بداية لا بد لنا أن نعرف الأخلاق لغة و اصطلاحا، الخلق لغة: بسكون اللام أو ضمها: السجية، و الخليقة هي الطبيعة و الخلقة هي الفطرة. سواء كانت خيرا أو شرا. . و أما اصطلاحا: فهو الصورة الباطنة للإنسان و التي يمكن أن تظهر للآخرين بأشكال مختلفة على جوارحه الظاهرة للناس. و عرَّفه ابن المبارك فقال: هو طلاقة الوجه و بذل المعروف و كف الأذى. و قيل: هو صلاح القلب مع صلاح الجوارح. لا يختلف اثنان فيما وصل اليه مجتمعنا من تدني كبير أخلاقيا، في بيوتنا و شوارعنا و مؤسساتنا، من بذاءة لسان، و من بذاءة أفكار، و من بذاءة تعاملات و على كل الأصعدة، إذ اليوم المواطن لا يصبح أو يمسي إلا على شكل رهيب و غريب من الجرائم التي لم نكن في الماضي القريب نسمع بها و ما كانت بمثل هذا الشيوع و الانتشار، و قد كانت من الندرة بحيث لم نكن نوليها اهتمامنا مثلما أصبحت عليه اليوم، حيث جعلت المجتمع كله يتوخى الحذر و الحيطة على نفسه و على عائلته و أولاده... ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرًا إلا دل أمته عليه، و لا علم شرًا إلا حذر أمته منه، و من جملة الشر الذي حذر النبي صلى الله عليه و سلم منه: سوء الخلق. يقول ابن القيم –رحمه الله – عن منشأ سوء الخلق: "و منشأ جميع الأخلاق السافلة و بناؤها على أربعة أركان: الجهل و الظلم و الشهوة و الغضب. فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح، و القبيح في صورة الحسن. و الكمال نقصا و النقص كمالا. و الظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضا، و يرضى في موضع الغضب، و يجهل في موضع الأناة، و يبخل في موضع البذل و يبذل في موضع البخل، و يحجم في موضع الإقدام، و يقدم في موضع الإحجام، و يلين في موضع الشدة، و يشتد في موضع اللين، و يتواضع في موضع العزة، و يتكبر في موضع التواضع. و الشهوة: تحمله على الحرص و الشح و البخل، و عدم العفة و النهمة و الجشع و الذل و الدناءات كلها. و الغضب يحمله على الكبر و الحقد، و الحسد و العدوان و السفه. و يتركب من بين كل خلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة. و ملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعف، و إفراطها في القوة. فيتولد من إفراطها في الضعف: المهانة و البخل و الخسة و اللؤم و الذل و الحرص و الشح و سفساف الأمور. و يتولد من إفراطها في القوة: الظلم و الغضب و الحدة و الفحش و الطيش. و يتولد من تزاوج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غية كثيرون (أي أخلاق سيئة كثيرة). فإن النفس قد تجمع قوة و ضعفا. فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، و أذلهم إذا قُهر، ظالم عنوف جبار، فإذا قهر صار أضعف من امرأة. جبانا عن القوي، جريئا على الضعيف. فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا. و إن ما نعاينه اليوم من سوء الأخلاق سببه أن النفوس أصبحت مريضة، فمرض المجتمع لمرضها، و أصبح لزاما على كل هيئة رسمية أن تتصدى لذلك، و تقوم بدورها الأساسي في المجتمع الذي ينتظر منها الكثير كالمدرسة، و جمعيات عامة، و مساجد، و دور سينما، و مسرح ...أين دورهم في حماية هذا النشء الصاعد، الذي تربى على أخبث ما في التكنولوجيا الحديثة، و التي لم يأخذ منها سوى العنف، و الكلمات البذيئة، و كل ما هو ذميم من الأخلاق... لا بد أن يعي أئمتنا أن الجيل القادم لا يحتاج إلى فقه في الصيام و القيام، أكثر مما يحتاج اليه من حسن الخلق...و أن يعي القائمين على دور السينما و المسرح و التلفاز "الإعلام المسموع و المقروء و المريء ككل" و أن هذا الجيل لا يحتاج أن يروح عن نفسه، بقدر ما هو محتاج إلى تقويم أخلاقه و تنزيه للسانه... و أخيرا لا بد أن تتفطن الأم و الأب إلى أن هذا الابن، أو تلك البنت احتياجهم إلى تطهير اللسان، من تلك الألفاظ النابية، و تقويم الأخلاق ككل من كل مرذول شائن، ليعود عليهم ذلك و على مجتمعهم بما يقيـــهم السيئات، و يرتفع بهم في الأخلاق أعلى الدرجات... فنضمن لبيوتنا الاستقرار، و تتطهر شوارعنا من الأوباش و الأشرار، و مؤسساتنا من الانحرافات المقيتة، بذلك نضمن لمجتمعنا الرقي و الازدهار، فنحن اليوم في الجزائر نحتاج لطيب الأخلاق أكثر من حاجاتنا لفائض الأرزاق.