الإسلاميون والإقصاء السياسي (2-2)
بقلم: د. فؤاد بن عبده محمد الصوفي
ولكن الواقع أن ذلك كان أكثر تلميعا و إبرازاً لوطنيتهم وتضحياتهم في سبيل الوطن ومصلحة مواطنيه، وكلما قارن المواطن بين منهجيتهم السلمية في نقد ممارسات السلطات؛ وينظر إلى أفعالهم التي كانت تبدو إلى حدٍّما متجرِّدةً وبين ما تنتهجه السلطة بقمعهم والقضاء عليهم بالمكر والتشويه والحرمان من الوظيفة العامة والاعتقالات المستمرة هنا وهناك؛ كل ذلك أكسبهم مزيداً من المصداقية والتعاطف الشعبي، علاوة على ذلك متانة القاعدة التنظيمية واتساع رقعة الجماهير حولهم فبرزوا كرُوَّاد إصلاح ورموز تنمية في المجتمع.
ساهم ذلك في تمدد رقعتهم أفقيًّأ ورأسيًّا مما أدى إلى تمكينهم من البروز كقوة تنظيمية متماسكة قادرة على التوسع وغير قابلة للانصهار أمام الممارسات الاستبدادية. فخوفت الأنظمة فعلاً وزرعت فيهم الرعب من ذلك التنظيم والتماسك.
ومما يُعد نجاحا لا ينكر لرموز العمل الإسلامي؛ قدرتهم على تقديم المشروع الإسلامي للجماهير بنظرة شمولية واقعية، برهنت من خلاله على واقعية الإسلام وسماحته ووسطيته وإمكانية تطبيق أحكامه، وأبرزت قدرته على إدارة الحياة كما اتضح ذلك من خلال انطلاق شرارة الثورات العربية الأخيرة التي انتفضت ضد الأنظمة القمعية فتوجهت بمختلف مشاربها إلى ساحات الحرية والتغيير ووجدت أن الإسلاميين هم الطيف الأقرب إلى همومها فدفعت بهم إلى سدة الحكم في أكثر من قطر من أقطار ثورات الربيع العربي فما لبثوا أن استأسدت عليهم القوى الاستبدادية فكانوا فريسة الثورة المضادة المنقذة للاستبداد والمدعومة من أكثر الأنظمة استبدادا في المنطقة والعالم.
ولكن ما يُعد إخفاقا لتلك الرموز أنها لم تمتلك قدرًا كافياً من الدبلوماسية في التعامل مع القضايا الخارجية على المستوى الدولي. فلم تنتقل من مشروع الحزب إلى مشروع الدولة لاسيما في العلاقات الدولية والموقف من الآخر، ولم تنتقل من مربع الخطاب الحربي ضد ما هو غير إسلامي إلى ترشيد فقه التعايش والتآلف والدبلوماسية التي تقتضيها واقعية السياسة ولغة التفاهمات مع الكيانات الدولية.
وكان من الأجدر أن تؤصل لمنهجية المقاومة السياسية في المحافل الحقوقية والدولية للتعبير عن المظالم الواقعة في الأمة من خلال المؤسسات الدولية والتأثير على ميثاقها الأممي، وإعادة النظر في إعلان العداء الثقافي والسياسي للدول الخارجية، لاسيما في هذه المرحلة التي تعد بلا شك مرحلة استضعاف لها أحكامها الخاصة والخالصة.
ومما أخذ على قيادة العمل الإسلامي المعاصر تعاملها السلبي مع التكتلات الدينية الشقيقة فقد كرست الفرقة وعددت عواملها وتم التأصيل لها من جميع العاملين في حقول الفكر والدعوة والحركة وضعفت القدرة على استيعاب أو تحييد الاتجاهات التي تختلف معها أيدلوجيا في داخل المجتمع الإسلامي، فنشبت نزاعات فكرية بينها وبين تلك الكيانات التي عرفت على مر التاريخ بأنها ظهيرا للأنظمة مهما كان ظلمها واستبدادها؛ فهي تحابي وتداهن الأنظمة وتُشَرعِن للاستبداد وتنتظر الفرصة المرتقبة لوأد صهوة العالم الإسلامي وتجفيف منابع صحوته.
وقد برزت على الساحة الإسلامية تحالفات بين أقطاب لم يجمع بينها سوى الكيد ضد العمل الإسلامي وصحوته الثائرة، فمن غُلاة المنتسبين للتصوف إلى غٌلاة المنتسبين للسلفية، ألف بين قلوبهم طغيان الأنظمة التي أوشكت على السقوط وزاد طيشانها في الآونة الأخيرة خاصة، بعد ثورات الحرية وموجات الربيع العربي التي جرفت بعض رموز الأنظمة التي كانت تسبِّح بحمدها.
فشكلت تلك الجبهات الفكرية والأنظمة جبهة واحدة لاستعادة ما تسميه الخطاب الدعوي المختطف إشارة إلى الإسلاميين بفكرهم الجديد وطرائق دعوتهم المعاصرة في أكثر من قطر من البلدان العربية.
وزاد الطين بلة تعدد كيانات العمل الإسلامي وتفكّكها وتنازعها وانتشار رائحة الحقد الديني في أوساطها، فأوصل بعضهم قبح النزاع إلى امتهان التكفير والتفسيق وصد الناس عن فلان أوعلان بحجج أوهى من بيت العنكبوت.
وكان المستفيد الأول من ذلك التفرق والنزاع هو الأنظمة الاستبدادية؛ حيث غذت ذلك وشجعت الرموز التي تنهج هذا النهج لتستفيد من إضعاف الكتلة المتحركة من اتجاهات الصحوة وما حصل من اعتقالات العلماء الوسطيين في الفترة الأخيرة في بعض دول الخليج خير شاهد على توسع الثورة المضادة والإجراءات الوقائية بسبب الخوف الشديد الذي أرجف قلوب الاستبداد في المنطقة.
فهل إقصاء الإسلاميين في أكثر من قُطر نذير تحولهم من العمل السياسي السلمي إلى غير ذلك أم هو ميلاد حقبة جديدة لاضطهاد الإسلاميين فحسب؟
بقلم: د. فؤاد بن عبده محمد الصوفي
ولكن الواقع أن ذلك كان أكثر تلميعا و إبرازاً لوطنيتهم وتضحياتهم في سبيل الوطن ومصلحة مواطنيه، وكلما قارن المواطن بين منهجيتهم السلمية في نقد ممارسات السلطات؛ وينظر إلى أفعالهم التي كانت تبدو إلى حدٍّما متجرِّدةً وبين ما تنتهجه السلطة بقمعهم والقضاء عليهم بالمكر والتشويه والحرمان من الوظيفة العامة والاعتقالات المستمرة هنا وهناك؛ كل ذلك أكسبهم مزيداً من المصداقية والتعاطف الشعبي، علاوة على ذلك متانة القاعدة التنظيمية واتساع رقعة الجماهير حولهم فبرزوا كرُوَّاد إصلاح ورموز تنمية في المجتمع.
ساهم ذلك في تمدد رقعتهم أفقيًّأ ورأسيًّا مما أدى إلى تمكينهم من البروز كقوة تنظيمية متماسكة قادرة على التوسع وغير قابلة للانصهار أمام الممارسات الاستبدادية. فخوفت الأنظمة فعلاً وزرعت فيهم الرعب من ذلك التنظيم والتماسك.
ومما يُعد نجاحا لا ينكر لرموز العمل الإسلامي؛ قدرتهم على تقديم المشروع الإسلامي للجماهير بنظرة شمولية واقعية، برهنت من خلاله على واقعية الإسلام وسماحته ووسطيته وإمكانية تطبيق أحكامه، وأبرزت قدرته على إدارة الحياة كما اتضح ذلك من خلال انطلاق شرارة الثورات العربية الأخيرة التي انتفضت ضد الأنظمة القمعية فتوجهت بمختلف مشاربها إلى ساحات الحرية والتغيير ووجدت أن الإسلاميين هم الطيف الأقرب إلى همومها فدفعت بهم إلى سدة الحكم في أكثر من قطر من أقطار ثورات الربيع العربي فما لبثوا أن استأسدت عليهم القوى الاستبدادية فكانوا فريسة الثورة المضادة المنقذة للاستبداد والمدعومة من أكثر الأنظمة استبدادا في المنطقة والعالم.
ولكن ما يُعد إخفاقا لتلك الرموز أنها لم تمتلك قدرًا كافياً من الدبلوماسية في التعامل مع القضايا الخارجية على المستوى الدولي. فلم تنتقل من مشروع الحزب إلى مشروع الدولة لاسيما في العلاقات الدولية والموقف من الآخر، ولم تنتقل من مربع الخطاب الحربي ضد ما هو غير إسلامي إلى ترشيد فقه التعايش والتآلف والدبلوماسية التي تقتضيها واقعية السياسة ولغة التفاهمات مع الكيانات الدولية.
وكان من الأجدر أن تؤصل لمنهجية المقاومة السياسية في المحافل الحقوقية والدولية للتعبير عن المظالم الواقعة في الأمة من خلال المؤسسات الدولية والتأثير على ميثاقها الأممي، وإعادة النظر في إعلان العداء الثقافي والسياسي للدول الخارجية، لاسيما في هذه المرحلة التي تعد بلا شك مرحلة استضعاف لها أحكامها الخاصة والخالصة.
ومما أخذ على قيادة العمل الإسلامي المعاصر تعاملها السلبي مع التكتلات الدينية الشقيقة فقد كرست الفرقة وعددت عواملها وتم التأصيل لها من جميع العاملين في حقول الفكر والدعوة والحركة وضعفت القدرة على استيعاب أو تحييد الاتجاهات التي تختلف معها أيدلوجيا في داخل المجتمع الإسلامي، فنشبت نزاعات فكرية بينها وبين تلك الكيانات التي عرفت على مر التاريخ بأنها ظهيرا للأنظمة مهما كان ظلمها واستبدادها؛ فهي تحابي وتداهن الأنظمة وتُشَرعِن للاستبداد وتنتظر الفرصة المرتقبة لوأد صهوة العالم الإسلامي وتجفيف منابع صحوته.
وقد برزت على الساحة الإسلامية تحالفات بين أقطاب لم يجمع بينها سوى الكيد ضد العمل الإسلامي وصحوته الثائرة، فمن غُلاة المنتسبين للتصوف إلى غٌلاة المنتسبين للسلفية، ألف بين قلوبهم طغيان الأنظمة التي أوشكت على السقوط وزاد طيشانها في الآونة الأخيرة خاصة، بعد ثورات الحرية وموجات الربيع العربي التي جرفت بعض رموز الأنظمة التي كانت تسبِّح بحمدها.
فشكلت تلك الجبهات الفكرية والأنظمة جبهة واحدة لاستعادة ما تسميه الخطاب الدعوي المختطف إشارة إلى الإسلاميين بفكرهم الجديد وطرائق دعوتهم المعاصرة في أكثر من قطر من البلدان العربية.
وزاد الطين بلة تعدد كيانات العمل الإسلامي وتفكّكها وتنازعها وانتشار رائحة الحقد الديني في أوساطها، فأوصل بعضهم قبح النزاع إلى امتهان التكفير والتفسيق وصد الناس عن فلان أوعلان بحجج أوهى من بيت العنكبوت.
وكان المستفيد الأول من ذلك التفرق والنزاع هو الأنظمة الاستبدادية؛ حيث غذت ذلك وشجعت الرموز التي تنهج هذا النهج لتستفيد من إضعاف الكتلة المتحركة من اتجاهات الصحوة وما حصل من اعتقالات العلماء الوسطيين في الفترة الأخيرة في بعض دول الخليج خير شاهد على توسع الثورة المضادة والإجراءات الوقائية بسبب الخوف الشديد الذي أرجف قلوب الاستبداد في المنطقة.
فهل إقصاء الإسلاميين في أكثر من قُطر نذير تحولهم من العمل السياسي السلمي إلى غير ذلك أم هو ميلاد حقبة جديدة لاضطهاد الإسلاميين فحسب؟