تمثل المرأة العمود الفقري في المجتمع، فهي أم و بنت و أخت و زوجة، فهي أول حاضنة لجيل المستقبل، و هي تلك الكتلة من المشاعر الممزوجة بالحنان و الصبر و الاحتساب ...و هي الطبيبة في مكان عملها، و المديرة، و المربية في دور الحضانة، و هي القاضية، و هي المحامية، و هي الممرضة ...و هي ملهمة الأجيال.
تقول باحثة العلاقات الإنسانية شيماء فؤاد: إن الزواج لا يتوقف على سن و مرحلة عمرية معينة، فهناك مجموعة من العوامل التي يتوقف عليها الزواج الناجح مثل النضج الفكري و العاطفي.
و بالنسبة لمرحلة النضج الفكري فهي تبدأ عند بلوغ سن السابعة و العشرين الذى يعتبر سن الشباب و الحيوية و النضج الكامل، و بعدها يبدأ المعدل في الهبوط، و السن ليس مقياس النضج، فقد يكون الشخص بالغ فسيولوجيا، لكن نضجه الفكري و العاطفي متدن جدا، و يعد هذا التدني من الأسباب الرئيسية لفشل الزواج.
و تشير شيماء إلى أن النضج الفكري ضروري لإقامة حياة زوجية ناجحة، و هو يعني معرفة معنى المسؤولية، بالإضافة لضرورة الإلمام بأخلاقيات الحياة الزوجية البسيطة، الموجودة في الكتب السماوية، و التي لا يشترط أن يكون الفرد مثقفا حتى يعرفها، كمعنى الرجولة و القوامة، وهذا بالنسبة للشباب و الفتيات معا، فهن بحاجة أيضا إلى ثقل وعيهن بطبيعة الحياة في بيت الزوجية، و كيف تحافظ على هذه الحياة مستقرة بعيدا عن الأفكار التي تبتعد عن الوسطية، و تقديس الحياة الزوجية.
أما النضج العاطفي فهو عُمق ف الإنسان يسمح له أن يحتوي انفعالات شريك حياته، و هو شيء منفصل عن النضج الفكري، هو معنى له علاقة بالصبر و التفهم و العطاء و تقبل الأعذار، فالإنسان الناضج عاطفيا هو الذي يجمع بين الواقعية و الرومانسية، و العطاء و التسامح و العقاب، و يتحكم في غيرته و انفعالاته، و هذا النضج العاطفي، يأتي نتيجة تجارب الحياة العامة، و ليس مرتبطا بالنضج الفكري، إنما هذا الأخير يغذيه فقط، إذا تواجد معه.
إن الشرع قد حدد للمرأة مكانها، و وضح لها رسالتها، و هي تنشئة جيل على وعي و فهم و خلق و رجولة، و بناء أسرة متماسكة قوية، دعائمها الحب و الود، و العطاء و البذل، و المشاركة في أمور و شؤون المجتمع، باعتبارها جزء منه لا ينفصل و لا يتجزأ عنه، و أعطى المرأة مجالها و حقها في التعليم، و مجالها و حقها في المال، و مجالها و حقها في إبداء الرأي و المشاركة فيه. و حمّل الرجل تكاليف و أعباء المسؤولية، حتى يكون التوازن المنشود للمجتمع ككل.
و منذ أن انصرف المجتمع الإسلامي عن هذا التوازن، سواء كان بعوامل من الداخل أو من الخارج، تعددت مظاهر الفساد، و تعددت المشاكل، و تعقدت أكثر، و تأزمت حالة الأسرة ككل.
و لذا اهتمت مؤسسات التنشئة الاجتماعية في كل المجتمعات الإنسانية بتمكين الجنسين من تحقيق المستوى المطلوب من هذا النضج الفكري و العاطفي الذي يشكل الركيزة الأساسية لاستقرار الحياة الزوجية، و الذي من شأنه أن يحد و يقلص من ظاهرة الطلاق التي تعتبر سببا و عاملا قويا لخلخلة المجتمع و فقدانه لتوازنه، و لذلك نرى هذه المؤسسات الممثلة في الأسرة و المدرسة و النوادي الثقافية و الفنية و الوسائط الإعلامية من تلفزة و إذاعة و فضائيات، في المجتمعات السليمة و الناضجة حضاريا، تضع برامج و أنشطة تهدف إلى تسريع نمو هذا النضج العاطفي و الفكري لدى الناشئة، وهي تركز أكثر ما تركز على ضرورة تكامل جهود الجنسين، و التأكيد على حاجة المجتمع لهذا الطرف و ذاك، و أن أحدهما لا يغني عن الآخر، و تحرص كل الحرص على أن ينشأ الجنسان على احترام بعضهما لبعض، و أن لا يترفع أحدهما على الآخر، و ذلك تجنيبا للمجتمع لأي صراع بينهما قد يسهم في قلقلته و يضر بانسجامه و تناغمه، و المجتمعات التي تشكو من التخلف و تفتقر للنضج الحضاري، هي التي تنشأ فيها الصراعات بين الجنسين و تلك الصراعات تقوم دليلا على عدم تحقق النضج الفكري و العاطفي للمرأة و الرجل على حد السواء...