فقيه ومحدث وإمام أهل مصر فى زمانه، وصاحب أحد المذاهب الإسلامية المندثرة. كان أحد أشهر الفقهاء فى زمانه، فاق فى علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره فى الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعى يقول: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ». ولد الليث بن سعد فى قلقشندة فى دلتا مصرعام 713م، وتلقّى العلم على أيدى تابعى مصر، ثم رحل عن مصر وهو فى العشرين إلى مكة للحج سنة 113هـ، فسمع من علماء الحجاز، وعرف بأنه كان كثير الاتصال بمجالس العلم، وقد أدرك الليث بن سعد أكثر من خمسين تابعيًا، ومائة وخمسين من تابعى التابعين ثم عاد إلى مصر وقد علا ذكره، وقد التف حوله الكثير من طلاّب العلم، وكان للّيث مجلس يعقده كل يوم، ويقسمه إلى أربعة أقسام الأول للوالى يستشيره فى حوائجه، والثانى لأهل الحديث، والثالث عام للمسائل الفقهية يُفتى السائلين، والرابع للناس ممن يسألونه المال فلا يرد أحدًا مهما كبرت حاجته أو صغرت، وجلس للفتيا حتى استقل بالفتوى فى زمانه، وعظّمه أهل مصر حتى إن ولاة مصر وقضاتها كانوا يرجعون إلى رأيه ومشورته، بل وتولّى قضاء مصر فى ولاية حوثرة بن سهل فى خلافة مروان بن محمد، وقد حفظ الولاة لليث قدره منذ كان الليث شابًا، فهذا الوليد بن رفاعة والى مصر فى عهدالخليفة الأموى هشام بن عبد الملك حين حضرته الوفاة سنة 117هـ، يسند وصيته لابن عمه عبدالرحمن بن خالد بن مسافر الفهمى، وإلى الليث بن سعد، والليث يومئذ ابن أربع وعشرين سنة، كما عرض الخليفه العباسى أبوجعفر المنصور عليه ولاية مصر فاعتذر. علت منزلة الليث بن سعد فى زمنه حتى استقل بالفتوى فى زمانه، كما أثنى عليه الكثير من علماء أهل السنة والجماعة، فتناقلت كتب التراجم والسير أقوالهم فى حق الليث بن سعد، فهذا يحيى بن بكير يقول: «ما رأيت أحدا أكمل من الليث»، وقال أحمد بن حنبل: «الليث ثقة ثبت»، وقال العجلى والنسائى: «الليث ثقة»، وقال ابن خراش: «صدوق صحيح الحديث». وقال الشافعي: «الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به». كما كان لليث بن سعد علاقات طيبة بعلماء عصره، فكان يتبادل معهم المراسلات ويصلهم بالمال خاصة مالك بن أنس. كان الليث بن سعد فى منهجه فى الفتيا من أهل الأثر من كتاب وسُنّة وإجماع لا من أهل الرأى، وخالف الليث فقه معاصره مالك بن أنس كثيرًا خاصة فيما يتصل بآراء مالك الفقهية التى بناها على عمل أهل المدينة أحد أصول فقه مالك. وقد فضّل الليث بن سعد الاعتماد فى مذهبه الفقهى على ما صحّ عنده من الأحاديث، وإجماع الصحابة، وكان من سمات مذهبه الفقهى رؤيته لوجوبية ما داوم النبى على فعله. وعلى الرغم من أن مالك بن أنس كان إمامًا لأهل الأثر، إلا أن الشافعى كان يرى بأن: «الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس»، وكذلك كان رأى معاصريهما من الفقهاء الذين ألمّوا بفقه مالك والليث كسعيد بن أبى أيوب الذى قال: «لو أن مالكًا والليث اجتمعا، كان مالك عند الليث أبكِم، ولباع الليث مالك فيمن يزيد» فى إقرار منه بأن الليث أفقههُما.
*نقلاً عن صحيفة روزاليوسف*
*نقلاً عن صحيفة روزاليوسف*