مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2018/05/01 14:01
قراءة لنص ” لهفة ” للشاعر / ياسين السامعي | قراءة وتحليل للكاتب والناقد إبراهيم القيسي – اليمن

قراءة لنص ” لهفة ” للشاعر / ياسين السامعي | قراءة وتحليل للكاتب والناقد إبراهيم القيسي – اليمن

لهفة..

أَحْتاجُكِ بحراً يَسحبُنِي
يُغرقُني مُوجُ حَنَاياهُ

يا امرأةً خُلِقتْ ليسَ لها
أبداً إلاهـا أشْباهُ

يا سِراً بَـاحَ بِه وَجْهِي
دمعاً كالغَيْمةِ أجْـراهُ

يا قمراً لاذَ بِه لَيلِي
يقْبِسُ من عَينيه سنَاهُ

أهواكِ رياحاً تعْصِفُ بي
تنفضُ عن وجهي خَطاياه

أحْتَاجُكِ ! دِينا أدْخُلُه
ما أكْــفر عمري لَـولَاهُ !

أحْتَاجُكِ
ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاهُ

لِعبِيركِ أبداً يُنْعِشُه
لِجنَاحك أبداً مَسراه

ياسين السامعي.
الشاعر ” ياسين السامعي” وقع نصه ” لهفة ” بموسيقى راقصة تتهاصر مع بحر الخبب ” فاعلن ” مع استخدامه لحرف الهاء المضمومة رويا حيث زادت موسيقية النص نتيجة الحرف الموجه بالمد .

نلاحظ في أسلوب الشاعر تمازج ما بين الخيال والصورة واللفظ والمعنى والشكل والمضمون حيث تتهاصر تيمات النص مابين الأمل والألم واليأس والتفاؤل يعلن من خلال النص عن ضرورة الاحتياج ورسم أبعاد الأماني والأحلام في إطار الوعي النازف بالعواطف الضانية .

مازال ينظم حروفه أشواقا في هالات مترادفة تعبر عن لوحة فنية تعكس الأبعاد السيكلوجية والسيميائية راحلا في درب الخبب ليشكل من النص برمودا هائمة تتراقص بابتلاع الإيقاعات الراقصة من ركض الخيل إلى سكرات الغجر .

حيث يتسم أسلوب الشاعر بالجزالة والرقة والعذوبة والانسياب يتدفق بتيمات الحب في رفرف خضر يعكس متاهة العلاقة بين الشاعر ومحبوبته بالسفر ما بين الفجر والشفق حيث يغرق الشاعر في متاهة من الرؤى الصوفية يحاول السيطرة على موجات الحب مدا وجزرا في بحر العواطف الطاغية .

مازال يركض باستطراد نحو المحبوبة يعبر المستحيل ليكشف الحجب المتراكمة ليبرز أيقونتها في رحاب ذاته حيث ينظم الألفاظ أكاليلا والخيال صورا والجمل أساليبا يجسد الروح طائر “فينيق’ ترحل نحو جزر “فينوس” الجمال تبحث عن “اليوتوبيا الفاضلة” في مدن الخيال حيث يهرق سحبه الوارفة هناك تشن شآبيب القريض ليجري جداول الحب في مروج ذاته الوالهة .
أَحْتاجُكِ بحراً يَسحبُنِي
يُغرقُني مُوجُ حَنَاياهُ

ارتبط الحدث ” أَحْتاجُكِ ” بإضمار الذات الشاعرة بصورة الضمير المستتر المقدر ب ” أنا ” مع اتصاله أيضا بكاف خطاب المحبوبة الواقع تحت حدث الاحتياج في إطار المفعولية فالعلاقة بين الفاعل والمفعول في الحدث المتعدي تربط الجملة بالحال
” بحراً ” كون قيد الجملة يعلن عن كيفية الوصال والتي عبر عنها الشاعر بحدثي ” السحب – الغرق ” فالبحر جسد الاستعارة التصريحية عن المحبوبة كونه يجسد إرهاصات الحب بعلاقات المد والجزر فالحدث ” يَسحبُنِي ” يوقع حالة الجذب غير الإرادي نحو الغرق بين ثنائية المحبوبة والبحر حيث تحمل صورة ” حَنَاياهُ ” دلالة ظرفية لطرفي الصورة حقيقة ومجازا .

فالشاعر بخياله الحاد رسم الأبعاد الروحية بين طرفي الحقيقة والمجاز بفرادة استطرادية تجسد حال التقارب بين الذات الشاعرة والمحبوبة في أطر روحانية تتكئ على رؤى صوفية مفتوحة تدعم حدث الاحتياج في أفق التجاذب الروحي بتثاقل مطرد تجاه قطب المحبوبة .

حيث يؤكد الشاعر انفتاح مجال الحب من جهته مع استقراء انتظار مجال المحبوبة ليعزز من الدفع بقوة نحو الغرق في دوامة الحنايا نتيجة الدفع والشد بين القطبين في اتجاه واحد نحو بؤرة الحب .
حيث يقترن حدث الاحتياج بحدثي السحب والغرق في رهان البحر فإحداثيات الصورة تدور بين الخيال والواقع باقتران أفقي ينزاح من سيكلوجية الشاعر نحو بؤرة الحب في مصب حاد يغرق في ظرف حنايا المحبوبة .

يا امرأةً خُلِقتْ ليسَ لها
أبداً إلاهـا أشْباهُ

يمزج الشاعر الخطاب الرومانسي في سطح النص بأساليب متداخلة تقارب بين الخبر والإنشاء بدلالات تفخم النداء في سياق النكرة غير المقصودة :

” يا امرأةً ” .

حيث يزيد شيوع التنكير ببناء الحدث للمجهول ” خُلِقت ” حيث تأتي الدلالات الانعكاسية تخبر عن استبطان الشاعر لأبعاد غير محدودة تترجم ضبابية المحبوبة واختلاف ماهيتها بين التصور الخيالي والحقيقة الواقعة .

فالشاعر مازال يسلك سبيل الأماني الافتراضية يبحث عن المحبوبة في أفق مفتوح يتهاصر مع أسلوب التقديم والتأخير لركني الجملة الاسمية في إطار الفعل الناقص” ليس ” والقصر الناتج من ” ليس – إلا ” على ضمير الغائبة في نطاق ظرف الزمان المبهم .
فالشاعر من خلال استخدام البنى المبهمة والأساليب المغرقة في التنكير أكد البعد الروحي والأزمة العاطفية حيث تأتي تلك البنى المتجسدة في :

– حرف النداء الدال على البعد “يا” .
– نداء النكرة غير المقصودة امرأةً .
– توظيف الظرف المبهم أبداً .
– القصر على ضمير الغائبة .

كل تلك العوامل تكثف من أزمة الشاعر تجاه المحبوبة وتجسيدها في الواقع حيث مايزال يرحل في عالم الأحلام يجدف قارب الحب نحو فضاء الرومانسية يبحث عن امرأة ما يتجاذب معها خط الاقتران في ثنائية افتراضية بين قلب الشاعر الحاضر وقلب المحبوبة الغائب .

يا سِراً بَـاحَ بِه وَجْهِي
دمعاً كالغَيْمةِ أجْـراهُ

مازال الشاعر يؤكد العلاقة العاطفية مع المحبوبة من خلال استبطان الأسرار وكتمان البوح إلا من فيض المآقي الغائمة حيث عبر الشاعر عن الوجه ويريد العين بعلاقة غير المشابهة كونه أطلق الكل وأراد الجزء فعلاقة المجاز
” الكلية ” .
حيث يرتبط نداء التنكير
” يا سِراً ” بإغراق مبهم يتماهى مع حدث البوح بثنائية مرتدة في إطار المشاعر المقيدة حيث يتم اجترار السر بظرفية مغلقة بعيدا عن اجترار الظاهر حيث ينبئ إطلاق السرية عن أبعاد الحب وارتباطه بسيكلوجية الشاعر وارتباطها بثنائيات :
” السر – البوح ” .
” الوجه – الدمعة ” .
” الغيمة – الإجراء ” .

تلك المتتاليات المنطقية تبنى فيها الأحداث بتتابع استراتيجي في خارطة المسلمات حيث تم المزج الأنطلوجي بين كائنات الشوق في أفق النص .
فالائتلاف التوافقي بين الظاهر والباطن تم من خلال السر المطلق والبوح الراهن حيث ترتب على تلك الثنائية استجابة الوجه المتآزر مع حدث الإجراء فالعلاقة بين الطقس الغائم والوجه علاقة تشابهية تجسد المشابهة بين طقس الشاعر الروحي وطقس الجو الغائم .
حيث عمل خيال الشاعر المزج بين الحدث والصورة والظاهر والباطن والطقس والوجه والغيمة والدمع من خلال علاقات التقابل والمشابهة بين الإنسان والحدث والإنسان والطبيعة والإنسان والبيئة .
حيث نلمس من خلال إجراءات العواطف في سطح البيت طفرة الأشواق وحرقة الألم حيث يبث الشاعر الشكوى بطريقة غير مباشرة من خلال فلسفة الحب ورسم أبعاده العاطفية برؤى مطلقة تتكئ على ترددات سيكلوجية تنبعث من حدس الأشواق نحو البعد الصوفي حيث تصطدم رحلة الشاعر العاطفية بالطبيعة والبيئة في رهان الحدث الرومانسي .

يا قمراً لاذَ بِه لَيلِي
يقْبِسُ من عَينيه سنَاهُ

مازال الشاعر يتماهى مع المطلق في طور التنكير والإبهام بإرادة رومانسية يولد من عصرها تيمات الحب حيث يرحل نحو الفضاء يلتمس تقمص الكائنات بإسقاطات روحية تعبر عن الحبيب في إطار الزمكان فثنائية ” القمر – الليل ” ثنائية متضادة تعلن عن انعكاسات الشاعر الروحية في مجال التعبير عن الحب .

فالحدثان ” لاذ – يقبس ” يعبران عن التماس الشاعر للطائف الحبيب من خلال الصورة الخيالية في إطار لوحة الكون حيث يجسد الشاعر المحبوبة بالظاهرة التاريخية المضيئة من خلال المقارنة بين المكان والزمان بثنائية ” الضوء – الظلام ” المتجسدة من ثنائية ” القمر – الليل ” فالشاعر يهرب من الواقع إلى الخيال يبحث عن المحبوبة برؤى أسطورية تجمع بين الرمز والأسطورة من انعكاسات التجلي الروحي المتهاصر مع الخيال في إطار الامتزاج بالكون والبيئة .

أهواكِ رياحاً تعْصِفُ بي
تنفضُ عن وجهي خَطاياه

في البيت الآنف تتعاضد ثلاثة أحداث تتعلق بالمحبوبة :

” أهواك – تعْصِفُ – تنفضُ ” .

حيث ترتبط الأحداث المضارعة الثلاثة بصورة الهيئة الحالية :

” رياحاً ”

حيث قارب الشاعر بينه وبين المحبوبة برؤية فلسفية ذات بعد صوفي تمتزج بطبيعة الطقس والمناخ ليجسد العلاقة العاطفية المتقلبة بالتغيرات المناخية المرتبطة بالفصول الأربعة صيفا وخريفا وشتاء وربيعا .

فالشاعر يعبر بوعي عن انفعالات المشاعر تجاه المحبوبة حيث يطلب علاقة إيجابية ترتبط بالحدث والعنفوان تبعد عن برودة المشاعر وتجمدها .
حيث تجسد الرياح فلسفة صورية ورمزية تعبر عن أسطورة الحب التي يتوحد بها الشاعر من خلال التغيرات الثنائية في داخل النفس وخارجها حيث يأتي حدثي العصف والنفض بتكامل استراتيجي يعملان من خلاله على هز المشاعر وتنقيتها وإحداث صدمة ديناميكية تعمل على حدث التوازن لعلاقة الحب وإنعاشها .
فالعلاقة بين الشاعر والمحبوبة ترتبط بالوجه والرياح حيث تنفض الرياح ما علق بالوجه من غبار الخطايا كون الوجه يعبر عن ذات الشاعر بعلاقة المجاز المرسل الجزئية وهي صورة لطيفة تجسد المعنوي في صورة الحسي وتلقي بأبعاد روحية وفكرية تعبر عن ماهية الحب وانطلاقاته نحو الارتباط المقدس .

أحْتَاجُكِ ! دِينا أدْخُلُه
ما أكْــفر عمري لَـولَاهُ !

هذا البيت يؤكد الارتباط المقدس بين ثنائية القطبين فالدين رمز للطهارة والعلاقة المقدسة بين حواء وآدم حيث يطير الشاعر في أفق الحب يهاصر روافده في مجال المشروع بعيدا عن الحب المحرم حيث تأتي ثنائية الدين والكفر في إطار الترميز تعبر عن أسطورة الحب الخالد بعيدا عن التضاد القطبي في رحاب العدل والحق ثم تؤكد نفي الانحراف باتباع سبيل السلوك المستقيم .

فالشاعر يجري الأحداث في إطار الخطاب الذاتي مرتدا من حدث الاحتياج إلى حدث الدخول مع استخدام أسلوب التعجب بصيغة ما أفعله لتجسيد حدث الدهشة الممتزج بفلسفة دينية ترسم بؤرة الذات وموقعها قربا وبعدا من خارطة الإدراك والإرادة .

فالشاعر يجسد مبادئ الحب بتقارب مع مبادئ الدين حيث يوفق بين فلسفتي الحب والدين من خلال الرباط المقدس كونه يرى الحب من زاوية النظام والتشريع بعيدا عن فوضى الشيوع المطلق .

فحدث الاحتياج يرتبط بزمن المضارع بخطاب ذاتي يوجه ألى المحبوبة يتجسد في ظرفية الدين بإطلاق مرمز يعمل على تقمص المبدأ بإسقاطات الهدف حيث يرسم المسافة الفاصلة بين الدين والكفر بتقارب عنفوان الدوافع المتمردة في تيمة الحب بإرادة متوجهة تتخذ من المجاز والرمز غطاء مجازيا يعبر الدلالة من تحت ستار الصورة بتهاصرات اللفظ المتردد في إرهاص المجاز .

أحْتَاجُكِ
ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاهُ

لِعبِيركِ أبداً يُنْعِشُه
لِجنَاحك أبداً مَسراه

يختم الشاعر نصه بأشواق استباقية في رهان الحب يهلهل من خلالها الأحلام الوارفة في أفق الافتراض حيث يذهب نحو الخطاب الاستعطافي معززا الأحداث بأسلوب التعجب والخبر المتمثلين في :

ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاه .

حيث رسم خارطة الدهشة والمفارقة في مسار متعاطف تتردد قواسمه المشتركة بين ثنائية ” الوحشة والمنفى ” في إطار ظرفية الحب وتمرده العاصف .
حيث عقد الشاعر الاقتران بين الخيال والصورة من خلال تقريب اللوحة المرسومة على مساحة ذات أبعاد “زمكانية” ترتبط بذات الشاعر ترددا وانعكاسا فثنائية

” الهوى – المنفى ” .

تجسدان في كيان الشاعر تأثيرا قاهرا للحب بعدا وقربا من خلال أشواق العواطف النازعة بإرادة الجموح نحو المحبوبة .

حيث يؤكد حدث الاحتياج إمالة القصد والوجهة نحو المحبوبة بإعلان الافتقار والحاجة حيث ينزلها منزلة الروضة العطرة للتنزه والاستنشاق بانسياب ريح الصبا ونسمات العبير الوارفة حيث يكثف ظرف الزمان المبهم ” أبداً ” من إطلاق لوعة التمني بلا حدود في رحاب المحبوبة .

حيث توحد الشاعر بالمحبوبة في إطار ظرفية الأبد بتعزيز ثنائية

” الجنح – المسرى ” .

فاسم الزمان ” مسراه ” يخط مسار الشاعر في ذات المحبوبة بطيران محلق يتخذ من جناح المحبوبة وسيلة للطيران منها وإليها في مسرى افتراضي يعبر حدود الواقع إلى العالم الافتراضي .

فالمحبوبة تمثل الوجه الآخر للحبيب بامتزاج روحي وشكلي ينطلقان من فلسفة عميقة ورؤية صوفية مطلقة تتجاوز الحقيقة إلى الخيال حيث تتلاقى مصفوفات الأماني في حقل مغلق يغرد بجوقات ساحرة تتعاضد فيها الألفاظ والصور بدلالات كارزمية تحلق بالشاعر نحو الإيحاء والتكثيف من خلال الهمسات الشاعرية الوارفة التي ضمنها الشاعر في قالب النص تنحدر بشلال العواطف وتزهر بالخيال وتثمر بالمعاني الباسقة .

لهفة..

أَحْتاجُكِ بحراً يَسحبُنِي
يُغرقُني مُوجُ حَنَاياهُ

يا امرأةً خُلِقتْ ليسَ لها
أبداً إلاهـا أشْباهُ

يا سِراً بَـاحَ بِه وَجْهِي
دمعاً كالغَيْمةِ أجْـراهُ

يا قمراً لاذَ بِه لَيلِي
يقْبِسُ من عَينيه سنَاهُ

أهواكِ رياحاً تعْصِفُ بي
تنفضُ عن وجهي خَطاياه

أحْتَاجُكِ ! دِينا أدْخُلُه
ما أكْــفر عمري لَـولَاهُ !

أحْتَاجُكِ
ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاهُ

لِعبِيركِ أبداً يُنْعِشُه
لِجنَاحك أبداً مَسراه

ياسين السامعي.
الشاعر ” ياسين السامعي” وقع نصه ” لهفة ” بموسيقى راقصة تتهاصر مع بحر الخبب ” فاعلن ” مع استخدامه لحرف الهاء المضمومة رويا حيث زادت موسيقية النص نتيجة الحرف الموجه بالمد .

نلاحظ في أسلوب الشاعر تمازج ما بين الخيال والصورة واللفظ والمعنى والشكل والمضمون حيث تتهاصر تيمات النص مابين الأمل والألم واليأس والتفاؤل يعلن من خلال النص عن ضرورة الاحتياج ورسم أبعاد الأماني والأحلام في إطار الوعي النازف بالعواطف الضانية .

مازال ينظم حروفه أشواقا في هالات مترادفة تعبر عن لوحة فنية تعكس الأبعاد السيكلوجية والسيميائية راحلا في درب الخبب ليشكل من النص برمودا هائمة تتراقص بابتلاع الإيقاعات الراقصة من ركض الخيل إلى سكرات الغجر .

حيث يتسم أسلوب الشاعر بالجزالة والرقة والعذوبة والانسياب يتدفق بتيمات الحب في رفرف خضر يعكس متاهة العلاقة بين الشاعر ومحبوبته بالسفر ما بين الفجر والشفق حيث يغرق الشاعر في متاهة من الرؤى الصوفية يحاول السيطرة على موجات الحب مدا وجزرا في بحر العواطف الطاغية .

مازال يركض باستطراد نحو المحبوبة يعبر المستحيل ليكشف الحجب المتراكمة ليبرز أيقونتها في رحاب ذاته حيث ينظم الألفاظ أكاليلا والخيال صورا والجمل أساليبا يجسد الروح طائر “فينيق’ ترحل نحو جزر “فينوس” الجمال تبحث عن “اليوتوبيا الفاضلة” في مدن الخيال حيث يهرق سحبه الوارفة هناك تشن شآبيب القريض ليجري جداول الحب في مروج ذاته الوالهة .
أَحْتاجُكِ بحراً يَسحبُنِي
يُغرقُني مُوجُ حَنَاياهُ

ارتبط الحدث ” أَحْتاجُكِ ” بإضمار الذات الشاعرة بصورة الضمير المستتر المقدر ب ” أنا ” مع اتصاله أيضا بكاف خطاب المحبوبة الواقع تحت حدث الاحتياج في إطار المفعولية فالعلاقة بين الفاعل والمفعول في الحدث المتعدي تربط الجملة بالحال
” بحراً ” كون قيد الجملة يعلن عن كيفية الوصال والتي عبر عنها الشاعر بحدثي ” السحب – الغرق ” فالبحر جسد الاستعارة التصريحية عن المحبوبة كونه يجسد إرهاصات الحب بعلاقات المد والجزر فالحدث ” يَسحبُنِي ” يوقع حالة الجذب غير الإرادي نحو الغرق بين ثنائية المحبوبة والبحر حيث تحمل صورة ” حَنَاياهُ ” دلالة ظرفية لطرفي الصورة حقيقة ومجازا .

فالشاعر بخياله الحاد رسم الأبعاد الروحية بين طرفي الحقيقة والمجاز بفرادة استطرادية تجسد حال التقارب بين الذات الشاعرة والمحبوبة في أطر روحانية تتكئ على رؤى صوفية مفتوحة تدعم حدث الاحتياج في أفق التجاذب الروحي بتثاقل مطرد تجاه قطب المحبوبة .

حيث يؤكد الشاعر انفتاح مجال الحب من جهته مع استقراء انتظار مجال المحبوبة ليعزز من الدفع بقوة نحو الغرق في دوامة الحنايا نتيجة الدفع والشد بين القطبين في اتجاه واحد نحو بؤرة الحب .
حيث يقترن حدث الاحتياج بحدثي السحب والغرق في رهان البحر فإحداثيات الصورة تدور بين الخيال والواقع باقتران أفقي ينزاح من سيكلوجية الشاعر نحو بؤرة الحب في مصب حاد يغرق في ظرف حنايا المحبوبة .

يا امرأةً خُلِقتْ ليسَ لها
أبداً إلاهـا أشْباهُ

يمزج الشاعر الخطاب الرومانسي في سطح النص بأساليب متداخلة تقارب بين الخبر والإنشاء بدلالات تفخم النداء في سياق النكرة غير المقصودة :

” يا امرأةً ” .

حيث يزيد شيوع التنكير ببناء الحدث للمجهول ” خُلِقت ” حيث تأتي الدلالات الانعكاسية تخبر عن استبطان الشاعر لأبعاد غير محدودة تترجم ضبابية المحبوبة واختلاف ماهيتها بين التصور الخيالي والحقيقة الواقعة .

فالشاعر مازال يسلك سبيل الأماني الافتراضية يبحث عن المحبوبة في أفق مفتوح يتهاصر مع أسلوب التقديم والتأخير لركني الجملة الاسمية في إطار الفعل الناقص” ليس ” والقصر الناتج من ” ليس – إلا ” على ضمير الغائبة في نطاق ظرف الزمان المبهم .
فالشاعر من خلال استخدام البنى المبهمة والأساليب المغرقة في التنكير أكد البعد الروحي والأزمة العاطفية حيث تأتي تلك البنى المتجسدة في :

– حرف النداء الدال على البعد “يا” .
– نداء النكرة غير المقصودة امرأةً .
– توظيف الظرف المبهم أبداً .
– القصر على ضمير الغائبة .

كل تلك العوامل تكثف من أزمة الشاعر تجاه المحبوبة وتجسيدها في الواقع حيث مايزال يرحل في عالم الأحلام يجدف قارب الحب نحو فضاء الرومانسية يبحث عن امرأة ما يتجاذب معها خط الاقتران في ثنائية افتراضية بين قلب الشاعر الحاضر وقلب المحبوبة الغائب .

يا سِراً بَـاحَ بِه وَجْهِي
دمعاً كالغَيْمةِ أجْـراهُ

مازال الشاعر يؤكد العلاقة العاطفية مع المحبوبة من خلال استبطان الأسرار وكتمان البوح إلا من فيض المآقي الغائمة حيث عبر الشاعر عن الوجه ويريد العين بعلاقة غير المشابهة كونه أطلق الكل وأراد الجزء فعلاقة المجاز
” الكلية ” .
حيث يرتبط نداء التنكير
” يا سِراً ” بإغراق مبهم يتماهى مع حدث البوح بثنائية مرتدة في إطار المشاعر المقيدة حيث يتم اجترار السر بظرفية مغلقة بعيدا عن اجترار الظاهر حيث ينبئ إطلاق السرية عن أبعاد الحب وارتباطه بسيكلوجية الشاعر وارتباطها بثنائيات :
” السر – البوح ” .
” الوجه – الدمعة ” .
” الغيمة – الإجراء ” .

تلك المتتاليات المنطقية تبنى فيها الأحداث بتتابع استراتيجي في خارطة المسلمات حيث تم المزج الأنطلوجي بين كائنات الشوق في أفق النص .
فالائتلاف التوافقي بين الظاهر والباطن تم من خلال السر المطلق والبوح الراهن حيث ترتب على تلك الثنائية استجابة الوجه المتآزر مع حدث الإجراء فالعلاقة بين الطقس الغائم والوجه علاقة تشابهية تجسد المشابهة بين طقس الشاعر الروحي وطقس الجو الغائم .
حيث عمل خيال الشاعر المزج بين الحدث والصورة والظاهر والباطن والطقس والوجه والغيمة والدمع من خلال علاقات التقابل والمشابهة بين الإنسان والحدث والإنسان والطبيعة والإنسان والبيئة .
حيث نلمس من خلال إجراءات العواطف في سطح البيت طفرة الأشواق وحرقة الألم حيث يبث الشاعر الشكوى بطريقة غير مباشرة من خلال فلسفة الحب ورسم أبعاده العاطفية برؤى مطلقة تتكئ على ترددات سيكلوجية تنبعث من حدس الأشواق نحو البعد الصوفي حيث تصطدم رحلة الشاعر العاطفية بالطبيعة والبيئة في رهان الحدث الرومانسي .

يا قمراً لاذَ بِه لَيلِي
يقْبِسُ من عَينيه سنَاهُ

مازال الشاعر يتماهى مع المطلق في طور التنكير والإبهام بإرادة رومانسية يولد من عصرها تيمات الحب حيث يرحل نحو الفضاء يلتمس تقمص الكائنات بإسقاطات روحية تعبر عن الحبيب في إطار الزمكان فثنائية ” القمر – الليل ” ثنائية متضادة تعلن عن انعكاسات الشاعر الروحية في مجال التعبير عن الحب .

فالحدثان ” لاذ – يقبس ” يعبران عن التماس الشاعر للطائف الحبيب من خلال الصورة الخيالية في إطار لوحة الكون حيث يجسد الشاعر المحبوبة بالظاهرة التاريخية المضيئة من خلال المقارنة بين المكان والزمان بثنائية ” الضوء – الظلام ” المتجسدة من ثنائية ” القمر – الليل ” فالشاعر يهرب من الواقع إلى الخيال يبحث عن المحبوبة برؤى أسطورية تجمع بين الرمز والأسطورة من انعكاسات التجلي الروحي المتهاصر مع الخيال في إطار الامتزاج بالكون والبيئة .

أهواكِ رياحاً تعْصِفُ بي
تنفضُ عن وجهي خَطاياه

في البيت الآنف تتعاضد ثلاثة أحداث تتعلق بالمحبوبة :

” أهواك – تعْصِفُ – تنفضُ ” .

حيث ترتبط الأحداث المضارعة الثلاثة بصورة الهيئة الحالية :

” رياحاً ”

حيث قارب الشاعر بينه وبين المحبوبة برؤية فلسفية ذات بعد صوفي تمتزج بطبيعة الطقس والمناخ ليجسد العلاقة العاطفية المتقلبة بالتغيرات المناخية المرتبطة بالفصول الأربعة صيفا وخريفا وشتاء وربيعا .

فالشاعر يعبر بوعي عن انفعالات المشاعر تجاه المحبوبة حيث يطلب علاقة إيجابية ترتبط بالحدث والعنفوان تبعد عن برودة المشاعر وتجمدها .
حيث تجسد الرياح فلسفة صورية ورمزية تعبر عن أسطورة الحب التي يتوحد بها الشاعر من خلال التغيرات الثنائية في داخل النفس وخارجها حيث يأتي حدثي العصف والنفض بتكامل استراتيجي يعملان من خلاله على هز المشاعر وتنقيتها وإحداث صدمة ديناميكية تعمل على حدث التوازن لعلاقة الحب وإنعاشها .
فالعلاقة بين الشاعر والمحبوبة ترتبط بالوجه والرياح حيث تنفض الرياح ما علق بالوجه من غبار الخطايا كون الوجه يعبر عن ذات الشاعر بعلاقة المجاز المرسل الجزئية وهي صورة لطيفة تجسد المعنوي في صورة الحسي وتلقي بأبعاد روحية وفكرية تعبر عن ماهية الحب وانطلاقاته نحو الارتباط المقدس .

أحْتَاجُكِ ! دِينا أدْخُلُه
ما أكْــفر عمري لَـولَاهُ !

هذا البيت يؤكد الارتباط المقدس بين ثنائية القطبين فالدين رمز للطهارة والعلاقة المقدسة بين حواء وآدم حيث يطير الشاعر في أفق الحب يهاصر روافده في مجال المشروع بعيدا عن الحب المحرم حيث تأتي ثنائية الدين والكفر في إطار الترميز تعبر عن أسطورة الحب الخالد بعيدا عن التضاد القطبي في رحاب العدل والحق ثم تؤكد نفي الانحراف باتباع سبيل السلوك المستقيم .

فالشاعر يجري الأحداث في إطار الخطاب الذاتي مرتدا من حدث الاحتياج إلى حدث الدخول مع استخدام أسلوب التعجب بصيغة ما أفعله لتجسيد حدث الدهشة الممتزج بفلسفة دينية ترسم بؤرة الذات وموقعها قربا وبعدا من خارطة الإدراك والإرادة .

فالشاعر يجسد مبادئ الحب بتقارب مع مبادئ الدين حيث يوفق بين فلسفتي الحب والدين من خلال الرباط المقدس كونه يرى الحب من زاوية النظام والتشريع بعيدا عن فوضى الشيوع المطلق .

فحدث الاحتياج يرتبط بزمن المضارع بخطاب ذاتي يوجه ألى المحبوبة يتجسد في ظرفية الدين بإطلاق مرمز يعمل على تقمص المبدأ بإسقاطات الهدف حيث يرسم المسافة الفاصلة بين الدين والكفر بتقارب عنفوان الدوافع المتمردة في تيمة الحب بإرادة متوجهة تتخذ من المجاز والرمز غطاء مجازيا يعبر الدلالة من تحت ستار الصورة بتهاصرات اللفظ المتردد في إرهاص المجاز .

أحْتَاجُكِ
ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاهُ

لِعبِيركِ أبداً يُنْعِشُه
لِجنَاحك أبداً مَسراه

يختم الشاعر نصه بأشواق استباقية في رهان الحب يهلهل من خلالها الأحلام الوارفة في أفق الافتراض حيث يذهب نحو الخطاب الاستعطافي معززا الأحداث بأسلوب التعجب والخبر المتمثلين في :

ما أوْحشَ أنْسِي !
و هواكِ الثائرُ مَنفاه .

حيث رسم خارطة الدهشة والمفارقة في مسار متعاطف تتردد قواسمه المشتركة بين ثنائية ” الوحشة والمنفى ” في إطار ظرفية الحب وتمرده العاصف .
حيث عقد الشاعر الاقتران بين الخيال والصورة من خلال تقريب اللوحة المرسومة على مساحة ذات أبعاد “زمكانية” ترتبط بذات الشاعر ترددا وانعكاسا فثنائية

” الهوى – المنفى ” .

تجسدان في كيان الشاعر تأثيرا قاهرا للحب بعدا وقربا من خلال أشواق العواطف النازعة بإرادة الجموح نحو المحبوبة .

حيث يؤكد حدث الاحتياج إمالة القصد والوجهة نحو المحبوبة بإعلان الافتقار والحاجة حيث ينزلها منزلة الروضة العطرة للتنزه والاستنشاق بانسياب ريح الصبا ونسمات العبير الوارفة حيث يكثف ظرف الزمان المبهم ” أبداً ” من إطلاق لوعة التمني بلا حدود في رحاب المحبوبة .

حيث توحد الشاعر بالمحبوبة في إطار ظرفية الأبد بتعزيز ثنائية

” الجنح – المسرى ” .

فاسم الزمان ” مسراه ” يخط مسار الشاعر في ذات المحبوبة بطيران محلق يتخذ من جناح المحبوبة وسيلة للطيران منها وإليها في مسرى افتراضي يعبر حدود الواقع إلى العالم الافتراضي .

فالمحبوبة تمثل الوجه الآخر للحبيب بامتزاج روحي وشكلي ينطلقان من فلسفة عميقة ورؤية صوفية مطلقة تتجاوز الحقيقة إلى الخيال حيث تتلاقى مصفوفات الأماني في حقل مغلق يغرد بجوقات ساحرة تتعاضد فيها الألفاظ والصور بدلالات كارزمية تحلق بالشاعر نحو الإيحاء والتكثيف من خلال الهمسات الشاعرية الوارفة التي ضمنها الشاعر في قالب النص تنحدر بشلال العواطف وتزهر بالخيال وتثمر بالمعاني الباسقة .

أضافة تعليق