خالد حسن
أعجب ممن برر للإطاحة برئيس منتخب (مرسي)، ولو من طرف خفي، أو سكت عن جرائم الانقلاب أو أحصى على الإخوان أنفاسهم وتتبع أخطاءهم في إدارة مربع محدود في السلطة وتغافل عن عمد بعض ما أنجزه حكم مرسي خلال أشهر معدودات، ليلتزم الصمت المريب بعده، أو مرر كوارث ومظالم سياسية في بلده، ثم يأتي اليوم يحلل ظاهرة داعش ويطلق العنان لمخيلته ويرمي بالكلام يمنة ويسرة، ويتحسر.
داعش، مع كل هذا الغموض الذي صاحبها منذ بروزها وإلى اليوم، هي الابن الشرعي للانقلابات والطغيان السياسي وتحويل المجتمعات إلى مقابر ومستنقعات.
ماذا تتوقعون من كل هذا التجريف والقحط والعدوانية والتآمر والنهب والتبعية والتحطيم المجتمعي؟
يتجاهل كل هذا، وربما مرره أو سوغ له أو سكت عنه، ثم يأتي اليوم مذهولا مما أقامه التطرف والغلو من كيان؟
تآمروا على مرسي وأسقطوه وارتكبوا المجازر والجرائم وحرقوا واغتصبوا، وكانوا يسمونها ’’إجراءات عسكرية’’ وأبدعوا في تلبيس الإخوان أكثر الشرور والكوارث، رغم أن سنة حكمهم ’’الشكلي’’، أما الحقيقي فكان بيد العسكر وحلفائهم، لم يعهدها المصريون منذ أكثر من 60 سنة على علاَتها، ليستفيقوا اليوم على أخبار حماقات وطيش داعش.
وهم يعلمون أن إقرار حكومة منتخبة وبسط سلطان الأمة والتداول على الحكم ورفع الحصار والقهر والمظالم على الشعوب سيغير كثيرا مما نراه اليوم من تشوَهات وانحرافات وتسلط لمجموعات متطرفة.
الاستبداد يزرع التطرف ويغذيه، وجزء كبير من قادة داعش كانوا معتقلين في سجون صدام أو الاحتلال الأمريكي من بعده، ومن التحقوا بهم من العرب أكثرهم جاء مسكونا بروح الانتقام من مظالم لحقت به في بلده أو مصدوما بمشاهد الدماء المروعة التي تسيل في البلاد العربية، وهكذا، مثل الذي نراه اليوم في غزة بغطاء بعض العرب الرسميين.
نعم التطرف يوجد حتى مع دولة العدل والحقوق والحريات، لأن منطلقاته وأساساته قائمة على تأويلات ومسالك واستنباطات خاطئة ابتداء، لكن ما تفرضه أجواء الحريات والانفتاح ومنع التعسف والجور يحاصر الغلو ويطارده ويرفع عنه غطاء المظلومية والقهر ويمنع عنه التأثير في المغفلين والمغرر بهم أو يقلله.
لم يصبروا على سلطة منتخبة سنة واحدة وحمَلوها كوارث الأولين والآخرين، وجبنوا في مواجهة دبابات وجرائم العسكر في أول الأمر، ونمقوا وزوقوا وتمتموا وهمسوا وصنعوا من المؤسسة العسكرية، كما صنع أمثالهم من قصور الحكم، صنما مقدسا وحصنا منيعا، حتى إذا بلغت دماء الضحايا والمعتصمين والمتظاهرين القلتين وأكثر صاروا يتحدثون عن ’’أخطاء جسيمة’’ لـ’’السلطة المؤقتة’’، في تدليس جلي وتلاعب بالمفردات.
وأين من كتبوا وطافوا على الفضائيات يحللون ظاهرة داعش وعابوا على غيرهم التحدث عنها من حكم جائر صادم كارثي بكل المقاييس على الناشط الحقوقي السعودي ’’وليد أبو الخير’’ بـ15 سنة سجنا بتهم واهية تثير السخرية، هذا الذي عرفناه وتابعنا أخباره، فما بالك بالمغيبين والمنسيين ومن لا يعرفه إلا قلة قلية وهم ألوف في السجون والمعتقلات.
للمرة الألف، مشكلة الاستبداد تهون أمامها كل ما تولد عنها أو صاحبها أو زرعته أو سمَنته، داعش تواجهها حكومة منتخبة وإرادة شعبية حرة، وكانت لمرسي (وفريقه ومستشاريه) تجربة واجتهادات في التعامل ومحاولة احتواء جهاديي سيناء ومسلحيها، وحقق بعض التقدم لكن عصابة انقلابي العسكر صنعوا لها الفخاخ والكمائن ليجهضوها في مهدها.
الاستبداد لا يحارب التطرف وإنما يبسطه كل البسط، بكوارثه، ويُمكَن له في العقول والصحاري والملاجئ والسجون والمعتقلات على أيدي الجلادين وعديمي الضمير والإنسانية.
اختاروا بين انتخاب حر أو ’’خلافة’’ البغدادي. اختاروا بين حكومة منتخبة وإرادة حرة في اختيار الممثلين عن الشعب وبين تنطعات داعش وكياناتها الدموية، والاستبداد يصبر على داعش ما دامت تُبعد عنه ’’شبح’’ الانتخابات الحرة والإقرار بسلطان الأمة، لأن وجودها من وجوده ولا بد له من عدو يُوحد ما تبقى له من مخزون بشري على حكمه، وداعش توفر له مبررات الاستمرار وتمنع عنه السقوط أو تؤجله.
هي تشوش عليه وهو يشوش عليها، وربما تقاتله ويحاربها، لكنهما لا يصبران على الفراق، وكل منهما يحتاج الآخر ويرى فيه مبررا لاستمراره.
*العصر
أعجب ممن برر للإطاحة برئيس منتخب (مرسي)، ولو من طرف خفي، أو سكت عن جرائم الانقلاب أو أحصى على الإخوان أنفاسهم وتتبع أخطاءهم في إدارة مربع محدود في السلطة وتغافل عن عمد بعض ما أنجزه حكم مرسي خلال أشهر معدودات، ليلتزم الصمت المريب بعده، أو مرر كوارث ومظالم سياسية في بلده، ثم يأتي اليوم يحلل ظاهرة داعش ويطلق العنان لمخيلته ويرمي بالكلام يمنة ويسرة، ويتحسر.
داعش، مع كل هذا الغموض الذي صاحبها منذ بروزها وإلى اليوم، هي الابن الشرعي للانقلابات والطغيان السياسي وتحويل المجتمعات إلى مقابر ومستنقعات.
ماذا تتوقعون من كل هذا التجريف والقحط والعدوانية والتآمر والنهب والتبعية والتحطيم المجتمعي؟
يتجاهل كل هذا، وربما مرره أو سوغ له أو سكت عنه، ثم يأتي اليوم مذهولا مما أقامه التطرف والغلو من كيان؟
تآمروا على مرسي وأسقطوه وارتكبوا المجازر والجرائم وحرقوا واغتصبوا، وكانوا يسمونها ’’إجراءات عسكرية’’ وأبدعوا في تلبيس الإخوان أكثر الشرور والكوارث، رغم أن سنة حكمهم ’’الشكلي’’، أما الحقيقي فكان بيد العسكر وحلفائهم، لم يعهدها المصريون منذ أكثر من 60 سنة على علاَتها، ليستفيقوا اليوم على أخبار حماقات وطيش داعش.
وهم يعلمون أن إقرار حكومة منتخبة وبسط سلطان الأمة والتداول على الحكم ورفع الحصار والقهر والمظالم على الشعوب سيغير كثيرا مما نراه اليوم من تشوَهات وانحرافات وتسلط لمجموعات متطرفة.
الاستبداد يزرع التطرف ويغذيه، وجزء كبير من قادة داعش كانوا معتقلين في سجون صدام أو الاحتلال الأمريكي من بعده، ومن التحقوا بهم من العرب أكثرهم جاء مسكونا بروح الانتقام من مظالم لحقت به في بلده أو مصدوما بمشاهد الدماء المروعة التي تسيل في البلاد العربية، وهكذا، مثل الذي نراه اليوم في غزة بغطاء بعض العرب الرسميين.
نعم التطرف يوجد حتى مع دولة العدل والحقوق والحريات، لأن منطلقاته وأساساته قائمة على تأويلات ومسالك واستنباطات خاطئة ابتداء، لكن ما تفرضه أجواء الحريات والانفتاح ومنع التعسف والجور يحاصر الغلو ويطارده ويرفع عنه غطاء المظلومية والقهر ويمنع عنه التأثير في المغفلين والمغرر بهم أو يقلله.
لم يصبروا على سلطة منتخبة سنة واحدة وحمَلوها كوارث الأولين والآخرين، وجبنوا في مواجهة دبابات وجرائم العسكر في أول الأمر، ونمقوا وزوقوا وتمتموا وهمسوا وصنعوا من المؤسسة العسكرية، كما صنع أمثالهم من قصور الحكم، صنما مقدسا وحصنا منيعا، حتى إذا بلغت دماء الضحايا والمعتصمين والمتظاهرين القلتين وأكثر صاروا يتحدثون عن ’’أخطاء جسيمة’’ لـ’’السلطة المؤقتة’’، في تدليس جلي وتلاعب بالمفردات.
وأين من كتبوا وطافوا على الفضائيات يحللون ظاهرة داعش وعابوا على غيرهم التحدث عنها من حكم جائر صادم كارثي بكل المقاييس على الناشط الحقوقي السعودي ’’وليد أبو الخير’’ بـ15 سنة سجنا بتهم واهية تثير السخرية، هذا الذي عرفناه وتابعنا أخباره، فما بالك بالمغيبين والمنسيين ومن لا يعرفه إلا قلة قلية وهم ألوف في السجون والمعتقلات.
للمرة الألف، مشكلة الاستبداد تهون أمامها كل ما تولد عنها أو صاحبها أو زرعته أو سمَنته، داعش تواجهها حكومة منتخبة وإرادة شعبية حرة، وكانت لمرسي (وفريقه ومستشاريه) تجربة واجتهادات في التعامل ومحاولة احتواء جهاديي سيناء ومسلحيها، وحقق بعض التقدم لكن عصابة انقلابي العسكر صنعوا لها الفخاخ والكمائن ليجهضوها في مهدها.
الاستبداد لا يحارب التطرف وإنما يبسطه كل البسط، بكوارثه، ويُمكَن له في العقول والصحاري والملاجئ والسجون والمعتقلات على أيدي الجلادين وعديمي الضمير والإنسانية.
اختاروا بين انتخاب حر أو ’’خلافة’’ البغدادي. اختاروا بين حكومة منتخبة وإرادة حرة في اختيار الممثلين عن الشعب وبين تنطعات داعش وكياناتها الدموية، والاستبداد يصبر على داعش ما دامت تُبعد عنه ’’شبح’’ الانتخابات الحرة والإقرار بسلطان الأمة، لأن وجودها من وجوده ولا بد له من عدو يُوحد ما تبقى له من مخزون بشري على حكمه، وداعش توفر له مبررات الاستمرار وتمنع عنه السقوط أو تؤجله.
هي تشوش عليه وهو يشوش عليها، وربما تقاتله ويحاربها، لكنهما لا يصبران على الفراق، وكل منهما يحتاج الآخر ويرى فيه مبررا لاستمراره.
*العصر