د.محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
شيخ الإسلام، وأمير المؤمنين في الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني - رضي الله عنه - يقول - على سبيل التواضع والهضم لنفسه - كما روى عنه تلميذه الحافظ السخاوي -: "لستُ راضيًا عن شيء من تصانيفي؛ لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيَّأ لي مَن يُحرّرها معي، سوى شرح البخاري، ومقدّمته، والمشتبه، والتهذيب، ولسان الميزان".
قال: "وأما سائر المجموعات فهي كثيرة العَدد، واهية العُدَد، ضعيفة القُوى، ظامئة الرُّوى، ولكنها كما قال بعضُ الحفّاظ من أهل المائة الخامسة:
وما لي فيه سوى أنَّني = أراه هوى وافق المقصدا
وأرجو الثواب بِكَتْبِ الصّلا = ة على السيّد المصطفى أحمدا ".
وفي هذا تنبيه على أمور:
أولها: تواضع العالم المصنف، وعدم اغتراره بتصانيفه، والنظر إليها بعين النقص، ونشدانه الدائب للإجادة فيها!
ومن تواضع العلماء المصنفين قول الحافظ الذهبي في ترجمته لنفسه:" وجمع تواليف - يُقالُ مفيدة - والجماعة يتفضلون، ويثنون عليه، وهو أخبر بنفسه، وبنقصه في العلم والعمل، والله المستعان، ولا قوة إلا به، وإذا سلم لي إيماني فيا فوزي!".
وثانيها: أن المصنفات الأولى التي صنفها العالم في ابتداء أمره؛ غالبا ما ينقصها التحرير والتهذيب، ولهذا امتنع بعضهم من التصنيف إلا بعد كمال الأهلية!
وقد بلغني عن العلامة الدكتور بشار عواد معروف؛ أن أكثر تصانيفه كانت بعد الخمسين من عمره أو نحو هذا!
وثالثها: أن عين المصنف تحتاج إلى عين أخرى للنظر في مصنفاته لتحريرها؛ لأنه قلما يدركها بنفسه، ولهذا كان بعضهم يعرض تصنيفه على شيوخه وعلماء عصره بغرض التقييم والتقويم، كما فعل البخاري مسلم وغيرهما!
رحم الله الأئمة، فكم أخجلوا المصنفين بعدهم، وفضحوا غرورهم!