مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
روح الإسلام هو المنقذ لحضارة اليوم  فليتحمل أبناؤه المسؤولية بجدارة
-الأستاذ ياسين عبدالعزيز
إن النعوت التي أطلقت، وتطلق على شتى مظاهر أنشطة الدعوة والدعاة في العالم كثيرة لاسيما في الآونة الأخيرة، منها ما يوحي بالذم ومنها ما يوحي بالمدح كمصطلح الصحوة الإسلامية ذلك المصطلح الذي يوحي بيقظة العالم الإسلامي بعد غفوة.

لا جرم.. فالعالم الإسلامي مر بفترة سبات سكنت فيه الكثير من عروق النبض الإيماني الحي – من جراء الهجمة العدائية للخصم المستعمر المستبد على العالم الإسلامي وعقيدته، ولاسيما وقد تبدى له في صورة الطبيب المنقذ من موت الحياة، فانجذب إليه بعض أبنائه مندهشاً لما فاجأه به من إبداعات منهج البحث العلمي التجريبي النافع والتي نقلها آباء الغرب المستعمر عن آباء الشرق الإسلامي في عصر ازدهاره فعاد بها أبناء الغرب الأيقاظ على أبناء الشرق النوّم مبتوتة الأصل منكرة الأب – فأجرى الخصم عملية جراحية في العالم الإسلامي عند غياب وعيه الإيماني تحت أضواء العلم التجريبي ومجاهره، قاصداً استئصال ما بقي من عُرَى الإسلام التي تمثل ما بقى من إحساس اليقظة في المسلمين ليتم له الإجهاز على العقيدة والشخصية حتى يتم الانقلاب التاريخي للعالم الإسلامي بسلخ المسلمين من مصدر الحياة الحقيقة بيد أن الفطرة الصافية فيه ما زالت تنجذب لقانون إيمانها وتهفو للحياة الإسلامية بدينها فتجددت لها من عقيدتها العقلية الصاحية والحياة اليقظة حتى برزت آثارها فيه.

التخلق في رحم البلاءات

والصحوة الإسلامية إنما تخلقت في أرحام البلاءات المختلفة والحرب الضروس التي شنها الخصم الخارجي المستعمر والداخلي المستبد المستهتر على طلبة هذه الصحوة من الدعاة إلى الله عز وجل فقد قدحت ضرباته العدوانية المتلاحقة المتنوعة المتطرفة لطلائع البعث الإسلامي هنا وهناك من بقاع العالم الإسلامي في جذوة من نار محرقة لأسلحة خصوم الإنسانية ونور يضيء طريق سعادتها، فهش لها العالم الإسلامي كله، واستأنس بها عقلاء الإنسانية في الجملة واستوحش منها الساسة في الغرب والشرق لاسيما الذين ينهشون حقوق مواطنيهم، هذه إلمامة عما راق للسائل أن ينعب به غربة الدين في أهله.

وأما العوائق التي مكرها و يمكرها الخصم الخارجي المستعمر والداخلي الغليظ المستبد أمام الصحوة الإسلامية المباركة فمبعثها استيحاشه منها لاسيما وقد تولدت من بين مخالبه وأنيابه، ومن خلال وحشيته في التعامل مع طلائعها تجسساً ورقابة، وتهماً وافتراءً سبقها طرداً وحبساً و’’زنزانة’’ وضرباً وتعذيباً وقتلاً– فكراً وشخصاً – ولا زال في بعض البلدان بما لم يسبق له في التاريخ مثيل ظاناً أن وحشاً كاسراً سيكون لتولده من وحشيته، ولا يدرك أن الصفح عن المقلع عن الذنب إنما يكمن في الإسلام وأهله فهو نعمة ورحمة للعالمين وليس نقمة إلا من نقم الخير للإنسانية ورغب عن سعادتها التي يحملها لها في مقرراته الخالدة وللتاريخ على ذلك شواهد وهكذا الإيمان يفعل بأهله.

صمام أمان الحضارة

والمخاصم في الغرب أو الشرق لاسيما الدوائر السياسية منه قد آذن بحرب مختلفة الأساليب والوسائل لا هوادة فيها على طلائع الصحوة الإسلامية على كافة الأصعدة: على أن العقلاء في الغرب وغيرهم من الأمم غير الإسلامية يدركون أن الفهم الإسلامي الذي تضطلع به هذه الطلائع يعد تكميلاً لما ينقص الحضارة المادية الحديثة التي تخلقت أساساتها ومبادئها في عصر النهضة الإسلامية – فهي إذن وليدة الإسلام وحضارته قبسها آباء الغرب من آباء الشرق الإسلامي ناقصة الميزان الإيماني الرباني، كما يدركون أيضاً أن الموازين الحافظة للحضارة المادية الحديثة والضامنة لاستمراريتها وتجديدها وتطويرها حتى تأخذ مداها في إسعاد الإنسان يمتلكها هذا الدين.

وإذن فلا يمكن ضمان بقاء خير هذه الحضارة من الدمار، واستمراريتها من الانقطاع إلا تصور والتحام إلفها وشقها الثاني الإيماني الذي لا يوجد إلا في الإسلام الذي يبشر به طلائعه، إن هذه هي نقطة الاتفاق والالتئام بين الشرق والغرب لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد موتور أو ساقط الفهم لا يؤبه له.

وعليه: فنقول لهؤلاء أربعوا على أنفسكم من كثرة اللجاج في الخصام فالالتحام بين شقي الإسلامي قادم لا محالة ينشئه الواقع الإنساني اليوم إنشاء الشجرة بعد التلقيح بالثمرة، فالشق الإيماني من الإسلام والشرعي يطلب شقه الآخر ليلتحم معه، وما عندكم من الإبداع المادي يطلب أخاه الإيماني والذي تلح به فطرتكم وتهتف أثناء صفاء أحوالها وغياب شهواتها وشبهاتها.

فنقول لكم رويداً فلن تغلب اللجاجة القدر، ولكم تجربة فاعتبروها فقد غالبت خرافات الكنيسة وأوهامها، والوثنية وخيالاتها، سفير الإسلام الأول إلى أوروبا وهو المنهج الرياضي والعلمي التجريبي الحر فنكلت بحملته شر التنكيل وأشهرت كل سلاح في وجهه فذهبت لإرساء قواعده ضحايا من تلامذة علماء الإسلام من الغربيين وما أشبه الليلة بالبارحة.

فها أنتم ومن جاراكم من جهلة الشرق تسيرون سير الكنيسة ورجالها في حربكم لطلائع الصحوة الإسلامية التي تحمل لكم قانون ما عندكم وروح ما لديكم وتمام ما ينقص حضارتكم فتأبون إلا سياسة الاستمرار في الخصومة لتحولوا بين شقي الحياة.

عوائق في الطريق:

ونغز السير في الطريق في البحث عن العوائق الكثيرة التي تعترض الصحوة الإسلامية ونضوجها، فتلاقى في الطريق المسلح بالخطر مثل توزع الرايات واختلاف الطلائع في غير المهم من الأساليب والتصورات، والأخطر من ذلك أن يجند البعض نفسه بالنكير على البعض الآخر إرضاءً للشيطان الذي يعد الفرقة من أحب الأشياء إليه، على أن الموقف لا يحتمل كثرة الجدل فضلاً عن النزاع، فضلاً عن الشتات، فضلاً عن مرارات الفشل، والفرقة لها في القلوب حرقة، وناقوس الخطر يدق من خارج هذه الطلائع المتفقة في كل شيء والتي تعاني شدة الحاجة لوحدة الصف ولجاجة العدو في الخصومة تزيد وجوب ألفة الأفئدة، ووحدة الصف وجوباً.

ولن يرفع الخصم عصابة عمى الخصومة من عينيه ويتأمل ما عند الصحوة الإسلامية من الحق والخير والموازين الإنسانية.

على أن الأعمال الإسلامية كثيرة تستوعب كل تخصص وكل قدرة فلن ينصب الكل على عمل بعينه حتى يضيق بهم فتصطدم الكفاءات العلمية والعملية في الصف الواحد، وكل ميسر لما خلق له.

لذا فيجب على رواد الصحوة الإسلامية أن يتقوا الله عز وجل في أمة محمد، فإن التنافر ينفرها عنهم وعما يحملون من الفهم السليم للإسلام وما يستنفرها معهم ومع الإسلام، هذا فضلاً عن غير المسلم المحتاج للدعوة المحجة أو الحجة.

فالجماعات المختلفة لا تقوى أخلاقها على تأليف النفوس فضلاً عن تربيتها وتحسين أخلاقها وقيادتها، ومن جهة أخرى تجدر بنا الإشارة إلى أهمية إنشاء ذوي التجربة من رواد الصحوة صلات حسنة مع الناس لاسيما ولاة أمر المسلمين للتعاون على تحصيل مصالح العباد وتعطيل المفاسد ما أمكن، وهذا توجه ينسجم مع الواقع والإسلام. كل ذلك في إطار الحكمة واللين والموعظة الحسنة.

فإن إيصال الخير إلى ولاة الأمور والنصح الصادق لنفع الأمة هو من هدى النبوة فإن لم يتصلوا بالنصح فقد أقيمت الحجة.

أخطر العوائق

ولا يفوتني أن ألفت النظر إلى أخطر عائق يعترض رواد الصحوة الإسلامية إلى أماكن مختلفة من مسئوليات التمكين كالبرلمانات والوزارات والنقابات ونحوها، وهو إجادة الأداء التي دونها يبخس الداعية دينه حقه في ضرب القدوة الحسنة في جودة الأداء الإداري والفني والسياسي والاقتصادي ونحوه حيث كان من هذه الأوجه.

أجل.. حين يحتل هذه المكانة كموظف يسوء تدبيره، وحين يحتلها كداعية يصير فيها لحياة كل مسئول المعنى المستقيم الذي تصوب وتقوم به فهو يقبل على الناس من خلال ما يوجبه الإسلام عليه في مرتبته ومحل تمكنه لا من خلال أهوائه وشهواته ونزواته.

ذلك أن الداعية المصلح إذا أقبل على الناس في حياته لاسيما في محل تمكنه من خلال دينه كان كالنقد الذهبي الصحيح الذي تنفق به السلع، وإذا أقبل من جهة حظوظه ولو باسم الإسلام كان عملة باطلة مزورة التي يقرأ الناس عليها حين يقرءون ’’ضربت في دولة الزندقة والنفاق’’.

إن من الأدعياء من يدعو بدعوة القرآن ولكنه لا يزيل عن النفس غبارها، ولا يحسن أن يصل بينها وبين دينها. كم من مدعٍ ينهى الناس ويأمرهم ولكنه لا يزيد المنهي عنه إلا شيوعاً في المجتمع لأن شخصيته منه تنهى عنه في الشهادة وأخرى تصنعه في الغيب ويفعل الأمر الواجب بشخصية العلن ويدعه نبته الضمير فهو يجري من القرآن والسنة على لسانه الألفاظ ولا يحسن أن يربط بينها وبين الأرواح رباط إيمان والتزام.

وحينما لا تتعلق بروحه إلا أرواح إخوانه من أهل الزندقة والنفاق والأهواء الذين يمدونه في الغي ثم لا يقصرون، فهو بمثابة الشجرة التي جفت جذورها، ويبس لبها، فلا يزيدها الماء إلا فساداً، فهو قد خلا من نور القرآن والحكمة الذي يضيء للناس طريق الحياة في محل التمكين. وكأنه آتٍ في ليل مظلم يلبس للناس فيه البياض من الأقوال والسواد من الأفعال.

والحق أن النظام للخارج من الإنسان لاسيما مدعي الإسلام والفوضى للداخل منه هو مكمن الخطر الداهم بالسر منه والعلن ومبعث الفساد بالحياة. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله..
*الإصلاح نت
أضافة تعليق