مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2023/12/06 19:44
نبى الرحمة
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
 
 
 
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم»
 
بالمؤمنين رؤوف رحيم».
 
«وإنك لعلى خلق عظيم».
 
بهذه الآيات الكريمة وصف رب العالمين محمدًا صلى الله عليه وسلم والذى ولد فى فجر يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من ربيع الأول والثانى والعشرين من شهر أبريل عام 570 ميلادية، فى عام الفيل، وهو العام الذى حاول أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، ويقول صلى الله عليه وسلم عن نسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام: «إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم».
 
كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التى كانت منتشرة فى مكة فلقد صانه الله وحماه منذ صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالصادق الأمين، ولما بلغ محمد صلى الله عليه وسلم خمسًا وثلاثين سنة شارك قريشًا فى بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا فى وضع الحجر الأسود حكموه فى الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعًا ثم أخذه محمد فوضعه فى مكانه وبنى عليه فرضى الجميع وانقطع النزاع, ولقد أحسنت السيدة خديجة فى وصفه عندما نزل عليه الوحى لأول مرة فعندما قال لها لقد خشيت على نفسى وأخبرها الخبر فقالت له: (والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدى الأمانة وتحمل الكل وتكرم الضيف وتعين على نوائب الدهر).
 
كُلّف صلى الله عليه وسلم  بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سرًا لثلاث سنوات، قضى بعدها عشر سنوات أُخَرى فى مكة مجاهرًا بدعوة أهلها، وقد أدى أمانة ربه أفضل ما يكون الأداء فعندما قال له عمه أبوطالب «أكفف عن قومك ما يكرهون من قولك» طالبًا منه بأن يوقف دعوته لأهل مكة، فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس فى يميني، والقمر فى يسارى، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فى طلبه». ثم حاولت قريش مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا كان يرفض فى كل مرة.
 
وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعًا، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم:4]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة». وكان  محمدٌ يقول «أنا دعوة إبراهيم، وكان آخر من بشّر بى عيسى ابن مريم»، قال أيضًا «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدى»، أى بُعث للناس كل وبهذه الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة, استطاع عليه السلام أن يجمع النفوس ويؤلف القلوب بإذن ربه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران/159.
 
وقد أرسل الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كل وأنزل عليه القرآن وأمره بالدعوة إلى الله كما قال سبحانه: (يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا) الأحزاب/46.
 
تُوفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تّم له 63عامًا.., وهو آخر الأنبياء والرسل فلا نبى بعده قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40.
 
قال عنه المؤرّخ الأسكتلندى وليم موير «امتاز محمد صلى الله عليه وسلم بوضوح كلامه، ويسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما أدهش الألباب، لم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق الحسنة، ورفع شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل محمد.
 
اعتبره الكاتب الأمريكى الشهير مايكل هارت وهو عالم فلكى رياضى يعمل بهيئة الفضاء الأمريكية فى كتابه الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم الشخصيّات أثرًا فى تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستويين الدينى والدنيوى».. فهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائِدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا. وبعد 14 قرنًا من وفاته، فإن أثر محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال مُتجدِّدًا.
 
هذه مقتطفات قليلة من سيره سيد الخلق وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الماحى الذى يمحو الله به الكفر، الحاشر الذى يحشر الناس على قدميه، العاقب الذى ليس بعده أحد، نبى التوبة، نبى الرحمة.  
 
*نقلا عن صحيفة روزاليوسف*
أضافة تعليق