الشيخ ياسين عبد العزيز
ليس هناك من العقلاء من يجحد أن حركة الإخوان المسلمين المباركة هي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث،..
نشأت على إثر إعلان ’’أتاتورك’’ إلغاء الخلافة الإسلامية مع تفرق الكلمة، وتبدد الصف، وقلة الحيلة، وَكَلَبِ أعداء الدعوة الأجانب، والأقارب الذين رموا أمة الإسلام عن قوس واحدة من الخارج والداخل.
فَقَدْ اسْتَبَقُوا سقوط الخلافة بِغَرْس بذور الْوَهَن في مقوماتها مُبَكِّرين.
وبغرس عملائهم في مفاصلها مُتَنَكِّرين حتى تَضَعْضَعَتْ.
إِذْ بَدَأُوا بالدين فَسَخَّرُوا الضِّعاف من علمائه بوسائل كيدٍ شتّى حتى ضَعُفَ سلطانُ أهل العلم، وَوَهَنَت هيبتُهم في نفوس المسلمين، وَوَجدوا في الأمة ثُغَرَاًَ قديمةً فَوَسَّعُوها وأَدْخَلُوا في الدين ما ليس منه، وشجعوا المحدثات في الدين بتشجيع مُحْدِثِيها.
أعانهم على ذلك كله الانحطاطُ العام الذي ابتليت به أُمَّةُ التوحيد في جميع الجوانب.
فكاثروها بما أَسْفَرَتْ عنه حضارتُهم المادية من وسائل الحياة، والتمكين حتى غمروها.
وزهَّدوا الكثيرين من شبابها، وقادتها في حضارتهم الإسلامية حتى صيَّروها في نظرهم عقيمة، وقديمة.
حيث عمدوا إلى شبابها فرموه بتهاويل حضارتهم المادية التي أَفْرَغُوها من المعاني الإيمانية والإنسانية معاً، فأغروهم بالوقوع في شباكها لِيُصَيِّرُهم أَحَد أَشراكها، فوقع منهم من وقع، وخرق في السفينة خرقاً ،ونجا منهم من لَبِسَ من دِينهِ حِزَامَ النجاة، وَلِبَاسَ اْلَعوْمِ في الخِضَمَّ.
ثم عمدوا إلى الكثير من عِلْيتِها وقياداتها فأغروهم بالرَُتب، والرواتب، والألقاب، والأعمال، والأموال، فأغروا بينهم العداوة، والبغضاء حتى يُذْعِنُوا لمؤامراتهم ضد دينهم، وأمتهم، وأرضهم، وأوطَانهم وثروات أمتهم.
وشغلوهم بتوافه الأمور عن عظائمها، وببعضهم بعضا عن الأعداء، وبأنفسهم عن إصلاح أمر أمتهم، فما استفاقوا إلا على أوطان مقسمة، وأمة منقسمة، وشريعة مستبعدة وجيوش منهزمة، وأجواء قاتمة، ودول طوائف قائمة، غير أن أسماءها لها، ومسمياتها وأعمالها لأعدائها.
وفي هذه الفترة كانت الخلافة الإسلامية قد تهاوتْ بعد أن اِنهَدَّتْ أعمدتها، وانهار سقفها حين انتقضت أركانها، وانحلَّت عراها، فحل بغيابِها وغيابِ الشريعة الظلامُ، وحلت الحيرةُ بأمة الإسلام، وأَلَمَّتْ بها الحسرة وتفرق صفُّها ، وتَشَتَّتَ سلطانُها ، وتمزقتْ أرضُها ، واستُعْمِرَتْ أقطارها وشعوبُها، وانتهيت ثرواتُها ،وخيراتها.
وما هي إلا فترة من الزمن - إذا - بحركة الأخوان المسلمين المباركة، رائدةِ الفئةِ الظَّاهرة تظهر إثر احتجاب الخلافة الإسلامية العالمية ظُهُوْرَ الشمس إلى الإشراق، وعودة الشجرة إلى الإيراق إِثْرَ تساقط الأوراق، لِتُجَدِّدَ للأُمة أمر دينها بعد الِْبلاءِ ما استطاعتْ.
ولقد كان في ظهور حركة الأخوان تدبيرٌ إلهيٌ يُدْرِكُهُ الْعُقَلاءُ الأيْقَاظُ، لأن في ظهورها استئنافاً للحياة بحقائق هذا الدين الخاتم، والاهتداء بهديه.
وقد ظهرت مع تَجَهُّمِ الأيام، وتراكم سُحُب الباطل، وَتَنَكُّر الأحداث، واستبهام المسالك، وصعوبة اقتحام العقبات، فَمَهَّدَتْ لإِصْلاحِ ما فَسَدَ من الحياةِ بالإسلامِ طريقاً مستقيماً رغم ما لاقتْ من مكاره، ومن صراع مرير مع الأعداء الأجانب، والأقارب، ومع أُمِّيَّةِ الأمة الدينية.
فقد تأسس بنيانُها المتين على تقوى من الله عز وجل على يد العالم الرباني المجدد حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البناء رحمه الله تعالى مع مجموعة من زملائه الأبرار في ذي القعدة من عام 1347هـ الموافق 1928م وقد أعلنوا إيمانهم المطلق بالإسلام الشامل الكامل كما نص عليه الكتاب الكريم، وقررته السنة المطهرة.
ومن ثم جاءت دعوتهم الواضحة إلى الإيمان بالإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه واله وسلم عقيدةً، وشريعةً، ومنهاجَ حياةٍ.
وفي إطار العقيدة، دعت جماعةُ الإخوانِ المسلمين إلى توحيد الربوبية، والإلوهية،
والأسماء والصفات.كما دعت إلى إعلان الحاكمية لله عز وجل وحده عملا بمحكم قوله تعالى:}أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ وقوله تعالى:}إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون { .
ونادت الحركةُ بالعودة إلى الاعتصام بالمنهل الصافي، كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وإلى سنة من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
كما دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الفرد، والأسرة، والمجتمع، والأمة، والدولة.
وآمنت بالتدرج في العودة بالمسلمين إلى دين الله عز وجل، وفي دعوة غير المسلمين إلى حقائق الإسلام بالرفق واللين وبالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وبالطَّيِّبِ من القول، وبالعمل الرشيد، وبالقدوة الحسنة.
فقد خلََّف البعدُ عن عصر النبوة، والخلافة الراشدة في حياة المسلمين الكثيرَ من الاضطراب والانحراف الذي لا يُعَالَجُ إلا بحكمة الحكماء، ورفق الموجهين، ورشاد المرشدين، وخُلُق الداعين.
كما أخذت بفقه الأولويات الشرعية مسترشدةً بحديث شعب الأيمان، مهتديةً بِهَدْىِ أعلاها، وأدناها.
فَقَدْ قَدَّمَتْ الاشتغال بأساسات الإسلام، وقواعد العقيدة، وأُصول الدين، ومقاصد الشريعة على ما عداها، وما اتُّفِقَ عليه على ما اخْتُلِفَ فيه، وما يَجْمَعُ على ما يُفَرِّق.
وما زال علماء المسلمين منذ الصدر الأول يعذر بعضهم بعضاً على الاختلاف في الفروع ما داموا متفقين على النصوص والقواعد ،والأصول ،والمقاصد.
وفي إطار إعادة صياغة الحياة الإسلامية الفردية، والجماعية دعت الحركةُ إلى توحيد ما تفرق من شمل الحياة الإسلامية جَرَّاءَ غيابِ الشريعة، وسقوط الخلافة حيث قسَّم الأعداءُ الأجانبُ ،ووافقهم العملاءُ الأقارب الأُمةَ الإسلاميةِ الواحدةَ إلى أُمَمٍ، وَالدَّوْلَةَ الواحدةَ إلى دُوَلٍ، والأرضَ الواحدةَ إلى قِطَعٍ.
فَدَعَتْ الحركةُ إلى إعادةِ وحْدة الأمةِ، والدولةِ، والأرضِ، وإلى تحكيمِ الشريعةِ، رَغْمَ عُتُوِّ الأعداءِ الْبُعَدَاء، وَتَجَهُّمِ أوليائِهم من الأقرباء ليقينها بحسن العاقبة لقوله تعالى:}وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ .
ومن التوفيق الرباني العجيب، ظهورُ حركة الأخوان إِثْرَ غياب الشريعة الإسلامية من واقع الحياة في معظم البلدان الإسلامية، وإثرَ غروبِ الخلافة الإسلامية لِتَرْفَعَ رَاَيَتها التي سَقَطَتْ، لاستئناف مواصلةِ السَّيْر وَتَنْشِئَةِ طَلِيْعةِ الفئة الظاهرة الواحدة، ولِمَلْء الفراغ الدعوي، عملاً بمحكم قوله تعالى }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{
وإيماناً منها بهدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واقتداءً به في توحيد البذرة في البداية، دعوةً ورايةً وجماعةً في مكة، الأمر الذي أسفرتْ عنه وحدةُ الثمرة في النهاية أُمَّةً، ودولةً، ورايةً وأرضاً وشريعةً في المدينة.
وإدراكاً منها بِأَنَّ تَعَدُّدَ بذرة الدَّعوة الإسلامَّية الواحدة إلى جماعات، ورايات في البداية ،يَعْقُبُه لا محالة تَفَرُّقُ الثمرةِ أمُماً، ودولاً ،وأنظمةً وَأَرَاضِيَ.
وَاْلأَمْثِلَةُ، وَاْلمَثُلاَتُ( ) في التاريخ الماضي والحاضر الواقع مَاثِلَةٌ قال تعالى: }سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{ ، }يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ .
وانطلاقا من سنن الله عز وجل، ومن هدي نبيه صلى الله عليه واله وسلم عَمَدت الحركةُ إلى الفرد المسلم فأحيتْ قلبَهُ بالعقيدة الصحيحة السليمة، وزكَّت روحَه بالعبادة، والذكر ونَوَّرَتْ عقلَه بحقائق العلوم، والأفكار، وَدَحَضَتْ شبهاتِ أهلِ الزيغ والغلو، وربّت جسمَه على القوة اْلمُعِيْنَةِ على تَحَمُّل أَعْبَاءِ الرسالة، عملاً بحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّرَ الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)
وَتَوَجَّهَتْ إلى الأسرة المسلمة، فَاعْتَنَتْ بالمرأة، وَرَبَّتْها على الخلق الإسلامي القويم، وَأَشَاَدَتْ بُنْيَانَ الأسرة على أُسُسٍ متينةٍ من شرع الله عز وجل، وجعلت من الأم مدرسةَ تربيةٍ لِلْنَشْءِ لغرس العقيدة، وتعليم الشريعة، وتمتين الخلق القويم.
ثم بثت في المجتمع المسلم الروح الإسلامي العام، فحاربت الجهل، والخرافة حتى أرست فيه قواعد الولاء لله عز وجل ،ولرسوله ،وللإسلام ،وللمؤمنين في الجملة مما أعاد إلى نفسه الأملَ في الْحَلِّ الإسلامي لمشاكل الحياة، وفي الإنسان بتحكيم الشريعة ،فنادى بتطبيقها في واقع الحياة.
وأحيتْ ما اندثر من سنن، وجدَّدت معالم الحياة الإسلامية، وَوَعَّتْ الأمة بحقيقة ما يراد بها من مكر الماكرين، وكيد الكائدين لتعمل على دَفْعِهِ، وَرَدِّهِ.
واختارت منهجاً إصلاحياً في الانتقال بالدولة إلى دائرة الالتزام الإسلامي وشاركت بوعي، وببعد نظر في صياغة الدساتير، والمواثيق، والقوانين بما يتفق مع الشريعة الإسلامية حسب الفرص المتاحة في الجملة، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
وحققت أقصى ما استطاعت من انتصار للعقيدة، والشريعة، وَتَصَدَّتْ لكل أشكال الزيف من الأفكار، والضلال في العقائد الهدامة والبدع في العبادات والانحراف في المعاملات.
فلم تُكَذِّبْهَا الظنونُ في الأمة فقد كانت على تَهَيُّئٍ في الجملة لِتَشَرُّبِ أفئدتها شُعَبَ الإيمان رغم العوائق والمعترضات، وتراكم الأهواء،والشبهات،وتكالب الأعداء ووعورة المسالك،وقلة ذات اليد.
فقد عُرف من الأمة الشعورُ الْفَيَّاضُ، والإقبالُ على موائد العلم، ومناهل الدعوة، وتتلمذ السَّوَادُ من أبنائها على يد الدعاة من أبنائها في الحركة، ونهلوا من معين علمهم ودعوتهم المباركة.
وبينما هم على دَأَبٍ، وعلى إجماع مُنْعَقِدٍ بين الدعوة والدعاة، والأمة في أَلاَّ يُفْلِتَ كُلٌّ تَمَسُّكَه بتلابيب أخيه أو يَقْضِيَ الذي عليه من الأخذ، والعطاء لهذا الدين الخاتم.
وبينماهم يتلاقون ويبادرون، ويتنافسون في التعاون على البر، والتقوى تناصراً
والتناهي عن الإثم والعدوان تآزرا كلما اقتضت دواعيه، في مَعِيَّةٍ من يد الله عز وجل التي يَخِفُّ معها تَحَمُّلَ الجو القاتم الذي ساد فترات من حياة الداعية، والدعوة، والمدعوين وما زال.
إذ كلما شعر الفرد المسلم بشرود احتفَّ به إخوانُه فيستعيد قُوَاهُ الإيمانيةَ، الأمر الذي أغاض هذا التلاقي والتعاونُ، والتلاحمُ المنعقدُ بين الأمة والدعوة والدعاة، الأعداءَ الأجانبَ، والعملاءَ الأقاربَ، فتداعوا محاولين أن يجعلوها نكالاً لما بين يديها وما خلفها.
الأمرُ الذي زاد الحركةَ تَحَرُّكاً وقوةً، وتمسكاً، وثباتاً، والدعوةَ إشراقاً، ووضوحاً، والامةَ تَشَبُّثاً، وقناعةً، واعتناقاً، }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{ .
وقد تحلَّت جماعةُ الإخوان بالثبات، والصبر، والمصابرة على ما قامت عليه من الحق الأبلج ومن صفاء العقيدة، وسمو المقاصد، وسلامة الأهداف، ووضوح الرؤية والجهاد في الحق، والبذل، والتضحية، والعطاء في مسيرتها المباركة في الكثير من أصقاع المعمورة، محتملةً الأذى الذي نال كل الدعاة المخلصين.
ولم يُثْنِها عما هي فيه من دعوةٍ للخير، وثباتٍ على الحق، تخذيلُ المخذلين، ولا أقاويلُ المرجفين ولا ظلمُ الطغاة المستبدين الذين نالوا أبناءها بالاعتقال والتشريد والنكال، والتقتيل على امتداد مسيرتها الدعوية المباركة.
بَيْدَ أَنَّ السجون صارت لها مزيدَ ثباتٍ، وخلوة، وعبادة.
والتشريد في المعمورة انشاراً وحركة ودعوةً.
والتقتيل لبعض أبنائها مَضْرَبَ مثلٍ للتضحية، والشهادة.
وعلى الرغم مما أصابها فما زالت بحمد الله تعالى وفضله في صبر، ومصابرة ومرابطة وفي ازدياد، ونمو وإطراد، وما زال شانئوها في نقصانٍ، وبوار، وأفول، وزوال، سنة الله الماضية في التمييز بين أَحوال أهل الحق، والباطل }لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ{ .
ولعل هذه الزيادة، والنمو، والثبات والهدوء هما سر الشنآن الذي يَمْلأُ بعض النفوس عليها حقداً وحسداً.
وَإِذَا أَرَاَدَ اللهُ نَشْـــرَ فضيـلةٍ
طُِويَتْ أَتَاحَ لها لِسَانَ حَسُـودِ
لَوْلا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْْ
ما كان يُعْرَفُ طِيْبُ عَرْفِ العودِ
بَيْدَ أنَّا لم نَجِدْ عَبْرَ مَسِيْرَةِ حَرَكَةِ الإخوانِ مَنْ لَدَيْهِ حَظٌّ من عقل اقترب منها إلا لابس روحُه روحَها، واهتدى إلى حقائق الإسلام .
فَأقَلُّ المقامات التي يضعه عقلُه فيها أن يكون فيه إصْغاءٌ إلى جلال دعوتها، وَتَوَجُّهٌ عَامٌ في اتجاهها، وتفتُّح ذِهْنِهِ إلى إدراكها، وبشاشةُ نَفْسٍ من دُعَاتها كأَنَّهُ يُحِسُّ أنه بمقربةٍ من أبنائها، وأَنَّ بينه، وبينهم وشيجةً واصلةً، ورحماً جامعاً.
*الإصلاح نت
ليس هناك من العقلاء من يجحد أن حركة الإخوان المسلمين المباركة هي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث،..
نشأت على إثر إعلان ’’أتاتورك’’ إلغاء الخلافة الإسلامية مع تفرق الكلمة، وتبدد الصف، وقلة الحيلة، وَكَلَبِ أعداء الدعوة الأجانب، والأقارب الذين رموا أمة الإسلام عن قوس واحدة من الخارج والداخل.
فَقَدْ اسْتَبَقُوا سقوط الخلافة بِغَرْس بذور الْوَهَن في مقوماتها مُبَكِّرين.
وبغرس عملائهم في مفاصلها مُتَنَكِّرين حتى تَضَعْضَعَتْ.
إِذْ بَدَأُوا بالدين فَسَخَّرُوا الضِّعاف من علمائه بوسائل كيدٍ شتّى حتى ضَعُفَ سلطانُ أهل العلم، وَوَهَنَت هيبتُهم في نفوس المسلمين، وَوَجدوا في الأمة ثُغَرَاًَ قديمةً فَوَسَّعُوها وأَدْخَلُوا في الدين ما ليس منه، وشجعوا المحدثات في الدين بتشجيع مُحْدِثِيها.
أعانهم على ذلك كله الانحطاطُ العام الذي ابتليت به أُمَّةُ التوحيد في جميع الجوانب.
فكاثروها بما أَسْفَرَتْ عنه حضارتُهم المادية من وسائل الحياة، والتمكين حتى غمروها.
وزهَّدوا الكثيرين من شبابها، وقادتها في حضارتهم الإسلامية حتى صيَّروها في نظرهم عقيمة، وقديمة.
حيث عمدوا إلى شبابها فرموه بتهاويل حضارتهم المادية التي أَفْرَغُوها من المعاني الإيمانية والإنسانية معاً، فأغروهم بالوقوع في شباكها لِيُصَيِّرُهم أَحَد أَشراكها، فوقع منهم من وقع، وخرق في السفينة خرقاً ،ونجا منهم من لَبِسَ من دِينهِ حِزَامَ النجاة، وَلِبَاسَ اْلَعوْمِ في الخِضَمَّ.
ثم عمدوا إلى الكثير من عِلْيتِها وقياداتها فأغروهم بالرَُتب، والرواتب، والألقاب، والأعمال، والأموال، فأغروا بينهم العداوة، والبغضاء حتى يُذْعِنُوا لمؤامراتهم ضد دينهم، وأمتهم، وأرضهم، وأوطَانهم وثروات أمتهم.
وشغلوهم بتوافه الأمور عن عظائمها، وببعضهم بعضا عن الأعداء، وبأنفسهم عن إصلاح أمر أمتهم، فما استفاقوا إلا على أوطان مقسمة، وأمة منقسمة، وشريعة مستبعدة وجيوش منهزمة، وأجواء قاتمة، ودول طوائف قائمة، غير أن أسماءها لها، ومسمياتها وأعمالها لأعدائها.
وفي هذه الفترة كانت الخلافة الإسلامية قد تهاوتْ بعد أن اِنهَدَّتْ أعمدتها، وانهار سقفها حين انتقضت أركانها، وانحلَّت عراها، فحل بغيابِها وغيابِ الشريعة الظلامُ، وحلت الحيرةُ بأمة الإسلام، وأَلَمَّتْ بها الحسرة وتفرق صفُّها ، وتَشَتَّتَ سلطانُها ، وتمزقتْ أرضُها ، واستُعْمِرَتْ أقطارها وشعوبُها، وانتهيت ثرواتُها ،وخيراتها.
وما هي إلا فترة من الزمن - إذا - بحركة الأخوان المسلمين المباركة، رائدةِ الفئةِ الظَّاهرة تظهر إثر احتجاب الخلافة الإسلامية العالمية ظُهُوْرَ الشمس إلى الإشراق، وعودة الشجرة إلى الإيراق إِثْرَ تساقط الأوراق، لِتُجَدِّدَ للأُمة أمر دينها بعد الِْبلاءِ ما استطاعتْ.
ولقد كان في ظهور حركة الأخوان تدبيرٌ إلهيٌ يُدْرِكُهُ الْعُقَلاءُ الأيْقَاظُ، لأن في ظهورها استئنافاً للحياة بحقائق هذا الدين الخاتم، والاهتداء بهديه.
وقد ظهرت مع تَجَهُّمِ الأيام، وتراكم سُحُب الباطل، وَتَنَكُّر الأحداث، واستبهام المسالك، وصعوبة اقتحام العقبات، فَمَهَّدَتْ لإِصْلاحِ ما فَسَدَ من الحياةِ بالإسلامِ طريقاً مستقيماً رغم ما لاقتْ من مكاره، ومن صراع مرير مع الأعداء الأجانب، والأقارب، ومع أُمِّيَّةِ الأمة الدينية.
فقد تأسس بنيانُها المتين على تقوى من الله عز وجل على يد العالم الرباني المجدد حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البناء رحمه الله تعالى مع مجموعة من زملائه الأبرار في ذي القعدة من عام 1347هـ الموافق 1928م وقد أعلنوا إيمانهم المطلق بالإسلام الشامل الكامل كما نص عليه الكتاب الكريم، وقررته السنة المطهرة.
ومن ثم جاءت دعوتهم الواضحة إلى الإيمان بالإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه واله وسلم عقيدةً، وشريعةً، ومنهاجَ حياةٍ.
وفي إطار العقيدة، دعت جماعةُ الإخوانِ المسلمين إلى توحيد الربوبية، والإلوهية،
والأسماء والصفات.كما دعت إلى إعلان الحاكمية لله عز وجل وحده عملا بمحكم قوله تعالى:}أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ وقوله تعالى:}إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون { .
ونادت الحركةُ بالعودة إلى الاعتصام بالمنهل الصافي، كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وإلى سنة من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
كما دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الفرد، والأسرة، والمجتمع، والأمة، والدولة.
وآمنت بالتدرج في العودة بالمسلمين إلى دين الله عز وجل، وفي دعوة غير المسلمين إلى حقائق الإسلام بالرفق واللين وبالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وبالطَّيِّبِ من القول، وبالعمل الرشيد، وبالقدوة الحسنة.
فقد خلََّف البعدُ عن عصر النبوة، والخلافة الراشدة في حياة المسلمين الكثيرَ من الاضطراب والانحراف الذي لا يُعَالَجُ إلا بحكمة الحكماء، ورفق الموجهين، ورشاد المرشدين، وخُلُق الداعين.
كما أخذت بفقه الأولويات الشرعية مسترشدةً بحديث شعب الأيمان، مهتديةً بِهَدْىِ أعلاها، وأدناها.
فَقَدْ قَدَّمَتْ الاشتغال بأساسات الإسلام، وقواعد العقيدة، وأُصول الدين، ومقاصد الشريعة على ما عداها، وما اتُّفِقَ عليه على ما اخْتُلِفَ فيه، وما يَجْمَعُ على ما يُفَرِّق.
وما زال علماء المسلمين منذ الصدر الأول يعذر بعضهم بعضاً على الاختلاف في الفروع ما داموا متفقين على النصوص والقواعد ،والأصول ،والمقاصد.
وفي إطار إعادة صياغة الحياة الإسلامية الفردية، والجماعية دعت الحركةُ إلى توحيد ما تفرق من شمل الحياة الإسلامية جَرَّاءَ غيابِ الشريعة، وسقوط الخلافة حيث قسَّم الأعداءُ الأجانبُ ،ووافقهم العملاءُ الأقارب الأُمةَ الإسلاميةِ الواحدةَ إلى أُمَمٍ، وَالدَّوْلَةَ الواحدةَ إلى دُوَلٍ، والأرضَ الواحدةَ إلى قِطَعٍ.
فَدَعَتْ الحركةُ إلى إعادةِ وحْدة الأمةِ، والدولةِ، والأرضِ، وإلى تحكيمِ الشريعةِ، رَغْمَ عُتُوِّ الأعداءِ الْبُعَدَاء، وَتَجَهُّمِ أوليائِهم من الأقرباء ليقينها بحسن العاقبة لقوله تعالى:}وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ .
ومن التوفيق الرباني العجيب، ظهورُ حركة الأخوان إِثْرَ غياب الشريعة الإسلامية من واقع الحياة في معظم البلدان الإسلامية، وإثرَ غروبِ الخلافة الإسلامية لِتَرْفَعَ رَاَيَتها التي سَقَطَتْ، لاستئناف مواصلةِ السَّيْر وَتَنْشِئَةِ طَلِيْعةِ الفئة الظاهرة الواحدة، ولِمَلْء الفراغ الدعوي، عملاً بمحكم قوله تعالى }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{
وإيماناً منها بهدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واقتداءً به في توحيد البذرة في البداية، دعوةً ورايةً وجماعةً في مكة، الأمر الذي أسفرتْ عنه وحدةُ الثمرة في النهاية أُمَّةً، ودولةً، ورايةً وأرضاً وشريعةً في المدينة.
وإدراكاً منها بِأَنَّ تَعَدُّدَ بذرة الدَّعوة الإسلامَّية الواحدة إلى جماعات، ورايات في البداية ،يَعْقُبُه لا محالة تَفَرُّقُ الثمرةِ أمُماً، ودولاً ،وأنظمةً وَأَرَاضِيَ.
وَاْلأَمْثِلَةُ، وَاْلمَثُلاَتُ( ) في التاريخ الماضي والحاضر الواقع مَاثِلَةٌ قال تعالى: }سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{ ، }يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ .
وانطلاقا من سنن الله عز وجل، ومن هدي نبيه صلى الله عليه واله وسلم عَمَدت الحركةُ إلى الفرد المسلم فأحيتْ قلبَهُ بالعقيدة الصحيحة السليمة، وزكَّت روحَه بالعبادة، والذكر ونَوَّرَتْ عقلَه بحقائق العلوم، والأفكار، وَدَحَضَتْ شبهاتِ أهلِ الزيغ والغلو، وربّت جسمَه على القوة اْلمُعِيْنَةِ على تَحَمُّل أَعْبَاءِ الرسالة، عملاً بحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّرَ الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)
وَتَوَجَّهَتْ إلى الأسرة المسلمة، فَاعْتَنَتْ بالمرأة، وَرَبَّتْها على الخلق الإسلامي القويم، وَأَشَاَدَتْ بُنْيَانَ الأسرة على أُسُسٍ متينةٍ من شرع الله عز وجل، وجعلت من الأم مدرسةَ تربيةٍ لِلْنَشْءِ لغرس العقيدة، وتعليم الشريعة، وتمتين الخلق القويم.
ثم بثت في المجتمع المسلم الروح الإسلامي العام، فحاربت الجهل، والخرافة حتى أرست فيه قواعد الولاء لله عز وجل ،ولرسوله ،وللإسلام ،وللمؤمنين في الجملة مما أعاد إلى نفسه الأملَ في الْحَلِّ الإسلامي لمشاكل الحياة، وفي الإنسان بتحكيم الشريعة ،فنادى بتطبيقها في واقع الحياة.
وأحيتْ ما اندثر من سنن، وجدَّدت معالم الحياة الإسلامية، وَوَعَّتْ الأمة بحقيقة ما يراد بها من مكر الماكرين، وكيد الكائدين لتعمل على دَفْعِهِ، وَرَدِّهِ.
واختارت منهجاً إصلاحياً في الانتقال بالدولة إلى دائرة الالتزام الإسلامي وشاركت بوعي، وببعد نظر في صياغة الدساتير، والمواثيق، والقوانين بما يتفق مع الشريعة الإسلامية حسب الفرص المتاحة في الجملة، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
وحققت أقصى ما استطاعت من انتصار للعقيدة، والشريعة، وَتَصَدَّتْ لكل أشكال الزيف من الأفكار، والضلال في العقائد الهدامة والبدع في العبادات والانحراف في المعاملات.
فلم تُكَذِّبْهَا الظنونُ في الأمة فقد كانت على تَهَيُّئٍ في الجملة لِتَشَرُّبِ أفئدتها شُعَبَ الإيمان رغم العوائق والمعترضات، وتراكم الأهواء،والشبهات،وتكالب الأعداء ووعورة المسالك،وقلة ذات اليد.
فقد عُرف من الأمة الشعورُ الْفَيَّاضُ، والإقبالُ على موائد العلم، ومناهل الدعوة، وتتلمذ السَّوَادُ من أبنائها على يد الدعاة من أبنائها في الحركة، ونهلوا من معين علمهم ودعوتهم المباركة.
وبينما هم على دَأَبٍ، وعلى إجماع مُنْعَقِدٍ بين الدعوة والدعاة، والأمة في أَلاَّ يُفْلِتَ كُلٌّ تَمَسُّكَه بتلابيب أخيه أو يَقْضِيَ الذي عليه من الأخذ، والعطاء لهذا الدين الخاتم.
وبينماهم يتلاقون ويبادرون، ويتنافسون في التعاون على البر، والتقوى تناصراً
والتناهي عن الإثم والعدوان تآزرا كلما اقتضت دواعيه، في مَعِيَّةٍ من يد الله عز وجل التي يَخِفُّ معها تَحَمُّلَ الجو القاتم الذي ساد فترات من حياة الداعية، والدعوة، والمدعوين وما زال.
إذ كلما شعر الفرد المسلم بشرود احتفَّ به إخوانُه فيستعيد قُوَاهُ الإيمانيةَ، الأمر الذي أغاض هذا التلاقي والتعاونُ، والتلاحمُ المنعقدُ بين الأمة والدعوة والدعاة، الأعداءَ الأجانبَ، والعملاءَ الأقاربَ، فتداعوا محاولين أن يجعلوها نكالاً لما بين يديها وما خلفها.
الأمرُ الذي زاد الحركةَ تَحَرُّكاً وقوةً، وتمسكاً، وثباتاً، والدعوةَ إشراقاً، ووضوحاً، والامةَ تَشَبُّثاً، وقناعةً، واعتناقاً، }وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{ .
وقد تحلَّت جماعةُ الإخوان بالثبات، والصبر، والمصابرة على ما قامت عليه من الحق الأبلج ومن صفاء العقيدة، وسمو المقاصد، وسلامة الأهداف، ووضوح الرؤية والجهاد في الحق، والبذل، والتضحية، والعطاء في مسيرتها المباركة في الكثير من أصقاع المعمورة، محتملةً الأذى الذي نال كل الدعاة المخلصين.
ولم يُثْنِها عما هي فيه من دعوةٍ للخير، وثباتٍ على الحق، تخذيلُ المخذلين، ولا أقاويلُ المرجفين ولا ظلمُ الطغاة المستبدين الذين نالوا أبناءها بالاعتقال والتشريد والنكال، والتقتيل على امتداد مسيرتها الدعوية المباركة.
بَيْدَ أَنَّ السجون صارت لها مزيدَ ثباتٍ، وخلوة، وعبادة.
والتشريد في المعمورة انشاراً وحركة ودعوةً.
والتقتيل لبعض أبنائها مَضْرَبَ مثلٍ للتضحية، والشهادة.
وعلى الرغم مما أصابها فما زالت بحمد الله تعالى وفضله في صبر، ومصابرة ومرابطة وفي ازدياد، ونمو وإطراد، وما زال شانئوها في نقصانٍ، وبوار، وأفول، وزوال، سنة الله الماضية في التمييز بين أَحوال أهل الحق، والباطل }لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ{ .
ولعل هذه الزيادة، والنمو، والثبات والهدوء هما سر الشنآن الذي يَمْلأُ بعض النفوس عليها حقداً وحسداً.
وَإِذَا أَرَاَدَ اللهُ نَشْـــرَ فضيـلةٍ
طُِويَتْ أَتَاحَ لها لِسَانَ حَسُـودِ
لَوْلا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْْ
ما كان يُعْرَفُ طِيْبُ عَرْفِ العودِ
بَيْدَ أنَّا لم نَجِدْ عَبْرَ مَسِيْرَةِ حَرَكَةِ الإخوانِ مَنْ لَدَيْهِ حَظٌّ من عقل اقترب منها إلا لابس روحُه روحَها، واهتدى إلى حقائق الإسلام .
فَأقَلُّ المقامات التي يضعه عقلُه فيها أن يكون فيه إصْغاءٌ إلى جلال دعوتها، وَتَوَجُّهٌ عَامٌ في اتجاهها، وتفتُّح ذِهْنِهِ إلى إدراكها، وبشاشةُ نَفْسٍ من دُعَاتها كأَنَّهُ يُحِسُّ أنه بمقربةٍ من أبنائها، وأَنَّ بينه، وبينهم وشيجةً واصلةً، ورحماً جامعاً.
*الإصلاح نت