مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بصيرة في مراتب أقوال أئمة العلم وموقف المسلم منها

تختلف مراتب أقوال أئمة العلم لترددها بين الصواب والخطأ، فما كان منها صواب احتلَّ مرتبة الصدارة في نيل الأجرين لرجحانه، وما جانب الصواب اجتهاداً انحط عن مرتبة السَّبق لنيل الأجرين إلى الأجر الواحد لضعفه ومرجوحيَّتِهِ.
أما إدراك صوابها من خطئها فَمَرَدُّه إلى علم الموازنة الذي أطلق عليه أئمة العلم (الفقه المقارن أو فقه الموازنات) الذي لا بد من الإلمام به لمن يتشوف إلى معرفة صواب آراء أئمة العلم من خطئها، وراجحها من مرجوحها وقويها من ضعيفها.
أما موقف المسلم منها: فالموقف من أقوال غير المعصومين من الوقوع في الخطأ -وممن تترد آراؤهم بين الصواب والخطأ، فلسنا ملزمين بالتعبد لله عزوجل بأقوال أَيٍّ منهم- وإنما التعبد لله عزوجل باتباع القرآن وكلام الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عزوجل أن نأخذ بما أتانا به من عنده لقوله سبحانه:
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(الحشر: من الآية7).
كما يُحْظَرُ التعصبُ لآرائهم وإنزال اجتهاداتهم منزلة النص من قول الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نَهَوْا كلَّ من الله صلى الله عليه وسلم فقد أجمعوا رحمهم الله تعالى على عدم عصمة آرائهم البشرية وعلى عدم قداستها من شوائب الخطأ والوهن والمرجوحية وقد بنى كلٌّ منهم اجتهاده على الظنون الراجحة المحتملة للمرجوحية، وعلى ما يظنه صواباً لكنه غير مبرأ من الوقوع في الخطأ، ولهذا لم يستجيزوا رحمهم الله إيجاب إتباعهم فيما ذهبوا إليه من الآراء الظنية البشرية، ورَفضوا حَمْلَ ولاةِ الأمر الناسَ على أقوالهم ومذاهبهم.
فهذا إمام دار الهجرة مالك ابن أنس رحمه الله رفض تعميم خليفة المسلمين في وقته لكتابه الْمُوَطَّأ وإلزام الأمصار بمذهبه معللاً موقفه هذا بأن حَمَلَةَ القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين توزعوا الأمصار وارتادوها وعند كُلٍّ علمٌ واجتهادٌ، وَهَدْيٌ من هَدْيِ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكل قطر بيئتُهُ وأحداثه وقضاياه التي قَدْ تقتضي فِقهاً وفتاوى غير أُقضية وفتاوى القطر الآخر، فهذا الشافعي رحمه الله رأى لقضايا واجهها في العراق أُقْضِيَةً وحلولا، رأي خلافها في مصر، فَإِنَّ لكل مقام مقالاً، ولكل مجال رجالاً، ولكل حادثة حديثاً، ولكل قضية قضاء، ولكل مشكلة حَلاً، ولكل معضلة أهلاً، إذ لابد أن يطابق الحكم مُلتَمِسُ، إما نَصَّاً أو استنباطاً واجتهاداً يَتَردَّدُ بَيْنَ الصَّواب والخطأ وقد قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل: من الآية89) وقال تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وأما الأفعال الصبيانية التي صدرت من المقلدين من أهل العصبية في مراحل من حِقَب الانحطاط التي ساد فيها الجهل بحقائق القرآن والسنة، وَكَثُرَ الْجَهَلَةُ المقلِّدون المتعصبون لمذاهب الأئمة رحمهم الله ورَكِبُوا فيه شَطَطاً من الأقوال والأفعال والممارسات المنكرة وقالوا ببطلان صلاة الحنفي بعد المالكي، وبالعكس، وببطلان صلاة الحنبلي بعد الإمام الشافعي وبالعكس حتى بلغ بهم التعصب أن أنزلوا أقوال الأئمة منزلة قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحابوا فيها وتباغضوا فيها حتى صنعوا في الحَرَمِ الشريف لكل إمام مقاما للأذان وإماماً للصلاة وهذا من جنون التعصب ، وتعصب الجنون، وهذا العوج في الاعتقاد والسلوك ما كان له أن يكون لولا غياب ذوي الأهلية الإيمانية العلمية والأهلية العملية وَالْهَدْي والرشاد الرباني وهذه الظواهر الْعَبثِيَّة الصبيانية لا يبلغ من أمرها أن تطفح على السطح إلا عند غياب أئمة الهدى من العلماء الحكماء وأَئِمة الرشاد من الوُلاَةِ والأُمراءِ الصُّلَحَاء، وهي ظَاهِرَةٌ لَيْسَتْ حُجَّةً على الإسلام ولكنها شاهدة على
أضافة تعليق