الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة
للأستاذة :سميرة بيطام
كلية الحقوق بن يوسف بن خدة- الجزائر1-
ملخص البحث:
قديما كان يسمح للمريض في اقتصاص حقه من الطبيب الذي اخفق في شفائه و في هذه الطريقة استعمال لوسيلة الردع و الصرامة في اقتصاص الحق من الطبيب ، و لو قمنا بعملية اسقاط لهذه الطريقة على قوانين هذا العصر و التي تلم بجوانب المسؤولية الطبية لوجدنا في ذلك اختلافا و فرقا كبيرا ، نظرا لأن الطبيب مطالب ببذل عناية و ليس بتحقيق نتيجة ، و عليه فان من أهم أسباب المسؤولية الطبية في العصور القديمة هي توقيع العقاب البدني للطبيب المزاول لمهنة الطب ناهيك عن الجزاء المدني المتمثل في التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمريض جراء جرأته و تجريبه لوسيلة العلاج على المريض ، و لعل السبب في قسوة هذه العقوبة هو عدم ضبط أصول ممارسة مهنة الطب و كذلك حرية ممارسة المهنة التي كان يتمتع بها كل من يحب مزاولتها.
و لكن في وقتنا الراهن أخذ موضوع الخطأ الطبي الحظ الأوفر من الدراسة و التساؤل و البحث عن أسبابه الحقيقية و المسؤولية المترتبة عنه و كذا أهم العقوبات الواجب تطبيقها على المخالفين سواء كان طبيبا أو فريقا من الأطباء و كذا الشبه طبيين باعتبارهم يساعدون الطبيب او الجراح في آداء المهام المنوطة بهما على اعتبار التطور و التقدم الذي حظيت به مهنة الطب و كذا التقنيات المستخدمة في العلاج ،حتى أن القضاء تجاوز مهامه من مجرد تكييف الخطأ الطبي في كونه جنحة او جناية الى التوسع في فهم هذا الخطأ بما يتلاءم و التطورات الحاصلة في مهنة الطب و كذا نوعية الأمراض و الاخطار التي يتعرض لها الانسان.
و من هنا تتوسط قضية الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة ، بمعنى انه يتجاوز الاطار الانساني في كل مرة يصدر فيها خطأ تقني عن الطبيب فهي لصيقة به و لا يمكن أن تقوم في غيره ،و يجب على الطبيب مراعاة التناسب بين أخطار العلاج و المرض ، فلا يمكن اعفاء الطبيب من المسؤولية بعد أن يقبل المريض منه تلقي العلاج في أن يعوضه عن الأخطار، و أحيانا يصعب تكييف الخطأ الطبي ووضعه في خانة التجريم كما يصعب في بعض الحالات تبرئة الطبيب خاصة اذا ما توافرت الأدلة الكافية لإدانته ، و هو ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا الموسوم بـ: الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة .
Abstract :
In the old patient truncates the right of the doctor who failed in his treatment after being granted an opportunity to workout treatment , and if we have the process of dropping this method is used on the laws in this day and age we find a difference and make a big difference because the doctor demands of conduct and not of result and therefore the most important causes of medical liability in ancient times the signing of the civil penalty of compensation because of daring doctor and tested means for treatment of the patient , perhaps the reason and cruelty in this penalty is not controlling the assets of practice and not practice of the medical profession and as well as not enjoy the freedom to exercise.
But at the present time taking into medical error lucky to study and search for the real causes and the responsibility arising him and as well as sanctions to be applied , even the judiciary exceeded this duties than just conditioning medical error than just a misdemeanor or felorry to expand in this error in line and developments in the medical profession as well as the quality and diseases and risks to human , hence mediated medical error between criminality and acquittal issue, meaning that the medical error exceeds the framework of the humanitarian every time the issue a technical error for the physician.
They are closely it can not be played in other and the doctor taking into account the proportionality between the dangers of the disease and treatment can not be exempt from responsibility after the doctor that the patient accept him the treatment that compensated for the risks , and sometimes difficult to adapt medical error and put in the box criminality is also difficult in some cases , the acquittal of a private doctor if the evidence given to convicted and it is taken up in detail in our research is marked by medical error between criminality and acquittal.
البحث كاملا
خطة البحث:
مقدمة:
المبحث الأول: مفهوم الخطأ الطبي و معايير تحديده
المطلب الأول: تعريف الخطأ الطبي
المطلب الثاني: حالات الخطأ الطبي الواقع من الطبيب
المطلب الثالث: الغلط العلمي في التشخيص الطبي
المبحث الثاني: التكييف القانوني للخطأ الطبي
المطلب الأول: كيفية اثبات الخطأ الطبي
المطلب الثاني: الخطأ الاحتمالي و اقرار المسؤولية عنه
المطلب الثالث: المسؤولية المقررة على الطبيب
المطلب الرابع: دور القاضي في اثبات الخطأ الطبي
خاتمة
مقدمة:
ان موضوع الأخطاء الطبية ليس بالموضوع الجديد ، و لكن لم يتم الاهتمام به بشكل جيد حتى عام 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت الحكومة الامريكية بالتحري ازاء خطأ طبي عام 1999 و قامت بنشر نتائج التحقيق ، و كان أول تقرير رفع من طرف المنظمة الطبية ( institute of medicine ( عن الأخطاء الطبية سنة 2000 و قد تضمن احصائيات لعدد من الأشخاص الذين يتوفون سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية و قد تتفاوت نسبة ارتكاب هذه الأخطاء من بلد لأخر و في الشرق الأوسط لا نوجد معلومات كافية و حقيقية تصرح
بالعدد الحقيقي لضحايا الأخطاء الطبية لأن من القضايا التي لا تزال على رفوف المحاكم من لم يفصل فيها بعد و منها من لم يتم التصريح بها بسبب الخوف من كشف الحقيقة ، الا أن وسائل الاعلام خاصة منها الجرائد تقوم بنشر مواضيع عن الأخطاء الطبية و تنقلها بتصريحات الضحايا بالصورة و الأدلة و لولا قصور في تبادل المعلومات لأمكن تحديد الاحصائيات الحقيقية.
و لا يخفى على أحد أن الأعراض الجانبية للأخطاء الطبية أو المضاعفات المتوقعة من العلاج ليست بالضرورة نتائج حتمية للعلاج أو للدواء المستعمل اذ غالبا ما تكون توابع و نتائج حقيقية للأخطاء الطبية ، حيث أن الخطأ الطبي غير مرغوب فيه اذا امكن تفاديه اذ يفترض اختيار خطة ممنهجة للعلاج للوصول الى الهدف المنشود و هو شفاء المريض ، و عند النظر الى أسباب الأخطاء الطبية نجدها متنوعة و لم يتم حصرها جميعا ، فمنها ما هو متعلق بأخطاء متعلقة بالممرض كالخلط بين أسماء المرضى في الملفات الطبية و بالتالي تقديم علاجات ليست للمرضى في الملفات الأصلية كما هو محدد من وصفات لتقديم الأدوية و كذا الجرعات المناسبة ، و منها ما هو متعلق بالأخطاء البشرية كعدم تدوين الأعراض الجانبية للأدوية المقدمة للمرضى كالحساسية مثلا فيتم تقديم الدواء دون الانتباه للعارض الجانبي ، و منها ما هو متعلق بنقص التدريب للطاقم الطبي أو غياب أحد المختصين و لا يوجد من ينوبه في التخصص و على نفس الدرجة من الكفاءة ، حيث لا تكون لدى الطبيب المستخلف دراية شاملة عن حالة المريض المعالج و ما هي المرحلة التي وصل اليها في العلاج و هنا يبدو جليا أهمية اكمال الطبيب المعالج لإشرافه على المريض لحين الانتهاء من العلاج لأنه هو الأولى و الأدرى بحالته الصحية هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، يمكن اعتبار عدم تمام الاجراءات و الفراغات القانونية الموجودة في قانون الصحة و كذا قانون العمل و التي من شأنها أن تفسح المجال واسعا لارتكاب الأخطاء الطبية دون محاسبة أو حتى متابعة ، و عليه و لأجل تطوير القطاع الصحي و تفادي الأخطاء الطبية يجب أن توضع قضية الأخطاء الطبية من ضمن أولويات المسؤولين المشرفين على قطاع الصحة و التعامل معها بموضوعية ووجاهة رأي ليس للحد منها نهائيا و انما على الأقل للعمل على التقليل منها.
كما يجب العلم أن مسؤولية الخطأ الطبي ليست فردية و انما هي مسؤولية جماعية و مشتركة و الخطأ ليس متعلقا بالأفراد و انما بالنظام الذي سمح بوصول الخطأ للمريض.
المبحث الأول: مفهوم الخطأ الطبي و معايير تحديده
يعرف شرف الدين محمود (1) في كتابه " المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي بأنه " انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي و المألوف و ما يقتضيه من يقظة و تبصر الى درجة يهمل معها الاهتمام بمريضه" ، أو هو اخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته و هو ما يسمى بالالتزام التعاقدي ، و يتبين لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول و القواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب و الاخلال بواجبات الحيطة و الحذر و اغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها.
و المعروف أن الخطأ و النسيان من الصفات التي جبل الله عليها عباده ، فكل بن آدم خطاء و خير الخطاؤون التوابون و عليه فان احتمالية الخطأ مبدأ وارد بحكم صفة الانسان الذي ليس يخلو من عيوب، و لكن لما كانت مهمة الطبيب تتعلق بمقصود عظيم من مقاصد الشرع و هو حفظ النفس ، فان هذا القصد يكون مشتركا و عاما نظرا لنبل هذه المهنة بغض النظر عن جنس الأطباء و انتمائهم و طريقة منهجهم في التعاطي مع الحياة ،لأن العامل المشترك بين الأطباء هو استحضار الجانب الانساني أثناء علاج المريض و توفير العناية و الرعاية اللازمة له ،بحيث لا يكون هناك مجال زمني لمجاراة التطور العلمي بالضبط القانوني و الأخلاقي و لا يوجد مناط للنزاع في مسائل الخطأ الطبي التي تتعلق بروح المريض و أعضائه فان تحقيق العدالة وردت بدءا في نص قرآني مصداقا لقوله تعالى " و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" الآية 45 من سورة المائدة ، بالإضافة الى نصوص قانونية لكنها لا تلبي الحاجة من الوضوح و المتابعة لمعاقبة مرتكبي الأخطاء الطبية ، و هي الحاجة اليوم الى التقنين التفصيلي الذي يمكن من فض الخصومات و حسم النزاعات بصورة منضبطة و مطردة في المجتمع الواحد.
المطلب الأول: تعريف الخطأ الطبي(2)
لقد استقر القضاء على ضرورة أن يكون الخطأ الطبي واضحا و ثابتا بصورة قاطعة لا احتمالية ، و عليه فان تعريف الخطأ الطبي هو:
اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة و الحذر التي يفرضها القانون و عدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي الى حدوث النتيجة الاجرامية في حين كان ذلك في استطاعته و من واجبه (د/محمود نجيب حسني ص 129 ،بند 143 مشار اليه في موسوعة الفقه و القضاء في الطب الشرعي-شريف الطباخ –و د/ أحمد جلال) ، و قد قسم أغلبية الفقه الخطأ الى نوعين : الأول أطلقوا عليه الخطأ البسيط و الثاني أطلقوا عليه الخطأ الواعي ، و عليه فان الأخطاء الطبية تتعدد و بعضها يعود الى الاهمال و الرعونة و عدم الاحتراز و أخذ الحيطة و الحذر.
المطلب الثاني: حالات الخطأ الطبي الواقع من الطبيب
هناك حالات عديدة للخطأ الطبي أين يكون الطبيب مسؤولا عنه ، كأن يكون الجراح مسؤولا عن اهماله و رعونته حينما يجري عملية جراحية في الفخذ الأيمن بدل الفخذ الأيسر و لو تفحص كشف الأشعة مرة أخرى لاكتشف خطأه و من ثم يمكن القول أن الطبيب الجراح هنا كان بإمكانه تجنب الخطأ الذي ارتكبه ، هذا من جهة و من الأمثلة الحية أن تقوم الممرضة من تلقاء نفسها بحقن المريض حقنة في العرق دون استشارة الطبيب أو أخذ رأيه و تكون المستشفى مسؤولة عن التعويض وفقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية.
كما يندرج تحت هذه الطائلة للمسؤولية ما يعرف بمسؤولية الطبيب الجاهل و الطبيب الحاذق على الرغم من اتفاقهم في أمر المسؤولية ، فما هو الفرق بينهما ؟
1-مسؤولية الطبيب الجاهل: تبدو مسؤولية الطبيب الجاهل عند فقهاء الشريعة الاسلامية مسؤولية مطلقة بحيث لا يلزم اثبات خطئه ، و يكفيه تصديه للعلاج بجراحة أو وصف دواء سواء علم المريض جهله أو لم يعلم ، و باشتراط اغترار العليل و عدم معرفته بحال هذا الطبيب( 3).
2-مسؤولية الطبيب الحاذق:
ان المتتبع لآراء الفقه الاسلامي –في مجال المسؤولية الطبية- يستشف منها أن الفقهاء اتجهوا نحو التضييق من نطاق مسؤولية الطبيب الحاذق بشكل واضح ، و الطبيب الحاذق هو من أعطى الصنعة حقها و بذل غاية جهده في العناية و لم يحصل منه تقصير في البحث و الاجتهاد ، كأن يمهل في فحص المريض أو يتسرع في وصف الدواء ، فيترتب على ذلك ضرر للمريض أو وفاته(4).
و لعل مرد ذلك الى ايمان هؤلاء الفقهاء بأن هذا هو الأدعى الى النهوض بمهنة الطب بالأساليب الطبية العلاجية حتى لا تقعده عن آداء رسالته خشية من مسؤولية تلاحقه أو من قصاص ينتظره ، و يتضح ذلك من خلال اعتبار عمل الطبيب آداء لواجب لا يصح تقييده الا بشروط لاسيما شرط الحصول على اذن المريض.
المطلب الثالث : الغلط العلمي في التشخيص الطبي
ان للتشخيص أثره البالغ في نتائج العلاج أو التدخل الجراحي ذلك أن أي خطأ فيه لابد و أن تظهر سلبياته على المريض و على نفسية الطبيب المعالج و عليه فالطبيب مسؤول مدنيا و جزائيا بحسب الظرف و الموقف العلاجي.
وينبغي التأكيد على مسلمة علمية أنه يوجد العديد من النظريات العلمية الطبية التي لا زالت متضاربة و متعارضة و لها من يؤيدها في التشخيص دون اخرى، طالما كان لتلك الآراء مؤيدوها ، فيجب ان تكون معلومات الطبيب مطابقة للمعطيات العلمية الحديثة ، ففي أغلب الأحوال يرجع الغلط في التشخيص الى الخطأ في التحليل أو الى نقص في المعلومات الطبية (5).
و للعلم فان تقدير الخطأ الذي ارتكبه الطبيب يقيم من جهة المستوى العلمي أو نوع و طبيعة تخصصه العلمي و لهذا ينسب الخطأ الطبي في بعض الأخطاء الى الغلط العلمي ، فمفهوم الغلط هو عيب يشوب الارادة فيجعل العاقد يقدم على التعاقد تحت تأثير اعتقاد مخالف للواقع و للحقيقة ، و منه فالغلط العلمي من شأنه أن يشل حركة الطبيب و تمنعه من الوصول الى السبب الحقيقي للمرض و تشخيصه ، و هو عطب يصيب الارادة فيجعلها تخطأ في التوجه نحو معالجة المريض العلاج الأنسب ، و الدخول في دعاوى المحاكم في حالة رفع دعوى قضائية من شأنها ان تعطل مهنة الطب و لا تجعلها تتطور و تتقدم.
و لو قمنا بعملية مقارنة بين تعريف الغلط العلمي و الخطأ الطبي لوجدنا ان الأخير و بحسب ما صرح به الدكتور وليد أحمد فتحي (6) ، فان الخطأ الطبي سيحدث لا محالة على يد أفضل الأطباء و أقدرهم لأنهم بشر( و كل بن آدم خطاء) و على التنظيم أو النظام الطبي منع وقوع الخطأ و معالجته في مراحله الأولى في حالة حدوثه ، و بذلك فان الدراسات تشير الى أن أي خطأ طبي هو في معظم الأحيان خطأ في التنظيم المتبع في المستشفى و هذا في حد ذاته لا يخفف عن الطبيب عبء المسؤولية تجاه الأرواح التي اؤتمن عليها ، و لا يسقط عنه العقاب في حالات التعمد و الاهمال أو المخالفة الواضحة للأنظمة الصحية.
نفهم من ذلك أن مسألة الخطأ الطبي واردة الحدوث ، أما الغلط العلمي فهو متعلق بالتشخيص العلاجي باستحضار الطبيب أو الجراح لمعارفه و لمعلوماته لأجل اعطاء تشخيص صحيح ، و هنا قد يرد الغلط بمعنى سوء تقدير للتشخيص ، و عليه ينبغي التأكيد على مسلمة علمية في وجود العديد من النظريات العلمية الطبية التي لا زالت متضاربة و متعارضة و لها من يؤيدها من العلماء و الأطباء و هنا لا تتداخل المحاكم في وزن الرأي العلمي دون آخر في التشخيص أو على حساب تشخيص علمي آخر ، و من هنا يجب عدم اضافة عدم وضوح الرؤيا في بعض الحالات المرضية لنسب الخطأ للطبيب ، مثال على ذلك وجود التهاب و احمرار بالعين مما يثير صعوبة في اكتشاف السبب الحقيقي لهذا الاحمرار أو لهذا المرض، و لذلك فان الوصول الى السبب الحقيقي لأي مرض ليس سهلا و يبقى المهمة الأساسية على عاتق الطبيب و ربما الأكثر تعقيدا في مختلف مراحل العلاج ، و ليس يساعد في ذلك التقنية الحديثة بل قد تكون هناك أسباب خفية لا تكشفها التقنية ما يجعل المريض يحول الاتجاه العلاجي نحو الطب البديل أو الأصيل على اختلاف تسميته من طرف مختصيه.
المبحث الثاني: التكييف القانوني للخطأ الطبي
الخطأ الطبي في عمومية التعريف هو فعل يصدر من المعالج بقصد ناقص فيسبب ضررا للمريض ،و ينجم عن هذا الضرر اما عاهة مزمنة أو تحدث وفاة ، و لإظهار التكييف القانوني لابد من معرفة سمات المسؤولية الطبية و كيف تنعقد على الطبيب و ما هي آثارها.
و لعل أهم ما يبرر مساءلة الطبيب هو الخطأ الذي يصدر منه أثناء ممارسة المهنة ، و هذا الخطأ يختلف عن الخطأ الذي يرتكبه الانسان العادي أثناء ممارسة عمله –و ذلك بالنظر الى الطبيعة الفنية و العلمية التي تتصف بها الأعمال الطبية- و عليه فان الطبيب يكون مسؤولا عن جميع أخطائه مهما كان نوعها سواء كانت يسيرة أم جسيمة ، عادية أم فنية ، فهو المسؤول عن كل تقصير في مشواره الطبي و يمكن أن ندرج قائمة من سلسلة الأخطاء الطبية التي يرتكبها الطبيب او الجراح منها : رفض الطبيب فحص المريض أو رفض الجراح اجراء تدخل جراحي مستعجل بذريعة عدم تعقيم العتاد الطبي أو احدى الملحقات التجهيزية المهمة لإجراء العمل الجراحي ، و كذلك الخطأ في تشخيص المريض التشخيص الصحيح وفق الأصول الطبية المعروفة و المعمول بها ، كعدم اجراء التحاليل الطبية و الكشف بالأشعة و التي تعتبر في حد ذاتها مكملات علاجية لابد منها لاستيفاء التشخيص النسبة المعقولة من السعي الطبي أو الجراحي لأجل تقديم آداء علاج يرضي المريض و أهله من ينتظرون أن يتماثل مريضهم للشفاء ، و حتى و ان لم يحدث ذلك ، فالمهم أنهم سيرضون بنوعية الخدمات العلاجية المقدمة لمريضهم و الذي هو طريح الفراش.
و عن كيفية اثبات الخطأ الطبي ، فان القاضي هو وحده من له الحق في تقدير الخطأ الطبي أيا كان نوعه ، و في ذلك تكييف الأخطاء الفنية التي يرتكبها الطبيب و التي تتصل بالتقنية و يتم استخلاصها و معرفتها بالعودة الى الأصول الفنية و يمكن بذلك للمحكمة أن تستعين بخبير محلف من أهل المهنة للقيام بذلك.
المطلب الأول: كيفية اثبات الخطأ الطبي
لقد قسم أغلبية الفقه الخطأ الى نوعين :
الخطأ الأول هو الخطأ البسيط و الثاني هو الخطأ الواعي ، فالبسيط له مسميات عدة منها الخطأ غير الواعي (7) أو الخطأ بدون توقع أو الخطأ دون تبصر ، و يقع هذا نتيجة عدم توقع الجاني نشاطه الايجابي أو السلبي مع قدرة الشخص العادي من فئته و في ظروفه على توقعها و بالتالي تفاديها.
أما الخطأ الواعي أو ما يطلق عليه بالخطأ البصير أو الخطأ مع التوقع و هو الذي يتصور فيه الجاني امكان تحقيق نتائج ضارة من نشاطه و مع ذلك يقدم عليه اما راجيا عدم وقوع هذه النتائج أو واثقا في قدرته على دفعها ، و عليه فعنصر التبصر و الحيطة و الحذر هي عوامل تفرق بين الخطأ البسيط و الخطأ الواعي ، وما يهمنا في هذا الموضع هو كيفية اثبات هذا الخطأ على تنوعه يعني سواء كان بسيطا أو واعيا.
و بما أن الخطأ هو انحراف في السلوك ، فهو تعد يقع من الشخص في تصرفه و مجاوزة الحدود التي يجب عليه التزامها في سلوكه ، و من ثم فان الخطأ الذي يقع فيه الطبيب يضبط تصرفه معيار يجب اتباعه لمعرفة ما اذا كان هذا التصرف خطأ أم لا ، و عليه فان هذا المجال يتنازعه معيارين(8) ، فهناك من يأخذ بالمعيار الشخصي و هناك من يأخذ بالمعيار الموضوعي .
1-الرأي القائل بان المعيار في تقدير الخطأ الطبي ينبغي أن يكون شخصيا : حيث ينظر في الطبيب الذي صدر عنه الخطأ و الى امكانياته الذاتية و درجة حرصه ، و ذلك بالمقارنة بين ما صدر منه من تصرف مشوب بشبهة الخطأ و بين ما كان يمكن أن يصدر منه في نفس الظرف أنه كان بمقدوره تفاديه ، و بالتالي تفادي ما أحدثه بالغير من ايذاء و تجاوزا لهذه الانتقادات الموجهة لهذين المعيارين ، فقد تم اعتماد المعيار الموضوعي.
و بحسب ما ورد في مذكرة الطالبة بوكابوس خليصة (الخطأ الطبي في العمل الجراحي ) فان المعيار الموضوعي هو الأساس في تقدير خطأ الطبيب فيقاس الخطأ على سلوك الشخص المجرد من ظروفه الشخصية ، و هذا الشخص المجرد هو الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس ، فلا هو خارق الذكاء شديد اليقظة و لا هو محدود الفطنة و هو ما استقر عليه كل من الفقه و القضاء.
فان كان سيؤخذ بالمعيار الموضوعي كأساس لتقييم الخطأ الطبي من خلال اثباته ، فان القاضي في سبيل تقدير خطأ الطبيب يقيس على سلوك طبيب آخر من نفس المستوى العلمي و التخصصي ، و بالتالي فان القياس هنا لن يختلف من طبيب لآخر و بحسب ما ورد في مذكرة الطالبة بوكابوس خليصة فإنها ذكرت في الصفحة 21 من مذكرتها أن المعيار المجرد هو المعيار الذي يقدر به القاضي السلوك الذي من المفروض أن يصدر من الطبيب على ضوء الظروف المحيطة به.
هذا من جهة ، و من جهة أخرى فانه ينعدم العنصر النفسي لجريمة رفض المساعدة عندما يكون الامتناع عن تقديم مساعدة ناشئة عن غلط في التقدير ، أي عندما يجهل المتهم جسامة الخطر وضرورة تدخله ، و هكذا برأت محكمة pau(9) قابلة من تهمة الامتناع عن تقديم مساعدة على أساس عدم توافر القصد الجنائي لديها و الذي يتعارض تماما ووجود خطأ في التقدير، و تتمثل وقائع الدعوى في مشاركة قابلة في اجراء عملية ولادة لطفل لم تكتمل اشهره كاملة جاء الى الحياة فاقد الوعي بدون حركة و يميل لون بشرته الى البنفسجي ، و لكن بعد لحظة زمنية وجيزة حدثت حركة بسيطة لشفته ثم عاد الى السكون في الحال مرة أخرى ، و على الرغم من تقدير القابلة لفقدان حياة الوليد ، الا أنها قامت بوضعه على جهاز الانعاش الصناعي لمدة ساعتين بدون أي ملاحظة ، ومن ثم لم يكن لديها أدنى شك في وفاته مما دفعها الى القيام بفصل جهاز الانعاش و ذهابها الى ادارة المستشفى لتحرير شهادة بوفاته و في اليوم التالي و من خلال فحص القابلة المناوبة للوليد لاحظت علامات تدل على أنه ما زال على قيد الحياة فأسرعت بوضعه في حضانة incubateur حيث توفي بعد ذلك بعد مضي عدة ساعات و عندما أحيلت القابلة للمحاكمة عن تهمة الامتناع عن تقديم مساعدة ، دفعت بأن المظهر المخادع هو "طفل فاقد الوعي و يميل لون بشرته الى البنفسجي "هو الذي ساعدها على ارتكاب خطأ في التقدير و في واقع الأمر فان الخطر الحال و الجسيم الذي كان يعاني منه الوليد قد تبدد مع خطئها في التقدير ، و هكذا ركنت المحكمة لتأسيس حكم البراءة على انعدام العنصر المعنوي لدى القابلة ، و لأن الامتناع المجرم يكشف عن ارادة عدم تقديم مساعدة و المادة 63/2 تعاقب على هذا التقصير الجسيم في هذا الواجب الانساني و الذي يحتمه التضامن الانساني solidarité humaine و القابلة لم تقصر في هذا الواجب بل آيلة ذلك الى أن المحكمة قد لاحظت أنه على فرض قيامها بوضع الوليد على جهاز الانعاش الصناعي فهذا ليس سببه اعتقادها بأن الوليد ما زال على قيد الحياة و لكن مرده وسوسة الضمير scrupule de conscience .
و يمكن مع ذلك أن تسند تهمة بإهمال القابلة لاسيما اذا وضعنا في الاعتبار أنه
في حالات التشكيك و حيث يتجاوز التشخيص الصحيح قدرة القابلة و مكانتها المهنية ، فينبغي عليها حينئذ أن تستعين بطبيب أخصائي كي يزول هذا التشخيص ، وهذا الاهمال ذاته قد لاحظته المحكمة حيث قررت أنه "ليس هناك أدنى شك أنه كان بإمكان القابلة أن تستوثق بواسطة فحوص متعمقة و دقيقة من أن الطفل كان و مازال على قيد الحياة ، و أنه كان بإمكانها أن تستنير عند الحاجة برأي الطبيب ، و هكذا تصرفت المتهمة بكل وضوح بطيش بسيط، و قد "أوضح الخبير في تقريره فيما يتعلق برابطة انعدام الملاحظة و الوفاة و التي كان يمكن تفاديها اذا ما حصل الطفل على العناية الضرورية".
من هذه القضية نلاحظ مدى صعوبة تكييف الخطأ الطبي على حسب عدم توفر القصد الجنائي و كذا الظروف المحيطة بالخطأ المرتكب.
المطلب الثاني : الخطأ الاحتمالي و اقرار المسؤولية عنه
عرفنا في السابق أنواع الخطأ الطبي الواقع من الطبيب و صنف منه الخطأ البسيط و الخطأ الواعي أو الخطأ البصير، و من تعريف الطبيب الحاذق يمكن أن يرد الخطأ الاحتمالي ، و لذلك كان لابد من التطرق للتعريف الأول و هو أن الطبيب الحاذق(10) هو الذي يعطي مهنته حقها بسبب احاطته بالأصول الفنية لممارسة الطب و عدم خروجه على هذه الأصول حتى لا يتعرض للمسؤولية ،فالطبيب الحاذق متى قام بواجبه و أتقن عمله ومارسه بأمانة و اخلاص تجاه مريضه ، و لم يخطئ أو يقصر أو يتهاون فانه لا يضمنه شريطة أن يكون مأذونا بالعلاج من المريض أو من وليه ، و عليه فانه لا مسؤولية على الطبيب الحاذق لوقع الضرر من جراء المعالجة مادام الطبيب مأذونا له بالعلاج ،بل حصل الضرر أو الموت نتيجة أمر لا يمكن توقعه أو تفاديه ، و من هنا فان الفقهاء اعتبروا أن الموت اذا حصل نتيجة لفعل واجب مع أخذ الحيطة و عدم التقصير فلا تترتب أي مسؤولية على الطبيب، و لذلك فان الفقهاء قد اتفقوا على أن الطبيب الحاذق الذي مارس مهنته بإذن المريض أو وليه لا يضمن نتائج مأذون فيها ، لكن ما محل الخطأ الاحتمالي و ممارسة الطبيب الحاذق لمهنته بمهارة؟.
لمعرفة ذلك لابد من تعريف الخطأ الاحتمالي(11) والذي هو استنتاج خطأ الطبيب من مجرد وقوع الضرر ، و ذلك خلافا للقواعد العامة التي تتطلب من المدعي اقامة الدليل على خطأ المدعى عليه ، فأساس الفكرة أن الضرر لم يكن ليقع لولا وقوع الخطأ بالرغم من عدم ثبوت الاهمال بشكل قاطع من جانب الطبيب .
ان هذه الفكرة لا تتقيد بمعيار خطأ الطبيب الذي يوجب على القاضي مقارنة سلوك الطبيب وسط من ذات المستوى ،ووجد في نفس الظروف أنه يكفيه لكي يقر بخطأ الطبيب مجرد الافتراض بأنه لابد و أن يكون قد أخطأ .
الحقيقة أن فكرة الخطأ الاحتمالي و ان كانت لا تجد لها سندا في القانون ، فان لجوء القضاء اليها انما يكشف عن شعوره المتزايد بعدم كفاية القواعد القانونية التقليدية لتوفير الحماية للمرضى في مواجهة التطورات العلمية المعاصرة التي حققت طفرات هائلة في الوسائل العلاجية ، فرغم أن القاضي لم يثبت لديه بشكل قاطع وقوع الخطأ من الطبيب فيستنتجه من مجرد وقوع الضرر.
اذن من هنا تبدو علاقة وقوع الضرر بالخطأ الاحتمالي ، فهي مرتبطة به ارتباطا وثيقا و من هنا تكمن أهمية هذه الفكرة (الخطأ الاحتمالي) في الآثار المترتبة عليها فيما يتعلق بعبء الاثبات ، و هذا عند عدم امكانية التوصل الى تحديد الخطأ الذي يمكن أن ينسب الى الطبيب أو المستشفى أو ما يسمى بالخطأ المرفقي.
المطلب الثالث: المسؤولية المقررة على الطبيب
يقتضي منا الأمر في هذا المطلب التعرض لمعنى المسؤولية الجزائية(12) و الفرق بينها و بين المسؤولية المدنية ، فتعريف المسؤولية الجزائية هي احدى نوعي المسؤولية القانونية التي تنقسم الى : مسؤولية مدنية و مسؤولية جزائية ، الأولى حينما يخل المدين بالتزام على عاتقه عقديا كان أو غير عقدي ، و يترتب عن ذلك الاخلال ضرر يصيب الغير، و يكون الجزاء فيها تعويض الضرر ، في حين أن الثانية تقوم عند مخالفة الشخص لقاعدة قانونية آمرة أو ناهية (جنائية) يرتب عليها القانون عقوبة في حال مخالفتها ، و بمعنى آخر قيام أي شخص بارتكاب فعل أو الامتناع عن عمل يعده القانون جريمة ، يترتب عليها متابعة الشخص و معاقبته بقدر فعله.
و هناك حكم صادر عن محكمة النقض المصرية(13) يحمل الرقم 417 بتاريخ03/07/1969 (للعلم اخترت هذه القضية القديمة بتاريخها لمعرفة اصول المسؤولية على الطبيب و كيف لاحت بوادرها) ، هذ الحكم ينص على أنه " لا يمكن مساءلة الطبيب في المستشفى العام الا على أساس المسؤولية التقصيرية لأنه لا يمكن القول في هذه الحالة بأن المريض قد اختار الطبيب لعلاجه حتى ينعقد العقد بينهما " و الحكم السابق فقط يصرح في حالة المستشفى العام لأنه اختيار المريض للطبيب غير متوفر.
اذا من هنا يشترط لمساءلة الطبيب عن خطئه الذي ارتكبه وجود عقد بينه و بين المريض الذي يعالجه ، و بالرغم من الحكم السابق فان القضاء المصري مازال يعتبر مسؤولية الطبيب تقصيرية كأصل ، و لكن الفقه المصري يعتبرها عقدية
أما القضاء السوري(14) ،فهو لا يزال يعتبرها تقصيرية ، حيث ورد اجتهاد محكمة استئناف حلب رقم 451-1960 و قرار 177-1960 بتاريخ 25/05/1969 ما يلي :" ان محكمة أولى درجة عندما أقامت قضائها بسقوط الدعوى بالتقادم المنصوص عنه في المادة 173 من القانون المدني قد أصابت الحقيقة و تعين لذلك رفض الاستئناف موضوعا و تصديق الحكم المستأنف.
و اخيرا فان القضاء و الفقه في فلسطين (15) لم يتعرضا لمسؤولية الطبيب المدنية بنصوص خاصة أو قرارات المحاكم و لا حتى مناقشتها بحسب علم السيد وائل تيسير محمد عساف في مرجعه "المسؤولية المدنية للطبيب –دراسة مقارنة- حيث ذكر أن الأخطاء الطبية لا تحظى بأي اهتمام يذكر و لا يوجد أحكام قضائية بخصوصها ، و هذا ما زاد الأمور تعقيدا في ظل تزايد الأخطاء الطبية في فلسطين و تراكمها أمام القضاء سنوات عديدة دون الفصل بها أو حتى الوصول الى نتيجة حولها ، مع العلم أن المحاكم الفلسطينية مازالت تطبق مجلة الأحكام العدلية العثمانية و قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944 .
أما في الجزائر فان قانون رقم 05-85 مؤرخ في 26 جمادى الأولى عام 1405 الموافق لـ 16 فبراير سنة 1985 تضمن قانون حماية الصحة و ترقيتها فلم يرد نص صحيح يعالج قضية الأخطاء الطبية على نحو من التفصيل مثل ما تناولته باقي القوانين الأخرى ، ما يدفع بالمشرعين و برجال القانون لأن يجتهدوا في تقنين القوانين التي تتضمن نصوصا تقر بقضايا الأخطاء الطبية و العقوبات المقررة لمرتكبيها بعد تكييف الفعل المجرم و اسناد العقوبة اللازمة له.
المطلب الرابع : دور القاضي في اثبات الخطأ الطبي
ذهب بعض الفقهاء الى المطالبة بعدم مساءلة الأطباء عن الأخطاء الطبية اذا كان الطبيب من ذوي المعرفة و أذن له بممارسة المهنة وباذن المريض ، و ذلك لطبيعة العمل الطبي و ما ينطوي عليه من أخطار و مضاعفات لا يستطيع معها الطبيب تفاديها مهما أوتي من علم و خبرة ، الا أن مساءلة الطبيب ستقلل من شهادته العلمية و قيمتها كما أن ذلك يضر بسمعته المهنية ، فالطبيب في نظرهم لا يسأل الا أمام ضميره و أمام الرأي العام ، لكن الفقه و القضاء استقرا على مساءلة الأطباء اذا توافرت شروط مسؤوليتهم المتمثلة في الخطأ ، الضرر و العلاقة السببية(16).
ووفق ذلك يقول المستشار منير رياض حنا في كتابه "النظرية العامة للمسؤولية الطبية" أن أهم القرائن القانونية التي تسيطر على وسائل الاثبات في دعاوى المسؤولية الطبية حجية الحكم الجنائي ، ذلك أن دعوى المسؤولية يغلب أن تقوم على جريمة جنائية ، فتخضع لاختصاص القضاء الجنائي و اختصاص القضاء المدني ، فاذا صدر حكم نهائي في الجريمة من محكمة جنائية فإلى أي مدى يصبح هذا الحكم حجة في الدعوى المدنية و هل يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي؟ و منه تجيب المادة 406 من التقنين المدني على ذلك فتقول " لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي الا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم ، و كان فصله فيها ضروريا" ننسب في ذلك أن موضوع الدعوى الجنائية هو العقوبة و موضوع الدعوى المدنية هو التعويض.
و يواصل المستشار منير رياض حنا بخصوص الاعتبار القانوني ، وهو أن الحكم الجنائي له حجية مطلقة ، فهو حجة بما فيه على الناس كافة، و منهم الخصوم في الدعوى المدنية ،فهؤلاء لا يجوز لهم أن يناقشوا حجية الحكم الجنائي ، و أما الاعتبار العملي فهو أنه من غير المستساغ و المسائل الجنائية من النظام العام ، أن يقول القاضي الجنائي شيئا فينقضه القاضي المدني.
و الذي يقع كثيرا أن يكون الحكم الجنائي سابقا في صدوره على الحكم المدني ، و ذلك بفضل القاعدة التي تقضي أن الدعوى الجنائية توقف من سير الدعوى المدنية ، فاذا رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية و الدعوى المدنية امام المحكمة المدنية ،وجب أن توقف الدعوى المدنية حتى يفصل نهائيا في الدعوى الجنائية ، و بذلك يتحقق أن يكون الحكم الجنائي النهائي سابقا في صدوره على الحكم المدني ليتقيد هذا به ، ذلك ما تقضي به قاعدة وقف الدعوى المدنية و هذه هي الحكمة المتوخاة منها.
أما المحامي شريف الطباخ فهة يرى في كتابه "جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها" أن القانون المصري نص في المادة 224 عقوبات على عقاب كل من تسبب في جرح أحد من غير قصد و لا تعمد بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو عن عدم احتياط و تحرز أو عن اهمال أو عن عدم مراعاة اللوائح ، و هذا النص ولو أنه ظاهر فيه معنى الحصر و التخصيص الا أنه في الحقيقة و الواقع نص عام تشمل عبارته الخطأ بجميع صوره و درجاته ، فكل خطأ مهما كانت جسامته يدخل في متناولها ، و متى كان هذا مقررا فان الخطأ الذي يستوجب المساءلة الجنائية بمقتضى المادة 151 من القانون المدني مادام الخطأ مهما كان يسيرا يكفي قانونا لتحقق كل من المسؤوليتين ، و اذا كان الخطأ في ذاته هو الأساس في الحالتين ،فان براءة المتهم في الدعوى الجنائية لعدم ثبوت الخطأ المرفوعة به الدعوى عليه تستلزم حتما رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ المدعى به ، و لذلك فان الحكم متى نفى هذا الخطأ عن المتهم و قضى له بالبراءة للأسباب التي بينها يكون في ذات الوقت قد نفى الأسس المقامة عليه الدعوى المدنية، و لا تكون المحكمة في حاجة لأن تتحدث في حكمها عن هذه الدعوى، و تورد فيه أسباب خاصة بها.
رغم هذا فان القضاء في الجزائر(17) على وجه الخصوص لم يعرف قضايا المسؤولية الطبية الا منذ سنوات قليلة و ذلك راجع الى عدة اسباب تتداخل فيما بينها لتجعل المريض المضرور يعكف على مقاضاة الأطباء بهدف الحصول على تعويض عن الأضرار اللاحقة به ، و من هذه العوامل نجد عامل الاحساس بالضعف لدى المريض في مواجهة الطبيب ، و هذا راجع دون شك الى العلاقة غير المتوازنة التي تربط المريض بالطبيب ،اذ يعاني طرف من علة مرضية ، و طرف آخر يضع فيه الأمل كامل الثقة بهدف تخليصه من آلامه ، و بالتالي فالمريض غالبا ما يجد نفسه غير قادر على مواجهة الأطباء ،كما أن صعوبة اثبات الخطأ الطبي من شأنه أن يؤدي بالمريض الى التفكير ألف مرة قبل مباشرة أي اجراء قضائي.
و لكن من بغير القاضي النزيه يعيد الحقوق لأهلها بحكم عادل يحقق فيه مبدأ المحاكمة العادلة و نصرة المريض المقتص منه حقه في حياة كريمة تحققها له صحة مضمونة و ان هي تعرضت لأي نازل مرضي فان يدي الطبيب هي الأمان و المخلص من الآلام و الأوجاع ،فهل أدرك الطبيب و الجراح عظم المسؤولية قصاصا عادلا للانسانية أولا و لكرامة المريض ثانيا؟.
خاتمة :
ان موضوع الأخطاء الطبية من المواضيع المهمة في أي مجتمع لأن محورها صحة المريض ، هذه الأخيرة التي لا تعوض بثمن ان هي تعرضت لخطر ما أو عارض مرضي مما يدفع بالمريض الى الذهاب للطبيب أو المكوث في المستشفى لغاية تماثله للشفاء ، و لعل مما يهتم به الاسلام كدين حريص على حفظ العرض و النفس و التي هي من أمور الدنيا هو الدعوة الى اهتمام الانسان بصحته الاهتمام الواجب و الأوفر و الذي يحقق له توازنا نفسيا و عطاءا يكفيه التفاعل مع الآخرين ما توفرت له الصحة الجيدة ،و قد كان طبيعيا أن يؤدي هذا الاهتمام الى اهتمام مواز ألا و هو الاهتمام باختيار الأطباء و اعدادهم الاعداد الجيد ، قبل دخولها ميدان التطبيب أو الجراحة لأن الأجساد المسلمة اليهم هي أجساد بشر و هم مسؤولون عن صيانتها و رعايتها بالعلم الذي درسوه مع ضرورة توخي الحذر و الرعونة أثناء آداء واجبهم تجاه المريض.
و على ذلك فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بضرورة التداوي و اختيار العلاج لكل داء مصداقا لقوله " يا أيها الناس تداووا ، فان الله لم ينزل من داء الا أنزل له دواء" ، و من هذا السياق البياني نلمس مدى أهمية التداوي لأجل ضمان الصحة و العافية و ضرورة توخي الحذر من الأمراض المعدية.
يبقى أن الانسان ليس معصوما من الخطأ، و الخطأ الطبي منسوب بلا شك للطبيب أو للجراح أو للممرض ،و القاعدة الشرعية هي أن من يزاول عملا أو علما لا يعرفه يكون مسؤولا عن الضرر الذي يصيب الغير نتيجة هذه المزاولة، و في مسؤولية الطبيب الجاهل حديث صريح قوله صلى الله عليه سولم " من تطبب و لم يعلم عنه الطب قبل ذلك فهو ضامن" و في رواية أخرى " من تطبب و لم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".
ما نستوضحه هو ضرورة الحرص و التعلم الجيد لتفادي الوقوع في الأخطاء بتفعيل الضمير أثناء أداء الواجب المهني ، و لو أن هذا الموضوع الحساس هو شائع في كل الدول بما في ذلك المتقدمة و المتطورة في التقنية ما يجعلنا لا نحتار لشيوعه في دول غير متقدمة و لكن نرجع السبب بالدرجة الأولى الى صحوة الضمير و ما يجب أن يتحراه الطبيب من حرص على سلامة المريض ،صحيح أنه مطالب ببذل عناية و ليس بتحقيق نتيجة ، يبقى أن تمام الاتقان في العمل من شأنه التقليل من هذه الآفة آفة العصر و هي الخطأ الطبي.
قائمة المراجع :
1-البروفيسور فيصل عبد اللطيف الناصر ،الخطأ الطبي ، منظور تاريخي ، جامعة الخليج العربي ،دون ذكر البلد او الطبعة و السنة.
2-شريف الطباخ ، جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها ، الاسكندرية ، دار الفكر الجامعي ، 2005 ،ص 11.
3-المستشار منير رياض حنا ، النظرية العامة للمسؤولية الطبية في التشريعات المدنية و دعوى التعويض الناشئة عنها ،الاسكندرية ، دار الفكر الجامعي ،2011،ص39.
4-المستشارمنير رياض حنا ، المرجع السابق ،ص 41.
5-د.عبده جميل غصوب ، الخطأ الطبي ، لبنان ، منشورات زين الحقوقية ، الطبعة الثانية ، 2010،ص64.
6-د.وليد أحمد فتحي ، الخطأ الطبي ، انظر موقع الدكتور على الرابط التالي :
www.walidfitaihi.com
7- شريف الطباخ ، المرجع السابق ،ص 11.
8-بوكابوس خليصة ، الخطأ الطبي في العمل الجراحي ، مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر في القانون ، تخصص عقود و مسؤولية ، الجزائر ، جامعة اكلي محند اولحاج ، البويرة ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، السنة الجامعية 2012/2013، ص 20.
9- د. محمد سامي الشوا، الخطأ الطبي امام القضاء الجنائي –دراسة مقارنة في القضاء المصري و الفرنسي- القاهرة ، دار النهضة العربية ،ص 34
10-وائل تيسير محمد عساف ، المسؤولية المدنية للطبيب –دراسة مقارنة- اطروحة قدمت استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في القانون الخاص ، فلسطين، كلية الدراسات العليا ، جامعة النجاح الوطنية بنابلس ، 2008،ص 28.
11-د.عبده جميل غصوب ، المرجع السابق ، ص 123.
12-د.حمليل صالح ، المسؤولية الجزائية –دراسة مقارنة –ورقة بحث مقدمة في اطار الملتقى الوطني المنظم من طرف كلية الحقوق، الجزائر، جامعة مولود معمري ، تيزي وزو، يومي 23-24 جانفي 2008،ص04.
13-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق نص 36.
14-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق ،ص 37.
15-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق ، ص 38.
16-المستشار منير رياض حنا ، المرجع السابق ، ص 31.
17-سايكي وزنة ، اثبات الخطأ الطبي امام القاضي المدني- مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون ، فرع المسؤولية المهنية ، الجزائر ، جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،كلية الحقوق و العلوم السياسية ، السنة الجامعية 2010/2011 ،ص6،7.
للأستاذة :سميرة بيطام
كلية الحقوق بن يوسف بن خدة- الجزائر1-
ملخص البحث:
قديما كان يسمح للمريض في اقتصاص حقه من الطبيب الذي اخفق في شفائه و في هذه الطريقة استعمال لوسيلة الردع و الصرامة في اقتصاص الحق من الطبيب ، و لو قمنا بعملية اسقاط لهذه الطريقة على قوانين هذا العصر و التي تلم بجوانب المسؤولية الطبية لوجدنا في ذلك اختلافا و فرقا كبيرا ، نظرا لأن الطبيب مطالب ببذل عناية و ليس بتحقيق نتيجة ، و عليه فان من أهم أسباب المسؤولية الطبية في العصور القديمة هي توقيع العقاب البدني للطبيب المزاول لمهنة الطب ناهيك عن الجزاء المدني المتمثل في التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمريض جراء جرأته و تجريبه لوسيلة العلاج على المريض ، و لعل السبب في قسوة هذه العقوبة هو عدم ضبط أصول ممارسة مهنة الطب و كذلك حرية ممارسة المهنة التي كان يتمتع بها كل من يحب مزاولتها.
و لكن في وقتنا الراهن أخذ موضوع الخطأ الطبي الحظ الأوفر من الدراسة و التساؤل و البحث عن أسبابه الحقيقية و المسؤولية المترتبة عنه و كذا أهم العقوبات الواجب تطبيقها على المخالفين سواء كان طبيبا أو فريقا من الأطباء و كذا الشبه طبيين باعتبارهم يساعدون الطبيب او الجراح في آداء المهام المنوطة بهما على اعتبار التطور و التقدم الذي حظيت به مهنة الطب و كذا التقنيات المستخدمة في العلاج ،حتى أن القضاء تجاوز مهامه من مجرد تكييف الخطأ الطبي في كونه جنحة او جناية الى التوسع في فهم هذا الخطأ بما يتلاءم و التطورات الحاصلة في مهنة الطب و كذا نوعية الأمراض و الاخطار التي يتعرض لها الانسان.
و من هنا تتوسط قضية الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة ، بمعنى انه يتجاوز الاطار الانساني في كل مرة يصدر فيها خطأ تقني عن الطبيب فهي لصيقة به و لا يمكن أن تقوم في غيره ،و يجب على الطبيب مراعاة التناسب بين أخطار العلاج و المرض ، فلا يمكن اعفاء الطبيب من المسؤولية بعد أن يقبل المريض منه تلقي العلاج في أن يعوضه عن الأخطار، و أحيانا يصعب تكييف الخطأ الطبي ووضعه في خانة التجريم كما يصعب في بعض الحالات تبرئة الطبيب خاصة اذا ما توافرت الأدلة الكافية لإدانته ، و هو ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا الموسوم بـ: الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة .
Abstract :
In the old patient truncates the right of the doctor who failed in his treatment after being granted an opportunity to workout treatment , and if we have the process of dropping this method is used on the laws in this day and age we find a difference and make a big difference because the doctor demands of conduct and not of result and therefore the most important causes of medical liability in ancient times the signing of the civil penalty of compensation because of daring doctor and tested means for treatment of the patient , perhaps the reason and cruelty in this penalty is not controlling the assets of practice and not practice of the medical profession and as well as not enjoy the freedom to exercise.
But at the present time taking into medical error lucky to study and search for the real causes and the responsibility arising him and as well as sanctions to be applied , even the judiciary exceeded this duties than just conditioning medical error than just a misdemeanor or felorry to expand in this error in line and developments in the medical profession as well as the quality and diseases and risks to human , hence mediated medical error between criminality and acquittal issue, meaning that the medical error exceeds the framework of the humanitarian every time the issue a technical error for the physician.
They are closely it can not be played in other and the doctor taking into account the proportionality between the dangers of the disease and treatment can not be exempt from responsibility after the doctor that the patient accept him the treatment that compensated for the risks , and sometimes difficult to adapt medical error and put in the box criminality is also difficult in some cases , the acquittal of a private doctor if the evidence given to convicted and it is taken up in detail in our research is marked by medical error between criminality and acquittal.
البحث كاملا
خطة البحث:
مقدمة:
المبحث الأول: مفهوم الخطأ الطبي و معايير تحديده
المطلب الأول: تعريف الخطأ الطبي
المطلب الثاني: حالات الخطأ الطبي الواقع من الطبيب
المطلب الثالث: الغلط العلمي في التشخيص الطبي
المبحث الثاني: التكييف القانوني للخطأ الطبي
المطلب الأول: كيفية اثبات الخطأ الطبي
المطلب الثاني: الخطأ الاحتمالي و اقرار المسؤولية عنه
المطلب الثالث: المسؤولية المقررة على الطبيب
المطلب الرابع: دور القاضي في اثبات الخطأ الطبي
خاتمة
مقدمة:
ان موضوع الأخطاء الطبية ليس بالموضوع الجديد ، و لكن لم يتم الاهتمام به بشكل جيد حتى عام 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت الحكومة الامريكية بالتحري ازاء خطأ طبي عام 1999 و قامت بنشر نتائج التحقيق ، و كان أول تقرير رفع من طرف المنظمة الطبية ( institute of medicine ( عن الأخطاء الطبية سنة 2000 و قد تضمن احصائيات لعدد من الأشخاص الذين يتوفون سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية و قد تتفاوت نسبة ارتكاب هذه الأخطاء من بلد لأخر و في الشرق الأوسط لا نوجد معلومات كافية و حقيقية تصرح
بالعدد الحقيقي لضحايا الأخطاء الطبية لأن من القضايا التي لا تزال على رفوف المحاكم من لم يفصل فيها بعد و منها من لم يتم التصريح بها بسبب الخوف من كشف الحقيقة ، الا أن وسائل الاعلام خاصة منها الجرائد تقوم بنشر مواضيع عن الأخطاء الطبية و تنقلها بتصريحات الضحايا بالصورة و الأدلة و لولا قصور في تبادل المعلومات لأمكن تحديد الاحصائيات الحقيقية.
و لا يخفى على أحد أن الأعراض الجانبية للأخطاء الطبية أو المضاعفات المتوقعة من العلاج ليست بالضرورة نتائج حتمية للعلاج أو للدواء المستعمل اذ غالبا ما تكون توابع و نتائج حقيقية للأخطاء الطبية ، حيث أن الخطأ الطبي غير مرغوب فيه اذا امكن تفاديه اذ يفترض اختيار خطة ممنهجة للعلاج للوصول الى الهدف المنشود و هو شفاء المريض ، و عند النظر الى أسباب الأخطاء الطبية نجدها متنوعة و لم يتم حصرها جميعا ، فمنها ما هو متعلق بأخطاء متعلقة بالممرض كالخلط بين أسماء المرضى في الملفات الطبية و بالتالي تقديم علاجات ليست للمرضى في الملفات الأصلية كما هو محدد من وصفات لتقديم الأدوية و كذا الجرعات المناسبة ، و منها ما هو متعلق بالأخطاء البشرية كعدم تدوين الأعراض الجانبية للأدوية المقدمة للمرضى كالحساسية مثلا فيتم تقديم الدواء دون الانتباه للعارض الجانبي ، و منها ما هو متعلق بنقص التدريب للطاقم الطبي أو غياب أحد المختصين و لا يوجد من ينوبه في التخصص و على نفس الدرجة من الكفاءة ، حيث لا تكون لدى الطبيب المستخلف دراية شاملة عن حالة المريض المعالج و ما هي المرحلة التي وصل اليها في العلاج و هنا يبدو جليا أهمية اكمال الطبيب المعالج لإشرافه على المريض لحين الانتهاء من العلاج لأنه هو الأولى و الأدرى بحالته الصحية هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، يمكن اعتبار عدم تمام الاجراءات و الفراغات القانونية الموجودة في قانون الصحة و كذا قانون العمل و التي من شأنها أن تفسح المجال واسعا لارتكاب الأخطاء الطبية دون محاسبة أو حتى متابعة ، و عليه و لأجل تطوير القطاع الصحي و تفادي الأخطاء الطبية يجب أن توضع قضية الأخطاء الطبية من ضمن أولويات المسؤولين المشرفين على قطاع الصحة و التعامل معها بموضوعية ووجاهة رأي ليس للحد منها نهائيا و انما على الأقل للعمل على التقليل منها.
كما يجب العلم أن مسؤولية الخطأ الطبي ليست فردية و انما هي مسؤولية جماعية و مشتركة و الخطأ ليس متعلقا بالأفراد و انما بالنظام الذي سمح بوصول الخطأ للمريض.
المبحث الأول: مفهوم الخطأ الطبي و معايير تحديده
يعرف شرف الدين محمود (1) في كتابه " المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي بأنه " انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي و المألوف و ما يقتضيه من يقظة و تبصر الى درجة يهمل معها الاهتمام بمريضه" ، أو هو اخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته و هو ما يسمى بالالتزام التعاقدي ، و يتبين لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول و القواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب و الاخلال بواجبات الحيطة و الحذر و اغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها.
و المعروف أن الخطأ و النسيان من الصفات التي جبل الله عليها عباده ، فكل بن آدم خطاء و خير الخطاؤون التوابون و عليه فان احتمالية الخطأ مبدأ وارد بحكم صفة الانسان الذي ليس يخلو من عيوب، و لكن لما كانت مهمة الطبيب تتعلق بمقصود عظيم من مقاصد الشرع و هو حفظ النفس ، فان هذا القصد يكون مشتركا و عاما نظرا لنبل هذه المهنة بغض النظر عن جنس الأطباء و انتمائهم و طريقة منهجهم في التعاطي مع الحياة ،لأن العامل المشترك بين الأطباء هو استحضار الجانب الانساني أثناء علاج المريض و توفير العناية و الرعاية اللازمة له ،بحيث لا يكون هناك مجال زمني لمجاراة التطور العلمي بالضبط القانوني و الأخلاقي و لا يوجد مناط للنزاع في مسائل الخطأ الطبي التي تتعلق بروح المريض و أعضائه فان تحقيق العدالة وردت بدءا في نص قرآني مصداقا لقوله تعالى " و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" الآية 45 من سورة المائدة ، بالإضافة الى نصوص قانونية لكنها لا تلبي الحاجة من الوضوح و المتابعة لمعاقبة مرتكبي الأخطاء الطبية ، و هي الحاجة اليوم الى التقنين التفصيلي الذي يمكن من فض الخصومات و حسم النزاعات بصورة منضبطة و مطردة في المجتمع الواحد.
المطلب الأول: تعريف الخطأ الطبي(2)
لقد استقر القضاء على ضرورة أن يكون الخطأ الطبي واضحا و ثابتا بصورة قاطعة لا احتمالية ، و عليه فان تعريف الخطأ الطبي هو:
اخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة و الحذر التي يفرضها القانون و عدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي الى حدوث النتيجة الاجرامية في حين كان ذلك في استطاعته و من واجبه (د/محمود نجيب حسني ص 129 ،بند 143 مشار اليه في موسوعة الفقه و القضاء في الطب الشرعي-شريف الطباخ –و د/ أحمد جلال) ، و قد قسم أغلبية الفقه الخطأ الى نوعين : الأول أطلقوا عليه الخطأ البسيط و الثاني أطلقوا عليه الخطأ الواعي ، و عليه فان الأخطاء الطبية تتعدد و بعضها يعود الى الاهمال و الرعونة و عدم الاحتراز و أخذ الحيطة و الحذر.
المطلب الثاني: حالات الخطأ الطبي الواقع من الطبيب
هناك حالات عديدة للخطأ الطبي أين يكون الطبيب مسؤولا عنه ، كأن يكون الجراح مسؤولا عن اهماله و رعونته حينما يجري عملية جراحية في الفخذ الأيمن بدل الفخذ الأيسر و لو تفحص كشف الأشعة مرة أخرى لاكتشف خطأه و من ثم يمكن القول أن الطبيب الجراح هنا كان بإمكانه تجنب الخطأ الذي ارتكبه ، هذا من جهة و من الأمثلة الحية أن تقوم الممرضة من تلقاء نفسها بحقن المريض حقنة في العرق دون استشارة الطبيب أو أخذ رأيه و تكون المستشفى مسؤولة عن التعويض وفقا للقواعد العامة في المسؤولية المدنية.
كما يندرج تحت هذه الطائلة للمسؤولية ما يعرف بمسؤولية الطبيب الجاهل و الطبيب الحاذق على الرغم من اتفاقهم في أمر المسؤولية ، فما هو الفرق بينهما ؟
1-مسؤولية الطبيب الجاهل: تبدو مسؤولية الطبيب الجاهل عند فقهاء الشريعة الاسلامية مسؤولية مطلقة بحيث لا يلزم اثبات خطئه ، و يكفيه تصديه للعلاج بجراحة أو وصف دواء سواء علم المريض جهله أو لم يعلم ، و باشتراط اغترار العليل و عدم معرفته بحال هذا الطبيب( 3).
2-مسؤولية الطبيب الحاذق:
ان المتتبع لآراء الفقه الاسلامي –في مجال المسؤولية الطبية- يستشف منها أن الفقهاء اتجهوا نحو التضييق من نطاق مسؤولية الطبيب الحاذق بشكل واضح ، و الطبيب الحاذق هو من أعطى الصنعة حقها و بذل غاية جهده في العناية و لم يحصل منه تقصير في البحث و الاجتهاد ، كأن يمهل في فحص المريض أو يتسرع في وصف الدواء ، فيترتب على ذلك ضرر للمريض أو وفاته(4).
و لعل مرد ذلك الى ايمان هؤلاء الفقهاء بأن هذا هو الأدعى الى النهوض بمهنة الطب بالأساليب الطبية العلاجية حتى لا تقعده عن آداء رسالته خشية من مسؤولية تلاحقه أو من قصاص ينتظره ، و يتضح ذلك من خلال اعتبار عمل الطبيب آداء لواجب لا يصح تقييده الا بشروط لاسيما شرط الحصول على اذن المريض.
المطلب الثالث : الغلط العلمي في التشخيص الطبي
ان للتشخيص أثره البالغ في نتائج العلاج أو التدخل الجراحي ذلك أن أي خطأ فيه لابد و أن تظهر سلبياته على المريض و على نفسية الطبيب المعالج و عليه فالطبيب مسؤول مدنيا و جزائيا بحسب الظرف و الموقف العلاجي.
وينبغي التأكيد على مسلمة علمية أنه يوجد العديد من النظريات العلمية الطبية التي لا زالت متضاربة و متعارضة و لها من يؤيدها في التشخيص دون اخرى، طالما كان لتلك الآراء مؤيدوها ، فيجب ان تكون معلومات الطبيب مطابقة للمعطيات العلمية الحديثة ، ففي أغلب الأحوال يرجع الغلط في التشخيص الى الخطأ في التحليل أو الى نقص في المعلومات الطبية (5).
و للعلم فان تقدير الخطأ الذي ارتكبه الطبيب يقيم من جهة المستوى العلمي أو نوع و طبيعة تخصصه العلمي و لهذا ينسب الخطأ الطبي في بعض الأخطاء الى الغلط العلمي ، فمفهوم الغلط هو عيب يشوب الارادة فيجعل العاقد يقدم على التعاقد تحت تأثير اعتقاد مخالف للواقع و للحقيقة ، و منه فالغلط العلمي من شأنه أن يشل حركة الطبيب و تمنعه من الوصول الى السبب الحقيقي للمرض و تشخيصه ، و هو عطب يصيب الارادة فيجعلها تخطأ في التوجه نحو معالجة المريض العلاج الأنسب ، و الدخول في دعاوى المحاكم في حالة رفع دعوى قضائية من شأنها ان تعطل مهنة الطب و لا تجعلها تتطور و تتقدم.
و لو قمنا بعملية مقارنة بين تعريف الغلط العلمي و الخطأ الطبي لوجدنا ان الأخير و بحسب ما صرح به الدكتور وليد أحمد فتحي (6) ، فان الخطأ الطبي سيحدث لا محالة على يد أفضل الأطباء و أقدرهم لأنهم بشر( و كل بن آدم خطاء) و على التنظيم أو النظام الطبي منع وقوع الخطأ و معالجته في مراحله الأولى في حالة حدوثه ، و بذلك فان الدراسات تشير الى أن أي خطأ طبي هو في معظم الأحيان خطأ في التنظيم المتبع في المستشفى و هذا في حد ذاته لا يخفف عن الطبيب عبء المسؤولية تجاه الأرواح التي اؤتمن عليها ، و لا يسقط عنه العقاب في حالات التعمد و الاهمال أو المخالفة الواضحة للأنظمة الصحية.
نفهم من ذلك أن مسألة الخطأ الطبي واردة الحدوث ، أما الغلط العلمي فهو متعلق بالتشخيص العلاجي باستحضار الطبيب أو الجراح لمعارفه و لمعلوماته لأجل اعطاء تشخيص صحيح ، و هنا قد يرد الغلط بمعنى سوء تقدير للتشخيص ، و عليه ينبغي التأكيد على مسلمة علمية في وجود العديد من النظريات العلمية الطبية التي لا زالت متضاربة و متعارضة و لها من يؤيدها من العلماء و الأطباء و هنا لا تتداخل المحاكم في وزن الرأي العلمي دون آخر في التشخيص أو على حساب تشخيص علمي آخر ، و من هنا يجب عدم اضافة عدم وضوح الرؤيا في بعض الحالات المرضية لنسب الخطأ للطبيب ، مثال على ذلك وجود التهاب و احمرار بالعين مما يثير صعوبة في اكتشاف السبب الحقيقي لهذا الاحمرار أو لهذا المرض، و لذلك فان الوصول الى السبب الحقيقي لأي مرض ليس سهلا و يبقى المهمة الأساسية على عاتق الطبيب و ربما الأكثر تعقيدا في مختلف مراحل العلاج ، و ليس يساعد في ذلك التقنية الحديثة بل قد تكون هناك أسباب خفية لا تكشفها التقنية ما يجعل المريض يحول الاتجاه العلاجي نحو الطب البديل أو الأصيل على اختلاف تسميته من طرف مختصيه.
المبحث الثاني: التكييف القانوني للخطأ الطبي
الخطأ الطبي في عمومية التعريف هو فعل يصدر من المعالج بقصد ناقص فيسبب ضررا للمريض ،و ينجم عن هذا الضرر اما عاهة مزمنة أو تحدث وفاة ، و لإظهار التكييف القانوني لابد من معرفة سمات المسؤولية الطبية و كيف تنعقد على الطبيب و ما هي آثارها.
و لعل أهم ما يبرر مساءلة الطبيب هو الخطأ الذي يصدر منه أثناء ممارسة المهنة ، و هذا الخطأ يختلف عن الخطأ الذي يرتكبه الانسان العادي أثناء ممارسة عمله –و ذلك بالنظر الى الطبيعة الفنية و العلمية التي تتصف بها الأعمال الطبية- و عليه فان الطبيب يكون مسؤولا عن جميع أخطائه مهما كان نوعها سواء كانت يسيرة أم جسيمة ، عادية أم فنية ، فهو المسؤول عن كل تقصير في مشواره الطبي و يمكن أن ندرج قائمة من سلسلة الأخطاء الطبية التي يرتكبها الطبيب او الجراح منها : رفض الطبيب فحص المريض أو رفض الجراح اجراء تدخل جراحي مستعجل بذريعة عدم تعقيم العتاد الطبي أو احدى الملحقات التجهيزية المهمة لإجراء العمل الجراحي ، و كذلك الخطأ في تشخيص المريض التشخيص الصحيح وفق الأصول الطبية المعروفة و المعمول بها ، كعدم اجراء التحاليل الطبية و الكشف بالأشعة و التي تعتبر في حد ذاتها مكملات علاجية لابد منها لاستيفاء التشخيص النسبة المعقولة من السعي الطبي أو الجراحي لأجل تقديم آداء علاج يرضي المريض و أهله من ينتظرون أن يتماثل مريضهم للشفاء ، و حتى و ان لم يحدث ذلك ، فالمهم أنهم سيرضون بنوعية الخدمات العلاجية المقدمة لمريضهم و الذي هو طريح الفراش.
و عن كيفية اثبات الخطأ الطبي ، فان القاضي هو وحده من له الحق في تقدير الخطأ الطبي أيا كان نوعه ، و في ذلك تكييف الأخطاء الفنية التي يرتكبها الطبيب و التي تتصل بالتقنية و يتم استخلاصها و معرفتها بالعودة الى الأصول الفنية و يمكن بذلك للمحكمة أن تستعين بخبير محلف من أهل المهنة للقيام بذلك.
المطلب الأول: كيفية اثبات الخطأ الطبي
لقد قسم أغلبية الفقه الخطأ الى نوعين :
الخطأ الأول هو الخطأ البسيط و الثاني هو الخطأ الواعي ، فالبسيط له مسميات عدة منها الخطأ غير الواعي (7) أو الخطأ بدون توقع أو الخطأ دون تبصر ، و يقع هذا نتيجة عدم توقع الجاني نشاطه الايجابي أو السلبي مع قدرة الشخص العادي من فئته و في ظروفه على توقعها و بالتالي تفاديها.
أما الخطأ الواعي أو ما يطلق عليه بالخطأ البصير أو الخطأ مع التوقع و هو الذي يتصور فيه الجاني امكان تحقيق نتائج ضارة من نشاطه و مع ذلك يقدم عليه اما راجيا عدم وقوع هذه النتائج أو واثقا في قدرته على دفعها ، و عليه فعنصر التبصر و الحيطة و الحذر هي عوامل تفرق بين الخطأ البسيط و الخطأ الواعي ، وما يهمنا في هذا الموضع هو كيفية اثبات هذا الخطأ على تنوعه يعني سواء كان بسيطا أو واعيا.
و بما أن الخطأ هو انحراف في السلوك ، فهو تعد يقع من الشخص في تصرفه و مجاوزة الحدود التي يجب عليه التزامها في سلوكه ، و من ثم فان الخطأ الذي يقع فيه الطبيب يضبط تصرفه معيار يجب اتباعه لمعرفة ما اذا كان هذا التصرف خطأ أم لا ، و عليه فان هذا المجال يتنازعه معيارين(8) ، فهناك من يأخذ بالمعيار الشخصي و هناك من يأخذ بالمعيار الموضوعي .
1-الرأي القائل بان المعيار في تقدير الخطأ الطبي ينبغي أن يكون شخصيا : حيث ينظر في الطبيب الذي صدر عنه الخطأ و الى امكانياته الذاتية و درجة حرصه ، و ذلك بالمقارنة بين ما صدر منه من تصرف مشوب بشبهة الخطأ و بين ما كان يمكن أن يصدر منه في نفس الظرف أنه كان بمقدوره تفاديه ، و بالتالي تفادي ما أحدثه بالغير من ايذاء و تجاوزا لهذه الانتقادات الموجهة لهذين المعيارين ، فقد تم اعتماد المعيار الموضوعي.
و بحسب ما ورد في مذكرة الطالبة بوكابوس خليصة (الخطأ الطبي في العمل الجراحي ) فان المعيار الموضوعي هو الأساس في تقدير خطأ الطبيب فيقاس الخطأ على سلوك الشخص المجرد من ظروفه الشخصية ، و هذا الشخص المجرد هو الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس ، فلا هو خارق الذكاء شديد اليقظة و لا هو محدود الفطنة و هو ما استقر عليه كل من الفقه و القضاء.
فان كان سيؤخذ بالمعيار الموضوعي كأساس لتقييم الخطأ الطبي من خلال اثباته ، فان القاضي في سبيل تقدير خطأ الطبيب يقيس على سلوك طبيب آخر من نفس المستوى العلمي و التخصصي ، و بالتالي فان القياس هنا لن يختلف من طبيب لآخر و بحسب ما ورد في مذكرة الطالبة بوكابوس خليصة فإنها ذكرت في الصفحة 21 من مذكرتها أن المعيار المجرد هو المعيار الذي يقدر به القاضي السلوك الذي من المفروض أن يصدر من الطبيب على ضوء الظروف المحيطة به.
هذا من جهة ، و من جهة أخرى فانه ينعدم العنصر النفسي لجريمة رفض المساعدة عندما يكون الامتناع عن تقديم مساعدة ناشئة عن غلط في التقدير ، أي عندما يجهل المتهم جسامة الخطر وضرورة تدخله ، و هكذا برأت محكمة pau(9) قابلة من تهمة الامتناع عن تقديم مساعدة على أساس عدم توافر القصد الجنائي لديها و الذي يتعارض تماما ووجود خطأ في التقدير، و تتمثل وقائع الدعوى في مشاركة قابلة في اجراء عملية ولادة لطفل لم تكتمل اشهره كاملة جاء الى الحياة فاقد الوعي بدون حركة و يميل لون بشرته الى البنفسجي ، و لكن بعد لحظة زمنية وجيزة حدثت حركة بسيطة لشفته ثم عاد الى السكون في الحال مرة أخرى ، و على الرغم من تقدير القابلة لفقدان حياة الوليد ، الا أنها قامت بوضعه على جهاز الانعاش الصناعي لمدة ساعتين بدون أي ملاحظة ، ومن ثم لم يكن لديها أدنى شك في وفاته مما دفعها الى القيام بفصل جهاز الانعاش و ذهابها الى ادارة المستشفى لتحرير شهادة بوفاته و في اليوم التالي و من خلال فحص القابلة المناوبة للوليد لاحظت علامات تدل على أنه ما زال على قيد الحياة فأسرعت بوضعه في حضانة incubateur حيث توفي بعد ذلك بعد مضي عدة ساعات و عندما أحيلت القابلة للمحاكمة عن تهمة الامتناع عن تقديم مساعدة ، دفعت بأن المظهر المخادع هو "طفل فاقد الوعي و يميل لون بشرته الى البنفسجي "هو الذي ساعدها على ارتكاب خطأ في التقدير و في واقع الأمر فان الخطر الحال و الجسيم الذي كان يعاني منه الوليد قد تبدد مع خطئها في التقدير ، و هكذا ركنت المحكمة لتأسيس حكم البراءة على انعدام العنصر المعنوي لدى القابلة ، و لأن الامتناع المجرم يكشف عن ارادة عدم تقديم مساعدة و المادة 63/2 تعاقب على هذا التقصير الجسيم في هذا الواجب الانساني و الذي يحتمه التضامن الانساني solidarité humaine و القابلة لم تقصر في هذا الواجب بل آيلة ذلك الى أن المحكمة قد لاحظت أنه على فرض قيامها بوضع الوليد على جهاز الانعاش الصناعي فهذا ليس سببه اعتقادها بأن الوليد ما زال على قيد الحياة و لكن مرده وسوسة الضمير scrupule de conscience .
و يمكن مع ذلك أن تسند تهمة بإهمال القابلة لاسيما اذا وضعنا في الاعتبار أنه
في حالات التشكيك و حيث يتجاوز التشخيص الصحيح قدرة القابلة و مكانتها المهنية ، فينبغي عليها حينئذ أن تستعين بطبيب أخصائي كي يزول هذا التشخيص ، وهذا الاهمال ذاته قد لاحظته المحكمة حيث قررت أنه "ليس هناك أدنى شك أنه كان بإمكان القابلة أن تستوثق بواسطة فحوص متعمقة و دقيقة من أن الطفل كان و مازال على قيد الحياة ، و أنه كان بإمكانها أن تستنير عند الحاجة برأي الطبيب ، و هكذا تصرفت المتهمة بكل وضوح بطيش بسيط، و قد "أوضح الخبير في تقريره فيما يتعلق برابطة انعدام الملاحظة و الوفاة و التي كان يمكن تفاديها اذا ما حصل الطفل على العناية الضرورية".
من هذه القضية نلاحظ مدى صعوبة تكييف الخطأ الطبي على حسب عدم توفر القصد الجنائي و كذا الظروف المحيطة بالخطأ المرتكب.
المطلب الثاني : الخطأ الاحتمالي و اقرار المسؤولية عنه
عرفنا في السابق أنواع الخطأ الطبي الواقع من الطبيب و صنف منه الخطأ البسيط و الخطأ الواعي أو الخطأ البصير، و من تعريف الطبيب الحاذق يمكن أن يرد الخطأ الاحتمالي ، و لذلك كان لابد من التطرق للتعريف الأول و هو أن الطبيب الحاذق(10) هو الذي يعطي مهنته حقها بسبب احاطته بالأصول الفنية لممارسة الطب و عدم خروجه على هذه الأصول حتى لا يتعرض للمسؤولية ،فالطبيب الحاذق متى قام بواجبه و أتقن عمله ومارسه بأمانة و اخلاص تجاه مريضه ، و لم يخطئ أو يقصر أو يتهاون فانه لا يضمنه شريطة أن يكون مأذونا بالعلاج من المريض أو من وليه ، و عليه فانه لا مسؤولية على الطبيب الحاذق لوقع الضرر من جراء المعالجة مادام الطبيب مأذونا له بالعلاج ،بل حصل الضرر أو الموت نتيجة أمر لا يمكن توقعه أو تفاديه ، و من هنا فان الفقهاء اعتبروا أن الموت اذا حصل نتيجة لفعل واجب مع أخذ الحيطة و عدم التقصير فلا تترتب أي مسؤولية على الطبيب، و لذلك فان الفقهاء قد اتفقوا على أن الطبيب الحاذق الذي مارس مهنته بإذن المريض أو وليه لا يضمن نتائج مأذون فيها ، لكن ما محل الخطأ الاحتمالي و ممارسة الطبيب الحاذق لمهنته بمهارة؟.
لمعرفة ذلك لابد من تعريف الخطأ الاحتمالي(11) والذي هو استنتاج خطأ الطبيب من مجرد وقوع الضرر ، و ذلك خلافا للقواعد العامة التي تتطلب من المدعي اقامة الدليل على خطأ المدعى عليه ، فأساس الفكرة أن الضرر لم يكن ليقع لولا وقوع الخطأ بالرغم من عدم ثبوت الاهمال بشكل قاطع من جانب الطبيب .
ان هذه الفكرة لا تتقيد بمعيار خطأ الطبيب الذي يوجب على القاضي مقارنة سلوك الطبيب وسط من ذات المستوى ،ووجد في نفس الظروف أنه يكفيه لكي يقر بخطأ الطبيب مجرد الافتراض بأنه لابد و أن يكون قد أخطأ .
الحقيقة أن فكرة الخطأ الاحتمالي و ان كانت لا تجد لها سندا في القانون ، فان لجوء القضاء اليها انما يكشف عن شعوره المتزايد بعدم كفاية القواعد القانونية التقليدية لتوفير الحماية للمرضى في مواجهة التطورات العلمية المعاصرة التي حققت طفرات هائلة في الوسائل العلاجية ، فرغم أن القاضي لم يثبت لديه بشكل قاطع وقوع الخطأ من الطبيب فيستنتجه من مجرد وقوع الضرر.
اذن من هنا تبدو علاقة وقوع الضرر بالخطأ الاحتمالي ، فهي مرتبطة به ارتباطا وثيقا و من هنا تكمن أهمية هذه الفكرة (الخطأ الاحتمالي) في الآثار المترتبة عليها فيما يتعلق بعبء الاثبات ، و هذا عند عدم امكانية التوصل الى تحديد الخطأ الذي يمكن أن ينسب الى الطبيب أو المستشفى أو ما يسمى بالخطأ المرفقي.
المطلب الثالث: المسؤولية المقررة على الطبيب
يقتضي منا الأمر في هذا المطلب التعرض لمعنى المسؤولية الجزائية(12) و الفرق بينها و بين المسؤولية المدنية ، فتعريف المسؤولية الجزائية هي احدى نوعي المسؤولية القانونية التي تنقسم الى : مسؤولية مدنية و مسؤولية جزائية ، الأولى حينما يخل المدين بالتزام على عاتقه عقديا كان أو غير عقدي ، و يترتب عن ذلك الاخلال ضرر يصيب الغير، و يكون الجزاء فيها تعويض الضرر ، في حين أن الثانية تقوم عند مخالفة الشخص لقاعدة قانونية آمرة أو ناهية (جنائية) يرتب عليها القانون عقوبة في حال مخالفتها ، و بمعنى آخر قيام أي شخص بارتكاب فعل أو الامتناع عن عمل يعده القانون جريمة ، يترتب عليها متابعة الشخص و معاقبته بقدر فعله.
و هناك حكم صادر عن محكمة النقض المصرية(13) يحمل الرقم 417 بتاريخ03/07/1969 (للعلم اخترت هذه القضية القديمة بتاريخها لمعرفة اصول المسؤولية على الطبيب و كيف لاحت بوادرها) ، هذ الحكم ينص على أنه " لا يمكن مساءلة الطبيب في المستشفى العام الا على أساس المسؤولية التقصيرية لأنه لا يمكن القول في هذه الحالة بأن المريض قد اختار الطبيب لعلاجه حتى ينعقد العقد بينهما " و الحكم السابق فقط يصرح في حالة المستشفى العام لأنه اختيار المريض للطبيب غير متوفر.
اذا من هنا يشترط لمساءلة الطبيب عن خطئه الذي ارتكبه وجود عقد بينه و بين المريض الذي يعالجه ، و بالرغم من الحكم السابق فان القضاء المصري مازال يعتبر مسؤولية الطبيب تقصيرية كأصل ، و لكن الفقه المصري يعتبرها عقدية
أما القضاء السوري(14) ،فهو لا يزال يعتبرها تقصيرية ، حيث ورد اجتهاد محكمة استئناف حلب رقم 451-1960 و قرار 177-1960 بتاريخ 25/05/1969 ما يلي :" ان محكمة أولى درجة عندما أقامت قضائها بسقوط الدعوى بالتقادم المنصوص عنه في المادة 173 من القانون المدني قد أصابت الحقيقة و تعين لذلك رفض الاستئناف موضوعا و تصديق الحكم المستأنف.
و اخيرا فان القضاء و الفقه في فلسطين (15) لم يتعرضا لمسؤولية الطبيب المدنية بنصوص خاصة أو قرارات المحاكم و لا حتى مناقشتها بحسب علم السيد وائل تيسير محمد عساف في مرجعه "المسؤولية المدنية للطبيب –دراسة مقارنة- حيث ذكر أن الأخطاء الطبية لا تحظى بأي اهتمام يذكر و لا يوجد أحكام قضائية بخصوصها ، و هذا ما زاد الأمور تعقيدا في ظل تزايد الأخطاء الطبية في فلسطين و تراكمها أمام القضاء سنوات عديدة دون الفصل بها أو حتى الوصول الى نتيجة حولها ، مع العلم أن المحاكم الفلسطينية مازالت تطبق مجلة الأحكام العدلية العثمانية و قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944 .
أما في الجزائر فان قانون رقم 05-85 مؤرخ في 26 جمادى الأولى عام 1405 الموافق لـ 16 فبراير سنة 1985 تضمن قانون حماية الصحة و ترقيتها فلم يرد نص صحيح يعالج قضية الأخطاء الطبية على نحو من التفصيل مثل ما تناولته باقي القوانين الأخرى ، ما يدفع بالمشرعين و برجال القانون لأن يجتهدوا في تقنين القوانين التي تتضمن نصوصا تقر بقضايا الأخطاء الطبية و العقوبات المقررة لمرتكبيها بعد تكييف الفعل المجرم و اسناد العقوبة اللازمة له.
المطلب الرابع : دور القاضي في اثبات الخطأ الطبي
ذهب بعض الفقهاء الى المطالبة بعدم مساءلة الأطباء عن الأخطاء الطبية اذا كان الطبيب من ذوي المعرفة و أذن له بممارسة المهنة وباذن المريض ، و ذلك لطبيعة العمل الطبي و ما ينطوي عليه من أخطار و مضاعفات لا يستطيع معها الطبيب تفاديها مهما أوتي من علم و خبرة ، الا أن مساءلة الطبيب ستقلل من شهادته العلمية و قيمتها كما أن ذلك يضر بسمعته المهنية ، فالطبيب في نظرهم لا يسأل الا أمام ضميره و أمام الرأي العام ، لكن الفقه و القضاء استقرا على مساءلة الأطباء اذا توافرت شروط مسؤوليتهم المتمثلة في الخطأ ، الضرر و العلاقة السببية(16).
ووفق ذلك يقول المستشار منير رياض حنا في كتابه "النظرية العامة للمسؤولية الطبية" أن أهم القرائن القانونية التي تسيطر على وسائل الاثبات في دعاوى المسؤولية الطبية حجية الحكم الجنائي ، ذلك أن دعوى المسؤولية يغلب أن تقوم على جريمة جنائية ، فتخضع لاختصاص القضاء الجنائي و اختصاص القضاء المدني ، فاذا صدر حكم نهائي في الجريمة من محكمة جنائية فإلى أي مدى يصبح هذا الحكم حجة في الدعوى المدنية و هل يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي؟ و منه تجيب المادة 406 من التقنين المدني على ذلك فتقول " لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي الا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم ، و كان فصله فيها ضروريا" ننسب في ذلك أن موضوع الدعوى الجنائية هو العقوبة و موضوع الدعوى المدنية هو التعويض.
و يواصل المستشار منير رياض حنا بخصوص الاعتبار القانوني ، وهو أن الحكم الجنائي له حجية مطلقة ، فهو حجة بما فيه على الناس كافة، و منهم الخصوم في الدعوى المدنية ،فهؤلاء لا يجوز لهم أن يناقشوا حجية الحكم الجنائي ، و أما الاعتبار العملي فهو أنه من غير المستساغ و المسائل الجنائية من النظام العام ، أن يقول القاضي الجنائي شيئا فينقضه القاضي المدني.
و الذي يقع كثيرا أن يكون الحكم الجنائي سابقا في صدوره على الحكم المدني ، و ذلك بفضل القاعدة التي تقضي أن الدعوى الجنائية توقف من سير الدعوى المدنية ، فاذا رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية و الدعوى المدنية امام المحكمة المدنية ،وجب أن توقف الدعوى المدنية حتى يفصل نهائيا في الدعوى الجنائية ، و بذلك يتحقق أن يكون الحكم الجنائي النهائي سابقا في صدوره على الحكم المدني ليتقيد هذا به ، ذلك ما تقضي به قاعدة وقف الدعوى المدنية و هذه هي الحكمة المتوخاة منها.
أما المحامي شريف الطباخ فهة يرى في كتابه "جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها" أن القانون المصري نص في المادة 224 عقوبات على عقاب كل من تسبب في جرح أحد من غير قصد و لا تعمد بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو عن عدم احتياط و تحرز أو عن اهمال أو عن عدم مراعاة اللوائح ، و هذا النص ولو أنه ظاهر فيه معنى الحصر و التخصيص الا أنه في الحقيقة و الواقع نص عام تشمل عبارته الخطأ بجميع صوره و درجاته ، فكل خطأ مهما كانت جسامته يدخل في متناولها ، و متى كان هذا مقررا فان الخطأ الذي يستوجب المساءلة الجنائية بمقتضى المادة 151 من القانون المدني مادام الخطأ مهما كان يسيرا يكفي قانونا لتحقق كل من المسؤوليتين ، و اذا كان الخطأ في ذاته هو الأساس في الحالتين ،فان براءة المتهم في الدعوى الجنائية لعدم ثبوت الخطأ المرفوعة به الدعوى عليه تستلزم حتما رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ المدعى به ، و لذلك فان الحكم متى نفى هذا الخطأ عن المتهم و قضى له بالبراءة للأسباب التي بينها يكون في ذات الوقت قد نفى الأسس المقامة عليه الدعوى المدنية، و لا تكون المحكمة في حاجة لأن تتحدث في حكمها عن هذه الدعوى، و تورد فيه أسباب خاصة بها.
رغم هذا فان القضاء في الجزائر(17) على وجه الخصوص لم يعرف قضايا المسؤولية الطبية الا منذ سنوات قليلة و ذلك راجع الى عدة اسباب تتداخل فيما بينها لتجعل المريض المضرور يعكف على مقاضاة الأطباء بهدف الحصول على تعويض عن الأضرار اللاحقة به ، و من هذه العوامل نجد عامل الاحساس بالضعف لدى المريض في مواجهة الطبيب ، و هذا راجع دون شك الى العلاقة غير المتوازنة التي تربط المريض بالطبيب ،اذ يعاني طرف من علة مرضية ، و طرف آخر يضع فيه الأمل كامل الثقة بهدف تخليصه من آلامه ، و بالتالي فالمريض غالبا ما يجد نفسه غير قادر على مواجهة الأطباء ،كما أن صعوبة اثبات الخطأ الطبي من شأنه أن يؤدي بالمريض الى التفكير ألف مرة قبل مباشرة أي اجراء قضائي.
و لكن من بغير القاضي النزيه يعيد الحقوق لأهلها بحكم عادل يحقق فيه مبدأ المحاكمة العادلة و نصرة المريض المقتص منه حقه في حياة كريمة تحققها له صحة مضمونة و ان هي تعرضت لأي نازل مرضي فان يدي الطبيب هي الأمان و المخلص من الآلام و الأوجاع ،فهل أدرك الطبيب و الجراح عظم المسؤولية قصاصا عادلا للانسانية أولا و لكرامة المريض ثانيا؟.
خاتمة :
ان موضوع الأخطاء الطبية من المواضيع المهمة في أي مجتمع لأن محورها صحة المريض ، هذه الأخيرة التي لا تعوض بثمن ان هي تعرضت لخطر ما أو عارض مرضي مما يدفع بالمريض الى الذهاب للطبيب أو المكوث في المستشفى لغاية تماثله للشفاء ، و لعل مما يهتم به الاسلام كدين حريص على حفظ العرض و النفس و التي هي من أمور الدنيا هو الدعوة الى اهتمام الانسان بصحته الاهتمام الواجب و الأوفر و الذي يحقق له توازنا نفسيا و عطاءا يكفيه التفاعل مع الآخرين ما توفرت له الصحة الجيدة ،و قد كان طبيعيا أن يؤدي هذا الاهتمام الى اهتمام مواز ألا و هو الاهتمام باختيار الأطباء و اعدادهم الاعداد الجيد ، قبل دخولها ميدان التطبيب أو الجراحة لأن الأجساد المسلمة اليهم هي أجساد بشر و هم مسؤولون عن صيانتها و رعايتها بالعلم الذي درسوه مع ضرورة توخي الحذر و الرعونة أثناء آداء واجبهم تجاه المريض.
و على ذلك فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بضرورة التداوي و اختيار العلاج لكل داء مصداقا لقوله " يا أيها الناس تداووا ، فان الله لم ينزل من داء الا أنزل له دواء" ، و من هذا السياق البياني نلمس مدى أهمية التداوي لأجل ضمان الصحة و العافية و ضرورة توخي الحذر من الأمراض المعدية.
يبقى أن الانسان ليس معصوما من الخطأ، و الخطأ الطبي منسوب بلا شك للطبيب أو للجراح أو للممرض ،و القاعدة الشرعية هي أن من يزاول عملا أو علما لا يعرفه يكون مسؤولا عن الضرر الذي يصيب الغير نتيجة هذه المزاولة، و في مسؤولية الطبيب الجاهل حديث صريح قوله صلى الله عليه سولم " من تطبب و لم يعلم عنه الطب قبل ذلك فهو ضامن" و في رواية أخرى " من تطبب و لم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".
ما نستوضحه هو ضرورة الحرص و التعلم الجيد لتفادي الوقوع في الأخطاء بتفعيل الضمير أثناء أداء الواجب المهني ، و لو أن هذا الموضوع الحساس هو شائع في كل الدول بما في ذلك المتقدمة و المتطورة في التقنية ما يجعلنا لا نحتار لشيوعه في دول غير متقدمة و لكن نرجع السبب بالدرجة الأولى الى صحوة الضمير و ما يجب أن يتحراه الطبيب من حرص على سلامة المريض ،صحيح أنه مطالب ببذل عناية و ليس بتحقيق نتيجة ، يبقى أن تمام الاتقان في العمل من شأنه التقليل من هذه الآفة آفة العصر و هي الخطأ الطبي.
قائمة المراجع :
1-البروفيسور فيصل عبد اللطيف الناصر ،الخطأ الطبي ، منظور تاريخي ، جامعة الخليج العربي ،دون ذكر البلد او الطبعة و السنة.
2-شريف الطباخ ، جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها ، الاسكندرية ، دار الفكر الجامعي ، 2005 ،ص 11.
3-المستشار منير رياض حنا ، النظرية العامة للمسؤولية الطبية في التشريعات المدنية و دعوى التعويض الناشئة عنها ،الاسكندرية ، دار الفكر الجامعي ،2011،ص39.
4-المستشارمنير رياض حنا ، المرجع السابق ،ص 41.
5-د.عبده جميل غصوب ، الخطأ الطبي ، لبنان ، منشورات زين الحقوقية ، الطبعة الثانية ، 2010،ص64.
6-د.وليد أحمد فتحي ، الخطأ الطبي ، انظر موقع الدكتور على الرابط التالي :
www.walidfitaihi.com
7- شريف الطباخ ، المرجع السابق ،ص 11.
8-بوكابوس خليصة ، الخطأ الطبي في العمل الجراحي ، مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر في القانون ، تخصص عقود و مسؤولية ، الجزائر ، جامعة اكلي محند اولحاج ، البويرة ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، السنة الجامعية 2012/2013، ص 20.
9- د. محمد سامي الشوا، الخطأ الطبي امام القضاء الجنائي –دراسة مقارنة في القضاء المصري و الفرنسي- القاهرة ، دار النهضة العربية ،ص 34
10-وائل تيسير محمد عساف ، المسؤولية المدنية للطبيب –دراسة مقارنة- اطروحة قدمت استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في القانون الخاص ، فلسطين، كلية الدراسات العليا ، جامعة النجاح الوطنية بنابلس ، 2008،ص 28.
11-د.عبده جميل غصوب ، المرجع السابق ، ص 123.
12-د.حمليل صالح ، المسؤولية الجزائية –دراسة مقارنة –ورقة بحث مقدمة في اطار الملتقى الوطني المنظم من طرف كلية الحقوق، الجزائر، جامعة مولود معمري ، تيزي وزو، يومي 23-24 جانفي 2008،ص04.
13-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق نص 36.
14-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق ،ص 37.
15-وائل تيسير محمد عساف ، المرجع السابق ، ص 38.
16-المستشار منير رياض حنا ، المرجع السابق ، ص 31.
17-سايكي وزنة ، اثبات الخطأ الطبي امام القاضي المدني- مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون ، فرع المسؤولية المهنية ، الجزائر ، جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،كلية الحقوق و العلوم السياسية ، السنة الجامعية 2010/2011 ،ص6،7.