.
ومما لا شكّ فيه أنّ الأزمات تخلق واقعاً اجتماعياً جديداً لمن يقعون في دائرتها أو تحت تأثيرها، يتطلب هذا الواقع الجديد التكيُّف معه والتأقلم عليه في سبيل استمرارية الحياة التي بالتأكيد لن تكون كسابق عهدها قبل الأزمة، وإنّما تكون في الغالب أقلّ (على كافة المستويات) منها، كمستوى المعيشة، أو الوضع الوظيفي، أو الحالة الأكاديمية والتعليمية أو الأمنية بصورة أشمل، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار الحالة التي يعيش فيها صاحب أو أصحاب هذه الأزمة في البيئة المكانية أو النفسية الجديدة التي قذفت بهم هذه الأزمة في أتونها.
أنماط الأزمات:
قبل البدء في تفاصيل هذا الموضوع، لا بُدَّ من وضع نماذج لبعض الأزمات وكيفية تعامل أصحابها معها، ومن ثمّ محاولة دراسة كل نمط بصورة أعمق:
[1] الأزمة الفلسطينية:
الأزمة أو القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مصطلح يُشار به إلى الخلاف السياسي والتاريخي والمشكلة الإنسانية في فلسطين بدءاً من عام 1897م، حيث المؤتمر الصهيوني الأول وحتى الوقت الحالي. وهي تعتبر جزءاً جوهرياً من الصراع العربي الإسرائيلي، وما نتج عنه من أزمات وحروب في منطقة الشرق الأوسط. هذا الوضع وضع الفلسطينيين تحت تأثير أزمة طال أمدها ولا زالت مستمرة، فكيف تعاملوا معها؟
عُقدت في غزة (بوصفها نموذج للأزمة الفلسطينية) ندوة بعنوان: "الحالة النفسية للفلسطينيين في قطاع غزة الحاضر والمستقبل"، وذلك بمناسبة يوم الصحة النفسية العالمي، بمشاركة عدد كبير من ممثلي المؤسسات الأهلية المختصة والمهنيين والمختصين في مجال الصحة النفسية، وافتتحت بكلمة للدكتور "تيسير دياب" الطبيب النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية، والتي أكّد فيها على أنّ الحصار المحكم الذي تعيشه غزة، أوصلها لحالة أشبه بالجحيم، خاصةً وأنّ الحرب استهدفت جميع مناحي الحياة. وأشار دياب إلى أنّ الجهود التي تُبذل من أجل تدمير كرامة الإنسان عادةً لا تؤدي إلى الاستسلام والإذعان بل إلى زيادة العنف والذي يخلق دائرة مفرغة من الصعب التحكم فيها، موضّحاً أنّ العالم بدون عدالة يعتبر مكان خطير للعيش فيه، وهو يشكل تربة خصبة للشعور بالعجز وفقدان الأمل([2]).
أمّا الدكتور "سمير زقوت" الأخصائي النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية فقد بيّن في مداخلته في ذات الندوة والتي كانت بعنوان: "الضغط النفسي وأثره على العلاقات الأسرية والنسيج الاجتماعي في قطاع غزة"، بيّن أهمية استعراض الخبرات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وتعرضه للصدمات منذ عام 1948م وصولاً للحرب الأخيرة على قطاع غزة وآثار هذه الصدمات النفسية المتعاقبة على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أنّ هذه الآثار والصعاب لا تقف عند فترة معيّنة ولكنها تنتقل عبر الأجيال([3]).
وأضاف الدكتور "زقوت" مبيّناً: "أنّ أخطر أنواع اضطراب الأدوار الأسرية هو اضطراب أدوار الأبوّة والأمومة، واضطراب أدوار السلطة، وتغيير المواقع، وانعكاس ذلك على المرجعية الأسرية وضعفها أو انهيارها أحياناً، مما يجعل الشباب يشعرون بالاغتراب وفقدان المجال الحيوي، وأيضاً اضطراب الضوابط الأخلاقية وبروز مشاعر التعصّب وفقدان مشاعر الانتماء والولاء، مبيّناً بعض وسائل الدفاع التي تستخدمها الأسر ومنها التضييق والانغلاق والتجنُّب، وكذلك السلوك الاندفاعي كالغضب والعدوان([4]).
وقدّم دكتور "أحمد أبو طواحينة: مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية، ورقة عمل بعنوان "الوضع النفسي وأثره على التغير القيمي والثقافي في المجتمع على المدى البعيد"، أوضح فيها أنّ هناك جهاز مناعي على الصعيد النفسي وعلى الصعيد الاجتماعي لدى الشعب الفلسطيني والذي تعرّض لصدمات عدة يجعله يتكيف مع الأوضاع الطارئة سواء كانت كوارث طبيعية أو بصنع الإنسان والعودة إلى دورة الحياة من جديد، وأكبر دليل على ذلك زوال فكرة الهجرة والتمسُّك بالأرض أكثر من ذي قبل وخاصة على الصعيد الأسري([5]).
[2] الأزمة السورية:
الأزمة السورية أو الثورة السورية أو الانتفاضة السورية، هي أحداث بدأت شرارتها في مدينة درعا السورية، حيث قام الأمن (حسب رواية ناشطين معارضين) باعتقال خمسة عشر طفلاً إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011م، في خضم ذلك كانت هناك دعوة للتظاهر دعت لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لم يُعرف من يقف وراءها، استجابت لها مجموعة من الناشطين يوم الثلاثاء 15 مارس عام 2011م. وكانت هذه التظاهرة ضد الاستبداد والقمع والفساد وكبت الحريات على إثر اعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرّض لها أهاليهم بحسب المعارضة السورية، بينما يرى مؤيدو النظام أنها مؤامرة ضد محور المقاومة والممانعة العربية ونشر الفوضى في سوريا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. وقد قام بعض الناشطين من المعارضة بدعوات على "فيسبوك" للتظاهر على الأرض وذلك في تحدٍّ غير مسبوق لحكم بشار الأسد، متأثرين بموجة الاحتجاجات العارمة المعروفة باسم (الربيع العربي)، والتي اندلعت في الوطن العربي أواخر العام 2010م وبداية العام 2011م، وخصوصاً الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية.
تأثير الأزمة السورية وانعكاساتها على المجتمع السوري:
يُصنّف المجتمع السوري ضمن المجتمعات التي تتّصف بالاستقرار الاجتماعي نوعاً مّا، إذ إنّه لم يشهد ومنذ فترة طويلة جداً أحداثاً داخلية مثل التي تحدث الآن، حيث إن أعمال القصف التي يقوم بها النظام، طالت المدن جميعها بلا استثناء، وعانى منها الشعب السوري كله. وترى الاختصاصية النفسية "نادين منصور" أنّ تأثير الأزمة سوف يكون قوياً جداً وسلبياً جداً ويترك آثاراً لأجيال في حال لم يتم القيام بتدابير إسعافية والبدء بالعمل على معالجة آثار الأزمة النفسية خصوصاً وأنّ المجتمع لم يعِ تماماً إلى هذه اللحظة أهمية الناحية النفسية للفرد ومدى تأثيرها عندما تكون حالة جمعية. وتتابع الاختصاصية "نادين منصور" كلامها عن المجتمع وتأثره بالأزمة فتقول: "إنّ جميع الشرائح في المجتمع السوري قد تأثرت نفسياً بالأزمة وطال تأثيرها الصغير والكبير ولم تستثنِ أحداً، ولكنّ الأكثر تأثراً هم الأفراد الذين تعرضوا وبشكل مباشر لعمليات الخطف والاغتصاب والاعتداء، فأعراضها النفسية تظهر عليهم بشكل أقوى وأكثر تأثيراً وأطول زمناً.
ومن أهم انعكاسات الأزمة السورية على الأشخاص، تضيف الدكتورة "نادين منصور": "ظهور حالات نفسية شديدة وخصوصاً أولئك الذين تعرضوا لعمليات خطف وتعذيب وتنكيل واغتصاب ولا يعرفون ما هو التوصيف الحقيقي لها وما هي حقيقتها، فيعمدون إلى بعض المحاولات للتخفيف منها أو محاولة التخلص منها مما يزيد الطين بلّة ويزيد من سوء الحالة، وأحياناً كثيرة يتم إهمال هذه الحالات لعدم الإيمان أو القناعة بالتشخيص النفسي والعلاج النفسي.
وتُصنّف الأعراض النفسية للأزمات والحروب كما تقول الاختصاصية "نادين" حسب شدة تأثيرها وعدد الأشخاص الذين يتعرضون لها، وأكثر الاضطرابات مشاهدة في الأزمات كتلك التي تتعرض لها سورية هي: اضطراب الصدمة ما بعد الرضّ أو ما يُعرف بـ(Post Traumatic Stress Disorder) وأهم ما يميز هذه الحالة هي نوبات استعادة الحادث المؤلم الصادم على شكل ذكريات تقتحم ذاكرة الشخص لدرجة قد يعيشها كحالة حدوث حقيقي في اليقظة أو على شكل كوابيس وأحلام أثناء النوم تصل لدرجة تجنُّب النوم أحياناً أو الإجفال وهو (الخوف المفاجئ)، والذي هو عبارة عن ردّة فعل تظهر في كل مرّة يواجه فيها الشخص أحداثاً مشابهة للحدث الأصلي. كذلك من أهم الأعراض التي تظهر على المصاب بهذا الاضطراب تضيف "نادين": الانفصال عن الآخرين وتجنُّب المواقف التي تذكِّر بالحادثة, الانطواء والعزلة, فقْد المتعة بكل معانيها, التفكير بالانتحار والموت واللجوء إلى تعاطي المخدرات والكحول.
الأزمة السورية وآثارها على الأطفال:
يعتبر الأطفال من أكثر الفئات العمرية خطورة من الناحية النفسية وذلك نتيجة لحساسيتهم الكبيرة وقدرتهم على التقاط كل ما يدور في محيطهم إضافة إلى صعوبة معرفة ما يشعرون به لعدم قدرتهم على الشرح والتفسير. وتقول الاختصاصية النفسية "نادين منصور" :إنّ الأمر مُختلف عند الأطفال، فالطفل يبقى صامتاً أو يرفض الحديث عن الصدمة، وهذا لا يعني عدم قدرته على تذكُّر الحدث وإنّما تكون معاناته على شكل كوابيس الصدمة وقد تتحول عنده إلى كوابيس عامة تدور حول الحيوانات المخيفة وغيرها، والمعاناة عندهم لا تكون باستعادة الحدث أو الصدمة عن طريق التفكير والشعور, بل عن طريق الفعل من خلال اللعب المُتكرر الذي يرتبط بالصدمة، وهنا يأتي دور الأهل في ملاحظة أي تغيّر على سلوك أطفالهم وإعطاء هذا التغيّر من الأهمية ما يستحق واستشارة اختصاصي نفسي بعلم نفس الطفل، حيث (وكما تقول منصور) أنّ الأهل لا يفهمون حقيقة الصدمة وانعكاساتها على المريض، فإذا كان المصدوم طفلاً، فإنّ الأهل يتوقعون منه أن يلعب بصورة طبيعية كباقي الأطفال، وأن يأكل بشهية مثلهم، وهذا توقع في غير محله، وقد يؤدّي إلى النفور والعزلة الاجتماعية.
[3] أزمة اللجوء والسلوكيات الناتجة عنها:
اللاجئ هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفاً على حياته، أو خوفاً من السجن أو التعذيب، وبتعدُّد أسباب اللجوء (الحرب، الإرهاب والفقر) تتشكَّل أنواعه ما بين اللجوء السياسي الذي يتم منحه للشخصيات المشهورة، والقادة المنشقين عن جيوشهم أو حكوماتهم، وللناشطين السياسيين، أو اللجوء الديني الذي يقوم الشخص بمقتضاه باللجوء إلى دولة أخرى بسبب تعرضه للاضطهاد بسبب الدين أو المعتقدات الدينية، أو اللجوء الإنساني بسبب الحروب أو النزاعات الإثنية أو العرقية، أو اللجوء الغذائي أو الاقتصادي وهو اللجوء من دولة لأخرى بسبب الكوارث البيئية التي تسبب المجاعات، وهذا الأخير غير معمول به حالياً. وهناك دول تعيد اللاجئين إلى بلدانهم بعد انتهاء هذه الصراعات، ودول أخرى تبقيهم على أرضها.
أمَّا فيما يتعلق بالحالة النفسية التي يعيشها اللاجئ، يمكن إجمالها في الآتي:
[1] الحزن الشديد بسبب خسارة كل الممتلكات الخاصة، بما فيها المنزل العائلي والدخل، وهي مفاجأة رهيبة للأشخاص، لا سيما الأشخاص الذين كانوا أغنياء قبل حدوث ما دعاهم للجوء والنزوح من بلدهم لهذا البلد أو الأرض الجديدة.
[2] التعرّض للعنف المرعب بسبب مشاهدة حوادث القتل والتعذيب والاغتصاب.
[3] الإصابات أو الأمراض البدنية والتي تؤثِّر بدورها على الحالة النفسية للاجئ.
[4] العيش في بيئة خالية من الشبكات الاجتماعية، والتي غالبًا ما تكون مخيّمات وأمكنة مكتظة وتفتقر لأبسط مقوِّمات الحياة، كما أنَّ المنشآت الصحية بها متدهورة وغير مؤهلة لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، وقد يتواجد في المسكن نفسه أشخاص من مجتمعات مختلفة.
مرج الزهور...نجاح من قلب الأزمة:
مبعدو مرج الزهور هم مجموعة من الناشطين الفلسطينيين من حركتي حماس والجهاد (أغلبهم من حركة حماس) قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإبعادهم من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام 1967م، إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان في 17 ديسمبر من العام 1992م، وذلك على خلفية قيام كتائب عز الدين القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس) بأسر جندي إسرائيلي، ومطالبة قوات الاحتلال بإطلاق سراح عدد من معتقلي الحركة لديها وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد يس مؤسس الحركة، وتهديدهم بقتل ذلك الجندي في اليوم التالي في حالة عدم الانصياع لطلباتها. وبالفعل أعلنت الحركة مساء اليوم التالي عن قتل هذا الجندي، فاجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي، واتخذ قراراً بإبعاد كافة قادة حركة حماس وعدد من قادة الجهاد الإسلامي، وتم تنفيذ القرار، وأُبعد الناشطون في ظروف بيئية سيئة جداً، حيث كان فصل الشتاء على أشدّه. ولكن كيف كانت حياتهم في هذا الوضع الجديد الذي جاء نتاج أزمة الإبعاد؟
يقول أحد المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة فقد شكّلوا لجان مختلفة منها اللجنة الإعلامية التي يترأسها الدكتور الشهيد "عبد العزيز الرنتيسي" المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية، والدكتور "عزيز دويك" المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضاً اللجنة المالية، والاجتماعية، والرياضية، ولجنة الدعوة، وغيرها من اللجان الفاعلة. وقاموا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم وأطلقوا عليها اسم "جامعة ابن تيمية"، وكانت هناك دورات التجويد، وحفظ القرآن، ودورات الكاراتيه، والخط، والخطابة، ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التي تم تلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابهم العديد من المهارات والعلوم الدينية والدنيوية، وتحوّلت تجربة إبعادهم من مأساة إلى نجاح تحكي عنه الأجيال.
خلاصة القول أنّ الأزمات تصنع أوضاعاً اجتماعية جديدة تنتج عنها سلوكيات جديدة لأفرادها، وإن كانت معظمها سلوكيات سالبة لعدم مقدرة الأفراد الواقعين تحت تأثيرها على امتصاص صدمتها والتعامل معها بإيجابية، ولكن بعض الأزمات تكون نقطة تحوُّل لأفرادها، ينطلقون بعدها نحو التميُّز وتحقيق الذات، امتثالاً لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له) [رواه مسلم].
سلوكيات الأزمات
الأزمة هي نمط معيّن من المشكلات أو المواقف التي يتعرض لها فرد أو أسرة أو جماعة. ويعرّفها "رابوبرت Rapoprt" بأنّها "موقف مشكل يتطلب رد فعل من الكائن الحي لاستعادة مكانته الثابتة وبالتالي تتم استعادة التوازن". كما يعرّفها "كمنج Cumming" بأنّها "موقف أو حدث يتحدى قوى الفرد ويضطره إلى تغيير وجهة نظره وإعادة التكيف مع نفسه أو مع العالم الخارجي أو مع كليهما".
ولكنّي هنا بصدد تناول سلوكيات الفرد أو الجماعة عند الأزمات التي تحيط به أو بهم، ومدى التغيير الكلي أو الجزئي فيها، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار أنّ بعض الأزمات يمكن أن يطول أمدها كما في القضية الفلسطينية (التي أعتبرها أم الأزمات بالنسبة للفلسطينيين تحديداً ولجميع المسلمين بصفة عامة)، وبعض حالات دول (الربيع العربي) التي لا زالت أزمتها مستمرة لأكثر من أربع سنوات، كسوريا واليمن ومصر بدرجة أقل، كما لا ننسى تداعيات بعض الأزمات التي تنتج واقعاً جديداً يُفرض على أصحابه، ويضعهم في قالب جامد لا يقدرون على التفاعل مع المجتمع حولهم، للقدر الكبير من الضوابط والقوانين التي تحيط بهم وتحد من حركتهم، كما في اللجوء أو الهجرة الشرعية أو غير الشرعية.
ومما لا شكّ فيه أنّ الأزمات تخلق واقعاً اجتماعياً جديداً لمن يقعون في دائرتها أو تحت تأثيرها، يتطلب هذا الواقع الجديد التكيُّف معه والتأقلم عليه في سبيل استمرارية الحياة التي بالتأكيد لن تكون كسابق عهدها قبل الأزمة، وإنّما تكون في الغالب أقلّ (على كافة المستويات) منها، كمستوى المعيشة، أو الوضع الوظيفي، أو الحالة الأكاديمية والتعليمية أو الأمنية بصورة أشمل، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار الحالة التي يعيش فيها صاحب أو أصحاب هذه الأزمة في البيئة المكانية أو النفسية الجديدة التي قذفت بهم هذه الأزمة في أتونها.
أنماط الأزمات:
قبل البدء في تفاصيل هذا الموضوع، لا بُدَّ من وضع نماذج لبعض الأزمات وكيفية تعامل أصحابها معها، ومن ثمّ محاولة دراسة كل نمط بصورة أعمق:
[1] الأزمة الفلسطينية:
الأزمة أو القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مصطلح يُشار به إلى الخلاف السياسي والتاريخي والمشكلة الإنسانية في فلسطين بدءاً من عام 1897م، حيث المؤتمر الصهيوني الأول وحتى الوقت الحالي. وهي تعتبر جزءاً جوهرياً من الصراع العربي الإسرائيلي، وما نتج عنه من أزمات وحروب في منطقة الشرق الأوسط. هذا الوضع وضع الفلسطينيين تحت تأثير أزمة طال أمدها ولا زالت مستمرة، فكيف تعاملوا معها؟
عُقدت في غزة (بوصفها نموذج للأزمة الفلسطينية) ندوة بعنوان: "الحالة النفسية للفلسطينيين في قطاع غزة الحاضر والمستقبل"، وذلك بمناسبة يوم الصحة النفسية العالمي، بمشاركة عدد كبير من ممثلي المؤسسات الأهلية المختصة والمهنيين والمختصين في مجال الصحة النفسية، وافتتحت بكلمة للدكتور "تيسير دياب" الطبيب النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية، والتي أكّد فيها على أنّ الحصار المحكم الذي تعيشه غزة، أوصلها لحالة أشبه بالجحيم، خاصةً وأنّ الحرب استهدفت جميع مناحي الحياة. وأشار دياب إلى أنّ الجهود التي تُبذل من أجل تدمير كرامة الإنسان عادةً لا تؤدي إلى الاستسلام والإذعان بل إلى زيادة العنف والذي يخلق دائرة مفرغة من الصعب التحكم فيها، موضّحاً أنّ العالم بدون عدالة يعتبر مكان خطير للعيش فيه، وهو يشكل تربة خصبة للشعور بالعجز وفقدان الأمل([2]).
أمّا الدكتور "سمير زقوت" الأخصائي النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية فقد بيّن في مداخلته في ذات الندوة والتي كانت بعنوان: "الضغط النفسي وأثره على العلاقات الأسرية والنسيج الاجتماعي في قطاع غزة"، بيّن أهمية استعراض الخبرات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وتعرضه للصدمات منذ عام 1948م وصولاً للحرب الأخيرة على قطاع غزة وآثار هذه الصدمات النفسية المتعاقبة على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أنّ هذه الآثار والصعاب لا تقف عند فترة معيّنة ولكنها تنتقل عبر الأجيال([3]).
وأضاف الدكتور "زقوت" مبيّناً: "أنّ أخطر أنواع اضطراب الأدوار الأسرية هو اضطراب أدوار الأبوّة والأمومة، واضطراب أدوار السلطة، وتغيير المواقع، وانعكاس ذلك على المرجعية الأسرية وضعفها أو انهيارها أحياناً، مما يجعل الشباب يشعرون بالاغتراب وفقدان المجال الحيوي، وأيضاً اضطراب الضوابط الأخلاقية وبروز مشاعر التعصّب وفقدان مشاعر الانتماء والولاء، مبيّناً بعض وسائل الدفاع التي تستخدمها الأسر ومنها التضييق والانغلاق والتجنُّب، وكذلك السلوك الاندفاعي كالغضب والعدوان([4]).
وقدّم دكتور "أحمد أبو طواحينة: مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية، ورقة عمل بعنوان "الوضع النفسي وأثره على التغير القيمي والثقافي في المجتمع على المدى البعيد"، أوضح فيها أنّ هناك جهاز مناعي على الصعيد النفسي وعلى الصعيد الاجتماعي لدى الشعب الفلسطيني والذي تعرّض لصدمات عدة يجعله يتكيف مع الأوضاع الطارئة سواء كانت كوارث طبيعية أو بصنع الإنسان والعودة إلى دورة الحياة من جديد، وأكبر دليل على ذلك زوال فكرة الهجرة والتمسُّك بالأرض أكثر من ذي قبل وخاصة على الصعيد الأسري([5]).
[2] الأزمة السورية:
الأزمة السورية أو الثورة السورية أو الانتفاضة السورية، هي أحداث بدأت شرارتها في مدينة درعا السورية، حيث قام الأمن (حسب رواية ناشطين معارضين) باعتقال خمسة عشر طفلاً إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011م، في خضم ذلك كانت هناك دعوة للتظاهر دعت لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لم يُعرف من يقف وراءها، استجابت لها مجموعة من الناشطين يوم الثلاثاء 15 مارس عام 2011م. وكانت هذه التظاهرة ضد الاستبداد والقمع والفساد وكبت الحريات على إثر اعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرّض لها أهاليهم بحسب المعارضة السورية، بينما يرى مؤيدو النظام أنها مؤامرة ضد محور المقاومة والممانعة العربية ونشر الفوضى في سوريا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. وقد قام بعض الناشطين من المعارضة بدعوات على "فيسبوك" للتظاهر على الأرض وذلك في تحدٍّ غير مسبوق لحكم بشار الأسد، متأثرين بموجة الاحتجاجات العارمة المعروفة باسم (الربيع العربي)، والتي اندلعت في الوطن العربي أواخر العام 2010م وبداية العام 2011م، وخصوصاً الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية.
تأثير الأزمة السورية وانعكاساتها على المجتمع السوري:
يُصنّف المجتمع السوري ضمن المجتمعات التي تتّصف بالاستقرار الاجتماعي نوعاً مّا، إذ إنّه لم يشهد ومنذ فترة طويلة جداً أحداثاً داخلية مثل التي تحدث الآن، حيث إن أعمال القصف التي يقوم بها النظام، طالت المدن جميعها بلا استثناء، وعانى منها الشعب السوري كله. وترى الاختصاصية النفسية "نادين منصور" أنّ تأثير الأزمة سوف يكون قوياً جداً وسلبياً جداً ويترك آثاراً لأجيال في حال لم يتم القيام بتدابير إسعافية والبدء بالعمل على معالجة آثار الأزمة النفسية خصوصاً وأنّ المجتمع لم يعِ تماماً إلى هذه اللحظة أهمية الناحية النفسية للفرد ومدى تأثيرها عندما تكون حالة جمعية. وتتابع الاختصاصية "نادين منصور" كلامها عن المجتمع وتأثره بالأزمة فتقول: "إنّ جميع الشرائح في المجتمع السوري قد تأثرت نفسياً بالأزمة وطال تأثيرها الصغير والكبير ولم تستثنِ أحداً، ولكنّ الأكثر تأثراً هم الأفراد الذين تعرضوا وبشكل مباشر لعمليات الخطف والاغتصاب والاعتداء، فأعراضها النفسية تظهر عليهم بشكل أقوى وأكثر تأثيراً وأطول زمناً.
ومن أهم انعكاسات الأزمة السورية على الأشخاص، تضيف الدكتورة "نادين منصور": "ظهور حالات نفسية شديدة وخصوصاً أولئك الذين تعرضوا لعمليات خطف وتعذيب وتنكيل واغتصاب ولا يعرفون ما هو التوصيف الحقيقي لها وما هي حقيقتها، فيعمدون إلى بعض المحاولات للتخفيف منها أو محاولة التخلص منها مما يزيد الطين بلّة ويزيد من سوء الحالة، وأحياناً كثيرة يتم إهمال هذه الحالات لعدم الإيمان أو القناعة بالتشخيص النفسي والعلاج النفسي.
وتُصنّف الأعراض النفسية للأزمات والحروب كما تقول الاختصاصية "نادين" حسب شدة تأثيرها وعدد الأشخاص الذين يتعرضون لها، وأكثر الاضطرابات مشاهدة في الأزمات كتلك التي تتعرض لها سورية هي: اضطراب الصدمة ما بعد الرضّ أو ما يُعرف بـ(Post Traumatic Stress Disorder) وأهم ما يميز هذه الحالة هي نوبات استعادة الحادث المؤلم الصادم على شكل ذكريات تقتحم ذاكرة الشخص لدرجة قد يعيشها كحالة حدوث حقيقي في اليقظة أو على شكل كوابيس وأحلام أثناء النوم تصل لدرجة تجنُّب النوم أحياناً أو الإجفال وهو (الخوف المفاجئ)، والذي هو عبارة عن ردّة فعل تظهر في كل مرّة يواجه فيها الشخص أحداثاً مشابهة للحدث الأصلي. كذلك من أهم الأعراض التي تظهر على المصاب بهذا الاضطراب تضيف "نادين": الانفصال عن الآخرين وتجنُّب المواقف التي تذكِّر بالحادثة, الانطواء والعزلة, فقْد المتعة بكل معانيها, التفكير بالانتحار والموت واللجوء إلى تعاطي المخدرات والكحول.
الأزمة السورية وآثارها على الأطفال:
يعتبر الأطفال من أكثر الفئات العمرية خطورة من الناحية النفسية وذلك نتيجة لحساسيتهم الكبيرة وقدرتهم على التقاط كل ما يدور في محيطهم إضافة إلى صعوبة معرفة ما يشعرون به لعدم قدرتهم على الشرح والتفسير. وتقول الاختصاصية النفسية "نادين منصور" :إنّ الأمر مُختلف عند الأطفال، فالطفل يبقى صامتاً أو يرفض الحديث عن الصدمة، وهذا لا يعني عدم قدرته على تذكُّر الحدث وإنّما تكون معاناته على شكل كوابيس الصدمة وقد تتحول عنده إلى كوابيس عامة تدور حول الحيوانات المخيفة وغيرها، والمعاناة عندهم لا تكون باستعادة الحدث أو الصدمة عن طريق التفكير والشعور, بل عن طريق الفعل من خلال اللعب المُتكرر الذي يرتبط بالصدمة، وهنا يأتي دور الأهل في ملاحظة أي تغيّر على سلوك أطفالهم وإعطاء هذا التغيّر من الأهمية ما يستحق واستشارة اختصاصي نفسي بعلم نفس الطفل، حيث (وكما تقول منصور) أنّ الأهل لا يفهمون حقيقة الصدمة وانعكاساتها على المريض، فإذا كان المصدوم طفلاً، فإنّ الأهل يتوقعون منه أن يلعب بصورة طبيعية كباقي الأطفال، وأن يأكل بشهية مثلهم، وهذا توقع في غير محله، وقد يؤدّي إلى النفور والعزلة الاجتماعية.
[3] أزمة اللجوء والسلوكيات الناتجة عنها:
اللاجئ هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفاً على حياته، أو خوفاً من السجن أو التعذيب، وبتعدُّد أسباب اللجوء (الحرب، الإرهاب والفقر) تتشكَّل أنواعه ما بين اللجوء السياسي الذي يتم منحه للشخصيات المشهورة، والقادة المنشقين عن جيوشهم أو حكوماتهم، وللناشطين السياسيين، أو اللجوء الديني الذي يقوم الشخص بمقتضاه باللجوء إلى دولة أخرى بسبب تعرضه للاضطهاد بسبب الدين أو المعتقدات الدينية، أو اللجوء الإنساني بسبب الحروب أو النزاعات الإثنية أو العرقية، أو اللجوء الغذائي أو الاقتصادي وهو اللجوء من دولة لأخرى بسبب الكوارث البيئية التي تسبب المجاعات، وهذا الأخير غير معمول به حالياً. وهناك دول تعيد اللاجئين إلى بلدانهم بعد انتهاء هذه الصراعات، ودول أخرى تبقيهم على أرضها.
أمَّا فيما يتعلق بالحالة النفسية التي يعيشها اللاجئ، يمكن إجمالها في الآتي:
[1] الحزن الشديد بسبب خسارة كل الممتلكات الخاصة، بما فيها المنزل العائلي والدخل، وهي مفاجأة رهيبة للأشخاص، لا سيما الأشخاص الذين كانوا أغنياء قبل حدوث ما دعاهم للجوء والنزوح من بلدهم لهذا البلد أو الأرض الجديدة.
[2] التعرّض للعنف المرعب بسبب مشاهدة حوادث القتل والتعذيب والاغتصاب.
[3] الإصابات أو الأمراض البدنية والتي تؤثِّر بدورها على الحالة النفسية للاجئ.
[4] العيش في بيئة خالية من الشبكات الاجتماعية، والتي غالبًا ما تكون مخيّمات وأمكنة مكتظة وتفتقر لأبسط مقوِّمات الحياة، كما أنَّ المنشآت الصحية بها متدهورة وغير مؤهلة لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، وقد يتواجد في المسكن نفسه أشخاص من مجتمعات مختلفة.
مرج الزهور...نجاح من قلب الأزمة:
مبعدو مرج الزهور هم مجموعة من الناشطين الفلسطينيين من حركتي حماس والجهاد (أغلبهم من حركة حماس) قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإبعادهم من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام 1967م، إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان في 17 ديسمبر من العام 1992م، وذلك على خلفية قيام كتائب عز الدين القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس) بأسر جندي إسرائيلي، ومطالبة قوات الاحتلال بإطلاق سراح عدد من معتقلي الحركة لديها وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد يس مؤسس الحركة، وتهديدهم بقتل ذلك الجندي في اليوم التالي في حالة عدم الانصياع لطلباتها. وبالفعل أعلنت الحركة مساء اليوم التالي عن قتل هذا الجندي، فاجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي، واتخذ قراراً بإبعاد كافة قادة حركة حماس وعدد من قادة الجهاد الإسلامي، وتم تنفيذ القرار، وأُبعد الناشطون في ظروف بيئية سيئة جداً، حيث كان فصل الشتاء على أشدّه. ولكن كيف كانت حياتهم في هذا الوضع الجديد الذي جاء نتاج أزمة الإبعاد؟
يقول أحد المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة فقد شكّلوا لجان مختلفة منها اللجنة الإعلامية التي يترأسها الدكتور الشهيد "عبد العزيز الرنتيسي" المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية، والدكتور "عزيز دويك" المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضاً اللجنة المالية، والاجتماعية، والرياضية، ولجنة الدعوة، وغيرها من اللجان الفاعلة. وقاموا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم وأطلقوا عليها اسم "جامعة ابن تيمية"، وكانت هناك دورات التجويد، وحفظ القرآن، ودورات الكاراتيه، والخط، والخطابة، ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التي تم تلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابهم العديد من المهارات والعلوم الدينية والدنيوية، وتحوّلت تجربة إبعادهم من مأساة إلى نجاح تحكي عنه الأجيال.
خلاصة القول أنّ الأزمات تصنع أوضاعاً اجتماعية جديدة تنتج عنها سلوكيات جديدة لأفرادها، وإن كانت معظمها سلوكيات سالبة لعدم مقدرة الأفراد الواقعين تحت تأثيرها على امتصاص صدمتها والتعامل معها بإيجابية، ولكن بعض الأزمات تكون نقطة تحوُّل لأفرادها، ينطلقون بعدها نحو التميُّز وتحقيق الذات، امتثالاً لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له) [رواه مسلم].
([1]) كاتب وتربوي وباحث بمجمع الفقه الإسلامي السُّـوداني.
([2]) من ندوة بعنوان: "الحالة النفسية للفلسطينيين في قطاع غزة الحاضر والمستقبل"، وذلك بمناسبة يوم الصحة النفسية العالمي.
([3]) نفس المرجع.
([4]) نفس المرجع.
([5]) نفس المرجع.