الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام القاضى أبوالفضل عياض بن موسى بن عياض الأندلسى، والسبتى المالكى، وهو إمام الحديث فى وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.فهو أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي، ولد بسبتة ، فى عنفوان دولة المرابطين، ونشأ فى أكثر أيامهم ازدهارا وأحفلها بالمجد والتوسع والسلطان». وتحديدا عهد يوسف بن تاشفين وابنه على بن يوسف بن تاشفين، من «ازدهار واستقرار ورخاء وعدل ورفاهية، وتقدير كبير للعمل والعلماء»، وتعلم على شيوخ بلده، وأشير إليه عند ذاك بالذكاء والفهم. ثم رحل إلى الأندلس سنة (1113 م) فى طلب العلم،. وطاف بحواضر الأندلس التى كانت تفخر بشيوخها وأعلامها فى الفقه والحديث ؛ فنزل قرطبة، وأخذ عن شيوخها المعروفين كـ«ابن عتاب»، و«ابن الحاج»، و«ابن رشد»، و»أبى الحسين بن سراج» وغيرهم، ثم رحل إلى «مرسية» سنة (1114 م)، والتقى بأبى على الحسين بن محمد الصدفى، وكان حافظًا متقنًا حجة فى عصره، فلازمه، وسمع عليه الصحيحين البخارى ومسلم، وأجازه بجميع مروياته، وجد واجتهد القاضى عياض فى لقاء كبار العلماء والأخذ عنهم، فاجتمع له من شيوخه نحو المائة، جمعهم وعرف بهم فى كتابه المعروف بـ«الغنية. وعاد عياض إلى «سبتة» غزير العلم، جامعًا معارف واسعة؛ فاتجهت إليه الأنظار، والتفَّ حوله طلاب العلم وطلاب الفتوى، وكانت عودته فى (أكتوبر 1114 م)، وجلس للتدريس وهو فى الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد منصب القضاء فى «سبتة» سنة (1121 م) وظل فى منصبه ستة عشر عامًا، كان موضع تقدير الناس وإجلالهم له، ثم تولى قضاء «غرناطة» سنة (1136 م) وأقام بها مدة، ثم عاد إلى «سبتة» مرة أخرى ليتولى قضاءها سنة (1144 م). كانت حياة القاضى عياض موزعة بين القضاء والإقراء والتأليف، غير أن الذى أذاع شهرته، وخلَّد ذكره هو مصنفاته التى بوَّأَتْه مكانة رفيعة بين كبار الأئمة فى تاريخ الإسلام، والتى تشهد على سعة العلم وإتقان الحفظ، وجودة الفكر، والتبحر فى فنون مختلفة من العلم. وكان القاضى عياض فى علم الحديث الفذَّ فى الحفظ والرواية والدراية، العارف بطرقه، الحافظ لرجاله، البصير بحالهم؛ ولكى ينال هذه المكانة المرموقة كان سعيه الحثيث فى سماع الحديث من رجاله المعروفين والرحلة فى طلبه، حتى تحقق له من علو الإسناد والضبط والإتقان ما لم يتحقق إلا للجهابذة من المحدِّثين، وكان منهج عياض فى الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق المتن، وهو يعد النقل والرواية الأصل فى إثبات صحة الحديث، وتشدد فى قضية النقد لمتن الحديث ولفظه، وتأويل لفظه أو روايته بالمعنى، وما يجره ذلك من أبواب الخلاف.
وطالب المحدث أن ينقل الحديث مثلما سمعه ورواه،. وألَّف القاضى فى شرح الحديث ثلاثة كتب هى: «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» وهو من أدَلِّ الكتب على سعة ثقافة عياض فى علم الحديث وقدرته على الضبط والفهم، والتنبيه على مواطن الخطأ والوهم والزلل والتصحيف، وقد ضبط عياض فى هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ الحديث الذى ورد فى الصحيحين وموطأ مالك، وشرح ما غمض فى الكتب الثلاثة من ألفاظ، وحرَّر ما وقع فيه الاختلاف، أو تصرف فيه الرواة بالخطأ والتوهم فى السند والمتن، ثم رتَّب هذه الكلمات التى عرض لها على ترتيب حروف المعجم. أما الكتابان الآخران فهما «إكمال المعلم» شرح فيه صحيح مسلم، و«بغية الرائد لما فى حديث أم زرع من الفوائد». وله فى علم الحديث كتاب عظيم هو «الإلماع فى ضبط الرواية وتقييد السماع. وله مصنفات كثيرة ، إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، وهو كتاب مفيد فى تفسير غريب الحديث المختص بكتب الصحاح الثلاثة وهى: الموطأ وصحيح البخارى وصحيح مسلم،.، ترتيب المدارك وتنوير المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، الإعلام بحدود قواعد الإسلام، التنبيهات المستنبطة على المدونة، مذاهب الحكام فى نوازل الأحكام، والغنيه. قتل القاضى عياض فى مراكش ودفن بها سنة1149، ويرجع سبب قتله إلى رفضه الاعتراف بابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية الذى ادعى انه هو الإمام المهدى المنتظر فقتله ومثل بجثته. ومن أقواله: من طلب أخا بلا عيب صار بلا أخ.
*نقلاً عن صحيفة روزاليوسف*