مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2023/11/15 22:56
محمود شلتوت

الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف واحد من أبرز علماء الدين الإسلامى والمعارف المتصلة به فى القرن العشرين، فقيه واسع الأفق، ومفسر واسع الاطلاع، الذى أضاف فى مجال التجديد الدينى الكثير، وكان أول حامل للقب الإمام الأكبر، وكان مؤمنًا أشد الإيمان بضرورة القضاء على الخلاف بين المذاهب الإسلامية، ويعتبر أول من أدخل دراسة المذاهب فى الأزهر الشريف، فقد كان مع توحيد المسلمين ولم شملهم، وصدر فى عهده قانون إصلاح الأزهر الشريف سنة 1961م, ودخلت العلوم الحديثة إلى الأزهر، ولم تعد الدراسة فى الأزهر الشريف من وقتها مقتصرة على العلوم الدينية فقط، وأنشئ العديد من الكليات، وارتفعت مكانة الأزهر، ومكانته كعالم بارز من علماء الدين الإسلامى فى مختلف البلدان, ولد الشيخ شلتوت فى منية بنى منصور التابعة لمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة فى مصر سنة 1893م, حفظ القرآن الكريم وهو صغير, ودخل معهد الإسكندرية ثم التحق بالكليات الأزهرية, ونال شهادة العالمية من الأزهر سنة 1918م, وعين مدرسًا بمعهد الإسكندرية سنة 1919م, وشارك فى ثورة 1919م بقلمه ولسانه وجرأته, ونقله الشيخ محمد مصطفى المراغى لسعة علمه إلى القسم العالى, وناصر حركة إصلاح الأزهر, وعندما فصل من منصبه اشتغل بالمحاماة, ثم عاد للأزهر سنة 1935م للعمل مدرسًا بكلية الشريعة، فاختار لنفسه أن يدرس مادة جديدة لم تكن مقررة من قبل، هى مادة الفقه المقارن، فكان أول مَنْ بدأ تدريس الفقه المقارن فى الأزهر, اختير عضوًا فى الوفد الذى حضر مؤتمر «لاهاى» للقانون الدولى المقارن سنة 1937م، وألقى فيه بحثًا تاريخيًا مهمًا، تحت عنوان «المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية», ونال البحث استحسان أعضاء المؤتمر، فأقروا صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور، واعتبروها آنذاك فى ثلاثينيات القرن العشرين، وفى عز وجود الاستعمار فى مصر وفى شتى أرجاء العالم العربى والإسلامى، مصدرًا من مصادر التشريع الحديث، وإنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية، مع الاعتراف بصلاحيتها للتطور، كما قرر المؤتمر أن تكون اللغة العربية ـ لغة الشريعة الإسلامية ـ إحدى لغات المؤتمر فى دوراته المقبلة، وأن يدعى إليه أكبر عدد من علماء الإسلام على اختلاف المذاهب والأقاليم، ونال بهذا البحث المتفرد، عضوية جماعة كبار العلماء, كما ينسب للشيخ شلتوت أفكاره التنويرية، وكان أول من نادى بتشكيل مكتب علمى للرد على مفتريات أعداء الإسلام، وتنقية كتب الدين الإسلامى من البدع والضلالات، وكانت هذه الدعوة مقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية, عين سنة 1946م عضوًا فى مجمع اللغة العربية, (مجمع الخالدين) وانتدبته الحكومة لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق فى سنة 1950م.


 

كما كان له الفضل فى إنشاء معاهد لتعليم البنات، وكليه البنات بالأزهر الشريف, عُيّن مراقبًا عامًا للبعوث الإسلامية فوثق الصلات بالعالم الإسلامى، وفى سنة 1957م اختير سكرتيرًا عامًا للمؤتمر الإسلامى, ثم عُيّن وكيلًا للأزهر, وفى سنة 1958م صدر قرار بتعيينه شيخًا للأزهر, وسعى جاهدًا للتقريب بين المذاهب الإسلامية, وزار كثيرًا من بلدان العالم الإسلامى، وارتفعت مكانة شيخ الأزهر حتى لاقى من الجميع كل الإجلال. وكان يحترمه قادة العالم ويرسلون إليه الرسائل ومنهم الرئيس الفلبينى والذى وضع طائرته الخاصة وياوره الخاص تحت تصرفه طوال رحلة الشيخ إلى الفلبين ومنهم الرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا الذى أرسل إليه ليطمئن على صحته عندما مرض وزاره فى منزله، وكذلك زاره الرئيس العراقى عبد السلام عارف وغيرهما. ومنحته أربع دول الدكتوراه الفخرية وأوسمة الشرف تقديرا لعلمه، وفضله، واعترافا بمنزلته الرفيعة، ومكانته السامية، كما منحته أكاديمية تشيلى درجة الزمالة الفخرية وأهدى له رئيس الكاميرون قلادة تقديرًا لأبحاثه العلمية. ومن مؤلفاته: «فقه القرآن والسنة، مقارنة المذاهب، القرآن والقتال، ويسألونك.. (وهى مجموعة فتاوى)».

كما ألف الكثير من الكتب التى ترجمت لعدة لغات، منها: منهج القرآن فى بناء المجتمع، رسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية، القرآن والمرأة، تنظيم العلاقات الدولية الإسلامية. وهكذا كان هدف د. محمود شلتوت شيخ الأزهر من إصلاح الأزهر الشريف وتنقية كتب التراث، الاستفادة والتقدم للأمام، وإزالة الغبار واللبث عن بعض المفاهيم المغلوطة عن الدين، وتوضيح المعانى الحقيقية للجهاد فى العصر الحديث،  والاستمرار فى دراسة حوار الحضارات والأديان، ونزع الرؤى المتعصبة وتأسيس جيل قادر على معايشة عصره والتقدم التكنولوجى الهائل، وفى نفس الوقت الاحتفاظ له بدينه وروحانياته.

توفى رحمه الله فى القاهرة مساء ليلة الجمعة (ليلة الإسراء والمعراج) وأدَّى المصلون عليه صلاة الجنازة فى السابع والعشرين من شهر رجِب سنة 1383 هـ الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963 م بعدما خطا رحلة طويلة فى مضمار التجديد الدينى.
*نقلاً عن صحيفة روزاليوسف*

أضافة تعليق