بقلم:د/محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهريشير كثير من العلماء المسلمين إلى الأفكار العلمية الصالحة للتصنيف، في كثير من مصنفاتهم، في ثنايا كلامهم، في إشارات عابرة، مقصودة أو غير مقصودة، وهذا أمر لا يخلو من دلالة على ثلاثة أمور:الأول: اتساع الأفق العلمي عند المصنف المسلم الذي جعله لا ينحصر في فكرة التصنيف القائم فعلا، بل دعاه إلى التحليق في أجواء التفكير العلمي لاقتناص شوارده، وتقييد أوابده!الثاني: حرص المصنف المسلم على التواصل العلمي بين الأجيال، عن طريق طرحه للأفكار الصالحة للتصنيف لمن يصنف فيها ممن يأتي بعده، لتتصل الحلقات ولا تنقطع، وفي هذا من الحرص على بذل العلم وعدم كتمانه - أيضا - ما فيه!ولقد قال لنا - مرة - شيخنا الدكتور عبد المهدي عبد القادر ونحن طلاب في الدراسات العليا: ما لي أراكم بخلاء؟!فعجبنا من قوله!فقال: تكون عند أحدكم الفكرة أو الأفكار لا يبدو له أن يكتب فيها في عاجل أمره، فيبخل بها على إخوانه، فلعله يموت من غير أن يكتب فيها، فيموت وعلمه في صدره، فيكون كاتما للعلم ملعونا!!فأعجبني هذا المعنى في كتمان العلم، فنفعني الله به!وقد كنت قرأت ((تدريب الراوي)) على شيخنا العلامة الدكتور إبراهيم الدسوقي خميس - رحمه الله - وهو من طبقة شيوخ شيوخنا، لكنني أدركته - بفضل الله - بأخرة، وقرأت عليه، وعلقت عنه حواشي عزيزة على ((التدريب)) كل تعليقة منها تصلح أن تكون نواة لرسالة جامعية أو لبحث علمي، وقد أعطيت كثيرا منها بعض إخواني، وحصلوا بها على مرادهم، والحمد لله على توفيقه!الثالث: تنمية فكرة العمل الجماعي، وبث روح الفريق، وتوزيع الأدوار، وتنويع المهام، وتحقيق نظرية((أنتم شركاء في الأجر))، لئلا يحرم جيل من أجيال الأمة من حظه في دفع مسيرتها وبناء حضارتها، ولئلا تكون الأمة كلها عالة على أجيال بعينها، فيعاقبها الله بالعجز والإفلاس، والعلم بحر زاخر، وكم ترك الأول للآخر!ومن هذا القبيل فكرة مشروع ((جمع السنة من خلال كتب الزوائد)) التي أشار إليها الحافظ ابن حجر!فانظر كيف تتابعت الأجيال كلها على هذه الفكرة بدءا من الهيثمي والبوصيري أستاذي علم الزوائد ، فمرورا بابن حجر، فانتهاء بخلدون الأحدب في (( زوائد تاريخ بغداد))، ثم طلاب قسم السنة بعد، ويوشك أن تجمع السنة كلها من خلالها!ولو أمكن تتبع هذه الأفكار المتناثرة في بطون الكتب، ووضعها في مصنف واحد مرتب على الموضوعات لكان عملا جليلا يقدم خدمة حقيقية للباحثين!وأعتقد أنه لا يمكن أن ينهض لهذا العمل الجليل إلا أمثال العلامة خير الدين الزركلي صاحب (( الأعلام)) أو العلامة حاجي خليفة - بالتركية - أو الحاج خليفة - بالعربية - وهو اختيار الدكتور الطناحي في النطق بها، كما أفادني به الدكتور عبد الحكيم الأنيس، وهو صاحب(( كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون)).أو لعله تشكل لجان علمية كبرى كلجان الموسوعات ودوائر المعارف لإنجاز هذا العمل، تبعا لضوابط معينة، ووفق خطة زمنية محددة، وفي هذا إن شاء الله ما تقر به عين الباحث، ويسر به فؤاد اللبيب!