مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بل هي الثورات الكبرى لا الخديعة الكبرى
بقلم خالد حسن
أشعلنا ثورات سلمية وأطحنا بعملاء صنعهم الغرب على عينه، رغم أنف واشنطن وباريس ولندن، فجرنا ثوراتنا بعيدا عن أعين أمريكا وأيديها، صعقناها بصحوتنا ونهضتنا، وإن حاول البعض منحها نصيبا من الثورة.. نعم، صنعنا ثورات قوية ومزلزلة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، لم يتوقعها أحد لا في شرق الأرض ولا في غربها. إلى الآن لم يستوعب كثير منا ما حدث، فصرنا نبحث عن أي إشارة أو معلومة تطعن في الثورة وتلمزها ولو من طرف خفي،

أمريكا صعقت بالثورات، وخسرت الكثير، باعتراف كثير من المراقبين الغربيين، ولعل أهم إقرار صدر إلى الآن، ما صرح به ’’مايكل شوير’’، المسئول السابق بوكالة الاستخبارت المركزية الأمريكية ورئيس وحدة تتبع بن لادن السابق، من أن الربيع العربي قد تسبب في أكبر كارثة مخابراتية للولايات المتحدة وبريطانيا.

ونقلت عنه صحيفة ’’الغارديان’’ البريطانية قوله في الندوة التي عقدت علي هامش مهرجان ’’أدنبرة الدولي للكتاب’’ ببريطانيا إن الدعم الذي كنا نتلقاه من المخابرات المصرية قد قل وكذلك المخابرات التونسية، ولكن فيما يخص الدعم من المخابرات الليبية واللبنانية فقد جفت تماماً مصادر معلوماتنا منهم، إما بسبب الاحتقار المتزايد الذي يكنه للقادة العرب لمسئولي حكوماتنا الذين يطعنونهم في ظهورهم أو بسبب أن الذين عملوا مع الاستخبارات الأمريكية أصبحوا يخافون السجن أو ما هو أسوأ.

نعم، صنعنا ثورات قوية ومزلزلة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، لم يتوقعها أحد لا في شرق الأرض ولا في غربها.

غيرت الثورات في الأمة كثيرا، نفسيتنا عقليتنا طباعنا الذهنية تفكيرنا، أحيت معاني العزة والكرامة، خاضت بنا معارك الاستقلال الثاني، استقلال الإرادة والقرار.

أمريكا وبريطانيا وفرنسا والغرب عموما، التحق بالثورات، لم يستشاروا كما فقل الانقلابيون من حكامنا، وما أوصلوا مفجرا لثورة إلى الزعامة ولا صنعوه على أعينهم، والذين يتحدثون عن إصرار واشنطن على الدفع بقيادات عسكرية ليبية محسوبة عليها، وتحديدا العقيد خليفة حفتر، للتأثير في مستقبل ليبيا ما بعد القذافي، لا يقطعون بالأمر، وإنما هي محاولات لا أكثر، وهو واحد من تركيبة عسكرية قوية ونافذة، ليس له قاعدة شعبية ولا يحظى بالاحترام، لسابق تعامله مع المخابرات الأمريكية في الفترة التي كانت تمول فيها الحكومة الأميركية جبهة الإنقاذ الوطني الليبية وتدربها.

إلى الآن لم يستوعب كثير منا ما حدث، فصرنا نبحث عن أي إشارة أو معلومة تطعن في الثورة وتلمزها ولو من طرف خفي، فطفق بعضنا يكثر السهام والشكوك والتهم والطعن والتجريح، لمجرد أن أمريكا والغرب حاضر في الضغط، ومساند لعملية الإطاحة.

وبهذا المنظور، يستحيل أن يصفو لنا تغيير أو تتهيأ لنا ثورة،أو حتى أمكننا استعادة ولو بعض حريتنا وتعطيل بعض الفساد، إذ العالم متداخل، وما فيه أمر جلل يحدث في عزلة تامة أو نقاء وصفاء بلا شائبة أو توظيف وتوجيه، وتبقى العبرة بالخواتيم والمآلات، ومن ينتظر أن يضع له الغرب أجنحته ويذعن له، وتخلي له الساحة ويصفو له الجو، فهو واهم، وله أن ينتظر قرونا.

يكفي ثوراتنا شرفا ونبلا أنها أشغلت عقولنا الفارغة، وجعلت لحياتنا معنى وقيمة، أطاحت بمستبدين فاسدين، وحققت لنا قدرا من الحرية والكرامة، صار الحكام يخافون شعوبهم، قتلت فينا الخوف من الرصاص ومن التظاهر والاحتجاج، حسمت جدلا ممتدا في طول الزمان وعرضه حول إشكالية الأمة المغيبة والسلطة المطلقة.

نعم، صرنا نعرف كيف نزيح الفاسدين، ونعرف الطريق نحو الحرية، نخرج في تظاهرات سلمية، ننادي بالحرية والكرامة، لا نشهر سلاحا ولا نسفك دما ولا نخرب ممتلكات، سلاحنا قوة العزيمة والإرادة الواعية،

فإن تعرضنا لإبادة جماعية، كما هو الحال في ليبيا، ضغطنا على العالم لإسنادنا، وإن أعمل فينا القتل والذبح من الوريد إلى الوريد، كما هو النظام الإجرامي الدموي في دمشق، قاومناه بالإصرار على الخروج في مسيرات وتظاهرات، ودفعنا أثمانا باهظة من دمائنا دفعا لأي إسناد خارجي، فإن كان ولا بد، فمنعا لإبادة جماعية، لكن ليس لأحد، كائنا من كان، أن يملي علينا، فقد ولى عهد الإملاءات، ومن طالبنا بتكاليف إسناده، دفعناها من خيرات بلدنا، بعدما انتزعناها انتزاعا من الحكام المفسدين.

ماذا يريد الغرب من الثورات؟ نعم، الغرب ليس جمعية خيرية، وله في كل دولار أو رصاصة دعم، مآرب، فليكن، المهم أن إرادتنا تحررت وقرارنا استعدناه، نواجه ونتحمل تبعات الثورة، ونملك القدرة والوعي لحماية مكتسبات الثورة وتجديد روحها وتصويبها من الداخل.

ولا أعلم أن حقبة ما في تاريخنا القديم والحديث مرت بلا عثرات ولا مزالق ولا حتى انتكاسات، هذا قدر الثورات، وربما أحيانا يحتاج الأمر إلى ثورة تصحيحية، هي سنة التدافع لا تحابي ولا تجامل.

أشعلنا ثورات سلمية وأطحنا بعملاء صنعهم الغرب على عينه، رغم أنف واشنطن وباريس ولندن، فجرنا ثوراتنا بعيدا عن أعين أمريكا وأيديها، صعقناها بصحوتنا ونهضتنا، وإن حاول البعض منحها نصيبا من الثورة، ما ادعته ولا تبنته.

ومن يستحضر التاريخ بشكل انتقائي وقسري، ويتكلف في المقارنة، سيتعب نفسه ويحترق بلهيب الأحداث الساخنة.

نعم أمريكا وحلفاؤها التحقوا بالثورة ولم يصنعوها ولا شاركوا في إشعالها، وتخلوا عن عملائهم، خوفا على مصالحهم، لا أكثر، فإلههم المصلحة، تشد لها الرحال، وهي قبلتهم التي تولى لها وجوههم كلما تحولت.
*العصر
أضافة تعليق