آفاق تربوية (19)
في فلسفة البناء التربوي
لا يختلف اثنان في أن تربية الأولاد في واقعنا المعاصر من أوجب الواجبات وأنه تشكل درعا واقيا للحفاظ عليهم وتنمية الإيجابية فيهم إيجابية السلوك وإيجابية التفكير والهدف. وقد أمر الله عز وجل بها في عموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6].
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: أي: يا أيها الذين صدقوا الله سبحانه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله واعملوا بطاعة الله تعالى، وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله تعالى ما يقون به أنفسهم من النار" (تفسير الطبري:28 / 165).
وقد زخرت السنة النبوية بالتأكيد على مسئولية الرعاية الأبوية؛ فتربية الأبناء من أهم المسئوليات الدينية الاجتماعية، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته- قال وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته ». رواه البخاري (853) ومسلم (1829).فالمسئولية التربوية للآباء حيال أبنائهم من أهم المهمات فالابن حسنة من حسنات الوالد أو سيئة من سيئاته..
ولو تأملنا في واقعنا المعاصر فسنجد أن الاهتمام بالبناء التربوي للأبناء لم يعد مجرد هاجس لدى أولياء الأمور المهتمين بالتديُّن فحسب، بل صار الأمر محل اهتمام بالغٍ لدى عامة الناس وخاصتهم.
فقد كان الاهتمام بالبناء التربوي للأبناء خاصة لدى ما يمكن أن نسميهم بالمحافظين أو الأكثر التزاما في مجتمعاتنا، ولأن الفارق- قليلا- بين من حصل على الاهتمام بالجانب التربوي وبين من لم يجد ليس كثيرا، كان الآباء غير الملتزمين لا يأبهون باحتضان أبنائهم والتركيز على بناء أخلاقهم وسلامة أفكارهم واستقامة سلوكياتهم؛ ذلك لما لا يرون من الفارق بين المحافظين من أبناء الآخرين وأبناءهم.
وفي الماضي كنت تجد الشاب الذي ربما كان ُيعَد حينها منحرفا او أنه غير محافظ، تجده يصلي الجمعة وبعض الجماعات ويحافظ على الكثير من الشعائر على الأقل الجماعية العامة، ومحافظا على مظهره ولديه حدود في انحرافه قد لا يتجاوزها بل لديه ثوابت يتمسك بها كغيره ممن وجدوا احتضانا تربويا. وذلك بسبب سلامة المجتمع من الاختراق الثقافي وصلابته وثباته على كثير من المسلَّمات التي تعدها البيئة ثوابت حينها فيحافظ عليها المتدين وغير المتدين.
ومع استمرار الهجوم الكاسح على ثقافتنا الاجتماعية والدينية وانطلاق المنابر الإعلامية المختلفة التي تدعو إلى السفور والاختلاط غير المنظم ونزع الحشمة والتشجيع على خدش الحياء وزعزعت الكيان الأسري وإذابت تلك الحواجز التي كانت في تعداد الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها ؛ فاقتحمت السياج الاجتماعي وهيَّجت عواطف الفتيات والفتية وادخلت ثقافات غريبة وعادات مستوردة إلى بيوتنا فانقلب من خلالها سلوك المجتمع رأسا على عقب واقتربت من الأفراد ومدَّتهم بوسائل وطرائق عبر الحوار والإقناع تارة والإغراء والإغواء تارة أخرى.
كل ذلك أبرز المسافة الشاسعة بين من رضع التربية من والديه المحافظين وتم احتواؤه تربويا وغُذِّيت احتياجاته التربوية وحُفِظت أخلاقه من قِبل البيئة المحافظة ومن مؤسسات المجتمع الدينية كالمسجد ونحوه؛ وبين من لم يكن له حظ من ذلك نظراً لتوجهات والديه أو لبساطتهما وقلة حرصهما على تفوقه السلوكي والتربوي.
فصار الأب ينظر إلى ابنه كأنه منسلخ الهوية فلا مظهر يحفظ عاداته وقيمه الدينية ولا سلوك منضبط يؤمن الأب من أن ابنه لن يكون عرضة للأهواء فأصبح الآباء في حيرة من أمرهم.
هذه الحيرة دفعت الآباء في الآونة الأخيرة إلى الحرص على أبنائهم والحفاظ على ما تبقى من أخلاقهم وبدأت صحوتهم تعيد الحسابات لديهم واقتنعوا بضرورة أن يكون أبناؤهم في مؤسسات المجتمع الدينية ليجدوا مالم يجده الآباء من التأهيل الثقافي والرعاية الدينية وفي جميع المراحل العمرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كانت المؤسسات الدينية على قدر المسئولية تجاه ذلك؟ أم أن هناك فراغات واضحة في البناء التربوي؟!
في فلسفة البناء التربوي
لا يختلف اثنان في أن تربية الأولاد في واقعنا المعاصر من أوجب الواجبات وأنه تشكل درعا واقيا للحفاظ عليهم وتنمية الإيجابية فيهم إيجابية السلوك وإيجابية التفكير والهدف. وقد أمر الله عز وجل بها في عموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6].
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: أي: يا أيها الذين صدقوا الله سبحانه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله واعملوا بطاعة الله تعالى، وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله تعالى ما يقون به أنفسهم من النار" (تفسير الطبري:28 / 165).
وقد زخرت السنة النبوية بالتأكيد على مسئولية الرعاية الأبوية؛ فتربية الأبناء من أهم المسئوليات الدينية الاجتماعية، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته- قال وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته ». رواه البخاري (853) ومسلم (1829).فالمسئولية التربوية للآباء حيال أبنائهم من أهم المهمات فالابن حسنة من حسنات الوالد أو سيئة من سيئاته..
ولو تأملنا في واقعنا المعاصر فسنجد أن الاهتمام بالبناء التربوي للأبناء لم يعد مجرد هاجس لدى أولياء الأمور المهتمين بالتديُّن فحسب، بل صار الأمر محل اهتمام بالغٍ لدى عامة الناس وخاصتهم.
فقد كان الاهتمام بالبناء التربوي للأبناء خاصة لدى ما يمكن أن نسميهم بالمحافظين أو الأكثر التزاما في مجتمعاتنا، ولأن الفارق- قليلا- بين من حصل على الاهتمام بالجانب التربوي وبين من لم يجد ليس كثيرا، كان الآباء غير الملتزمين لا يأبهون باحتضان أبنائهم والتركيز على بناء أخلاقهم وسلامة أفكارهم واستقامة سلوكياتهم؛ ذلك لما لا يرون من الفارق بين المحافظين من أبناء الآخرين وأبناءهم.
وفي الماضي كنت تجد الشاب الذي ربما كان ُيعَد حينها منحرفا او أنه غير محافظ، تجده يصلي الجمعة وبعض الجماعات ويحافظ على الكثير من الشعائر على الأقل الجماعية العامة، ومحافظا على مظهره ولديه حدود في انحرافه قد لا يتجاوزها بل لديه ثوابت يتمسك بها كغيره ممن وجدوا احتضانا تربويا. وذلك بسبب سلامة المجتمع من الاختراق الثقافي وصلابته وثباته على كثير من المسلَّمات التي تعدها البيئة ثوابت حينها فيحافظ عليها المتدين وغير المتدين.
ومع استمرار الهجوم الكاسح على ثقافتنا الاجتماعية والدينية وانطلاق المنابر الإعلامية المختلفة التي تدعو إلى السفور والاختلاط غير المنظم ونزع الحشمة والتشجيع على خدش الحياء وزعزعت الكيان الأسري وإذابت تلك الحواجز التي كانت في تعداد الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها ؛ فاقتحمت السياج الاجتماعي وهيَّجت عواطف الفتيات والفتية وادخلت ثقافات غريبة وعادات مستوردة إلى بيوتنا فانقلب من خلالها سلوك المجتمع رأسا على عقب واقتربت من الأفراد ومدَّتهم بوسائل وطرائق عبر الحوار والإقناع تارة والإغراء والإغواء تارة أخرى.
كل ذلك أبرز المسافة الشاسعة بين من رضع التربية من والديه المحافظين وتم احتواؤه تربويا وغُذِّيت احتياجاته التربوية وحُفِظت أخلاقه من قِبل البيئة المحافظة ومن مؤسسات المجتمع الدينية كالمسجد ونحوه؛ وبين من لم يكن له حظ من ذلك نظراً لتوجهات والديه أو لبساطتهما وقلة حرصهما على تفوقه السلوكي والتربوي.
فصار الأب ينظر إلى ابنه كأنه منسلخ الهوية فلا مظهر يحفظ عاداته وقيمه الدينية ولا سلوك منضبط يؤمن الأب من أن ابنه لن يكون عرضة للأهواء فأصبح الآباء في حيرة من أمرهم.
هذه الحيرة دفعت الآباء في الآونة الأخيرة إلى الحرص على أبنائهم والحفاظ على ما تبقى من أخلاقهم وبدأت صحوتهم تعيد الحسابات لديهم واقتنعوا بضرورة أن يكون أبناؤهم في مؤسسات المجتمع الدينية ليجدوا مالم يجده الآباء من التأهيل الثقافي والرعاية الدينية وفي جميع المراحل العمرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كانت المؤسسات الدينية على قدر المسئولية تجاه ذلك؟ أم أن هناك فراغات واضحة في البناء التربوي؟!