مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/09/12 17:45
خطبة عرفة...بين الواقع والمأمول!


د.محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر

باتت خطبة عرفة مرتبطة في الأذهان - شكلا - بسماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية وبطريقة أدائه المميزة، - ومضمونا - بالحديث عن دين الإسلام من ألفه إلى يائه، مع التركيز الواضح على الشرك وعبادة القبور، وإخراج المسلمين من دائرة التوحيد إلى دائرة الشرك، بما يأتون من نواقض التوحيد، ومظاهر الشرك والوثنية!
وحين اكتوت المملكة العربية السعودية بنيران الإرهاب التي عمت العالم، وأشعلها الفكر الإقصائي المتشدد، وغذاها وقود التكفير والتبديع والتفسيق؛ انتقلت الخطبة إلى الحديث عن الإرهاب وخطورته، وخطورة التكفير على المجتمعات، واحترام حقوق الإنسان، وبيان يسر الإسلام وسماحته، والتزام أدب الحوار، والرفق بالمخالفين، والدعوة إلى الوحدة، ونبذ الخلاف!  
وأظن أن خطبة عرفة لا يمكن أن تؤدي دورها المأمول منها في تبصير المسلمين بحقيقة الدين، وجمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم، وتحقيق عالمية الإسلام المتمثلة - في أجلى صورها - في شعيرة الحج؛ إلا بأمرين:
الأول: في الشكل، وذلك بالتنويع في اختيار الخطيب، بحيث يختار للخطبة كل عام من علماء المسلمين - وما أكثرهم في كل البلاد - خطيب متميز في علمه وفكره وأدائه، قادر على إبلاغ الرسالة، وتحقيق الهدف!
وقد سمحت المملكة بذلك في بعض الأحيان، مثل سماحها لفضيلة شيخنا الإمام محمد متولي الشعراوي بالخطبة سنة من السنين، حين كان معارا للتدريس في مكة، وكانت خطبة مميزة فكرا وأسلوبا وأداء!
وللمملكة الحق في تنظيم أعمال الحج والعمرة، باعتبار أن المشاعر المقدسة تقع على أراضيها وتحت مسؤوليتها، ولكن هذا لا يمنع من الاستعانة بغير السعوديين في خطبة عرفة!
ولنا في مصر تجربة مرموقة، حيث تولى مشيخة الأزهر عدد من العلماء من غير المصريين، كالشيخين: حسن العطار المغربي الأصل، ومحمد الخضر حسين التونسي المولد الجزائري النشأة، رغم أن الأزهر يقع داخل الأراضي المصرية وتحت مسؤولية الحكومة المصرية، وذلك باعتبار أن الأزهر مؤسسة عالمية وإن كانت على أرض مصرية!
والثاني: في المضمون، وليس هناك خير من مضمون خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة، حتى إنها اعتبرت أساسا للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته هيئة الأمم المتحدة، كما بين ذلك أستاذنا الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي في كتابه بهذا الخصوص!
وحين نتأمل خطبة النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنها لم تتعرض للحديث عن الشرك، بل على العكس قرررت أن الشرك ميؤوس منه، وليس ظاهرة يجب المبالغة في التحذير منها، وإدارة الكلام حولها كل عام، وإلا فما جدوى البعثة النبوية؟!
"إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن رضي بالتحريش بينهم!"
وفي هذا إيماء إلى أنه ينبغي التركيز على ما يقضي على التحريش بين المسلمين، وليس على ما يعمق الخلاف بينهم، ويزيد من حدته!
كما تناولت خطبته صلى الله عليه وسلم أصول المحرمات، وهي الدماء والأموال والأعراض، وأن كل ما كان من أمر الجاهلية فهو هدر وموضوع، مهما كان فاعله!
واشتملت الخطبة على أصول حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق الزوجين - الرجل والمرأة - اللذين هما عماد المجتمعات، وحقوقهما أصل جميع الحقوق!
وأوصت الخطبة بالضعفاء، لا سيما المرأة التي هي مظهر الضعف الأجلى، في كل مراحل حياتها وأشكالها وصورها!
وهي أنموذج لحقوق الضعفاء، لا سيما العمالة الوافدة التي تعامل معاملة الأسرى في بعض الدول العربية المسلمة!
هذا: ولم تستغرق خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة - وهي من أطول خطبه، إن لم تكن أطولها - حسبما تم قياسه بالأداء الرتيب المطمئن - أكثر من عشرين دقيقة، وهو الوقت الذي استندت إليه بعض الجهات المعنية بالوعظ والدعوة في تحديد وقت الخطبة!
وبعد: فإني أحيي خطيب عرفة اليوم الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي، والأستاذ في كلية الشريعة، في جامعة أم القرى، فقد أوجز، وأنجز، وأصاب المحز!

أضافة تعليق