إذا كانت المدارس تفتح لتعليم القراءة و الكتابة و تهذيب سلوك التلميذ قدراته، و تطوير مهاراته من الحسن إلى الأحسن، فإن التناقض الذي نراه و نلمسه بين سلوكنا و انتماءنا الحضاري و الديني، كما تعكسه تصرفات أبنائنا، لاشك يعود إلى أننا نستلهم تربيتنا الأسرية و المدرسية باعتمادنا لمنهجية لا تستوعبها عقول أبناءنا، في حين أننا لو استعنا، بالمبدأ الذي يقول: إن المدرسة هي المعلم، و المعلم هو المدرسة فمتى صلح المعلم صلحت المدرسة، لزال ذلك التناقض، و حل محله التوافق و الانسجام، بين سلوكنا و معاملاتنا، مع ما يقتضيه انتماؤنا الحضاري و الديني. و لا يخفى أن للوالدين كذلك مسؤولية تامة عن مراقبة المقررات التي تقدمها المدرسة لأبنائهم، للتثبت من أنها تناسب سِنّهم؟ و تتكيف عقولهم معها؟ أم أنها معلومات لحشو الأدمغة؟ أو بمعنى أوضح هي معلومات لتهديم دماغ الطفل؟ فلا تجده يكتب لك جملة مفيدة في اللغة العربية، أو يشرح لك نوعا من أنواع الخلايا، و ما مهمتها في جسم الإنسان بالنسبة لمادة العلوم الطبيعية، و لا نتكلم عن اللغات الأجنبية.... يوجد الكثير من أولياء التلاميذ الذين لا يهمهم أبناؤهم، و لا يسألون عنهم، إلا إذا ما استدعوا على عَجَلة من طرف مدير المدرسة أو الأستاذة، المهم و الأهم عندهم، هو أن التلميذ يذهب بحقيبته صباحا و يعود مساءًا. و نقولها صراحة لو كانوا أولياء التلاميذ يقظين لما يدور حولهم، لما كانت هذه الانتكاسة في المناهج التربوية، و لما استبدت بنا هذه المنهجية العقيمة، بل المنهجية الهادمة للعقل البشري، و ها نحن بإغفالنا الاطلاع على تلك المقررات المدرسية، و التأمل في المنهجية المعتمدة في تدريسها، قد ساهمنا في تهديم اللبنة البشرية، التي تعتبر هي الأساس لتطور الشعوب و نهضتها.. السؤال التالي على الأولياء: بالله عليكم ألا توجد لجانا تسمى بجمعيات أولياء التلاميذ في كل مدرسة و في كل إكمالية و ثانوية؟ أم أنها مجرد مسميات ليس لها معنى، و هل يليق بأسرة مثقفة كما نراها اليوم، يقوما الأب و الأم و هما في عجلة من أمرهما صباحا حتى يوصلا من يوصلا إلى الحضانة، أو المدرسة، و لسان حالهما يقول: أنهما يؤمّنان مستقبل أبناءهم، في حين أن الواقع يشهد أن هذا المستقبل الدراسي يزيد غموضا و تعقيدا... اشتكت لي تلميذة في الصف الثالث من التعليم الثانوي، بأن قسمها هذه السنة قد زاد انتكاسا، لأنهم قد ابتلوا بأستاذة لغة فرنسية لا تتقن اللغة الفرنسية، و صار التلاميذ هم الذين يصححون لها أخطاءها، و ابتلوا كذلك بأستاذة في مادة الفيزياء، حتى أنها و هي تشرح لهم المعادلة أخطأت في حلها و أخذت مسارا آخر، حيث قالت لي التلميذة : إنني آخذ دروسا خصوصية في هذه المادة منذ سنتين فتفطنت للخطأ...و باتت التلميذة تشرح للأستاذة...الكارثة هي لو أن الدرس مر و لم يتفطن أحدهم..!!! عندما تكشف بعض تقارير الاستشارات الوطنية لتقييم قطاع التربية و التعليم، عن حقائق خطيرة تسببت في تدهور النظام التربوي و التعليمي، و تشير إلى أن الإصلاحات المزعومة أدت إلى تدمير مستقبل أكثر من 8 ملايين تلميذ، بحيث أصبح التسرب المدرسي منذ تطبيقها سنة 2003، لا ينخفض عن 200 ألف تلميذ سنويا، يحق لنا أن نتساءل قائلين: أين يذهب هؤلاء؟ و ما مصيرهم في المستقبل؟ أم أنهم فئة لا تعنينا؟ عندما قام الأساتذة بكل شرائحهم بمظاهرات سلمية ضد هذه "المظلومة التربوية" تمنينا لو أدرج بين بنود مطالبهم بندا واحدا لصالح التلميذ، الذي غُيب حقه في المقررات، و غُيبت حقوقه في الفهم، و حقه في طريقة المعاملة، و حقه في خلاصه من الدروس الخصوصية، حقه في أن يذهب إلى مدرسته و يستوعب من استاذه، و يعود إلى بيته ليأخذ قسطا من الراحة و بعد ذلك يعود إلى درسه بينه و بين نفسه، لينام بعد ذلك و هو مستوعب لكل كلمة قيلت في هذا الدرس، مثل ما كان عليه والداه يوم أن درسوا و تخرجوا، فمنهم الطبيبة، و منهم المهندس، و منهم التقني، و بدون دروس خصوصية و لا مدارس احتواء عبقرية.. و كأن الأستاذ اليوم بات يريد رغد العيش و لا اعتبار عنده لحق التلميذ و الأمة و الوطن، فليرغب في ذلك ما شاء، و لكن عليه أن يثبت استحقاقه له بأن يقدم للتلميذ أفضل ما عنده من معارف و قيم، ساعتها فقط يقر له العالم كله بمطلبه، و يقدمه له شاكرا عن طيب نفس...