مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/01/27 15:12
فاشية الاحتلال وأخلاقيات المقاومة
يُعد الصراع العربي الصهيوني هو أحد أكثر الصراعات تعقيدًا وأطولها مدةً؛ حيث بدأ الصراع في أوائل القرن التاسع عشر، وبرز بعد تقسيم الأراضي العربية الفلسطينية في عام 1947 وفرض تأسيس دولة يهودية في عام 1948، فمنذ ذلك الحين؛ شهدت المنطقة العديد من النزاعات والحروب، بما في ذلك حرب 1948، وحرب 1967، وحرب 1973، وحتى اليوم يتسع الصراع والاستعمار الصهيوني للأراضي العربية والإسلامية الفلسطينية يتغلغل والسجون الإسرائيلية تكتظ بالأسرى الفلسطينيين.
وإن قضية الأسرى فصَّلها القرآن الكريم تفصيلاً وركز عليها منذ أن بدأ الصراع بين المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المناوئين للإسلام، وكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال على تطبيق ما ورد في القرآن من توجيهات بشأن الأسرى فنجد أن المرحلة الأولى التي تحدثت الآيات القرآنية عنها بدأت بآية توضيح؛ حيث تم أسر عدداً من المشركين في أول معركة كانت بين المسلمين وبين كفار قريش وانه ما كان له أن يأخذ أسرى فلا يصح الأسر قبل إثخان العدو قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ (الأنفال، 67).
ثم بعد ذلك شرع الأسر وأكد على حجز الأسير قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد،4) فالآية تتحدث عن أسرى الكفار لدى المسلمين. ثم بعد ذلك قال الله تعالى مُرغباً بالإحسان إلى الأسرى بقوله سبحانه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾(الإنسان،8-9).
 قال ابن كثير رحمه الله : "قال ابن عباس: كان أسراهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسرى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء.
وفي تاريخ الصراع العربي المعاصر وفي كل مرحلة من مراحله كانت قضية الأسرى هي أحد أبرز الموضوعات المصاحبة لتلك الصراعات، حيث أصبحت تمثل جزءًا حيويًا من معركة التحرير الفلسطيني لاسيما ومعاملة الاحتلال للأسرى اتسمت بالعنف والقمع فلم يلتزم بالقيم الإنسانية ولا حتى بمبادئ الاحتلال التي يلزمه فيها القانون الدولي وحقوق الإنسان، بل مارس كل ألوان الفاشية والوحشية فيتعامل مع الأسرى الفلسطينيين بأسلوب بعيد كل البعد عن الأخلاقيات الإنسانية.
وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونها كالتعذيب الجسدي والنفسي والاعتقال الإداري والحرمان من الزيارة والعلاج واستهداف الأطفال الفلسطينيين؛ بينما كانت أخلاقيات المقاومة الفلسطينية وما تحمله من قيم إنسانية وشرعية محط إعجاب الكثيرين.
وفي هذا السياق، يبرز الفرق الشاسع بين تعامل المقاومة الفلسطينية مع الأسرى الصهاينة الذين وقعوا في قبضة فصائل المقاومة في غزة، وبين الطريقة الوحشية التي تتعامل بها إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين في سجونها، حيث تتسم سلوكيات إنسانية ومسئولة من قبل المقاومة تتجلى فيها الأخلاقيات الإسلامية في التعامل مع الأسرى الصهاينة.
فمن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب عدم قتل الأطفال والعجائز، والمرضى، وقطع الأشجار، والتمثيل بالجثث، والغدر، وعدم المساس بالرهبان الذين في صومعتهم ومعابدهم يتعبدون ولا بمعابدهم وكنائسهم ، واحترام الحيوان والرفق به.
روى البيهقي في سننه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيكـم بتقـوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لاتغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً".
يوضح تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إحصاءاته تُظهر قتل قوات الاحتلال لـ 2100 رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، ضمن نحو 17 ألف طفل قتلتهم في قطاع غزة منذ بداية جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وذكر أن عدد الأطفال الفلسطينيين، سواء الأطفال الرُضع أو الأطفال عمومًا، الذين قتلهم جيش الاحتلال مُفزع وغير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب.
ولطالما شكل أطفال ونساء فلسطين وقطاع غزة هدفًا واضحًا وصريحًا لجيش الاحتلال، وهذا يدلّل على حجم الإجرام الذي تستخدمه آلة الحرب في عدوانها، وأُضيف لها بُعد جديد بعد عملية "طوفان الأقصى" عندما ركّز الاحتلال على استهداف المنازل الآمنة.
فرغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة والحصار والظلم الذي يتعرض له المقاومون والأبرياء من الشعب الفلسطيني رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً، إلا أنها تسعى إلى التمسك بالمبادئ الأخلاقية الدينية التي شربتها من تربيتها الإسلامية القرآنية وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم وكيفية تعامله مع الأسرى.
وتتمثل هذه المبادئ في مجموعة من القيم التي تضمن احترام حياة الأسرى وحمايتهم من أي أذى غير مبرر، وفقًا للمواثيق الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب. وعلى الرغم من أن المقاومة الفلسطينية تخوض صراعًا مريرًا ضد احتلال مستمر، إلا أن التعامل مع الأسرى الصهاينة لا يتجاوز الحدود الإنسانية في أغلب الأحيان.
 
أضافة تعليق