بسم الله الرحمن الرحيم
المرأة و قضاياها المعاصرة في الأسرة و المجتمع.
عمل المرأة و إنفاقها علي بيتها في الميزان
تمهيد :
علي مدي عقود من الزمن و منذ خروج المرأة إلي سوق العمل بإسم المساواة، دار الحديث حول المنافع التي إنجرت
عن خروجها و إمتهانها للعمل و التركيز علي الدور الذي
إضطلعت به بإقتدار المرأة في ميادين شتي.
في هذه الورقة المتواضعة التي أقدمها في إطار الدورة التعليمية لدراسات المرأة و الأسرة شجرة الطوبي" المنعقد
بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة تظاهرة مشهد عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2017 الموافق ل1438ه سنحاول تقديم
مقاربة للجانب السلبي الذي ترتب عنه عمل المرأة، ما هي إنعكاساته علي المرأة ؟ نفسيا بدنيا و معنويا و هل مساهمتها المادية تغطي
علي الأضرار التي لحقت بمكانتها في المجتمع و مدي تأثر محيطها المباشر بذلك و علي الخصوص الأسرة.
إنني أدعو لمعاينة موضوعية لعمل المرأة و معالجة سلبياته وفق خصوصيتنا العقائدية.
في زمن التغيرات السريعة حيث تحكم مقاييس الدورة الإقتصادية المجتمعات الإنسانية و مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة
و مراجعة قوامة الرجل علي المرأة، يهمنا أن ندرس
إنعكاسات ذلك علي دور المرأة في الأسرة و المجتمع ككل. طبقا لنظام إقتصادي مفروض،
تعدي دور المرأة طبيعتها الفطرية لتصبح جزأ لا يتجزأ من الدورة الإقتصادية و لهذه
المساهمة إنعكساتها و نتائجها نلمسها عن قرب من خلال تنشأة النشأ مثلا.
فالتزاوج سنة من السنن الإلهية و الكونية و قد حدد الله عز و جل علاقة الزوجية
هذه عبر الآية 34 من سورة النساء بقوله تعالي، بسم الله الرحمن الرحيم :
(الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و بما أنفقوا من أموالهم) الآية 34 من سورة النساء.
فالقوامة أوجدت لعدة أغراض و أهداف، من بينها الحفاظ علي المرأة و صيانتها.
فدور الزوج في إدارة دفة الحياة بمعية الزوجة و إستشارتها لا يستهان به. و القوامة كانت و
لازالت صمام الآمان للمجتمع المسلم، فهي تزيح من علي كاهل المرأة الكثير من المسؤوليات و التبعات
و الضغوط و تمنح لها مساحة آمان و راحة و طمأنينة تضلل وجودها،
فتتمكن من تجسيد دورها الطبيعي بعفوية و روح من المسؤولية أيضا.
فالزوجية و الأمومة مهام المرأة الأولي و الأهم في حياتها، فعليهما تتوقف صلاح المجتمعات و ديمومتها،
فمكانة المرأة عامل إستقرار و ثبات و طمأنينة لكل أفراد المجتمع. و قد
تضررت هذه المكانة بفعل أن المجتمعات المسلمة مستسلمة للسمت العام للحضارة العالمية و ليس طرفا فاعلا فيها.
و قد تميز أداء المرأة المسلمة علي مدي مئات السنين و تأثر بفعل إنحطاط حضارة المسلمين
و تراجعهم علي المستوي المحلي و العالمي، فوجود المرأة ذاته يعد أكبر عوامل
إستقرار الأفراد و الجماعات، و نحن نلتمس ذلك في كل جوانب الحياة، و للمرأة إسهامات قيمة في :
- الإستقرار النفسي.
-تربية النشأ.
-العطاء العاطفي.
-التماسك الإجتماعي.
-المساهمة الإقتصادية.
يجدر بنا أولا أن نطرح بعض الأسئلة :
1-هل عمل المرأة إلزامي ؟
2-ما هي الأثار النفسية التي تترتب عن خروجها لسوق العمل ؟
3-هل عمل المرأة يحدد مكانتها في المجتمع ؟
4-كيف نقيم مشاركتها المادية في الإنفاق : مساعدة أم تقاسم القوامة مع الرجل ؟
5-هل المساواة بالرجل في العمل إضافة لها ؟
ملاحظة :
علينا بتوضيح أمر : نحن معنيين هنا بفئة النساء العاملات ذوي التعليم المتوسط و العال.
فالنسبة الغالبة من العاملات في العالم العربي الإسلامي أي كانت صفتهم الإجتماعية،
متزوجات، عازبات مطلقات و أرامل تنتمين إلي الطبقتين المتوسطة و الفقيرة.
بناءا علي هذه المعطيات البسيطة علينا بالإيجابة علي الأسئلة في الأعلي.
1- طبقا للمفهوم القرآني، من هو مطالب بالإنفاق علي الزوجة و الأم و الإبنة و الأخت هو ولي أمرها كان أباها،
زوجها أو أحد محارمها من الجد إلي الأخوال و الأعمام، و هذا بموجب قوامة الرجل.
"لقد شرع الإسلام مسؤولية الرجل دون المرأة في النفقة على الأسرة بشكل كامل، و القيام بكل احتياجاتها المادية وفق إمكانياته
و ظروف معيشته[1] أي أن الرجل له القِوامة، و له الإدارة، و له الإشراف، و له القرار، و له القِيادة، و بما أنفقوا."
فنري أن هذه الأدوار أسندت بنص قرآني صريح للرجل و هذا الإسناد ثابت عبر الزمان و المكان إلا في
حالات إستثنائية و نحن نقيس الأمور وفق القاعدة العامة.
إذن" النفقة من الرجل هي حق من حقوق المرأة، و النفقة معناها توفير الطعام و الشراب و اللباس و الدواء و الخادمة و السكن،
حتى و لو كانت المرأة غنية غير محتاجة فيجب أيضاً على الزوج أن ينفق على زوجته ."[2]
في زمن العولمة، الذي يوافق تخلف المسلمين الحضاري، الفرد فيه مفعول به أكثر مما هو فاعل و هذا بالطبع ينعكس علي وضعية المرأة،
"لم يعد أمر اشتغال المرأة أو عدمه اختيارياً في الكثير من الأوقات بسبب الحاجة المالية و الأوضاع الاقتصادية الضاغطة
التي تتطلّب بذل الجهد المشترك لتوفير حياة أفضل للعائلة و للأبناء، إذ بات تشكيل عائلة من
زوجين عاملين أسهل بكثير من غيرهما خصوصاً في المدن الكبرى والمجتمعات الصناعية[3]."
من المسلم به أن ما هو إجباري هو غير إختياري و هنا نلامس جانب من معاناة المرأة،
فأن تلزم بالإنفاق يضطرها للخروج للعمل رغما عنها، فالدورة الإقتصادية لها من السطوة
بحيث شكلت ثقافة المجتمعات و مرجعيتها، أرد هنا شهادة حية لموظفة سامية في الإعلام و هي جزائرية الجنسية :
"تربيت في عائلة رسخت في ذهن بناتها أن جلب القوت مسؤولية الفتاة في المقام الأول و الأخير."
نلاحظ عبر هذه الشهادة حجم التشوه و الإنحراف الذي لحق بالمجتمع و بنيان الأسرة، فبحسب التصور الإسلامي، مسؤولية الإنفاق علي البنت تقع علي عاتق أبيها،
أخاها إلي حين ما تتزوج لينفق عليها زوجها و لا تتحمل مسؤولية البحث عن الرزق، فالإسلام يريد لها أن تعيش معززة مكرمة في بيتها،
فمن خلق للإسترزاق هو الذكر و ليس الأنثي. هذا و كثيرون يتحججون في أيامنا هذه بعدم قدرة الرجل علي الإيفاء بإحتياجات بناته
و زوجته و هذا بالنظر لغلاء المعيشة، نرد علي هؤلاء بما يلي : أولا علي كل أب أن يوفر مسكن لزوجته و بناته،
ثانيا بمتابعة سياسة إنفاق معقولة بإمكان كل أب أن يوفر اللباس و المأكل لزوجته و بناته و فيما يخص بقية المصاريف فبإمكان
الإخوة الذكور أن يساعدوا الأب بجزء من مدخولهم إن كانوا يعملون. أما أن نسارع و نطالب من الزوجة و البنت بالبحث عن عمل لتنفق علي نفسها،
فهذه قلة مروءة و رجولة و تنصل من قوامة الرجل مكلف بها هو شاء ذلك أم أبي و أسجل هنا صرخة أم :
"طالب زوجي من إبنته التي تمتحن إمتحان البكالوريا بأن تخرج للبحث عن عمل لأنه سيتوقف عن الإنفاق عليها، هل يعقل هذا يا رب ؟"
في الكثير من المجتمعات العربية، لكي يتم الزواج، يشترط فيه عمل المرأة، و هذا نراه في مجتمعي الجزائري علي الأقل. أرد شهادة أخري لصاحبة مشروع خاص جزائرية
الجنسية دائما "أصبح لدي كزوجة هاجس الإسترزاق، و هذا يضغط علي أعصابي و راحتي و حياتي ككل." بغض النظر عن الفائدة التي تنجر عن عملها،
ففكرة جلب المال إلي البيت أصبحت مسؤولية المرأة بالتساوي مع مسؤولية الرجل. هذا "و المرأة الأم العاملة و مع تساوي ساعات العمل مع الرجل
تعمل لمدّة تزيد عن خمسين ساعة عن الرجل الأب، و ذلك باعتبار الساعات التي تعمل فيها عادة داخل البيت" .[4]
يحق لنا أن نتساءل هل خلقت المرأة للإسترزاق ؟ أليس في إجبارها علي العمل شكل من أشكال الضغط النفسي المضر بتوازنها و صحتها النفسية
هذا دون ذكر ما تعيشه و هي تعمل من خلافات و مشاحنات و ظلم إداري أحيانا ؟
بالطبع لم تخلق لمهمة الإسترزاق التي أوكلت للرجل، فهو مهيأ طبيعيا و فيزيولوجيا و نفسيا و معنويا و أخلاقيا لهذا الدور،
و مساحة الإختيار لدي المرأة تقلصت بتداخل المعطي الإقتصادي و حاجة الأسرة لمالها.
2-ما هي الأثار النفسية التي تترتب عن خروج المرأة لسوق العمل ؟
ردا عن هذا السؤال، أقول أنه آن الآوان أن نولي أهمية للجانب النفسي الذي يترتب عن العمل لدي المرأة و مدي تأثره سلبا بإلزامية العمل
و النهوض بأعباء الإسترزاق. كثيرة هي الشهادات التي تلقيتها علي مدي عقدين من الزمان و التي تتعرض فيها المرأة إلي العذابات النفسية
و الصحية بمقتضي تشعب و تضاعف أداءها علي حساب هناءها و إستقرار بيتها، فمساواة المرأة بالرجل في مجال العمل
لم يرافقه تحمل الرجل مسؤولية الأشغال المنزلية من غسل و طبخ و كي إلخ، بقت مساهمته ضئيلة بالنظر إلي الدور
المركزي الذي تلعبه المرأة في البيت.
فالمجتمعات المسلمة بشكل عام لازالت تتعامل مع المرأة بناءا علي العادات و التقاليد التي ورثوها عن زمن الإنحطاط،
فهم ينظرون لدورها الأنثوي كزوجة و أم أولا و لا مجال للتسامح في ذلك معها و قد جربت ذلك شخصيا من خلال برنامج إجتماعي دام ثلاث سنوات،
حيث كانت تعترض علي بعض الأمهات إسنادي للإبن مهمة ترتيب غرفته و الطبخ، فكانت تنظرن إلي أن هذه مهام الأخت و ليس الأخ
و تناسين أن دورها كمعيل مادي للأسرة ليس بدورها بل دور أخيها و زوجها و أباها، فلم يفرض عليها أن تكون عاملة في البيت
و خارجه و لا يفرض نفس الشيء علي الرجل بحيث يصبح فاعلا و عاملا في بيته و خارج بيته ؟
فيتعلم فنون الطبخ و غسل الأواني و ترتيب الملابس و كيها و تنظيف أرضية
البيت، مخففا الأعباء المنزلية علي زوجته التي تشاركه النفقة علي البيت ؟
ثم لماذا تتناسي نساءنا الدور الذي كان يلعبه رسول الهدي محمد عليه الصلاة و السلام و هو كان
بنفسه يخيط ملابسه و يعين زوجاته في اشغال البيت بالرغم من أنهن ماكثات بالبيت،
أليس رسول الحق عليه أفضل الصلاة و السلام قدوة كل مسلم و مسلمة ؟
"يبقى النسق القيمي التقليدي السائد في المجتمعات العربية عامة والمجتمع الجزائري بصفة خاصة يحمل المرأة وحدها
مسؤولية الأعمال المنزلية و تربية الأبناء و رعايتهم فهي تعاني من تشتت الأفكار و صراع في الأدوار بين تدبير شؤون المنزل
و تلبية نداء الأمومة من جهة و تحقيق المكانة الإجتماعية المرموقة من جهة أخرى مما يجعلها لا تستطيع إتقان الدورين معا
و يهدد سلامة فكرها وجسمها معا."[5]
بينما و كما وضحت في الأعلي الشراكة في الإنفاق تستوجب شراكة في القيام بالواجبات المنزلية أي كان مستوي المعيشة
و أي كانت التسهيلات في وسائل الحياة. و شراكة أيضا في التربية و الإعتناء بالأطفال، فمتابعة الأطفال و رعايتهم عاطفيا و روحيا
و تربويا مسؤولية الأب و الأم علي السواء. أثبتت الدراسات الطبية أن الضغوط التي تتعرض لها المرأة في مكان عملها
و طبيعة المهنة التي تزاولها مع كم الإلتزامات و الواجبات الملقاة علي عاتقها تتسبب لعدد كبير من النساء في شيخوخة مبكرة،
تأخير قرار الزواج و الأمومة، إرتفاع في نسبة التوتر العصبي، الكآبة، إهمالها لصحتها، الصداع، الأرق،
و شعورها بإنعدام الآمان الوظيفي بإعتبار عملها مصدر رزقها و ليس الزوج القوام عليها،
هذا دون ذكر التحرشات الجنسية التي تتعرض لها المرأة العاملة[6] و آفة الإسترجال،
و وقوعها في علاقات آثمة مع زملاءها الذكور أو رؤساءها أحيانا و ذهاب حياءها "
وهكذا تجد المرأة نفسها في دوامة صراع يومية، بين العمل خارج البيت و بين مسؤولياتها تجاه أولادها (تربيتهم، رعايتهم، مساعدتهم في دروسهم)،
و بين زوج يريد زوجة حنونا تلطف له جو الحياة المشحون و المضغوط، و بين بيت يحتاج إلى تنظيف وووو..."[7]
هذا و " إن عمل المرأة و خروجها من البيت، و تعاملها مع الزميلات – أو الزملاء – و الرؤساء، و ما يسببه العمل من توتر و مشادات - أحياناً-،
يؤثر في نفسيتها و سلوكها، فيترك بصمات و آثاراً على تصرفاتها، فيفقدها الكثير من هدوئها واتزانها،
و من ثم يؤثر بطريق مباشر في أطفالها و زوجها و أسرتها.
إن نسبة كبيرة من العاملات يعانين من التوتر و القلق الناجمين عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن،
و الموزعة بين المنزل و الأولاد و العمل؛ لذا فإن بعض الإحصاءات ذكرت أن 76% من نسبة الأدوية المهدئة تصرف للنساء العاملات."[8]
كل هذا يأثر علي معنوياتها و قدراتها النفسية و الصحية و كثيرة هي الحالات التي تعترف فيها المرأة أنها تدفع ثمنا باهضا لتأمين مستقبلها
و مستقبل أسرتها. فالإلتحاق بسوق العمل عوضها القليل و أزدادت في المقابل المشاق التي تتكبدها،
فليس محيطها فقط المتضرر من غيابها، هي أيضا و بالدرجة الأولي متضررة من عدم تواجدها المستمر مع أفراد عائلتها و أبناءها.
فوجود هؤلاء في حياتها عنصر أمان و إستقرار و سعادة، ها أنها بموجب قيامها بمسؤوليات الإنفاق تجد نفسها مضطرة لإحترام دوام الرجل في العمل.
تتميز المرأة بالعطاء اللامحدود و هذا يدفعها في غالب الأحيان إلي تجاوز طاقتها
و التغاضي عن راحتها الشخصية، مضحية بهناءها في سبيل إرضاء الأب الزوج و المجتمع ككل.
فالتطور الحضاري المتفاوت من دولة مسلمة إلي أخري لم يعفيها من الوقوف بنفسها علي أعمال المنزل
و رعاية الأبناء و طبعا و وفق ما ذكرناه سابقا أداءها في البيت و خارجه سينحسر و نوعيته لن تخفي النقائص،
ليست هي من تستقبل أبناءها عند عودتهم من المدرسة، و إنخفض إستماعها إلي مشاغلهم و مكنوناتهم بدرجة رهيبة
مما فاقم في مشاكل الوحدة و الإنطواء و الإنحراف الذي يعرفه أبناءنا. و بالمناسبة لأرد موقف نائب الرئيس الأمريكي السيد مايك بانس
و الذي يعتقد أن لا مجال للمرأة أن تجمع بين عملها و تربية الأبناء، فهو يري أنه يتعين عليها أن تتفرغ إلي تربية أبناءها أولا.[9]
إفتقاد جميع أفراد العائلة إلي الأجواء الأسرية يرمي بظلاله علي وجود كل واحد منهم.
فعمل المرأة، "خلق الكثير من المشاكل داخل الأسرة بسبب تغير الأدوار والوظائف إذ أصبحت بعض الوظائف المهمة
مثل التنشئة الإجتماعية للأبناء تتم داخل مراكز متخصصة بعد أن كانت تتم داخل الأسرة."[10]
فأي كانت عملية التوفيق التي تقوم بها المرأة، نسبة إهتمامها و تفرغها لدورها الأول الزواج و الأمومة في تراجع.
مع العلم أن مهام الزوجية و الأمومة ليست هينة علي الإطلاق و ليست بالسهولة التي نظنها،
"كما أن عدم إدخال عمل المرأة في بيتها ضمن بنود الناتج الوطني يعد تضليلاً في معايير قياس النشاط الاقتصادي ,
لأن عمل المرأة في بيتها هو إنتاج, ينبغي احتسابه في الناتج الوطني بتقدير أجر المثل."[11]
و من جهة أخري طبيعة العولمة الزاحفة، عقدت مهمة الوالدين بحيث أصبح يتعين عليهم توفير اجواء أسرية
تحتل فيها متابعة الأبناء عن قرب حيز أكبر من الوقت و من الجهد الروحي و الفكري،
هذا و الأطفال اليوم في حاجة إلي حضور أكبر للأم في حياتهم.
هذا و كيان المرأة مهدد بأمراض كانت في غني عنها، مثل الضغط و فقر الدم و الشقيقة و القلق الزائد و قلة الخصوبة.
كيف لها أن تعتني بنفسها و هي تعيش يوميا تفاصيل صراع لانهائي بين وجودها كأنثي و دورها كعنصر منتج ينفعل و يتفاعل ؟
3- هل عمل المرأة يحدد مكانتها في المجتمع ؟
مكانة المرأة في الإسلام عظيمة عظم الدور الذي تلعبه في حياة الكل. لنستذكر فقط دور سيدة العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
و مساندتها لرسول الحق عليه أفضل الصلاة و السلام و الذود عنه و دعمه بكل ما أوتيت من مال و معرفة و عطف.
يصلح المجتمع بالمرأة و يفسد بها، فأن نعتقد بأن عمل المرأة خارج البيت زاد في شعورها بأهميتها
فيه قدر كبير من المبالغة، فمجرد أن تكون إمرأة، هذه نعمة كبيرة في حد ذاتها،
و تتضاعف قيمتها و هي زوجة، أم، أخت، إبنة، خالة، عمة، جدة. فتماسك البنيان الإجتماعي قائم عليها بالأساس.
من الطبيعي أن يعطي أي عمل داخل أو خارج البيت قيمة معينة لصاحبه لكن أن نعتبر عمل المرأة خارج البيت المقياس
الذي ننطلق منه لتحديد قيمتها، فهذا معيار خاطيء للحكم عليها. فقد أثبتت التجربة و الخبرة و معرفة الناس أن مكانتها
غير قابلة للتحجيم أو التسقيف لخطورتها و أهميتها، فكيف ننظر إلي مساهمتها المادية نظرة مغايرة ؟
معتبرين مردودها المادي أهم من كل أدوارها. فالمادة لا تعوض الخسارة التي نسجلها في ميادين شتي
و أولها التربية و تخريج جيل مسؤول و مشبع عاطفيا. ليس هناك أدني مجال لوضع راتبها في المقدمة،
متجاهلين الفراغ الذي أحدثه غيابها عن مسرح حياتها الرئيسي الأسرة و البيت.
ثم قيمة المرأة في صلاحها و ليس في منصبها أو خروجها من البيت و هذا ما يجب التركيز عليه.
فأي كانت مساهمتها في الإنفاق، فقد حصلت لقاء تضحيات كبار و أحيانا كثيرة مضرة جدا لكيانها و كيان الأسرة
.
فأن تنظر إلي نفسها علي أنها المعيل إلي جنب الرجل يشكل إجحاف في حقها ليس من جانب الخدمة التي تؤديها فقط
و إنما أيضا من ناحية الضغط الممارس عليها، و كون معيار عدم الإختلاط غير محترم في العديد من الدول،
فهناك إمتهان للمرأة و هي تخرج تعمل في وسط رجالي محض. و الإمتهان يعرضها لمتاعب و ضغوط و مساومات
يصعب عليها تحديها أحيانا. فإنقلاب الأوضاع و جرها إلي العمل جعلها تفقد الأمان التي كانت تنعم به في ظل قوامة مسؤولة و جادة للرجل،
و فقدان الشعور بالطمأنينة لا يقاس بالمال و لا بالمنفعة التي تعود منه، بإختصار مكانة المرأة غير مرتبطة بالعائد المادي.
4-هل لا بد للمرأة أن تنفق كامل راتبها علي بيتها أم لها الحق في التصرف وفق إحتياجات الأسرة و رغبتها في مساعدة الزوج ؟ و هل فعلا المرأة مخيرة في ذلك ؟
عدد محدود من النساء ممن لا يشاركن الزوج الإنفاق و أما الغالبية العظمي فلا مناص لها من المشاركة،
ففي بعض الحالات لا يتم الزواج إلا بمشاركة المرأة المادية، فالزوج لوحده غير قادر علي تأسيس بيت
و إعانة الزوجة تصبح حجر أساس في الأسرة. و تمثل مشاركة المرأة في تغطية الكثير من النفقات دعم قوي للرجل و التخفيف عنه
و أحيانا هذا التخفيف يكون بمضاعفة العبأ علي الزوجة العاملة. حينما يذهب كل الراتب لصالح البيت،
تشعر المرأة بعظم المسؤولية و يصبح في منظورها العمل ضروري و لازم منه.
حتي أن علاقة الزوج و الزوجة تغيرت بفعل تدخل العامل المادي بينهما، إن كان إضافة ضرورية فقد تحول إلي عنصر خلاف بين الزوجين.
فالمرأة إما أن تشتكي من ان دخلها يسحب منها كلية أو لا يسمح لها الزوج بإتخاذ قرارات مثله،
. مع العلم أن المرأة في الإسلام ليست مطالبة علي الإطلاق بالنفقة و إن شاءت المساهمة في تكاليف الحياة،
فإما أن تتصدق علي زوجها أو تقرضه مالا لمدة معينة و ليست لامحدودة.
و في حالة الطلاق، و نتيجة الذهنية المتوارثة عن زمن الإنحطاط تضيع حقوق المرأة المسلمة المادية،
لأن أعراف المجتمع البالية تكون وقفت حائلا دون ان تفصل ممتلكاتها عن ممتلكات زوجها في عقد الزواج
و فرط ثقتها بالزوج تجعلها لا تضع جانبا فواتير كل ما قامت بشراءه بمالها الحر و هي علي ذمته لتتمكن من إسترجاعه في حالة طلاقها.
هذا و الزوج ينظر إلي مسألة إنفاق المرأة كفرض عليها و ليس فضل منها،
فالزوج المسلم لا يتربي علي قيم الإعتماد علي نفسه و المبادرة باكرا جدا في تكوين نفسه و الإدخار ليؤسس بيت الزوجية،
هذا و في حالات حينما يخوض تجربة الزواج مع الزوجة كلاهما ينطلقان من قاعدة خاطئة
ألا و هي توفير مستوي عيش مادي أعلي بكثير من إمكاناتهما المادية، لهذا نجد زوجات يتجهن إلي العمل لتوفير كماليات
و لا يتحرجن في التضحية بدورهن إلي جنب الزوج و أبناء المستقبل. و في حالات أخري ليس هناك تقدير من الزوج للمساهمة المادية للزوجة
و هذا يفاقم المشاكل بينهما (يثمن الرجل مشاركتها في الإنفاق (نادرا) 32.9.)[12]
عدد لابأس به من الزيجات إنهارت بسبب خلافات مالية. فمشاركة المرأة الخارجية في الرفع من القدرة الإنتاجية للدولة
لا يخفي الإستغلال التي تتعرض له في البيت و مكان العمل، طول ساعات الدوام، الأعمال الشاقة
و المساومات و إهمالها لصحتها و عدم إستفادتها من مالها الذي تجلبه إلي إلبيت و من جانب آخر
"عند النظر إلى العائد المادي المتمثل في دخل المرأة ينبغي أن نأخذ في الحسبان تكلفة الفرصة البديلة أو المضيعة والمتمثلة
في أجور الخدم والسائقين و مصاريف المربيات و دور الحضانة, و الطعام المجهز خارج المنزل, مما يعني
أن الصافي الناتج لا يقابل سلبيات خروج المرأة للعمل."[13]
فالوضع كما هو يحيلنا إلي واقع مؤلم، يضمن الدين و نوع ما القانون الوضعي حقوق للمرأة
لكنها تبقي الطرف الأضعف و الأكثر خسارة و طبعا سينعكس سلبا كل هذا علي المجتمع.
متي ينظر لإنفاق المرأة علي أنه إختيار و ليس جبرا ؟ و متي تدرك المعنية بالأمر أن لها كامل الحرية في الإحتفاظ بمالها و التصرف
وفق ما تريد هي و ليس ما يريده المجتمع منها ؟
أن تمد يد المساعدة للزوج هذا حقها، يبقي عليها أن تحدد الإطار الذي تنفق فيه و كم عليها أن تصرف و متي يحق لها
أن تتوقف عن ذلك، التشاور مع الزوج محبذ و أما القرار فهو قرارها هي، و لا دخل للزوج في مالها،
فكثيرون هم الرجال الفاقدون لمقومات الرجولة و الأخلاق الإسلامية الرفيعة، فيعتبرون عمل المرأة و مالها حق من حقوقهم
و مسلمة من المسلمات بينما الأمر غير ذلك و بإمكان المرأة المسلمة أن تعين زوجها فتعمل لكن لمدة لا تناهز بضعة سنين
و قبل إنجابها لأطفال و حالما تنجب عليها أن تكرس كل وقتها لرعاية أطفالها و تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة،
فنحن إلي حد الساعة لا نمتلك بعد الفرد الرسالي و إيجاد هذا الفرد مهمة الأم بالأساس بالتعاون مع الأب طبعا.
5 -هل نستطيع القول أن المساواة مع الرجل في العمل، إضافة لها ؟
بالرجوع إلي النقاط المذكورة في الأعلي لا يمكننا قول ذلك، المساواة في العمل وقعت علي حساب هناء و صحة و كيان المرأة
و باتت تهدد مصير الأسرة ككل لطول غيابها و تدهور حالتها النفسية و الصحية و إنحسار سعادتها الزوجية و تحميلها ما لا طاقة لها به،
فهناك من الأعمال الشاقة مما تقوي عليها بنية الرجل فقط. مساواتها مع الرجل في العمل جعلتها تتقاسم القوامة مع الرجل
و هذا لا يوافق غريزتها و لا بنيتها و طبيعتها و تم ذلك علي حساب أدوارها الطبيعية و الفطرية كأنثي، زوجة و أم ،
فنسبة كبيرة من النساء اليوم تناضلن من أجل دوام أقصر و عطل أكثر و وسائل تعينها في مهامها أكبر و عناية صحية أكثر
و الإستعانة بدخلها بشكل محدود بينما نحن نري أنه من الأسلم للمرأة المسلمة أن يقع رفع رواتب الرجال
و العمل علي تنمية إقتصادية تتماشي و التركيبة الإجتماعية و الثقافية و الروحية للمجتمعات المسلمة.
فبأي شكل من الأشكال لا ينبغي أن نقارن المرأة المسلمة بالمرأة الغربية و طبقا لذلك فحاجتنا المادية
لمساهمة المرأة لا ينبغي أن تتجاوز قدراتها و وظائفها التي خلقت من أجلها.
ثم علينا بالنظر إلي المساواة من منظار التراحم و ليس التنافس الذي يؤدي لا محالة إلي الصدام،
و قد "نادى بعضهم بأنه مادامت المرأة في البلدان المتقدمة تعمل بالرغم من ارتفاع دخل زوجها
فإنها في الدول النامية أحوج إلى العمل لانخفاض دخل الزوج و كثرة الأطفال و عملها يساعد على الإسراع بمعدل النمو الاقتصادي و الاجتماعي للمجتمع [14]."
حل مشكلة التخلف الحضاري و الرفع من النمو الإقتصادي في نظرنا لا يقع علي عاتق المرأة في الحقيقة
بل يكمن في السياسات الإقتصادية الخاطئة و الفساد الذي عم فجعل الرجل
الزوج غير قادر علي الإيفاء بإحتياجات أسرته، فالمطلوب تصحيح الأوضاع
و كيف نقارن بين دول متقدمة صنعت العولمة و ذات توجه لاديني و بين دول تفتقد إلي قواعد الشفافية و النزاهة في تسيير الشأن العام و تنتمي إلي عالم التوحيد ؟
هذا و المساواة التي تجعل من المرأة رجلا، تخرج في الصباح الباكر لاهثة خلف وسائل النقل العامة
لتصل إلي مقر عملها في عجلة من أمرها، ذهنها مشتت بين متطلبات الحياة، إحتياجات الأسرة و شروط العمل.
كيف لها أن تستلذ مثل هذه المساواة و كيف لها أن تعيش حياة هانئة ؟
ثم هل هي في حاجة إلي مساواة مع الرجل أم ترنو إمرأتنا إلي إنصاف ؟ فذلك التمزق الرهيب المفروض عليها،
حول معاناتها إلي يوميات شقاء و ركض و قلق دائم، فأينها من دورها الطبيعي، هي التي كانت مصدر السكينة و الطمأنينة
و الفرحة و الحنان و الجمال و الرعاية، ها أنها تحيا نمط معيشة مرهقة لأبعد الحدود و بالإضافة إلي ذلك قلما تنجح في التوفيق،
هذا و الصراع المحتدم الذي يعصف بحياتها يزداد تعقيدا يوم بعد يوم بفعل وتيرة نمو غير ملاءمة علي المستوي
الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي. فكون مساحة الخيارات محدودة جدا لديها مادامت تعيل بشكل كبير أسرتها،
فكيف لها أن تختار في ظل ظروف خانقة و شروط عمل ضاغطة ؟
تجاهلت المساواة التركيبة النفسية و العاطفية و الفيزيولوجية للمرأة، و بات وضع المرأة أسوأ مما كان عليه قبل ولوجها عالم العمل،
فتعاطيها مع مجريات الحياة يشوبه الكثير من التوتر و القلق الحاد، و عندما تنعدم أو تتقلص بشكل رهيب
أسباب الآمان و الإستقرار تسود الحياة في عيني الفرد.
الخلاصة :
نستطيع القول أن عمل المرأة بقدر ما حسن من مستوي معيشة العائلة المادية، بقدر ما تسبب مردودها المادي في ظهور مشاكل عويصة من إختلاط الأدوار عليها،
فلا تدري أهي أم أم أب زوجة أم زوج و ضياع الأطفال و تردي العلاقة الزوجية و برود في العلاقات الإجتماعية
و في تدهور وضعية المرأة نفسها علي كل المستويات. فهل بموجب كل هذا، هي مدعوة للبقاء في البيت و الكف عن العمل ؟
طبعا لا، وجوب تعليمها يسمح لها بإدارة بذكاء حياتها و أما العمل فلا بد أن تكون له ضوابط و لا يمثل مصدر إسترزاق،
فعلي الزوج أن يحتفظ بمسؤولية القوامة كاملة و أن يرضي الطرفين بالقليل للحفاظ علي ما هو أهم الإنسجام في علاقتهما الزوجية
و تربية الأبناء التربية التي تليق بهم و تثمين دور المرأة في بيتها. و إعالة المرأة لأسرتها عليها أن تكون للضرورة القصوي
حينما تكون أرملة أو مطلقة و في هذه الحالة علي المجتمع أن يعينها علي القيام بواجباتها بحيث يخفف عنها
و يسمح لها بممارسة عملها طبقا لإستعداداتها، هذا و لا بد من تقليص ساعات عمل المرأة
بحيث لا تعمل إلا أربعة ساعات طوال الأسبوع و لا تتساوي في ساعات العمل مع الرجل،
هذه الورقة المتواضعة التي قدمتها، كان الغرض منها أولا و أخيرا : رغبتي في إطلاق صرخة إستنجاد،
يحق للمرأة أن تطلب العلم الشرعي و الدنيوي، نعم يحق لها العمل لتفيد بعملها أخواتها المسلمات المؤمنات،
فنحن في حاجة إلي طبيبات و معلمات و مرشدات دينيات لكن لئلا يحولها عملها هذا إلي رجل فلا بد لها ان تعمل ساعات قليلة
خارج بيتها و لنتركها تعيش هانئة مرتاحة في بيتها بعيدا عن هموم الإسترزاق التي هي حكر علي الرجل بموجب قوامته،
لنعينها علي الحفاظ علي أنوثتها و جمالها و عاطفة الأمومة و رقة الزوجة، لنحترم معطي مهم جدا خلق الله حواء عليها السلام إمرأة، فلنحترم صنيع الله.
بقلم عفاف عنيبة
الجزائر : 19 ربيع ثاني 1438 الموافق ل17/01/2017
[11]