مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/11/27 13:52
“الوصفة السحرية” التي لا تناسبنا: “أفضل الممارسات”… ولكن لأي مجتمع؟
كم مرة كنت في اجتماع، وقدم لك أحدهم “الوصفة السحرية” للنجاح؟

تأتي هذه الوصفة عادةً بغلاف لامع، ويطلقون عليها اسم: “أفضل الممارسات” (Best Practices). تُقدَّم لنا وكأنها آخر ما توصلت إليه البشرية، الحل النهائي الذي لا يأتيه الباطل، وعلينا فقط أن نطبقها “نسخ لصق” لتزدهر أعمالنا وتتطور مجتمعاتنا.

نشعر جميعنا بهذا. نرى أنظمتنا تُبنى على هذه القوالب المستوردة، سواء في الإدارة، أو التعليم، أو حتى في تخطيط مدننا. تُكتب اللوائح، وتُعلق على الحائط، وتبدو مثالية على الورق. لكن في العمق، نشعر بأن شيئًا ما خطأ. نشعر بأن هذه “الوصفة” لا “نكهة” لها، أو الأسوأ، أن “طعمها” غريب لا يشبهنا.

السؤال الذي نخاف أن نسأله
المشكلة في هذه “الوصفة” ليست أنها سيئة، بل في أننا لم نجرؤ على طرح السؤال الأهم والأبسط: “أفضل الممارسات… ولكن لأي مجتمع؟“

إن إطلاق هذا المفهوم وكأنه حقيقة كونية صالحة لكل مكان وزمان، فيه “تبسيط“ شديد لتعقيدات الإنسان، و”غموض”  متعمد يخفي خلفه حقيقة جوهرية: ما هو “أفضل” لمجتمع ما، قد يكون “مدمراً” لروح مجتمع آخر.

لماذا؟ لأن هذه الممارسات لم تنشأ في فراغ. لقد نبتت من تربة ثقافة معينة، وتشربت قيم ومعاني تلك الثقافة. وحين نأخذها نحن، ونزرعها في تربتنا المختلفة، نصاب بالصدمة حين لا تثمر.

حين يصطدم “الأفضل” بـ “الأجدر”
في سياقنا الخليجي، نحن لا نُدار فقط باللوائح. نحن نُدار بشبكة دافئة من “المعاني” غير المكتوبة: “الاحترام”، “حفظ ماء الوجه”، وقوة “العلاقات الشخصية”.

قد تأتي “أفضل الممارسات” بنظام تقييم صارم يفترض “سوء النية” في الموظف مسبقًا. هذا النظام يصطدم مباشرة بقيم “الأمانة” و”الثقة” التي هي أساس العمل عندنا.
قد تفرض “أفضل الممارسات” نظامًا “شفافًا” ينشر كل شيء علنًا، فيصطدم بقيمتنا العميقة في “حفظ ماء الوجوه” وعدم التشهير.
عندما يحدث هذا التصادم، لا يفشل الناس في تطبيق النظام، بل يفشل النظام في فهم الناس. والنتيجة؟ تتحول هذه الأنظمة اللامعة إلى مجرد “أوراق حبيسة الأدراج”، ويبدأ الناس في التحايل عليها، ليس لرفضهم التطوير، بل دفاعًا عن “المعنى” و”الروح” التي يعرفونها.

من “أفضل الممارسات” إلى “أفضل ما يناسبنا”
التنمية ليست استنساخًا. الفوضى ليست خيارًا، ولكن “النسخ الأعمى” هو انتحار ثقافي.

نحن لا نحتاج إلى التخلص من الحداثة، بل نحتاج إلى “نموذج ثالث” ؛ نموذج يمتلك الشجاعة ليسأل: “ما الذي يناسبنا؟”.

الحل هو الانتقال من “حوكمة الإجراءات” الباردة إلى “حوكمة المعنى” التي تشبهنا. أن ندرس تجارب العالم، لا لننسخها، بل لنفهم “الحكمة” من ورائها، ثم نعود إلى قيمنا ونصمم أنظمتنا الخاصة التي تحمل روحنا.

نريد أنظمة تستلهم “الثقة” من مجالسنا، و”الأمانة” من قيمنا، و”البركة” من نوايانا. النظام الذي لا يحترم “المعنى” الذي نعيش من أجله، هو نظام سيفشل حتمًا، مهما بدا “أفضل” في عيون الآخرين.

*نقلاً عن موقع إسلام أون لاين
 
أضافة تعليق