أخرجونا من قريتهم !
ماذا عن الاهتمامات والقضايا التي تُحجب وتمنع ويتم تغييبها وتمييعها وإرجاؤها.. لا أدري هل رُفعت الأقلام أو جفت الصحف أو هو التساقط في منتصف الطريق أو هي السلامة والعافية، من للحرية المسلوبة، من للاختيار الحر المصادر، من للشهامة والإباء، من للتحرر من أغلال الاستبداد، من لأشواق الحرية، من للنضال الطويل من أجل أن يتمتع الآخرون بنسائم الحرية...من للعمل السلمي المؤثر والضاغط، من يعيد الاعتبار لآدمية المواطن العربي وكرامته وإنسانيته، من ينقل الناس من اهتمامات محدودة ضيقة وربما شواغل محلية إلى قضايا تجسد حقوقهم وكرامتهم وعزتهم.. من يخطو بنا نحو زمن العمل والعزة وقوة الفكرة..
أكثر القضايا المعروضة علينا اليوم لا جديد فيها، يمر على أغلبها الحول والحولان والحقب وربما أكثر، ولا مزحزح لها، فمن عراك فتح وحماس، الذي أورثنا الملل والسأم من تفصيلاته وتفريعاته المكرورة، إلى لبنان الانقسام وعراق المجازر وجزائر العنف ومصر مبارك وسعودية سموه ويمن الانفصال وإيران الثورة، إلى أزمة التوريث الجمهوري والملكي... لا جديد يمكن رصد ملامحه.
وأقصى ما ’’يبدعه’’ متابع أن ينفخ في قضية ’’محلية’’ يقتات منها أو يقضي وقتا ’’حرجا’’ معها.
وهكذا تختصر الأوطان والقضايا والاهتمامات فيما يسكت عنه سموه أو فخامته ويرخص فيه أو خارج الزمن السياسي أو ما تمليه فنون الإلهاء.
يقولون إن أمريكا لا ترى في أوطاننا إلا أنابيب النفط ولا قيمة للأحزمة البشرية، والأنظمة لا ترى في شعوبها إلا قطيعا يساق، وأما نحن، فأصبحنا نرى أنفسنا مناطق عبور أو تفريغ..
تقلب الصفحات وتطوف على المواقع والورقات، لكن لا تكاد تتفاعل مع قضية نابضة يمكن أن تجدد فينا النظر والتفكير والتأمل..
وأكثر ما نقرأه ونسمعه، ماذا بعد، وماذا لو، فالتفكير عندنا أصبح مبرمجا، والحدود مرسومة، ربما هي ’’الألفة الغافلة’’، أمور ألفناها فورثتنا الغفلة وأحجبتنا عن رؤية حقائق أعمق وقضايا تفنى فيها الأعمار.. وربما هو ’’ترف المتابعة’’..
كم من مقال كتب عن أوباما التغيير وتتبعنا خطبه وتصريحاته وتأولنا له وفتحنا له عقولنا وقلوبنا، لكن ماذا صنع في ملف الاستيطان الصهيوني؟ وهل كبح جماح نتنياهو؟
وماذا عن حلم الإصلاح الذي انتظرناه في كل من مصر والسعودية، مهلا الأمر ضاق، وما عاد الحديث عن الإصلاح السياسي متاحا أو ذا بال، وإنما شُدت الرحال إلى مشكلة تداول الحكم داخل العائلة الواحدة وترتيب البيت الداخلي، والانتقال السلس للسلطة، هكذا عشنا دهورا وحقبا زمنية ونحن نتأول للحاكم أو ننصرف وننشغل عنه أو نبحث في شرعيته، وتقدم الزمن بالأمم الأخرى، لكن لا زلنا نراوح مكاننا، ونعيد إنتاج الكلام نفسه، مع تنوع واختلاف في الأسلوب والعرض، وكأنه لا يتحرك في هذه الأمة إلا حكامها..
لكن أليس ثمة مساحة خارج سموه وفخامته، نتقلب في جنباتها؟ المشكلة أن سموه وفخامته صاحب الأمر والنهي في أكثر القضايا تداولا واهتماما، وامتد نفوذه طولا وعرضا، فما العمل؟ ببساطة، أن نعيش أحرارا، ونفكر بعيدا عن حضوره الطاغي، ونفرض قضايانا المؤجلة.. لكن هذا دونه هم وغم وسجل متاعب وأحزان..
وليعذرني بعض مشايخنا وكتابنا من المؤثرين، فقد غُيبت معاني ومعارك الحرية مما يكتبوه أو يحاضروا فيه، والأكثرون يتحدثون عن معان وقيم تحيا بها في حدود يومك وضمن بيئتك الضيقة وعشيرتك الأقربين، وإلا لو بحثنا عن المساحات الخضراء لنبرز فيها هذه المعاني، فلا نكاد نجد ما يسمح به سموه أو فخامته، إلا ما كان إلهاء أو وعظا ينشغل بالخلاص الفردي أو تأنيبا أو إطنابا أو الحديث عن مؤامرات ومعارك عفى عليها زمن، أو التحذير من خطر صنعه الحاكم أو صُنع له.. أو التحليق في أجواء معاني تجريدية متخمة لا تجد مساحة حرية خضراء تُصرف فيها..
انتقُد بعض المؤرخين الأوائل لأنهم ركزوا فقط في مؤلفاتهم على الجوانب السياسة لما بعد العهد الراشدي، في حين غفلوا عن جوانب مشرقة من حياة الأمة، كالعمران والمدارس والترجمة والمكتبات ومختلف الفنون والاهتمامات الأخرى، وكلمة السر، أن ثمة جوانب أخرى لحياة الأمة خارج دائرة السلطان، ربما لم تمتد إليها يده، أو لم يهتم بها أصلا، أو تقبلها بقبول حسن أو وجد مناعة في أصحابها وهكذا.. يعني هناك مساحات أبدع فيها الأوائل بحرية، لكننا اليوم لا نكاد ننتزع مساحة نمارس فيها حقنا المشروع، فالقضية خذلت من بعض أصحابها أو تم السكوت عنها، لأن ثمة متنفسا أتاحه الحاكم يمكن الانشغال به عن غيره طلبا للسلامة والعافية أو العمل في حدود المتاح أو هروبا من ضريبة الإصلاح ومتاعبه وعبئه وتبعاته..
هل في مصر موضوع غير التوريث، وهل في الجزائر قضية خارج العنف، وهل في لبنان موضوع آخر غير الانقسام، وهل في إيران حديث ليس لصراع الأضداد فيه نصيب، وهل في السعودية ما يشغل البال أكثر من سموه، وهل في فلسطين موضوع يعلو على المناكفات بين حماس وفتح، وهل...... وماذا عن الاهتمامات والقضايا التي تُحجب وتمنع ويتم تغييبها وتمييعها وإرجاؤها.. لا أدري هل رُفعت الأقلام أو جفت الصحف أو هو التساقط في منتصف الطريق أو هي السلامة والعافية، من للحرية المسلوبة، من للاختيار الحر المصادر، من للشهامة والإباء، من للتحرر من أغلال الاستبداد، من لأشواق الحرية، من للنضال الطويل من أجل أن يتمتع الآخرون بنسائم الحرية...من للعمل السلمي المؤثر والضاغط، من يعيد الاعتبار لآدمية المواطن العربي وكرامته وإنسانيته، من ينقل الناس من اهتمامات محدودة ضيقة وربما شواغل محلية إلى قضايا تجسد حقوقهم وكرامتهم وعزتهم.. من يخطو بنا نحو زمن العمل والعزة وقوة الفكرة..
*مجلة العصر
ماذا عن الاهتمامات والقضايا التي تُحجب وتمنع ويتم تغييبها وتمييعها وإرجاؤها.. لا أدري هل رُفعت الأقلام أو جفت الصحف أو هو التساقط في منتصف الطريق أو هي السلامة والعافية، من للحرية المسلوبة، من للاختيار الحر المصادر، من للشهامة والإباء، من للتحرر من أغلال الاستبداد، من لأشواق الحرية، من للنضال الطويل من أجل أن يتمتع الآخرون بنسائم الحرية...من للعمل السلمي المؤثر والضاغط، من يعيد الاعتبار لآدمية المواطن العربي وكرامته وإنسانيته، من ينقل الناس من اهتمامات محدودة ضيقة وربما شواغل محلية إلى قضايا تجسد حقوقهم وكرامتهم وعزتهم.. من يخطو بنا نحو زمن العمل والعزة وقوة الفكرة..
أكثر القضايا المعروضة علينا اليوم لا جديد فيها، يمر على أغلبها الحول والحولان والحقب وربما أكثر، ولا مزحزح لها، فمن عراك فتح وحماس، الذي أورثنا الملل والسأم من تفصيلاته وتفريعاته المكرورة، إلى لبنان الانقسام وعراق المجازر وجزائر العنف ومصر مبارك وسعودية سموه ويمن الانفصال وإيران الثورة، إلى أزمة التوريث الجمهوري والملكي... لا جديد يمكن رصد ملامحه.
وأقصى ما ’’يبدعه’’ متابع أن ينفخ في قضية ’’محلية’’ يقتات منها أو يقضي وقتا ’’حرجا’’ معها.
وهكذا تختصر الأوطان والقضايا والاهتمامات فيما يسكت عنه سموه أو فخامته ويرخص فيه أو خارج الزمن السياسي أو ما تمليه فنون الإلهاء.
يقولون إن أمريكا لا ترى في أوطاننا إلا أنابيب النفط ولا قيمة للأحزمة البشرية، والأنظمة لا ترى في شعوبها إلا قطيعا يساق، وأما نحن، فأصبحنا نرى أنفسنا مناطق عبور أو تفريغ..
تقلب الصفحات وتطوف على المواقع والورقات، لكن لا تكاد تتفاعل مع قضية نابضة يمكن أن تجدد فينا النظر والتفكير والتأمل..
وأكثر ما نقرأه ونسمعه، ماذا بعد، وماذا لو، فالتفكير عندنا أصبح مبرمجا، والحدود مرسومة، ربما هي ’’الألفة الغافلة’’، أمور ألفناها فورثتنا الغفلة وأحجبتنا عن رؤية حقائق أعمق وقضايا تفنى فيها الأعمار.. وربما هو ’’ترف المتابعة’’..
كم من مقال كتب عن أوباما التغيير وتتبعنا خطبه وتصريحاته وتأولنا له وفتحنا له عقولنا وقلوبنا، لكن ماذا صنع في ملف الاستيطان الصهيوني؟ وهل كبح جماح نتنياهو؟
وماذا عن حلم الإصلاح الذي انتظرناه في كل من مصر والسعودية، مهلا الأمر ضاق، وما عاد الحديث عن الإصلاح السياسي متاحا أو ذا بال، وإنما شُدت الرحال إلى مشكلة تداول الحكم داخل العائلة الواحدة وترتيب البيت الداخلي، والانتقال السلس للسلطة، هكذا عشنا دهورا وحقبا زمنية ونحن نتأول للحاكم أو ننصرف وننشغل عنه أو نبحث في شرعيته، وتقدم الزمن بالأمم الأخرى، لكن لا زلنا نراوح مكاننا، ونعيد إنتاج الكلام نفسه، مع تنوع واختلاف في الأسلوب والعرض، وكأنه لا يتحرك في هذه الأمة إلا حكامها..
لكن أليس ثمة مساحة خارج سموه وفخامته، نتقلب في جنباتها؟ المشكلة أن سموه وفخامته صاحب الأمر والنهي في أكثر القضايا تداولا واهتماما، وامتد نفوذه طولا وعرضا، فما العمل؟ ببساطة، أن نعيش أحرارا، ونفكر بعيدا عن حضوره الطاغي، ونفرض قضايانا المؤجلة.. لكن هذا دونه هم وغم وسجل متاعب وأحزان..
وليعذرني بعض مشايخنا وكتابنا من المؤثرين، فقد غُيبت معاني ومعارك الحرية مما يكتبوه أو يحاضروا فيه، والأكثرون يتحدثون عن معان وقيم تحيا بها في حدود يومك وضمن بيئتك الضيقة وعشيرتك الأقربين، وإلا لو بحثنا عن المساحات الخضراء لنبرز فيها هذه المعاني، فلا نكاد نجد ما يسمح به سموه أو فخامته، إلا ما كان إلهاء أو وعظا ينشغل بالخلاص الفردي أو تأنيبا أو إطنابا أو الحديث عن مؤامرات ومعارك عفى عليها زمن، أو التحذير من خطر صنعه الحاكم أو صُنع له.. أو التحليق في أجواء معاني تجريدية متخمة لا تجد مساحة حرية خضراء تُصرف فيها..
انتقُد بعض المؤرخين الأوائل لأنهم ركزوا فقط في مؤلفاتهم على الجوانب السياسة لما بعد العهد الراشدي، في حين غفلوا عن جوانب مشرقة من حياة الأمة، كالعمران والمدارس والترجمة والمكتبات ومختلف الفنون والاهتمامات الأخرى، وكلمة السر، أن ثمة جوانب أخرى لحياة الأمة خارج دائرة السلطان، ربما لم تمتد إليها يده، أو لم يهتم بها أصلا، أو تقبلها بقبول حسن أو وجد مناعة في أصحابها وهكذا.. يعني هناك مساحات أبدع فيها الأوائل بحرية، لكننا اليوم لا نكاد ننتزع مساحة نمارس فيها حقنا المشروع، فالقضية خذلت من بعض أصحابها أو تم السكوت عنها، لأن ثمة متنفسا أتاحه الحاكم يمكن الانشغال به عن غيره طلبا للسلامة والعافية أو العمل في حدود المتاح أو هروبا من ضريبة الإصلاح ومتاعبه وعبئه وتبعاته..
هل في مصر موضوع غير التوريث، وهل في الجزائر قضية خارج العنف، وهل في لبنان موضوع آخر غير الانقسام، وهل في إيران حديث ليس لصراع الأضداد فيه نصيب، وهل في السعودية ما يشغل البال أكثر من سموه، وهل في فلسطين موضوع يعلو على المناكفات بين حماس وفتح، وهل...... وماذا عن الاهتمامات والقضايا التي تُحجب وتمنع ويتم تغييبها وتمييعها وإرجاؤها.. لا أدري هل رُفعت الأقلام أو جفت الصحف أو هو التساقط في منتصف الطريق أو هي السلامة والعافية، من للحرية المسلوبة، من للاختيار الحر المصادر، من للشهامة والإباء، من للتحرر من أغلال الاستبداد، من لأشواق الحرية، من للنضال الطويل من أجل أن يتمتع الآخرون بنسائم الحرية...من للعمل السلمي المؤثر والضاغط، من يعيد الاعتبار لآدمية المواطن العربي وكرامته وإنسانيته، من ينقل الناس من اهتمامات محدودة ضيقة وربما شواغل محلية إلى قضايا تجسد حقوقهم وكرامتهم وعزتهم.. من يخطو بنا نحو زمن العمل والعزة وقوة الفكرة..
*مجلة العصر