بسم الله الرحمن الرحيم
تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية
"رؤية أولية"
مستخلص البحث
مما لا شك فيه أن للدبلوماسية التقليدية دورٌ رئيسيٌّ لا يمكن تعويضه بما يُسمَّى بالدبلوماسية الشعبية، ولكن تلك الوفود تكون بمثابة عامل قوي ومساعد للدبلوماسية التقليدية؛ حيث تهيئ الحكومات عن طريق الضغوط الشعبية والرأي العام، مما يصنع أرضية خصبة للدبلوماسية التقليدية لجني الثمار والحصول على النتائج، كما أنّ الدبلوماسية الشعبية تعتبر بديلاً (أحياناً) للدبلوماسية التقليدية في ظل غياب مؤسسات وزارة الخارجية أو فقدانها للشرعية. كما أنَّ لها دورٌ مقدَّرٌ في تحسين علاقات الشعوب؛ فهي تعمل على إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً، لأي سببٍ من الأسباب، كما أنَّ لها دورٌ ملموسٌ كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية بينها. كذلك للدبلوماسية الشعبية دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث لم تعد الدبلوماسية التقليدية الرسمية وحدها كأداة تنفَّذ فيها السياسة الخارجية. أيضاً للدبلوماسية الشعبية دورٌ كبيرٌ في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية وغيرها. وفوق ذلك كله؛ للدبلوماسية الشعبية أثرٌ واضحٌ في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة، إذ إنَّ نظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست أمراً جديداً، وإنما تمثل جذوراً وعوامل متأصِّلة تغذي هذه النظرة وتحركها، وقد تفاقمت هذه الجذور بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
وبما أنَّ دولة تركيا تسعى منذ عقود لتعزيز حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا (Opening to Africa Plan) لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين الدول الإفريقية؛ يصبح من الأهميّة بمكان وضع تصوُّر لبرنامج عملي لكيفية تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية، يمكن البناء عليه ليصبح برنامجاً مستقبلياً يدعم العلاقات بين الطرفين. وقد خلص هذا التصوُّر إلى ضرورة توسيع دائرة العمل الإغاثي والإنساني التركي في إفريقيا، ونشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية، والاهتمام كذلك بالتبادل الثقافي والفني والأدبي والرياضي بين الطرفين، والاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور.
Abstract
The traditional diplomacy plays a major role that without a doubt peoples delegation cannot remunerate, but this delegations serve as a strengthening and helping tool to traditional diplomacy whereby it gears the governments through public pressure and general opinion, which will promote a fertile soil for traditional diplomacy to inculcate and make an impact, furthermore it plays a substitutional role to traditional diplomacy in absence of government institutions and ministries or in loss of legitimacy.
It also plays an implied role in improving the relationships between nations, it help to eliminate any tautness between them, likewise it plays a significant role in bringing nations together and encouraging them to have a formal diplomacy between them, as well it have a respective function in executing foreign policies in some States, yet again it plays an active role in bringing nations together, contribute positively in conflict resolutions, disseminate culture of dialogue and consultation, and coordinate international efforts to confront security, development and weather challenges and so on.
Above all public diplomacy have a clear impact in improving the picture of Islam more especially to non-Muslim societies.
Thus the erroneous perception of western world to Islam is not something new, it symbolizes roots and inherent factors that feeds such perception and control it, and exacerbated even more after 9/11 incidents.
As Turkey aimed to extend her communion and collaboration with African States by declaring an 1998 Opening Plan for Africa, to improve her political, cultural and development relations with African countries, it’s important to conceptualize physical agenda of strengthening public diplomacy modality between Turkey and African States that can be a constructing point to a future plan to enhance relations between the two parties.
Such plan has concluded on the importance of expanding the circle of Turkish humanitarian aids and relief, spread Turkish language in African countries and regarding exchanging of culture, arts, sports and social consolidation and integration in all ways.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية
تمهيد:
يمكن تعريف مفهوم العلاقات السياسية الدولية، بأنَّه: "كل علاقة بين وحدات سياسية (دول) أيَّاً كان موضوعها (سياسي، اجتماعي، ثقافي، اقتصادي، علمي...إلخ، فهي علاقات سياسية بحكم طبيعة أطرافها، حيث إنَّ أطرافها وحدات سياسية (دول)، وهي أيضاً علاقات تدور في البيئة الدولية (عالم السياسة الدولي) التي هي بيئة سياسية مختلفة من حيث طبيعتها عن البيئة الدولية الداخلية أو المجتمع السياسي الداخلي (السياسة داخل الدولة الواحدة)([1]).
عليه فإنَّ الدور الرائد الذي تلعبه تركيا في الساحة الدولية الآن، جعل منها لاعباً أساسياً في منظومة السياسة الدولية، لا سيما ما تشهده منطقة إفريقيا والشرق الأوسط من تغيُّرات سياسية واقتصادية واجتماعية، ألقتْ بظلالٍ كثيفةٍ على سير الحياة بشكلٍ طبيعيٍّ في هاتين المنطقتين من العالم، وجعلتْ من الضرورة بمكان تدخُّل (عقلاء العالم) لمحاولة رأب التصدُّعات، وترميم التشقُّقات، وتخفيف ويلات الحروب والاقتتال الذي خلَّف آثاراً سالبةً على كافّة المستويات؛ سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تنموية...إلخ.
ولمـَّا كانت تركيا الآن تلعب فعليّاً هذا الدور (أي دور الوساطة، وتخفيف حدّة الصراع بشتَّى السُبُل، وتقديم المساعدات الإنسانية) في منطقة الشرق الأوسط (الحرب السورية، والقضية الفلسطينية)؛ كان من الضرورة أيضاً لعب نفس الدور في القارة الإفريقية التي تعاني ما تعاني من الحروب، ومشاكل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، والسبب في ذلك يرجع أيضاً إلى السياسة وما ينتج عنها من اختلاف في الرؤى والأفكار ومن ثمَّ الممارسات والتطبيقات.
وهذا الدور التركي في إفريقيا ليس بالضرورة أن يكون نسخةً مماثلةً لما هو ممارَس أو مُطبَّق فعلياً من قبلها في منطقة الشرق الأوسط؛ وإنَّما يكون أقرب للشراكة أو التوأمة بينها وبين الدول الإفريقية، حتى يكون ذلك مدعاةً لمزيدٍ من تطوُّر العلاقات، وتوطيد الصلات، لتشمل كل ما من شأنه الدفع بعجلة هذه العلاقات إلى الأمام.
تضع هذه الورقة تصوُّراً إطارياً لمستقبل العلاقات الإفريقية التركية فيما يتعلَّق بمحور الدبلوماسية الشعبية بين المنطقتين، يمكن البناء عليه ليصبح برنامجاً مستقبلياً يدعم العلاقات بين الطرفين، وذلك من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً واصطلاحاً.
المبحث الثاني: دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد علاقات الدول.
المبحث الثالث: برنامج عملي لتعزيز الدبلوماسية الشعبية الإفريقية التركية.
الخاتمة وتشمل النتائج والتوصيات وأهمّ المراجع.
المبحث الأول
تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً واصطلاحاً
المطلب الأول: تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً:
يتكوَّن مصطلح الدبلوماسية الشعبية من كلمتين: "دبلوماسية" و"شعبية"؛ أمَّا كلمة الدبلوماسية فليس لها وجود في المعاجم اللُّغوية العربية القديمة([2]) التي اطَّلع عليها الباحث، لأنَّها كلمة غير عربية، فهي من أصل يوناني، ومشتقة من الكلمة اليونانية (دبلوما) ومعناها الوثيقة التي تُطوى على نفسها، والصادرة من الشخص ذي السلطان في البلاد، وتخوِّل لحاملها امتيازات خاصة([3]).
أمَّا الدبلوم في اللُّغة العربية فيُقصد به إجازة علمية من إجازات الجامعة فوق البكلاريوس ودون الماجستير([4]).
وقيل: إنَّ أصل الكلمة مشتق من الفعل اليوناني (دبلون) ومعناها يطوي، لأنَّه في أيام الإمبراطورية اليونانية كانت كل جوازات السفر وأذونات المرور، تُختم بواسطة خاتم معدني مزدوج، وتُخاط بطريقة معيَّنة، وكانت هذه الأذونات والجوازات تُسمَّى (دبلوماسي)، وبعد ذلك أصبحت الكلمة تُطلق على الوثائق اللامعدنية، وخاصة تلك التي تمنح امتيازات، وتتضمن اتفاقيات من المجتمعات والقبائل الأجنبية.
وبازدياد المعاهدات أصبحت الملفات المحتوية عليها تُجلَّد وتُضاف إليها كل أنواع الأوراق الصغيرة التابعة لها، ثم تُحفظ بشكل خاص، ووُجِدَ من الضروري استخدام مختصين لحفظ هذه (الدبلوماز) وفهرستها. وظلت هذه الاختصاصات إلى فترة طويلة تُدعى "الاختصاصات الدبلوماسية"([5]).
وفي اللُّغة الإغريقية الحديثة يُقصد بها الشهادات أو خطابات الاعتمادات المالية، كما تُستعمل للتعبير عن التصاريح والامتيازات التي كان يمنحها القاضي أو الحاكم([6]).
ومن الملاحظ أنَّ المعاني السابقة لا زالت لها علاقة بالاستعمال الحديث لكلمة الدبلوماسية، لأنَّ الدبلوماسي عندما يتم اعتماده في الدولة المبعوث إليها، يقوم بتقديم خطاب من رئيس دولته، أو وزير خارجيتها، أو أوراق اعتماد (Seslettres Greance)، وتكون هذه الأوراق بمثابة خطاب تقديم له من قبل رئيس دولته، إلى رئيس الدولة المعتمد لديها([7]).
وقد وردت كلمة دبلوماسي في كتاب المنجد في اللُّغة والأعلام بمعنى من يُعهد إليه منصب ممثل سياسي لدى إحدى الدول. وهي كلمة يونانية، كما أنَّ الدبلوماسية صفة للدبلوماسي وعمله([8]).
وتوجد في القاموس الإنجليزي كلمة دبلوماسي (Diplomacy) بمعنى عمل الاتفاقيات مع الحكومات الأجنبية، والبراعة والذكاء في عمل هذه الاتفاقيات.
ولم تدخل هذه الكلمة في المعجم الدولي إلاَّ في أواسط القرن السابع عشر، حينما حلَّت محل كلمة المفاوضة (Negociation) والتي كانت تستعمل في معنى الدبلوماسية قديماً، إذ إنَّ العلاقات الدولية قبل تطوُّرها كانت تنحصر في التفاوض لحل النزاعات أو لإبرام الاتفاقيات([9]).
أمَّا الشق الثاني من المصطلح وهو كلمة "شعبية"، فهي مصدر صناعي من شَعْب، أي شيوع وانتشار. يُقال: فلانٌ يتمتّع بشَعْبِيّةٍ كبيرةٍ: أي حظوة لدى النّاس, وتقدير الشعب ومحبتهم له. ومنها: رَجُلٌ شَعْبِيٌّ: أي مُتَخَلِّقٌ بِأَخْلاَقِ شَعْبِهِ، بَسِيطٌ فِي تَعَامُلِهِ مِثْلَ كُلِّ أَفْرَادِهِ. ومنها أيضاً: الأَدَبُ الشَّعْبِيُّ: أي أَدَبُ الْمَأْثُورَاتِ وَالْحِكَايَاتِ وَالأَمْثَالِ وَقَصَائِدِ الزَّجَلِ([10]).
المطلب الثاني: تعريف الدبلوماسية الشعبية اصطلاحاً:
يمكن تعريف الدبلوماسية الشعبية اصطلاحاً بأنَّها: "النشاطات المبذولة من قبل الجهات الشعبية لكسب الرأي العام الخارجي بعيداً عن أنشطة البعثات الرسمية وأنشطة السفارات، على أن تكون متكاملة مع السياسة الرسمية"([11]).
وفي تعريف آخر هي: "علم وفن تمثيل مواقف الأشخاص القانونية الدولية في علاقاتها الخارجية عبر أجهزة مخصَّصة يُطلق عليها البعثات الدائمة أو المؤقتة"([12]).
وخلال تسعينيات القرن الماضي، أصبح استعمال الدبلوماسية الشعبية شائعاً في دوائر السياسة الخارجية على المستوى الدولي؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال، أنشأت حكومة بلير "مجلس استراتيجيات الدبلوماسية الشعبية". وفي السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، شهدت الدبلوماسية الشعبية اهتماماً متزايداً في الولايات المتحدة الأمريكية، ما حدا بالباحثين الاعتبار بأنّها دخلت أخيراً الوعي العام الأمريكي. ففي أعقاب كارثة تسونامي الآسيوية في العام 2004م، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش هذا المصطلح، وقال في مقابلة معه على محطة (ABC): "جهودنا الدبلوماسية الشعبية ليست قوية جداً وليست جيدة جداً مقارنةً بالجهود الدبلوماسية الشعبية لأولئك الذين يرغبون في نشر الكراهية والحط من قدر الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنَّ المساعدات الأمريكية للمتضررين من كارثة تسونامي قد تحدث فرقاً في هذا. وحرصت الولايات المتحدة على تغطية إعلامية مكثفة لجهودها ومساعداتها الإنسانية لمتضرري كارثة تسونامي خصوصاً في إندونيسيا، وهو ما أظهره وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية الشعبية والشؤون العامة، الأمريكي كارين هيوز([13]).
وقد بدأ تداول مفهوم الدبلوماسية الشعبية على المستوى الأكاديمي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965م عندما طرحه عالم السياسة الأمريكي "إدموند جيليون"، ومن أبرز أدواتها المفكّرون، والإعلاميون، والفنانون، والجهات المهنية، والطلاب، والفرق الرياضية، وفرق الفنون الشعبية، وغيرها من الأدوات التي تستطيع تكوين علاقات صداقة بجهات موازية لها من مختلف أنحاء العالم([14]).
لكن هذا الظن من العديد من الدارسين والباحثين في حقل الدبلوماسية الشعبية، بأن مصطلح الدبلوماسية الشعبية (Public Diplomacy) أمريكي بامتياز، نشأ مع إنشاء مركز (Murro) للدبلوماسية الشعبية في جامعة (Tufts) الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه "إدموند جيليون" كمفهوم جديد، بقوله: "إن الدبلوماسية الشعبية مفهومٌ يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية، وهو يشمل أبعاداً من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكّل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي"؛ كل هذا فنَّده البريطاني "نيكولاس كول" في دراسته التي تناولت مصطلح الدبلوماسية الشعبية، حيث أظهر أنّ أول استخدام لمصطلح الدبلوماسية الشعبية لم يكن أمريكياً على الإطلاق، بل بريطاني، ففي 15 يناير عام 1856م ورد ذكر الدبلوماسية الشعبية في مقالة صحيفة التايمز اللندنية الافتتاحية تنتقد فيها مواقف الرئيس الأمريكي "فرانكلين بيرس"([15])، وتتحدث عن القدوة الحسنة والصورة النمطية، والتعامل الجيد مع الشعوب. كما جاء أول استخدام أمريكي لهذا المصطلح عبر ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 1871م عن تقرير للكونجرس عرضه "صمويل كوكس" المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والصحفي السابق، تناول فيه المؤامرات السرية العدائية لجمهورية الدومينكان، وأنّه مؤمن بأهمية استخدام الدبلوماسية الشعبية المفتوحة.
وخلال الحرب العالمية الأولى أصبح استخدام مصطلح الدبلوماسية الشعبية على نطاق واسع؛ لوصف مجموعة من الممارسات الدبلوماسية الجديدة، تهتم بشرح وتبرير سياسات الدولة لشعبها، وكذا لمخاطبة شعوب الدول الأخرى وخصوصاً تلك المعادية، كما في البيانات الألمانية المتعاقبة لسياسة حرب الغواصات([16])، أو من خلال الإعلانات العامة لشروط السلام، وخطاب النقاط "الأربع عشرة" في الثامن عشر من يناير 1918م، الذي كان أساساً لبناء النظام الدولي، حيث استخدم فيه مصطلح "الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية المفتوحة"، وقد توالى استخدام عبارة الدبلوماسية الشعبية أو العامة فيما بعد في عدة مواضع بمعنى "المواثيق المفتوحة والمعلنة" للعامة وللشعوب. وفي عام 1928م كتب مراسل "كريستيان ساينس مونتر" مقالة تحت عنوان "زمن الدبلوماسية الشعبية"، حصل من خلالها على جائزة المقالة في الصحافة والدبلوماسية الشعبية، أكَّد فيها على الواجب الأخلاقي لوسائل الإعلام، وأن تتناول كتابة التقارير الدولية بدقة ونزاهة لتخفيف حدة التوتر، وغيرها من الأمثلة، إلا أن استخدام هذا المصطلح أصبح نادراً جداً خلال فترة الحرب العالمية الثانية إلى أن تمت إعادة تداوله من جديد، ففي عام 1946م تحدث وزير خارجية بلجيكا بحماس عن أنَّ "هذا الزمن زمن الدبلوماسية الشعبية"، وذلك في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول أكتوبر. وفي الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، جرى تناول هذا المصطلح بشكل متزايد ومتنوع المعاني، حيث شهدت تلك الفترة اهتماماً ملحوظاً بعالم المعلومات الدولية والدعاية، وتوالت الاستخدامات إلى أن جاء "إدموند جيليون" ليحمل الدبلوماسية الشعبية في معناها الجديد كبديل عن الدعاية الخبيثة، لتتبنى معاني جديدة وصفات حميدة([17]).
المبحث الثاني
دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد علاقات الدول
مما لا شك فيه أن للدبلوماسية التقليدية (الرسمية) دور رئيسي لا يمكن تعويضه بالوفود الشعبية، ولكن تلك الوفود تكون بمثابة عامل قوي ومساعد للدبلوماسية التقليدية؛ حيث تهيئ الحكومات عن طريق الضغوط الشعبية والرأي العام، مما يصنع أرضية خصبة للدبلوماسية التقليدية لجني الثمار والحصول على النتائج، كما أنّ الدبلوماسية الشعبية بديل للدبلوماسية التقليدية في ظل غياب مؤسسات وزارة الخارجية أو فقدانها الشرعية، مثل الحالة السورية، وهنا يجب توضيح أنّ الدبلوماسية الشعبية أداة قوية، وقد تصل لتكون الأداة الوحيدة للشعوب المحتلة، أو الأقليات المستضعفة، أو القضايا العادلة؛ فلا نجد لهذه الحالات حكومات رسمية تتكلم باسمها، وتتحرك من أجلها، فها هم مسلمي بورما لم تأخذ قضيتهم بُعداً شعبياً على المستوى الدولي، وبالتالي ضعف حضورها الإعلامي، فأصبحت قضية ضائعة وسط ملفات دولية كثيرة، مما زاد من عناء أهلها، وكذلك قضايا كثيرة مثل القضية الفلسطينية، ومسلمي السنة في العراق وغيرها([18]).
وإذا أردنا الحديث عن دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد وتحسين علاقات الشعوب؛ نجد ذلك واضحاً وجليّاً في كثير من المظاهر، فمن ذلك:
أولاً: للدبلوماسية الشعبية دور فعّال في إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً، من ذلك ما حدث من اضطرابات بين مصر والجزائر في نوفمبر 2009م قبل وبعد مباراتي منتخبي البلدين المؤهلتين لنهائيات كأس العالم 2010م بجنوب إفريقيا، مما أدى إلى توتُّر دبلوماسي بينهما، حيث نشطت جهود الدبلوماسية الشعبية في البلدين لرأب الصدع ومحاولة إعادة العلاقات بينهما، ونجحت في ذلك إلى حدٍّ بعيد.
ثانياً: للدبلوماسية الشعبية دور ملموس كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية (تقليدية) بينها، والتي (أي هذه العلاقات) ما كان لها أن ترى النور وتتطور، لولا جهود هذه الحركة الشعبية الواسعة، والمتمثِّلة في مجموعة كبيرة من الرياضيين والأدباء والمسرحيين والرّسامين وفرق التراث الشعبي (الفلكلور) وغيرهم، والذين يجوبون العالم دون قيود أو حواجز، لعرض بضاعتهم، وتعريف الشعوب التي يحلّون ضيوفاً عليها، بها، ومن ثمَّ تنشأ إرادة هذه الدول لخلق علاقات دبلوماسية فيما بينها، استجابةً لهذا الضغط الشعبي، ورغبة الانفتاح والتواصل بين الشعوب.
ثالثاً: للدبلوماسية الشعبية كذلك دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث لم تعد الدبلوماسية التقليدية الرسمية وحدها كأداة تنفَّذ فيها السياسة الخارجية, وإنما أصبح هناك فاعلون جدد يشاركونها في تنفيذ أهداف وأولويات السياسة الخارجية، بحسبانهم طرف مهم وفاعل على الساحة الدولية. وتستخدم الدبلوماسية الشعبية لهذا الغرض آليات موازية للدبلوماسية الرسمية، وذلك عبر وسائلها المختلفة من دبلوماسية برلمانية، ومنظمات غير حكومية، ووسائل إعلام، وتأثير على الرأي العام، والقوة الناعمة، وجماعات الضغط، والمنظمات الدينية وتأثيرها الديني والروحي...الخ([19]).
رابعاً: للدبلوماسية الشعبية كذلك دور كبير ومتنامي في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية، وذلك مثل جهود الدبلوماسية الشعبية الجزائرية في تخفيف حدّة النزاع بين الأطراف الجزائرية المتنازعة، إلى أن تكلّلت تلك الجهود بالمصالحة الوطنية([20]).
خامساً: للدبلوماسية الشعبية كذلك أثر واضح في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة، إذ إنَّ نظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست أمراً جديداً، وإنما تمثل جذوراً وعوامل متأصِّلة تغذي هذه النظرة وتحركها، وقد تفاقمت هذه الجذور بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وأدت إلى حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين؛ عرّضت صورة الإسلام والمسلمين إلى التشويه، مما حدا ببعض الجهات الدبلوماسية غير الرسمية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم وغيرها من الروابط والتكوينات الإسلامية في أوروبا وأمريكا، حدا بها ذلك إلى قيادة حملة واسعة للتعريف بالإسلام، وإزالة الصورة الذهنية السالبة التي تكوِّنت لدى الغرب عنه، ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً([21]).
المبحث الثالث
برنامج عملي لتعزيز الدبلوماسية الشعبية الإفريقية التركية
لمَّا كان للدبلوماسية الشعبية من أهميّة ومكانة بارزة في الارتقاء بعلاقات الشعوب، والدفع بها للأمام في سبيل النهوض والتطوُّر وتبادل المنافع والخبرات المختلفة؛ وبما أنَّ دولة تركيا الفتيّة سعت لزيادة حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا (Opening to Africa Plan) لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين الدول الإفريقية، والتي (أي الخطة) هدفت لزيادة عدد البعثات الدبلوماسية في إفريقيا، حيث تعدُّ السفارة التركية بدولة الصومال الأكبر لها في العالم، والتي افتتحها الرئيس "رجب طيب أردوغان" صبيحة يوم الجمعة الأول من يوليو 2016م، إبَّان زيارته للصومال ضمن جولته في عدد من دول شرق إفريقيا([22])، وزيادة المساعدات الإنسانية، والمساعدات التنموية، وتشجيع زيارات رجال الأعمال، وأن تصبح تركيا مفوّضة البنك الإفريقي للتنمية. وبما أنَّ الدبلوماسية الشعبية تعتبر لاعباً أصيلاً في العلاقات التركية الإفريقية؛ يصبح من الأهميّة بمكان وضع تصوُّر لبرنامج عملي للارتقاء بالدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية وتركيا، وهذا ما ستتناوله هذه الورقة في هذا المبحث من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: العمل الإغاثي والإنساني.
المطلب الثاني: نشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية.
المطلب الثالث: التبادل الثقافي والفني والأدبي.
المطلب الرابع: التبادل الرياضي.
المطلب الخامس: الاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور.
المطلب الأول: العمل الإغاثي والإنساني:
لا شكّ أنّ للعمل الإغاثي والإنساني دور كبير في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية ودولة تركيا، وهذا ما اهتمت به الأخيرة أيّما اهتمام، وأولته عناية فائقة، حيث قامت بتنفيذ عدد من المشاريع الإنسانية في بعض الدول الإفريقية، كمخيّمات العيون التي أقامتها في السُّـودان عبر مؤسسة التنسيق والتعاون التركية (TIKA)([23])، واستفاد منها عدد كبير من المواطنين. وكذلك مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)([24]) التي تم تأسيسها في العام 1992م، لتتبع نفس النهج الإغاثي الخيري المميز، والذي يسهم في تثبيت القيم الإنسانية النبيلة، ويسهم كذلك في دعم وإغاثة المحتاجين ومساعدتهم في ممارسة أدنى حقوقهم البشرية.
ولكن تحتاج تركيا للانفتاح أكثر على القارة الإفريقية في هذا الجانب، خصوصاً وحجم القارة الكبير، والقوة البشرية الهائلة فيها، إذا وضعنا في الحسبان أنَّ معظم العمل الإغاثي والإنساني التركي؛ موجَّه لدول في قارات أخرى غير القارة الإفريقية.
كما تحتاج تركيا لتعزيز دبلوماسيتها الشعبية مع الدول الإفريقية إلى ابتكار وسائل وبرامج إنسانية جديدة في القارة الإفريقية؛ ككفالة الأيتام والأرامل وطلبة العلم، وافتتاح ورعاية مؤسسات التنمية البشرية وتطوير القدرات والمهارات، ونقل التجارب التركية في ذلك.
المطلب الثاني: نشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية:
بما أنَّ اللُّغة هي الجسر الأول للتواصل بين الشعوب، ومعرفة الثقافات والعادات والتقاليد بينها، فعلى الحكومة التركية الاهتمام بنشرها بصورة أوسع في الدول الإفريقية، لتعزيز الدبلوماسية الشعبية بينها وبين الأفارقة، وقد بدأ تعليم وتعلُّم اللُّغة التركية بالفعل في السُّـودان كإحدى الدول الإفريقية، حيث دشَّنت كلية الألسن بجامعة إفريقيا العالمية دورة تدريس اللُّغة التركية وآدابها صبيحة الأحد 22 يناير من هذا العام 2017م، وذلك ضمن مشروع الكلية للتدريب في اللُّغات([25]). كما أنَّ هناك قسماً كاملاً لتدريس اللُّغة التركية بمدرسة الألسن بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بالعاصمة السُّـودانية الخرطوم، التي تم افتتاحها في العام 2008م([26]).
وكذلك تحتاج تركيا لتعزيز دبلوماسيتها الشعبية مع الدول الإفريقية إلى افتتاح مزيد من مراكز تعليم وتعلّم اللغُّة التركية في بقية الدول الإفريقية التي لا يوجد بها مثل هذا النوع من المراكز، كما تحتاج لترجمة تراثها الأدبي والفكري الذي تستهدف به الدول الإفريقية، بجميع اللُّغات أو اللهجات الإفريقية الحيّة، مما يسهِّل من عملية التبادل المعرفي، ووقوف المجتمعات الإفريقية على ذلكم التراث الذي يمثِّل الحضارة الإسلامية العظيمة التي سادت خلال الحقبة العثمانية.
المطلب الثالث: التبادل الثقافي والفني والأدبي:
أوضحت أمينة الابتكار والتطوير والبحوث بجمعية الصداقة الشبابية السُّـودانية العالمية دكتورة نجلاء حسين المكابرابي، الأدوار الفعلية التي تلعبها الفنون في تعزيز الدبلوماسية الشعبية، ومدى إسهامها في ربط الشعوب عبر المكوِّن الفني المشترك، وأضافت خلال تصريح خاص لمركز الخرطوم للإعلام الالكتروني: أنَّ الفنون هي لغة شعوب العالم، موضِّحةً إسهامها في تغيير الصورة السلبية عن السُّـودان، وهي أيضاً تعتبر جسراً للتواصل من أجل تعزيز علاقات التعاون مع المؤسسات والمنظمات والمكوِّنات الثقافية والفنية المختلفة، التي تسهم في دعم التنمية الثقافية، كاشفةً عن استعداد الجمعية لإقامة النسخة الثانية من منتدى "أسيوفا" الدوري تحت عنوان (دور الفنون في الدبلوماسية الشعبية) والذي تستضيف فيه ممثِّل الدراما السُّـوداني "علي مهدي" والموسيقيين "عبد القادر سالم"، و"راشد دياب" و"عثمان محيي الدِّين"، والأستاذ "دفع الله الحاج"، برعاية كريمة من السيد وزير الثقافة السُّـوداني "الطيب بدوي"، ويشارك فيها نخبة من المهتمين بالشأن الثقافي، والسفراء، والدبلوماسيين الشباب، وشباب الجاليات، وذلك نهاية سبتمبر الجاري، مؤكدةً الارتقاء بالدبلوماسية الشعبية العالمية للوصول إلى تحقيق أهداف ثقافية مشتركة تسهم في تطوير الثقافة وجعلها لغة بين الشعوب، كما يهدف المنتدى الى استضافة خبراء ومفكرين وباحثين من أجل الإثراء والتبادل الثقافي، وتقديم نماذج فنية عالمية([27]).
إذن فعملية التبادل الثقافي والفني والأدبي تسهم إلى حد بعيد في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول التي تسعى لإقامة علاقات فيما بينها، وبما أنَّ تركيا واحدة من هذه الدول التي تعمل على مد جسور التواصل المختلفة بينها وبين الدول الإفريقية، فقد بدأت بالفعل في تنفيذ حزمة من البرامج الثقافية في القارة الإفريقية، حيث أعلن صانع الأفلام الوثائقية المصري "أسعد طه"([28])، مؤسس شركة (هوت سبوت فيلمز)، عن فتح باب التسجيل للمخيم الثاني لمبادئ صناعة الفيلم الوثائقي، الذي سيقام في دولة رواندا خلال الفترة من الأول إلى الحادي عشر من مارس من العام الجاري.
وفي تصريح خاص لتركيا بوست؛ تحدث أسعد طه عن تجربة المخيم الأول قائلاً: "لتركيا الفضل في نجاح أول تجربة لنا كمخيم تدريبي، لقد أخترنا بعناية مكاناً رائعاً في ريفها الجميل، وأقمنا دورتنا لتدريب المبتدئين على مبادئ صناعة الفيلم الوثائقي".
وعن تجربة المخيمات التدريبية يقول طه: "كانت الفكرة أنّه طالما أنّ الواقع هو الشرط الأساسي في الفيلم الوثائقي، فإنّه أحرى بالتدريب على صناعته ألاَّ يتم في الغرف المغلقة بين الجدران الإسمنتية، وإنما على أرض الواقع، ولهذا أخترنا أن تكون الدورة هي مخيم يعيش فيه فريق التدريب والمتدربون على مدار الساعة معاً، وعلى مدى أيام الدورة العشرة، وعبر أشكال متعددة من التدريس"([29]).
عندما تُذكر تركيا يتبادر إلى الذهن مباشرةً (البقلاوة) و(الحلويات) و(المعجّنات) التركية وغيرها من المأكولات التي اشتهر بها المطبخ التركي، ولكن هذه الصورة النمطية تحتاج إلى تغيير في ذهنية المتلقِّي والمتعامل مع الشعب التركي خصوصاً الأفارقة، وهذا لا يتأتَّى إلاَّ عبر برامج مرتَّبة تضع ضمن أولوياتها ترويج الفنون والتراث والأدب والمسرح التركي في أوساط الشعوب الإفريقية، وذلك عبر الفرق الفنية والأدبية والمسرحية التي تجوب أرجاء القارة الإفريقية للتعريف بهذه الفنون، مما يكون له أبلغ الأثر في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية.
المطلب الرابع: التبادل الرياضي:
"بما أنّ كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبيةً في العالم، يصبح من الطبيعي أن تعمل على التقريب بين الشعوب التي قد تفرقها الحروب أو السياسة أو الدين، إذا اعتبرنا أنّها يمكن أن تكون وسيلةً لدعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام، بحسبان أنّها أصبحت محفلاً ضخماً يضم كل دول العالم تقريباً، وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ اتحادها الدولي أو الـ(FIFA) يقوم بفرضها الآن فرضاً على كل دول العالم، فيصبح من (الحكمة) علينا كمسلمين أن نواجه هذا الواقع بما لدينا من آليات دعوية عسى ولعلّ أن نحدث شيئاً من التغيير فيه يفضي لدخول غير المسلمين من الرياضيين في دين الله أفواجاً، وما المسلمين من لاعبي الدوريات الأوروبية والأمريكية إلاّ نتاج جهد من زملائهم من مسلمي الشرق أو إفريقيا. كذلك تستطيع كرة القدم أن تلعب دور الدبلوماسية الشعبية في التقريب بين الشعوب والإضاءة على القضايا المحقّة، لما تحمله من قيم ومعانٍ سامية، ففي كرة القدم يسعى اللاعبون نحو هدف واحد هو تحقيق الفوز، وهو فوز مشروط بالتعاون وتفاني الفرد في خدمة المجموعة وتنفيذ الدور الموكل إليه بدقة، مع التأكيد على مفاهيم تقبّل الخسارة واحترام الخصم والامتثال لقوانين اللعبة، وكأن الميدان صورة مصغّرة لما يجب على المجتمع أن يكون عليه"([30]).
فتبادل البعثات الرياضية، والزيارات المشتركة لإقامة المباريات الوُدِّية بين تركيا والدول الإفريقية، وحتى الاحتراف بصورة أوسع في الأندية التركية من قبل الرياضيين الأفارقة، كل ذلك يسهم بصورة أو بأخرى في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية، ومن ثمَّ فتح آفاق أوسع وأرحب لمزيد من التبادلات الأخرى بين الطرفين، وذلك إذا علمنا أنَّ الرياضة في الوقت الراهن أصبحت من أكبر مصادر زيادة الدخل القومي من العملات الأجنبية لكثير من الدول في العالم بصفة عامّة، والدول الإفريقية على وجه الخصوص. كما أنَّ المنافسات الرياضية تصحبها دائماً أنشطة أخرى كالمعارض الفنية، والحفلات الشعبية، وغيرها من الأنشطة.
المطلب الخامس: الاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور:
من خلال عمل الباحث بجامعة إفريقيا العالمية لأكثر من أربعة عشرة عاماً؛ تكوَّنتْ لديه معرفة لا بأس بها بطبائع الطلاب وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم بغيرهم من طلاب الدول الأخرى، وقد لاحظ نوعاً من الانطواء على الطلاب القادمين من دولة تركيا، حيث يسكنون في مجمَّعات سكنية منفصلة خارج أسوار الجامعة، وحتى داخل الجامعة والكليات التي يدرسون بها؛ تجدهم منغلقين على أنفسهم، قلَّما يتواصلون مع غيرهم من الطلاب، وهذا في تقدير الباحث راجعٌ لأسبابٍ نفسيةٍ وتوجُّسٍ من التواصل مع الآخر، وذلك إذا استبعدنا عامل اللُّغة العربية الذي يشكِّل عائقاً كبيراً لدى كثير من الطلاب الوافدين بداية وصولهم للسُّـودان، ولكن الطلاب الأتراك بالرُّغم من مهارتهم في اللُّغة وسرعة تعلُّمها من جانبهم، إلاَّ أنَّهم لم يستطيعوا كسر حاجز الانطواء والانغلاق على بعضهم خلافاً لطلاب الدول الأخرى.
عليه فإذا أراد الطرفان التركي والإفريقي تعزيز الدبلوماسية الشعبية بينهما؛ يجب عليهما العمل على مزيدٍ من الانفتاح المجتمعي، لتعزيز أواصر العلاقات بينهما، فمجرَّد العلاقات الاقتصادية أو الرياضية أو الفنية أو الثقافية؛ غير كفيلة بتعزيز الدبلوماسية الشعبية بينهما، ما لم يتم ذلك التواصل بصورة أعمق، تترك آثاراً طيبة في النفوس، وتستمر إلى آماد بعيدة.
وتبقى صورة (المصاهرة) واحدة من أقوى وسائل التأثير، وأكبرها عمقاً، وأدومها، فمن رحمة الله تعالى أن خلق من الطين بشراً، وجعل بين خلقه نسباً وصهراً، ليتعارف الخلق فيما بينهم، إذ هم من أصلٍ واحدٍ، ونسبٍ واحدٍ، وهو سيدنا آدم (عليه السلام). وقد جاء الإسلام ليدعو إلى الأخوّة والمحبة فيما بين المسلمين، سواء عن طريق المؤاخاة أو عن طريق المصاهرة والنسب.
وهذا ما درج عليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ كانوا يصاهرون آل البيت الأطهار، من بني هاشم، كآل عقيل وآل علي وآل جعفر وآل العباس، فيتزوجون منهم ويزوجونهم وهذا يدّل على تمام المحبة والتقدير فيما بين الصحب والآل، وهو ما عبَّر عنه سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله: "ارقبوا محمداً في أهل بيته"([31]). وقوله: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ من أن أَصِلَ من قرابتي"([32]).
وكذلك فِعْلُ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مع الحسن والحسين (رضي الله عنهما) في العطاء؛ إذ كان يفرض لهما مثل عطاء أهل بدرٍ إكراماً لهما([33]).
ولا شكَّ أنَّ هذا التلاحم هو الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتزوج من ابنتي وزيريه، فتصبح الصّدّيقة بنت الصديق وحفصة الصوّامة القوامة من أمهات المؤمنين، ثم يُزَوِّجُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنتيه رقية وأم كلثوم (رضي الله عنهما) لعثمان بن عفان (رضي الله عنه).
على هذا الحب والانسجام، وبهذه المودة والمحبة تربَّى جِيلٌ بعد جيل، فكان التابعون أشّدَّ حباً للآل والصحب من أنفسهم، وينزلونهم مكانتهم السامية، عملاً بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)([34]).
الخاتمة
في خاتمة هذه الورقة التي يتمنَّى الباحث أن تكون قد وضعت خطوطاً عامة لكيفية تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا وبلدان القارة الإفريقية؛ ثمَّة نتائج توصَّل إليها الباحث، وبناءً عليها قدَّم بعض التوصيات التي يرى أنَّه يمكن الإفادة منها في مجال تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا ودول القارة الإفريقية، تأتي تباعاً على النحو التالي:
أولاً: أهمّ النتائج:
[1] للدبلوماسية الشعبية دور فعّال في إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً.
[2] للدبلوماسية الشعبية دور ملموس كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية (تقليدية) بينها.
[3] للدبلوماسية الشعبية كذلك دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول.
[4] للدبلوماسية الشعبية كذلك دور كبير ومتنامي في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية وغيرها.
[5] للدبلوماسية الشعبية كذلك أثر واضح في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة.
[6] استطاعت تركيا أن تصنع لنفسها مكانةً مرموقةً في الساحة الدولية، وذلك بالدور الرائد الذي أصبحت تلعبه في العالم الآن، مما جعل منها رقماً لا يمكن تجاوزه في منظومة السياسة الدولية.
[7] سعت تركيا لزيادة حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا، لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين دول القارة الإفريقية.
ثانياً: التوصيات:
يوصي الباحث بالآتي:
[1] في مجال العمل الإغاثي والإنساني الذي يسهم بصورة كبيرة في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية وتركيا؛ على الأخيرة الانفتاح أكثر على القارة الإفريقية في هذا الجانب، بطريقة تتناسب وحجم القارة الكبير، والقوة البشرية الهائلة فيها.
[2] العمل على فتح مزيد من مراكز تعليم وتعلّم اللغُّة التركية في الدول الإفريقية.
[3] العمل على ترجمة التراث الأدبي والفكري التركي إلى جميع اللُّغات أو اللهجات الإفريقية الحيّة، لتسهيل عملية التبادل المعرفي، ولوقوف المجتمعات الإفريقية على هذا التراث الذي يمثِّل الحضارة الإسلامية العظيمة التي سادت خلال الحقبة العثمانية.
[4] ترويج الفنون والتراث والأدب والمسرح التركي في أوساط الشعوب الإفريقية، عبر الفرق الفنية والأدبية والمسرحية وغيرها من البرامج التي تخدم هذا الغرض.
[5] الاهتمام بالتبادل الرياضي بين تركيا والدول الإفريقية لتعزيز الدبلوماسية الشعبية.
[6] تعزيز أواصر الدبلوماسية الشعبية بين تركيا وإفريقيا؛ بالانفتاح المجتمعي والعلاقات بعيدة المدى.
[7] إنشاء بعثات دبلوماسية تركية في بقيّة البلدان الإفريقية التي لا توجد بها.
قائمة المصادر والمراجع:
[1] القرآن الكريم.
[2] صحيح البخاري.
[3] صحيح مسلم.
[4] سير أعلام النبلاء.
[5] المصباح المنير.
[6] لسان العرب.
[7] القاموس المحيط.
[8] المعجم الوجيز، مجمع اللُّغة العربية.
[9] المنجد في اللُّغة والأعلام، معلوف لويس، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1997م.
[10] معجم المعاني.
[11] محاضرات قسم العلوم الإنسانية، كلية الإعلام والاتصال، فرع العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، 2008م.
[12] محمد عزيز شكري، الوجيز في القانون الدولي العام مقارناً بأحكام الفقه الإسلامي، ط/3، 1411هـ/1412هـ، 1991م/1992م.
[13] محمد عزيز شكري، المدخل للقانون الدولي العام وقت السلم، ط/2، 1973م، دار الكتب العلمية، مصر.
[14] فؤاد شباط، الدبلوماسية، منشورات جامعة دمشق، 1967م.
[15] هارولد نيكولسون، الدبلوماسية عبر العصور، ط/2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1958م.
[16] عبد العزيز محمد سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، دراسة تحليلية في الفقه والقضاء الدوليين وأحكام اتفاقيتي فيينا عام 1961م،1963م، مطبعة جامعة عين شمس، 1974م.
[17] علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، 1975م، منشأة المعارف، الإسكندرية.
[18] Oxford, English Dictionary نقلاً عن: د. أبو هيف.
[19] الدبلوماسية الشعبية للكاتب السعودي محمد السماعيل "مدير مراكز اسكب للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة"، صحيفة اليوم الالكترونية، العدد (15587)، بتاريخ: 17 فبراير 2016م.
[20] الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق، سهيل الفتلاوي، ط/1، دار الثقافة، عمّان، الأردن، 2005م.
[21] الدبلوماسية الشعبية؛ ماهيّة المصطلح وتطوُّره التاريخي، للكاتب السعودي عماد المديفر، مقال بموقع (هات بوست) الالكتروني، بتاريخ: 3 سبتمبر 2014م.
[22] الدبلوماسية الشعبية والقضايا العادلة، طارق فكري، صحيفة المصريون الالكترونية، 28 مارس 2016م.
[23] دور الدبلوماسية غير الرسمية في تنفيذ السياسة الخارجية الفلسطينية، عبد الحكيم سليمان وادي، مجلة الحوار المتمدّن، العدد (4585)، بتاريخ: 25 سبتمبر 2014م.
[24] الدبلوماسية الشعبية "رهان البرلمانات"، محمد. ب، ورقة مقدَّمة في الملتقى الدولي حول التحديات الجديدة للدبلوماسية المنعقد بالعاصمة الجزائر بتاريخ: 24 مايو 2016م. بتصرُّف يسير.
[25] دور الدبلوماسية الشعبية في تحسين صورة الإسلام، إبراهيم بن عبد الله المطرف، صحيفة الرياض السعودية، العدد (16153)، بتاريخ: 14 سبتمبر 2012م. بتصرُّف يسير.
[26] موقع البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، تحديث 3 يوليو 2016م.
[27] صفحة كلية الألسن بموقع جامعة إفريقيا العالمية، منشور بتاريخ: 25 يناير 2017م.
[28] موقع جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، الخرطوم، السُّـودان.
[29] تقرير بعنوان (جمعية الصداقة الشبابية السُّـودانية: الفنون لغة شعوب العالم)، هالة عبد الله، منشور بموقع (KEM) الالكتروني، بتاريخ: 1 سبتمبر 2016م.
[30] صحيفة هسبريس الالكترونية، 19 يناير 2017م.
[31] كرة القدم...الهوس القاتل، للكاتب الفاتح عبد الرحمن محمد، منشور بصحيفة المصريون الالكترونية، بتاريخ: 19 أغسطس 2015م.
تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية
"رؤية أولية"
مستخلص البحث
مما لا شك فيه أن للدبلوماسية التقليدية دورٌ رئيسيٌّ لا يمكن تعويضه بما يُسمَّى بالدبلوماسية الشعبية، ولكن تلك الوفود تكون بمثابة عامل قوي ومساعد للدبلوماسية التقليدية؛ حيث تهيئ الحكومات عن طريق الضغوط الشعبية والرأي العام، مما يصنع أرضية خصبة للدبلوماسية التقليدية لجني الثمار والحصول على النتائج، كما أنّ الدبلوماسية الشعبية تعتبر بديلاً (أحياناً) للدبلوماسية التقليدية في ظل غياب مؤسسات وزارة الخارجية أو فقدانها للشرعية. كما أنَّ لها دورٌ مقدَّرٌ في تحسين علاقات الشعوب؛ فهي تعمل على إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً، لأي سببٍ من الأسباب، كما أنَّ لها دورٌ ملموسٌ كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية بينها. كذلك للدبلوماسية الشعبية دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث لم تعد الدبلوماسية التقليدية الرسمية وحدها كأداة تنفَّذ فيها السياسة الخارجية. أيضاً للدبلوماسية الشعبية دورٌ كبيرٌ في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية وغيرها. وفوق ذلك كله؛ للدبلوماسية الشعبية أثرٌ واضحٌ في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة، إذ إنَّ نظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست أمراً جديداً، وإنما تمثل جذوراً وعوامل متأصِّلة تغذي هذه النظرة وتحركها، وقد تفاقمت هذه الجذور بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
وبما أنَّ دولة تركيا تسعى منذ عقود لتعزيز حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا (Opening to Africa Plan) لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين الدول الإفريقية؛ يصبح من الأهميّة بمكان وضع تصوُّر لبرنامج عملي لكيفية تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية، يمكن البناء عليه ليصبح برنامجاً مستقبلياً يدعم العلاقات بين الطرفين. وقد خلص هذا التصوُّر إلى ضرورة توسيع دائرة العمل الإغاثي والإنساني التركي في إفريقيا، ونشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية، والاهتمام كذلك بالتبادل الثقافي والفني والأدبي والرياضي بين الطرفين، والاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور.
Abstract
The traditional diplomacy plays a major role that without a doubt peoples delegation cannot remunerate, but this delegations serve as a strengthening and helping tool to traditional diplomacy whereby it gears the governments through public pressure and general opinion, which will promote a fertile soil for traditional diplomacy to inculcate and make an impact, furthermore it plays a substitutional role to traditional diplomacy in absence of government institutions and ministries or in loss of legitimacy.
It also plays an implied role in improving the relationships between nations, it help to eliminate any tautness between them, likewise it plays a significant role in bringing nations together and encouraging them to have a formal diplomacy between them, as well it have a respective function in executing foreign policies in some States, yet again it plays an active role in bringing nations together, contribute positively in conflict resolutions, disseminate culture of dialogue and consultation, and coordinate international efforts to confront security, development and weather challenges and so on.
Above all public diplomacy have a clear impact in improving the picture of Islam more especially to non-Muslim societies.
Thus the erroneous perception of western world to Islam is not something new, it symbolizes roots and inherent factors that feeds such perception and control it, and exacerbated even more after 9/11 incidents.
As Turkey aimed to extend her communion and collaboration with African States by declaring an 1998 Opening Plan for Africa, to improve her political, cultural and development relations with African countries, it’s important to conceptualize physical agenda of strengthening public diplomacy modality between Turkey and African States that can be a constructing point to a future plan to enhance relations between the two parties.
Such plan has concluded on the importance of expanding the circle of Turkish humanitarian aids and relief, spread Turkish language in African countries and regarding exchanging of culture, arts, sports and social consolidation and integration in all ways.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية
تمهيد:
يمكن تعريف مفهوم العلاقات السياسية الدولية، بأنَّه: "كل علاقة بين وحدات سياسية (دول) أيَّاً كان موضوعها (سياسي، اجتماعي، ثقافي، اقتصادي، علمي...إلخ، فهي علاقات سياسية بحكم طبيعة أطرافها، حيث إنَّ أطرافها وحدات سياسية (دول)، وهي أيضاً علاقات تدور في البيئة الدولية (عالم السياسة الدولي) التي هي بيئة سياسية مختلفة من حيث طبيعتها عن البيئة الدولية الداخلية أو المجتمع السياسي الداخلي (السياسة داخل الدولة الواحدة)([1]).
عليه فإنَّ الدور الرائد الذي تلعبه تركيا في الساحة الدولية الآن، جعل منها لاعباً أساسياً في منظومة السياسة الدولية، لا سيما ما تشهده منطقة إفريقيا والشرق الأوسط من تغيُّرات سياسية واقتصادية واجتماعية، ألقتْ بظلالٍ كثيفةٍ على سير الحياة بشكلٍ طبيعيٍّ في هاتين المنطقتين من العالم، وجعلتْ من الضرورة بمكان تدخُّل (عقلاء العالم) لمحاولة رأب التصدُّعات، وترميم التشقُّقات، وتخفيف ويلات الحروب والاقتتال الذي خلَّف آثاراً سالبةً على كافّة المستويات؛ سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تنموية...إلخ.
ولمـَّا كانت تركيا الآن تلعب فعليّاً هذا الدور (أي دور الوساطة، وتخفيف حدّة الصراع بشتَّى السُبُل، وتقديم المساعدات الإنسانية) في منطقة الشرق الأوسط (الحرب السورية، والقضية الفلسطينية)؛ كان من الضرورة أيضاً لعب نفس الدور في القارة الإفريقية التي تعاني ما تعاني من الحروب، ومشاكل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، والسبب في ذلك يرجع أيضاً إلى السياسة وما ينتج عنها من اختلاف في الرؤى والأفكار ومن ثمَّ الممارسات والتطبيقات.
وهذا الدور التركي في إفريقيا ليس بالضرورة أن يكون نسخةً مماثلةً لما هو ممارَس أو مُطبَّق فعلياً من قبلها في منطقة الشرق الأوسط؛ وإنَّما يكون أقرب للشراكة أو التوأمة بينها وبين الدول الإفريقية، حتى يكون ذلك مدعاةً لمزيدٍ من تطوُّر العلاقات، وتوطيد الصلات، لتشمل كل ما من شأنه الدفع بعجلة هذه العلاقات إلى الأمام.
تضع هذه الورقة تصوُّراً إطارياً لمستقبل العلاقات الإفريقية التركية فيما يتعلَّق بمحور الدبلوماسية الشعبية بين المنطقتين، يمكن البناء عليه ليصبح برنامجاً مستقبلياً يدعم العلاقات بين الطرفين، وذلك من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً واصطلاحاً.
المبحث الثاني: دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد علاقات الدول.
المبحث الثالث: برنامج عملي لتعزيز الدبلوماسية الشعبية الإفريقية التركية.
الخاتمة وتشمل النتائج والتوصيات وأهمّ المراجع.
المبحث الأول
تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً واصطلاحاً
المطلب الأول: تعريف الدبلوماسية الشعبية لغةً:
يتكوَّن مصطلح الدبلوماسية الشعبية من كلمتين: "دبلوماسية" و"شعبية"؛ أمَّا كلمة الدبلوماسية فليس لها وجود في المعاجم اللُّغوية العربية القديمة([2]) التي اطَّلع عليها الباحث، لأنَّها كلمة غير عربية، فهي من أصل يوناني، ومشتقة من الكلمة اليونانية (دبلوما) ومعناها الوثيقة التي تُطوى على نفسها، والصادرة من الشخص ذي السلطان في البلاد، وتخوِّل لحاملها امتيازات خاصة([3]).
أمَّا الدبلوم في اللُّغة العربية فيُقصد به إجازة علمية من إجازات الجامعة فوق البكلاريوس ودون الماجستير([4]).
وقيل: إنَّ أصل الكلمة مشتق من الفعل اليوناني (دبلون) ومعناها يطوي، لأنَّه في أيام الإمبراطورية اليونانية كانت كل جوازات السفر وأذونات المرور، تُختم بواسطة خاتم معدني مزدوج، وتُخاط بطريقة معيَّنة، وكانت هذه الأذونات والجوازات تُسمَّى (دبلوماسي)، وبعد ذلك أصبحت الكلمة تُطلق على الوثائق اللامعدنية، وخاصة تلك التي تمنح امتيازات، وتتضمن اتفاقيات من المجتمعات والقبائل الأجنبية.
وبازدياد المعاهدات أصبحت الملفات المحتوية عليها تُجلَّد وتُضاف إليها كل أنواع الأوراق الصغيرة التابعة لها، ثم تُحفظ بشكل خاص، ووُجِدَ من الضروري استخدام مختصين لحفظ هذه (الدبلوماز) وفهرستها. وظلت هذه الاختصاصات إلى فترة طويلة تُدعى "الاختصاصات الدبلوماسية"([5]).
وفي اللُّغة الإغريقية الحديثة يُقصد بها الشهادات أو خطابات الاعتمادات المالية، كما تُستعمل للتعبير عن التصاريح والامتيازات التي كان يمنحها القاضي أو الحاكم([6]).
ومن الملاحظ أنَّ المعاني السابقة لا زالت لها علاقة بالاستعمال الحديث لكلمة الدبلوماسية، لأنَّ الدبلوماسي عندما يتم اعتماده في الدولة المبعوث إليها، يقوم بتقديم خطاب من رئيس دولته، أو وزير خارجيتها، أو أوراق اعتماد (Seslettres Greance)، وتكون هذه الأوراق بمثابة خطاب تقديم له من قبل رئيس دولته، إلى رئيس الدولة المعتمد لديها([7]).
وقد وردت كلمة دبلوماسي في كتاب المنجد في اللُّغة والأعلام بمعنى من يُعهد إليه منصب ممثل سياسي لدى إحدى الدول. وهي كلمة يونانية، كما أنَّ الدبلوماسية صفة للدبلوماسي وعمله([8]).
وتوجد في القاموس الإنجليزي كلمة دبلوماسي (Diplomacy) بمعنى عمل الاتفاقيات مع الحكومات الأجنبية، والبراعة والذكاء في عمل هذه الاتفاقيات.
ولم تدخل هذه الكلمة في المعجم الدولي إلاَّ في أواسط القرن السابع عشر، حينما حلَّت محل كلمة المفاوضة (Negociation) والتي كانت تستعمل في معنى الدبلوماسية قديماً، إذ إنَّ العلاقات الدولية قبل تطوُّرها كانت تنحصر في التفاوض لحل النزاعات أو لإبرام الاتفاقيات([9]).
أمَّا الشق الثاني من المصطلح وهو كلمة "شعبية"، فهي مصدر صناعي من شَعْب، أي شيوع وانتشار. يُقال: فلانٌ يتمتّع بشَعْبِيّةٍ كبيرةٍ: أي حظوة لدى النّاس, وتقدير الشعب ومحبتهم له. ومنها: رَجُلٌ شَعْبِيٌّ: أي مُتَخَلِّقٌ بِأَخْلاَقِ شَعْبِهِ، بَسِيطٌ فِي تَعَامُلِهِ مِثْلَ كُلِّ أَفْرَادِهِ. ومنها أيضاً: الأَدَبُ الشَّعْبِيُّ: أي أَدَبُ الْمَأْثُورَاتِ وَالْحِكَايَاتِ وَالأَمْثَالِ وَقَصَائِدِ الزَّجَلِ([10]).
المطلب الثاني: تعريف الدبلوماسية الشعبية اصطلاحاً:
يمكن تعريف الدبلوماسية الشعبية اصطلاحاً بأنَّها: "النشاطات المبذولة من قبل الجهات الشعبية لكسب الرأي العام الخارجي بعيداً عن أنشطة البعثات الرسمية وأنشطة السفارات، على أن تكون متكاملة مع السياسة الرسمية"([11]).
وفي تعريف آخر هي: "علم وفن تمثيل مواقف الأشخاص القانونية الدولية في علاقاتها الخارجية عبر أجهزة مخصَّصة يُطلق عليها البعثات الدائمة أو المؤقتة"([12]).
وخلال تسعينيات القرن الماضي، أصبح استعمال الدبلوماسية الشعبية شائعاً في دوائر السياسة الخارجية على المستوى الدولي؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال، أنشأت حكومة بلير "مجلس استراتيجيات الدبلوماسية الشعبية". وفي السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، شهدت الدبلوماسية الشعبية اهتماماً متزايداً في الولايات المتحدة الأمريكية، ما حدا بالباحثين الاعتبار بأنّها دخلت أخيراً الوعي العام الأمريكي. ففي أعقاب كارثة تسونامي الآسيوية في العام 2004م، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش هذا المصطلح، وقال في مقابلة معه على محطة (ABC): "جهودنا الدبلوماسية الشعبية ليست قوية جداً وليست جيدة جداً مقارنةً بالجهود الدبلوماسية الشعبية لأولئك الذين يرغبون في نشر الكراهية والحط من قدر الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنَّ المساعدات الأمريكية للمتضررين من كارثة تسونامي قد تحدث فرقاً في هذا. وحرصت الولايات المتحدة على تغطية إعلامية مكثفة لجهودها ومساعداتها الإنسانية لمتضرري كارثة تسونامي خصوصاً في إندونيسيا، وهو ما أظهره وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية الشعبية والشؤون العامة، الأمريكي كارين هيوز([13]).
وقد بدأ تداول مفهوم الدبلوماسية الشعبية على المستوى الأكاديمي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965م عندما طرحه عالم السياسة الأمريكي "إدموند جيليون"، ومن أبرز أدواتها المفكّرون، والإعلاميون، والفنانون، والجهات المهنية، والطلاب، والفرق الرياضية، وفرق الفنون الشعبية، وغيرها من الأدوات التي تستطيع تكوين علاقات صداقة بجهات موازية لها من مختلف أنحاء العالم([14]).
لكن هذا الظن من العديد من الدارسين والباحثين في حقل الدبلوماسية الشعبية، بأن مصطلح الدبلوماسية الشعبية (Public Diplomacy) أمريكي بامتياز، نشأ مع إنشاء مركز (Murro) للدبلوماسية الشعبية في جامعة (Tufts) الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه "إدموند جيليون" كمفهوم جديد، بقوله: "إن الدبلوماسية الشعبية مفهومٌ يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية، وهو يشمل أبعاداً من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكّل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي"؛ كل هذا فنَّده البريطاني "نيكولاس كول" في دراسته التي تناولت مصطلح الدبلوماسية الشعبية، حيث أظهر أنّ أول استخدام لمصطلح الدبلوماسية الشعبية لم يكن أمريكياً على الإطلاق، بل بريطاني، ففي 15 يناير عام 1856م ورد ذكر الدبلوماسية الشعبية في مقالة صحيفة التايمز اللندنية الافتتاحية تنتقد فيها مواقف الرئيس الأمريكي "فرانكلين بيرس"([15])، وتتحدث عن القدوة الحسنة والصورة النمطية، والتعامل الجيد مع الشعوب. كما جاء أول استخدام أمريكي لهذا المصطلح عبر ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 1871م عن تقرير للكونجرس عرضه "صمويل كوكس" المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والصحفي السابق، تناول فيه المؤامرات السرية العدائية لجمهورية الدومينكان، وأنّه مؤمن بأهمية استخدام الدبلوماسية الشعبية المفتوحة.
وخلال الحرب العالمية الأولى أصبح استخدام مصطلح الدبلوماسية الشعبية على نطاق واسع؛ لوصف مجموعة من الممارسات الدبلوماسية الجديدة، تهتم بشرح وتبرير سياسات الدولة لشعبها، وكذا لمخاطبة شعوب الدول الأخرى وخصوصاً تلك المعادية، كما في البيانات الألمانية المتعاقبة لسياسة حرب الغواصات([16])، أو من خلال الإعلانات العامة لشروط السلام، وخطاب النقاط "الأربع عشرة" في الثامن عشر من يناير 1918م، الذي كان أساساً لبناء النظام الدولي، حيث استخدم فيه مصطلح "الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية المفتوحة"، وقد توالى استخدام عبارة الدبلوماسية الشعبية أو العامة فيما بعد في عدة مواضع بمعنى "المواثيق المفتوحة والمعلنة" للعامة وللشعوب. وفي عام 1928م كتب مراسل "كريستيان ساينس مونتر" مقالة تحت عنوان "زمن الدبلوماسية الشعبية"، حصل من خلالها على جائزة المقالة في الصحافة والدبلوماسية الشعبية، أكَّد فيها على الواجب الأخلاقي لوسائل الإعلام، وأن تتناول كتابة التقارير الدولية بدقة ونزاهة لتخفيف حدة التوتر، وغيرها من الأمثلة، إلا أن استخدام هذا المصطلح أصبح نادراً جداً خلال فترة الحرب العالمية الثانية إلى أن تمت إعادة تداوله من جديد، ففي عام 1946م تحدث وزير خارجية بلجيكا بحماس عن أنَّ "هذا الزمن زمن الدبلوماسية الشعبية"، وذلك في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول أكتوبر. وفي الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، جرى تناول هذا المصطلح بشكل متزايد ومتنوع المعاني، حيث شهدت تلك الفترة اهتماماً ملحوظاً بعالم المعلومات الدولية والدعاية، وتوالت الاستخدامات إلى أن جاء "إدموند جيليون" ليحمل الدبلوماسية الشعبية في معناها الجديد كبديل عن الدعاية الخبيثة، لتتبنى معاني جديدة وصفات حميدة([17]).
المبحث الثاني
دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد علاقات الدول
مما لا شك فيه أن للدبلوماسية التقليدية (الرسمية) دور رئيسي لا يمكن تعويضه بالوفود الشعبية، ولكن تلك الوفود تكون بمثابة عامل قوي ومساعد للدبلوماسية التقليدية؛ حيث تهيئ الحكومات عن طريق الضغوط الشعبية والرأي العام، مما يصنع أرضية خصبة للدبلوماسية التقليدية لجني الثمار والحصول على النتائج، كما أنّ الدبلوماسية الشعبية بديل للدبلوماسية التقليدية في ظل غياب مؤسسات وزارة الخارجية أو فقدانها الشرعية، مثل الحالة السورية، وهنا يجب توضيح أنّ الدبلوماسية الشعبية أداة قوية، وقد تصل لتكون الأداة الوحيدة للشعوب المحتلة، أو الأقليات المستضعفة، أو القضايا العادلة؛ فلا نجد لهذه الحالات حكومات رسمية تتكلم باسمها، وتتحرك من أجلها، فها هم مسلمي بورما لم تأخذ قضيتهم بُعداً شعبياً على المستوى الدولي، وبالتالي ضعف حضورها الإعلامي، فأصبحت قضية ضائعة وسط ملفات دولية كثيرة، مما زاد من عناء أهلها، وكذلك قضايا كثيرة مثل القضية الفلسطينية، ومسلمي السنة في العراق وغيرها([18]).
وإذا أردنا الحديث عن دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد وتحسين علاقات الشعوب؛ نجد ذلك واضحاً وجليّاً في كثير من المظاهر، فمن ذلك:
أولاً: للدبلوماسية الشعبية دور فعّال في إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً، من ذلك ما حدث من اضطرابات بين مصر والجزائر في نوفمبر 2009م قبل وبعد مباراتي منتخبي البلدين المؤهلتين لنهائيات كأس العالم 2010م بجنوب إفريقيا، مما أدى إلى توتُّر دبلوماسي بينهما، حيث نشطت جهود الدبلوماسية الشعبية في البلدين لرأب الصدع ومحاولة إعادة العلاقات بينهما، ونجحت في ذلك إلى حدٍّ بعيد.
ثانياً: للدبلوماسية الشعبية دور ملموس كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية (تقليدية) بينها، والتي (أي هذه العلاقات) ما كان لها أن ترى النور وتتطور، لولا جهود هذه الحركة الشعبية الواسعة، والمتمثِّلة في مجموعة كبيرة من الرياضيين والأدباء والمسرحيين والرّسامين وفرق التراث الشعبي (الفلكلور) وغيرهم، والذين يجوبون العالم دون قيود أو حواجز، لعرض بضاعتهم، وتعريف الشعوب التي يحلّون ضيوفاً عليها، بها، ومن ثمَّ تنشأ إرادة هذه الدول لخلق علاقات دبلوماسية فيما بينها، استجابةً لهذا الضغط الشعبي، ورغبة الانفتاح والتواصل بين الشعوب.
ثالثاً: للدبلوماسية الشعبية كذلك دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث لم تعد الدبلوماسية التقليدية الرسمية وحدها كأداة تنفَّذ فيها السياسة الخارجية, وإنما أصبح هناك فاعلون جدد يشاركونها في تنفيذ أهداف وأولويات السياسة الخارجية، بحسبانهم طرف مهم وفاعل على الساحة الدولية. وتستخدم الدبلوماسية الشعبية لهذا الغرض آليات موازية للدبلوماسية الرسمية، وذلك عبر وسائلها المختلفة من دبلوماسية برلمانية، ومنظمات غير حكومية، ووسائل إعلام، وتأثير على الرأي العام، والقوة الناعمة، وجماعات الضغط، والمنظمات الدينية وتأثيرها الديني والروحي...الخ([19]).
رابعاً: للدبلوماسية الشعبية كذلك دور كبير ومتنامي في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية، وذلك مثل جهود الدبلوماسية الشعبية الجزائرية في تخفيف حدّة النزاع بين الأطراف الجزائرية المتنازعة، إلى أن تكلّلت تلك الجهود بالمصالحة الوطنية([20]).
خامساً: للدبلوماسية الشعبية كذلك أثر واضح في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة، إذ إنَّ نظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست أمراً جديداً، وإنما تمثل جذوراً وعوامل متأصِّلة تغذي هذه النظرة وتحركها، وقد تفاقمت هذه الجذور بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وأدت إلى حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين؛ عرّضت صورة الإسلام والمسلمين إلى التشويه، مما حدا ببعض الجهات الدبلوماسية غير الرسمية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم وغيرها من الروابط والتكوينات الإسلامية في أوروبا وأمريكا، حدا بها ذلك إلى قيادة حملة واسعة للتعريف بالإسلام، وإزالة الصورة الذهنية السالبة التي تكوِّنت لدى الغرب عنه، ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً([21]).
المبحث الثالث
برنامج عملي لتعزيز الدبلوماسية الشعبية الإفريقية التركية
لمَّا كان للدبلوماسية الشعبية من أهميّة ومكانة بارزة في الارتقاء بعلاقات الشعوب، والدفع بها للأمام في سبيل النهوض والتطوُّر وتبادل المنافع والخبرات المختلفة؛ وبما أنَّ دولة تركيا الفتيّة سعت لزيادة حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا (Opening to Africa Plan) لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين الدول الإفريقية، والتي (أي الخطة) هدفت لزيادة عدد البعثات الدبلوماسية في إفريقيا، حيث تعدُّ السفارة التركية بدولة الصومال الأكبر لها في العالم، والتي افتتحها الرئيس "رجب طيب أردوغان" صبيحة يوم الجمعة الأول من يوليو 2016م، إبَّان زيارته للصومال ضمن جولته في عدد من دول شرق إفريقيا([22])، وزيادة المساعدات الإنسانية، والمساعدات التنموية، وتشجيع زيارات رجال الأعمال، وأن تصبح تركيا مفوّضة البنك الإفريقي للتنمية. وبما أنَّ الدبلوماسية الشعبية تعتبر لاعباً أصيلاً في العلاقات التركية الإفريقية؛ يصبح من الأهميّة بمكان وضع تصوُّر لبرنامج عملي للارتقاء بالدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية وتركيا، وهذا ما ستتناوله هذه الورقة في هذا المبحث من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: العمل الإغاثي والإنساني.
المطلب الثاني: نشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية.
المطلب الثالث: التبادل الثقافي والفني والأدبي.
المطلب الرابع: التبادل الرياضي.
المطلب الخامس: الاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور.
المطلب الأول: العمل الإغاثي والإنساني:
لا شكّ أنّ للعمل الإغاثي والإنساني دور كبير في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية ودولة تركيا، وهذا ما اهتمت به الأخيرة أيّما اهتمام، وأولته عناية فائقة، حيث قامت بتنفيذ عدد من المشاريع الإنسانية في بعض الدول الإفريقية، كمخيّمات العيون التي أقامتها في السُّـودان عبر مؤسسة التنسيق والتعاون التركية (TIKA)([23])، واستفاد منها عدد كبير من المواطنين. وكذلك مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)([24]) التي تم تأسيسها في العام 1992م، لتتبع نفس النهج الإغاثي الخيري المميز، والذي يسهم في تثبيت القيم الإنسانية النبيلة، ويسهم كذلك في دعم وإغاثة المحتاجين ومساعدتهم في ممارسة أدنى حقوقهم البشرية.
ولكن تحتاج تركيا للانفتاح أكثر على القارة الإفريقية في هذا الجانب، خصوصاً وحجم القارة الكبير، والقوة البشرية الهائلة فيها، إذا وضعنا في الحسبان أنَّ معظم العمل الإغاثي والإنساني التركي؛ موجَّه لدول في قارات أخرى غير القارة الإفريقية.
كما تحتاج تركيا لتعزيز دبلوماسيتها الشعبية مع الدول الإفريقية إلى ابتكار وسائل وبرامج إنسانية جديدة في القارة الإفريقية؛ ككفالة الأيتام والأرامل وطلبة العلم، وافتتاح ورعاية مؤسسات التنمية البشرية وتطوير القدرات والمهارات، ونقل التجارب التركية في ذلك.
المطلب الثاني: نشر وتعليم اللُّغة التركية في الدول الإفريقية:
بما أنَّ اللُّغة هي الجسر الأول للتواصل بين الشعوب، ومعرفة الثقافات والعادات والتقاليد بينها، فعلى الحكومة التركية الاهتمام بنشرها بصورة أوسع في الدول الإفريقية، لتعزيز الدبلوماسية الشعبية بينها وبين الأفارقة، وقد بدأ تعليم وتعلُّم اللُّغة التركية بالفعل في السُّـودان كإحدى الدول الإفريقية، حيث دشَّنت كلية الألسن بجامعة إفريقيا العالمية دورة تدريس اللُّغة التركية وآدابها صبيحة الأحد 22 يناير من هذا العام 2017م، وذلك ضمن مشروع الكلية للتدريب في اللُّغات([25]). كما أنَّ هناك قسماً كاملاً لتدريس اللُّغة التركية بمدرسة الألسن بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بالعاصمة السُّـودانية الخرطوم، التي تم افتتاحها في العام 2008م([26]).
وكذلك تحتاج تركيا لتعزيز دبلوماسيتها الشعبية مع الدول الإفريقية إلى افتتاح مزيد من مراكز تعليم وتعلّم اللغُّة التركية في بقية الدول الإفريقية التي لا يوجد بها مثل هذا النوع من المراكز، كما تحتاج لترجمة تراثها الأدبي والفكري الذي تستهدف به الدول الإفريقية، بجميع اللُّغات أو اللهجات الإفريقية الحيّة، مما يسهِّل من عملية التبادل المعرفي، ووقوف المجتمعات الإفريقية على ذلكم التراث الذي يمثِّل الحضارة الإسلامية العظيمة التي سادت خلال الحقبة العثمانية.
المطلب الثالث: التبادل الثقافي والفني والأدبي:
أوضحت أمينة الابتكار والتطوير والبحوث بجمعية الصداقة الشبابية السُّـودانية العالمية دكتورة نجلاء حسين المكابرابي، الأدوار الفعلية التي تلعبها الفنون في تعزيز الدبلوماسية الشعبية، ومدى إسهامها في ربط الشعوب عبر المكوِّن الفني المشترك، وأضافت خلال تصريح خاص لمركز الخرطوم للإعلام الالكتروني: أنَّ الفنون هي لغة شعوب العالم، موضِّحةً إسهامها في تغيير الصورة السلبية عن السُّـودان، وهي أيضاً تعتبر جسراً للتواصل من أجل تعزيز علاقات التعاون مع المؤسسات والمنظمات والمكوِّنات الثقافية والفنية المختلفة، التي تسهم في دعم التنمية الثقافية، كاشفةً عن استعداد الجمعية لإقامة النسخة الثانية من منتدى "أسيوفا" الدوري تحت عنوان (دور الفنون في الدبلوماسية الشعبية) والذي تستضيف فيه ممثِّل الدراما السُّـوداني "علي مهدي" والموسيقيين "عبد القادر سالم"، و"راشد دياب" و"عثمان محيي الدِّين"، والأستاذ "دفع الله الحاج"، برعاية كريمة من السيد وزير الثقافة السُّـوداني "الطيب بدوي"، ويشارك فيها نخبة من المهتمين بالشأن الثقافي، والسفراء، والدبلوماسيين الشباب، وشباب الجاليات، وذلك نهاية سبتمبر الجاري، مؤكدةً الارتقاء بالدبلوماسية الشعبية العالمية للوصول إلى تحقيق أهداف ثقافية مشتركة تسهم في تطوير الثقافة وجعلها لغة بين الشعوب، كما يهدف المنتدى الى استضافة خبراء ومفكرين وباحثين من أجل الإثراء والتبادل الثقافي، وتقديم نماذج فنية عالمية([27]).
إذن فعملية التبادل الثقافي والفني والأدبي تسهم إلى حد بعيد في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول التي تسعى لإقامة علاقات فيما بينها، وبما أنَّ تركيا واحدة من هذه الدول التي تعمل على مد جسور التواصل المختلفة بينها وبين الدول الإفريقية، فقد بدأت بالفعل في تنفيذ حزمة من البرامج الثقافية في القارة الإفريقية، حيث أعلن صانع الأفلام الوثائقية المصري "أسعد طه"([28])، مؤسس شركة (هوت سبوت فيلمز)، عن فتح باب التسجيل للمخيم الثاني لمبادئ صناعة الفيلم الوثائقي، الذي سيقام في دولة رواندا خلال الفترة من الأول إلى الحادي عشر من مارس من العام الجاري.
وفي تصريح خاص لتركيا بوست؛ تحدث أسعد طه عن تجربة المخيم الأول قائلاً: "لتركيا الفضل في نجاح أول تجربة لنا كمخيم تدريبي، لقد أخترنا بعناية مكاناً رائعاً في ريفها الجميل، وأقمنا دورتنا لتدريب المبتدئين على مبادئ صناعة الفيلم الوثائقي".
وعن تجربة المخيمات التدريبية يقول طه: "كانت الفكرة أنّه طالما أنّ الواقع هو الشرط الأساسي في الفيلم الوثائقي، فإنّه أحرى بالتدريب على صناعته ألاَّ يتم في الغرف المغلقة بين الجدران الإسمنتية، وإنما على أرض الواقع، ولهذا أخترنا أن تكون الدورة هي مخيم يعيش فيه فريق التدريب والمتدربون على مدار الساعة معاً، وعلى مدى أيام الدورة العشرة، وعبر أشكال متعددة من التدريس"([29]).
عندما تُذكر تركيا يتبادر إلى الذهن مباشرةً (البقلاوة) و(الحلويات) و(المعجّنات) التركية وغيرها من المأكولات التي اشتهر بها المطبخ التركي، ولكن هذه الصورة النمطية تحتاج إلى تغيير في ذهنية المتلقِّي والمتعامل مع الشعب التركي خصوصاً الأفارقة، وهذا لا يتأتَّى إلاَّ عبر برامج مرتَّبة تضع ضمن أولوياتها ترويج الفنون والتراث والأدب والمسرح التركي في أوساط الشعوب الإفريقية، وذلك عبر الفرق الفنية والأدبية والمسرحية التي تجوب أرجاء القارة الإفريقية للتعريف بهذه الفنون، مما يكون له أبلغ الأثر في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية.
المطلب الرابع: التبادل الرياضي:
"بما أنّ كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبيةً في العالم، يصبح من الطبيعي أن تعمل على التقريب بين الشعوب التي قد تفرقها الحروب أو السياسة أو الدين، إذا اعتبرنا أنّها يمكن أن تكون وسيلةً لدعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام، بحسبان أنّها أصبحت محفلاً ضخماً يضم كل دول العالم تقريباً، وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ اتحادها الدولي أو الـ(FIFA) يقوم بفرضها الآن فرضاً على كل دول العالم، فيصبح من (الحكمة) علينا كمسلمين أن نواجه هذا الواقع بما لدينا من آليات دعوية عسى ولعلّ أن نحدث شيئاً من التغيير فيه يفضي لدخول غير المسلمين من الرياضيين في دين الله أفواجاً، وما المسلمين من لاعبي الدوريات الأوروبية والأمريكية إلاّ نتاج جهد من زملائهم من مسلمي الشرق أو إفريقيا. كذلك تستطيع كرة القدم أن تلعب دور الدبلوماسية الشعبية في التقريب بين الشعوب والإضاءة على القضايا المحقّة، لما تحمله من قيم ومعانٍ سامية، ففي كرة القدم يسعى اللاعبون نحو هدف واحد هو تحقيق الفوز، وهو فوز مشروط بالتعاون وتفاني الفرد في خدمة المجموعة وتنفيذ الدور الموكل إليه بدقة، مع التأكيد على مفاهيم تقبّل الخسارة واحترام الخصم والامتثال لقوانين اللعبة، وكأن الميدان صورة مصغّرة لما يجب على المجتمع أن يكون عليه"([30]).
فتبادل البعثات الرياضية، والزيارات المشتركة لإقامة المباريات الوُدِّية بين تركيا والدول الإفريقية، وحتى الاحتراف بصورة أوسع في الأندية التركية من قبل الرياضيين الأفارقة، كل ذلك يسهم بصورة أو بأخرى في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا والدول الإفريقية، ومن ثمَّ فتح آفاق أوسع وأرحب لمزيد من التبادلات الأخرى بين الطرفين، وذلك إذا علمنا أنَّ الرياضة في الوقت الراهن أصبحت من أكبر مصادر زيادة الدخل القومي من العملات الأجنبية لكثير من الدول في العالم بصفة عامّة، والدول الإفريقية على وجه الخصوص. كما أنَّ المنافسات الرياضية تصحبها دائماً أنشطة أخرى كالمعارض الفنية، والحفلات الشعبية، وغيرها من الأنشطة.
المطلب الخامس: الاندماج الاجتماعي بشتَّى الصور:
من خلال عمل الباحث بجامعة إفريقيا العالمية لأكثر من أربعة عشرة عاماً؛ تكوَّنتْ لديه معرفة لا بأس بها بطبائع الطلاب وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم بغيرهم من طلاب الدول الأخرى، وقد لاحظ نوعاً من الانطواء على الطلاب القادمين من دولة تركيا، حيث يسكنون في مجمَّعات سكنية منفصلة خارج أسوار الجامعة، وحتى داخل الجامعة والكليات التي يدرسون بها؛ تجدهم منغلقين على أنفسهم، قلَّما يتواصلون مع غيرهم من الطلاب، وهذا في تقدير الباحث راجعٌ لأسبابٍ نفسيةٍ وتوجُّسٍ من التواصل مع الآخر، وذلك إذا استبعدنا عامل اللُّغة العربية الذي يشكِّل عائقاً كبيراً لدى كثير من الطلاب الوافدين بداية وصولهم للسُّـودان، ولكن الطلاب الأتراك بالرُّغم من مهارتهم في اللُّغة وسرعة تعلُّمها من جانبهم، إلاَّ أنَّهم لم يستطيعوا كسر حاجز الانطواء والانغلاق على بعضهم خلافاً لطلاب الدول الأخرى.
عليه فإذا أراد الطرفان التركي والإفريقي تعزيز الدبلوماسية الشعبية بينهما؛ يجب عليهما العمل على مزيدٍ من الانفتاح المجتمعي، لتعزيز أواصر العلاقات بينهما، فمجرَّد العلاقات الاقتصادية أو الرياضية أو الفنية أو الثقافية؛ غير كفيلة بتعزيز الدبلوماسية الشعبية بينهما، ما لم يتم ذلك التواصل بصورة أعمق، تترك آثاراً طيبة في النفوس، وتستمر إلى آماد بعيدة.
وتبقى صورة (المصاهرة) واحدة من أقوى وسائل التأثير، وأكبرها عمقاً، وأدومها، فمن رحمة الله تعالى أن خلق من الطين بشراً، وجعل بين خلقه نسباً وصهراً، ليتعارف الخلق فيما بينهم، إذ هم من أصلٍ واحدٍ، ونسبٍ واحدٍ، وهو سيدنا آدم (عليه السلام). وقد جاء الإسلام ليدعو إلى الأخوّة والمحبة فيما بين المسلمين، سواء عن طريق المؤاخاة أو عن طريق المصاهرة والنسب.
وهذا ما درج عليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ كانوا يصاهرون آل البيت الأطهار، من بني هاشم، كآل عقيل وآل علي وآل جعفر وآل العباس، فيتزوجون منهم ويزوجونهم وهذا يدّل على تمام المحبة والتقدير فيما بين الصحب والآل، وهو ما عبَّر عنه سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله: "ارقبوا محمداً في أهل بيته"([31]). وقوله: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ من أن أَصِلَ من قرابتي"([32]).
وكذلك فِعْلُ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مع الحسن والحسين (رضي الله عنهما) في العطاء؛ إذ كان يفرض لهما مثل عطاء أهل بدرٍ إكراماً لهما([33]).
ولا شكَّ أنَّ هذا التلاحم هو الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتزوج من ابنتي وزيريه، فتصبح الصّدّيقة بنت الصديق وحفصة الصوّامة القوامة من أمهات المؤمنين، ثم يُزَوِّجُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنتيه رقية وأم كلثوم (رضي الله عنهما) لعثمان بن عفان (رضي الله عنه).
على هذا الحب والانسجام، وبهذه المودة والمحبة تربَّى جِيلٌ بعد جيل، فكان التابعون أشّدَّ حباً للآل والصحب من أنفسهم، وينزلونهم مكانتهم السامية، عملاً بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)([34]).
الخاتمة
في خاتمة هذه الورقة التي يتمنَّى الباحث أن تكون قد وضعت خطوطاً عامة لكيفية تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا وبلدان القارة الإفريقية؛ ثمَّة نتائج توصَّل إليها الباحث، وبناءً عليها قدَّم بعض التوصيات التي يرى أنَّه يمكن الإفادة منها في مجال تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين تركيا ودول القارة الإفريقية، تأتي تباعاً على النحو التالي:
أولاً: أهمّ النتائج:
[1] للدبلوماسية الشعبية دور فعّال في إزالة التوتُّرات التي قد تعتري علاقات الدول بعضها بعضاً.
[2] للدبلوماسية الشعبية دور ملموس كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية (تقليدية) بينها.
[3] للدبلوماسية الشعبية كذلك دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول.
[4] للدبلوماسية الشعبية كذلك دور كبير ومتنامي في التقريب بين الدول والشعوب، والمساهمة في فض النزاعات، ونشر ثقافة الحوار والتشاور، وتنسيق الجهود الدولية لمجابهة التحديات الأمنية والتنموية والبيئية وغيرها.
[5] للدبلوماسية الشعبية كذلك أثر واضح في تحسين صورة الإسلام خصوصاً لدى الشعوب غير المسلمة.
[6] استطاعت تركيا أن تصنع لنفسها مكانةً مرموقةً في الساحة الدولية، وذلك بالدور الرائد الذي أصبحت تلعبه في العالم الآن، مما جعل منها رقماً لا يمكن تجاوزه في منظومة السياسة الدولية.
[7] سعت تركيا لزيادة حجم التعاون بينها وبين الدول الإفريقية، بإعلانها في العام 1998م عن الخطة العملية للانفتاح نحو إفريقيا، لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية بينها وبين دول القارة الإفريقية.
ثانياً: التوصيات:
يوصي الباحث بالآتي:
[1] في مجال العمل الإغاثي والإنساني الذي يسهم بصورة كبيرة في تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول الإفريقية وتركيا؛ على الأخيرة الانفتاح أكثر على القارة الإفريقية في هذا الجانب، بطريقة تتناسب وحجم القارة الكبير، والقوة البشرية الهائلة فيها.
[2] العمل على فتح مزيد من مراكز تعليم وتعلّم اللغُّة التركية في الدول الإفريقية.
[3] العمل على ترجمة التراث الأدبي والفكري التركي إلى جميع اللُّغات أو اللهجات الإفريقية الحيّة، لتسهيل عملية التبادل المعرفي، ولوقوف المجتمعات الإفريقية على هذا التراث الذي يمثِّل الحضارة الإسلامية العظيمة التي سادت خلال الحقبة العثمانية.
[4] ترويج الفنون والتراث والأدب والمسرح التركي في أوساط الشعوب الإفريقية، عبر الفرق الفنية والأدبية والمسرحية وغيرها من البرامج التي تخدم هذا الغرض.
[5] الاهتمام بالتبادل الرياضي بين تركيا والدول الإفريقية لتعزيز الدبلوماسية الشعبية.
[6] تعزيز أواصر الدبلوماسية الشعبية بين تركيا وإفريقيا؛ بالانفتاح المجتمعي والعلاقات بعيدة المدى.
[7] إنشاء بعثات دبلوماسية تركية في بقيّة البلدان الإفريقية التي لا توجد بها.
قائمة المصادر والمراجع:
[1] القرآن الكريم.
[2] صحيح البخاري.
[3] صحيح مسلم.
[4] سير أعلام النبلاء.
[5] المصباح المنير.
[6] لسان العرب.
[7] القاموس المحيط.
[8] المعجم الوجيز، مجمع اللُّغة العربية.
[9] المنجد في اللُّغة والأعلام، معلوف لويس، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1997م.
[10] معجم المعاني.
[11] محاضرات قسم العلوم الإنسانية، كلية الإعلام والاتصال، فرع العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، 2008م.
[12] محمد عزيز شكري، الوجيز في القانون الدولي العام مقارناً بأحكام الفقه الإسلامي، ط/3، 1411هـ/1412هـ، 1991م/1992م.
[13] محمد عزيز شكري، المدخل للقانون الدولي العام وقت السلم، ط/2، 1973م، دار الكتب العلمية، مصر.
[14] فؤاد شباط، الدبلوماسية، منشورات جامعة دمشق، 1967م.
[15] هارولد نيكولسون، الدبلوماسية عبر العصور، ط/2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1958م.
[16] عبد العزيز محمد سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، دراسة تحليلية في الفقه والقضاء الدوليين وأحكام اتفاقيتي فيينا عام 1961م،1963م، مطبعة جامعة عين شمس، 1974م.
[17] علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، 1975م، منشأة المعارف، الإسكندرية.
[18] Oxford, English Dictionary نقلاً عن: د. أبو هيف.
[19] الدبلوماسية الشعبية للكاتب السعودي محمد السماعيل "مدير مراكز اسكب للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة"، صحيفة اليوم الالكترونية، العدد (15587)، بتاريخ: 17 فبراير 2016م.
[20] الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق، سهيل الفتلاوي، ط/1، دار الثقافة، عمّان، الأردن، 2005م.
[21] الدبلوماسية الشعبية؛ ماهيّة المصطلح وتطوُّره التاريخي، للكاتب السعودي عماد المديفر، مقال بموقع (هات بوست) الالكتروني، بتاريخ: 3 سبتمبر 2014م.
[22] الدبلوماسية الشعبية والقضايا العادلة، طارق فكري، صحيفة المصريون الالكترونية، 28 مارس 2016م.
[23] دور الدبلوماسية غير الرسمية في تنفيذ السياسة الخارجية الفلسطينية، عبد الحكيم سليمان وادي، مجلة الحوار المتمدّن، العدد (4585)، بتاريخ: 25 سبتمبر 2014م.
[24] الدبلوماسية الشعبية "رهان البرلمانات"، محمد. ب، ورقة مقدَّمة في الملتقى الدولي حول التحديات الجديدة للدبلوماسية المنعقد بالعاصمة الجزائر بتاريخ: 24 مايو 2016م. بتصرُّف يسير.
[25] دور الدبلوماسية الشعبية في تحسين صورة الإسلام، إبراهيم بن عبد الله المطرف، صحيفة الرياض السعودية، العدد (16153)، بتاريخ: 14 سبتمبر 2012م. بتصرُّف يسير.
[26] موقع البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، تحديث 3 يوليو 2016م.
[27] صفحة كلية الألسن بموقع جامعة إفريقيا العالمية، منشور بتاريخ: 25 يناير 2017م.
[28] موقع جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، الخرطوم، السُّـودان.
[29] تقرير بعنوان (جمعية الصداقة الشبابية السُّـودانية: الفنون لغة شعوب العالم)، هالة عبد الله، منشور بموقع (KEM) الالكتروني، بتاريخ: 1 سبتمبر 2016م.
[30] صحيفة هسبريس الالكترونية، 19 يناير 2017م.
[31] كرة القدم...الهوس القاتل، للكاتب الفاتح عبد الرحمن محمد، منشور بصحيفة المصريون الالكترونية، بتاريخ: 19 أغسطس 2015م.
([1]) انظر: تعريف العلاقات السياسية الدولية بقسم العلوم الإنسانية، كلية الإعلام والاتصال، فرع العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، 2008م.
([2]) يُقصد بالمعاجم اللُّغوية القديمة: المصباح المنير، لسان العرب، القاموس المحيط.
([3]) محمد عزيز شكري، الوجيز في القانون الدولي العام مقارناً بأحكام الفقه الإسلامي، ط/3، 1411هـ/1412هـ، 1991م/1992م، منشورات جامعة دمشق، ص: 130. وانظر كذلك: محمد عزيز شكري، المدخل للقانون الدولي العام وقت السلم، ط/2، 1973م، دار الكتب العلمية، مصر، ص: 366. وانظر كذلك: فؤاد شباط، الدبلوماسية، منشورات جامعة دمشق، 1967م، ص: 9.
([4]) انظر: المعجم الوجيز، مجمع اللُّغة العربية، مرجع سابق، ص: 220.
([5]) هارولد نيكولسون، الدبلوماسية عبر العصور، ط/2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1958م، ص: 26ـ27.
([6]) عبد العزيز محمد سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، دراسة تحليلية في الفقه والقضاء الدوليين وأحكام اتفاقيتي فيينا عام 1961م،1963م، مطبعة جامعة عين شمس، 1974م، ص: 445 وما بعدها.
([7]) علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، 1975م، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص: 116.
([8]) انظر: المنجد في اللُّغة والأعلام، معلوف لويس، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1997م، ص: 206، ويعتبر هذا القاموس من المعاجم اللُّغوية الحديثة.
([9]) انظر: Oxford, English Dictionary نقلاً عن: د. أبو هيف، المرجع السابق، ص: 12.
([10]) معجم المعاني.
([11]) الدبلوماسية الشعبية للكاتب السعودي محمد السماعيل "مدير مراكز اسكب للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة"، صحيفة اليوم الالكترونية، العدد (15587)، بتاريخ: 17 فبراير 2016م.
([12]) الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق، سهيل حسين الفتلاوي، ط/1، دار الثقافة، عمّان، الأردن، 2005م، ص: 97.
([13]) فرانكلين بيرس (23 نوفمبر 1804م ـــ 8 أكتوبر 1869م): هو الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة الأمريكية (1853م ـــ1857م)، ويحتل مرتبة دنيا بين جمهور المؤرخين وغيرهم من الباحثين على أنَّه أحد أسوأ رؤساء الولايات المتحدة.
([14]) الدبلوماسية الشعبية للكاتب السعودي محمد السماعيل، مرجع سابق.
([15]) الدبلوماسية الشعبية؛ ماهيّة المصطلح وتطوُّره التاريخي، للكاتب السعودي عماد المديفر، هات بوست، 3 سبتمبر 2014م.
([16]) يُقصدُ بها العمليات البحرية التي كانت تنفذها غواصات الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى، تلبيةً لحاجتها لضمان سلامة طرقها البحرية، ولسد وتفخيخ طرق العدوّ، وأبرزها هي: البحرية الملكية البريطانية، والبحرية الفرنسية، والبحرية الامبراطورية الروسية، والأسطول الملكي الإيطالي، وبصورة محدودة بحرية الولايات المتحدة الأمريكية، والبحرية الامبراطورية اليابانية.
([17]) الدبلوماسية الشعبية؛ ماهيّة المصطلح وتطوُّره التاريخي، مرجع سابق.
([18]) الدبلوماسية الشعبية والقضايا العادلة، طارق فكري، صحيفة المصريون الالكترونية، 28 مارس 2016م.
([19]) دور الدبلوماسية غير الرسمية في تنفيذ السياسة الخارجية الفلسطينية، عبد الحكيم سليمان وادي، مجلة الحوار المتمدّن، العدد (4585)، بتاريخ: 25 سبتمبر 2014م.
([20]) الدبلوماسية الشعبية "رهان البرلمانات"، محمد. ب، ورقة مقدَّمة في الملتقى الدولي حول التحديات الجديدة للدبلوماسية المنعقد بالعاصمة الجزائر بتاريخ: 24 مايو 2016م. بتصرُّف يسير.
([21]) دور الدبلوماسية الشعبية في تحسين صورة الإسلام، إبراهيم بن عبد الله المطرف، صحيفة الرياض السعودية، العدد (16153)، بتاريخ: 14 سبتمبر 2012م. بتصرُّف يسير.
([22]) موقع البنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، تحديث 3 يوليو 2016م.
([23]) مؤسسة التنسيق والتعاون التركية (تيكا/ Turkish Cooperation and Coordination Agency) تأسست بتاريخ: 24 يناير 1992م، لتنسيق علاقات تركيا المتنوعة مع الدول التركية الموجودة في وسط آسيا، وكان الهدف الأساسي من تأسيسها مساعدة الجمهوريات التركية الموجودة في وسط آسيا على إعادة تأسيس وتطوير وتأهيل نفسها وبالتالي جعلها قريبة لتركيا أكثر من غيرها من الدول.
([24]) هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات، أو هيئة الإغاثة الإنسانية. هي مؤسسة غير حكومية دولية تنشط في مجال الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والدبلوماسية الإنسانية في أكثر من 120 دولة حول العالم، ومقرها الرئيسي اسطنبول، تركيا.
([25]) صفحة كلية الألسن بموقع جامعة إفريقيا العالمية، منشور بتاريخ: 25 يناير 2017م.
([26]) موقع جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، الخرطوم، السُّـودان.
([27]) تقرير بعنوان (جمعية الصداقة الشبابية السُّـودانية: الفنون لغة شعوب العالم)، هالة عبد الله، منشور بموقع (KEM) الالكتروني، بتاريخ: 1 سبتمبر 2016م.
([28]) أسعد طه صحفي وكاتب وصانع أفلام وثائقية، مصري من مواليد مدينة السويس عام 1956م، بدأ حياته المهنية في الصحافة المكتوبة، ثم عمل بـالإذاعة، ولاحقاً بالتلفزيون كمراسل في مناطق الأزمات ثم تخصص في صناعة الأفلام الوثائقية.
([29]) صحيفة هسبريس الالكترونية، 19 يناير 2017م.
([30]) من مقال للباحث بعنوان (كرة القدم...الهوس القاتل)، منشور بصحيفة المصريون الالكترونية، بتاريخ: 19 أغسطس 2015م.
([31]) صحيح البخاري، حديث رقم (3712)، فضائل أهل البيت، باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
([32]) صحيح البخاري، حديث رقم (4241)، ومسلم، حديث رقم (6795).
([33]) سير أعلام النبلاء، (3/266ـــ285).
([34]) سورة الحشر، الآية (10).