استوقفتني بعض القصص التي تسوقها ألسنة أقرباء أو أصدقاء، وهي تسرد بطريقة عجيبة وغريبة، لأنها من وجهة نظري لا تتسق مع فكر المسلم، الراسخ العقيدة، السليم الفطرة.
أما القصة الأولى مفادها امرأة في مقتبل العمر، فقدت وحيدها صاحب العشرة ربيعا، فكانت طبعا صدمة كبيرة وألما وحزنا لم تستطع الأم أن تشفى منه، وطبعا تأثر الكثير من المقربين والأصدقاء بهذه الحادثة المؤلمة، هذا كله سليم، ما جذب انتباهي إلى هذه القصة، هو تحدثت بعض النسوة على أن الله سبحانه وتعالى وحيد هذه المرأة، ولم يختر ولد المرأة التي لديها ثلاث أو أربع أطفال، لماذا حرمها هي بالذات من فلذة كبدها…
أما القصة الثانية مفادها أن الله سبحانه وتعالى يختار الإنسان الطيب، صاحب الفكر الرزين، والقلب السليم، ويبتليه بعدة أمور، أو أن يتوفاه قبل الإنسان السيئ الخلق، الذي كره الناس طباعه حتى تمنوا أن يقبضه الله إليه…
صدقا، عندما أستمع إلى قصص من مثل هذا القبيل، ومن عقول تحمل كل هذا الجهل المركب في قضية العقيدة السليمة للمسلم، وفي حق الله سبحانه عز وجل، وكيف ينساق الناس وراء هذا الجدال العقيم، وكيف أسيء فهم أسماء الله الحسنى شرعة ومنهاجا، يدفعنا ذلك إلى أن نطرح على أنفسنا تساؤلات كثيرة حول سبب هذا الانحراف الفكري والخلل العقائدي لدى بعضهن وبعضهم، وفي هذا الصدد يقول الدكتور النابلسي: (( من أكبر أنواع الجهل أن تظن بالله ظن السوء، قال تعالى :{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}[سورة آل عمران: 154 ].
حينما يعتقد الإنسان أن الله لن ينصر المسلمين، فهذا ظن سوء، وينطلق من جهل فاضح، أو أن الله تخلى عنهم، أو أن الله ينصر الكفار، أو أن الله لن يحاسب، وهذه الدنيا ليس بعدها شيء، من كان غنياً فهو في جنة، ومن كان فقيراً فهو في نار، من ظن أن الدنيا هي كل شيء فهذا من أشد أنواع الجهل)).
وهنا يقول ابن القيم – رحمه الله – في كلام نفيس لطيف – “وأكملُ الناس عبوديةً: المتعبِّدُ بجميع الأسماء والصفات التي يطَّلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمَن يحجبه التعبُّدُ باسمه (القدير) عن التعبد باسمه (الحليم الرحيم)، أو اسمه (المعطي) عن اسمه (المانع)، أو عبودية اسمه (الرحيم والعفو والغفور) عن اسمه (المنتقم)، أو التعبد بأسماء (التودد، والبر، واللطف، والإحسان).
على كل أب وأم أن يحرِصا على تعليم أبنائهم من الصغر ونعومة الأظفار ما يجب عليهم أن يتعلموه في دينهم، عقيدة ومنهجا في الحياة، وأن يُربوهم على أن العلم في الإسلام مقصوده العمل، وأن العمل بلا علم كالحرث في الماء، ولابد للطفل أن يتربى كذلك على مفهوم كل اسم من أسماء الله الحسنى، حتى يعلم أن الله هو المعطي وهو المانع، وهو النافع وهو الضار، وهو القابض وهو الباسط..، وهو أعلم بنا من أنفسنا، ولو اطلعنا على الغيب لرضينا بما قسمه الله لنا، بذلك نجنبهم حين يكبرون أن ينجرفوا وراء أنانياتهم فيسيئون الأدب مع الله سبحانه فينقلبون بعد إيمانهم كافرين، ونشقى نحن بهم أحياء وأمواتا لا قدر الله…