بقلم:د.فؤاد عبده محمد الصوفي
تمر الأمم بمراحل عصيبة في تاريخها السياسي وتتعرض إلى قدر كبير من القمع والاضطهاد والاستبداد، والظلم والضيم ، ولكنها حينما تمتلك نُخبا نبيلة وقادة حكماء يدركون قيمة مجد أممهم ويحاولون أن يسطروا أروع الملاحم ويخلِّدوا أروع المواقف ويضحون بالغالي والنفيس في سبيل استقرار الأجيال الحاضرة ومستقبل الأجيال القادمة؛ وذلك يكون حينما تسمو نُخَبِها وتغلِّب مصلحة أمتها على مصالح نفسها.
وأمتنا اليمنية كغيرها من الأمم تعرضت بين الفينة والأخرى إلى انكسارات ونكَسات لكنها كانت تملك رصيدا من النخب الشجاعة التي قدمت حياتها ثمنا لشعبها وحاولت أن تبني مجدها من جديد وأن تعود إلى عزها كرة أخرى.
وبعد ان صادر النظام السابق أمنها وأمالها واستقرارها ومستقبل أبنائها كان يوم11فبراير2011 ميلاد حلمٍ جديد للجيل الصاعد وكانت ساحات التغيير محضنا سياسيّاً تجاوز المقابر السياسية للأحزاب التي فاقت وأصوات الثائرين في ميادين التغيير..
بالفعل كان انطلاق شرارة الثورة بعد أن شعر الجيل الجديد بعتمة تمنع رؤية المستقبل ورأى غيوما ملبَّدة تحيل بينه وبين آماله. فاختار الوقوف في منعطفٍ جديد في حياة أمته اليمنية ليخدم شعبها الأبيّ فور أن شمّ نسائم الحرية في تونس ومصر ورأى أن يَمَنَه ليس ببعيد عن تلك الدولتين الأكثر تعليما، والأقل بطالة.
ووفقا للإحصائيات من قبل اليونيسيف والأمم المتحدة، فإن إجمالي معدل الأمية في اليمن خلال الأعوام 2007 2011- هو: 64 ٪ . وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن نسبة البطالة في اليمن ناهزت في عام 2010 قرابة 17.8%، وترتفع لدى النساء إلى 54.7%. إضافة إلى أن اليمن حينها كان الأسوأ من حيث البنية التحتية والخدمات العامة والأمن وغير ذلك من مقومات الحياة الأساسية.
يضاف إلى ذلك احتكار السلطة والثروة ومصادرة حقوق المواطن والاستيلاء على المال العام وتسريح الموظفين من وظائفهم بسبب الانتماء السياسي أو المناطقي، والاستيلاء على الانتخابات المحلية والبرلمانية عبر التزوير وشراء ذمم البسطاء.
كل هذه المآسي دفعت الجماهير للخروج رغبة في الالتحاق بتونس ومصر وانطلق الشباب إلى الساحات وخيموا في الساحات وبنوا عروشهم ونصبوا خيامهم سنوات واستعذبوا حر الصيف وبرد الشتاء بغية إزالة الغمة المتراكمة على شعبهم فضحى بعضهم بوظيفته وآخر بدراسته وغيرهما بنفسه وحياته لينعم الجيل الصاعد ويؤمن مستقبل الأجيال الصاعدة.
ولكن كان مخاض الثورة عسيرا وغالي الثمن وتلك طبيعة الثورات التي تقوم على الأنظمة الطائفية أو الملكية الأسريّة ، فقد ملَّك النظام السابق مفاصل الدولة لأسرة الرئيس الراحل وأقاربه ومواليه واحتُكِرت الدولة في هؤلاء فكان بطشهم بالثائرين قويا وشراستهم أمام موجة الثوار أقوى، فتمادوا في قتل الأنفس واستباحة الدماء حتى قررت بعض دول الإقليم إنقاذ صالح ووأد الثورة قبل اكتمال مخاضها.
ثم ولدت المبادرة الخليجية والتي نقلت الرئيس -الراحل- حينها من فاسد يجب عزله إلى منتقِم محميٍّ بالمبادرة الخليجية.فكانت المبادرة فرصة جميلة للرئيس الراحل ليفتح صفحة جديدة مع مخالفيه، ولكنه لم يعد إلى رشده ويصالح شعبه بل دفعته الروحُ الانتقامية للتحالف مع الحوثيين واتخذهم أداة لسحق الشريط القبلي السني الممتد من دماج إلى عمران ثم صنعاء مستعينين بألويته العسكرية لقتل من خرج ضده في 11فبراير2011 فكانوا هم المرشحون للقضاء على العدو المشترك في قلب العاصمة صنعاء (الإسلام السياسي) وأنصاره من المحافظات الأخرى.
ولكن المكر أسقط الدولة بدم بارد وشاء الله أن يغادر المنتقِم مشهد الحياة برمَّتها ويبقى المبطلون يواصلون نفس الرسالة وبأقبح الوسائل، وبهذا يكون قد تأكد فشل نخبنا الفكرية والسياسية وتقوقعها حول مصالحها مما يؤكد أن 11فبراير ميلاد حلم لم يكتمل بعد...
*رئيس المركز