فقيه مصرى، من مؤسسى النهضة المصرية الحديثة، ومن كبار الدعاة للتجديد والإصلاح والتنوير. اشترك فى الثوره العرابية، ويُعدّ الإمام محمد عبده واحدًا من أبرز المجددين فى الفقه الإسلامى فى العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون، كما شارك فى إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة فى العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره فى مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية. ولد محمد بن عبده بن حسن خير الله سنة 1849م فى قرية محلة نصر بمركز شبراخيت فى محافظة البحيرة درس فى طنطا إلى أن أتم الثالثة عشرة حيث التحق بالجامع الأحمدى ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقة واللغة العربية. واستمر يتردد على «الجامع الأحمدى» قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة، التى كانت تعتمد على المتون والشروح التى تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح فى العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى الشيخ الصوفى «درويش خضر»- خال أبيه- الذى كان له أكبر الأثر فى تغيير مجرى حياته. واستطاع الشيخ «درويش» أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر. وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدى، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التى يتلقاها هناك، بل لقد صار «محمد عبده» شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
فى سنة 1866م التحق بالجامع الأزهر، واستمر يدرس فى «الأزهر» اثنى عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1877م)وعُيّن مدرّسا للتاريخ فى مدرسة دار العلوم العليا، ودرّس أيضًا فى مدرسة الألسن..
تأثر الشيخ «محمد عبده» بعدد من الرجال الذين كان لهم أثر كبير فى مسيرته، فتعرّف على جمال الدين الأفغانى سنة 1871 وتتلمذ على يديه، وأصبحا صديقين.
والرجل الثانى الذى كان له أثر كبير فى توجيهه إلى العلوم العصرية، هو الشيخ «حسن الطويل» الذى كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وبدأ محمد عبده يكتب فى جريدة «الأهرام» مقالات فى الإصلاح الخلقى والاجتماعى، والدعوة إلى العلوم العصرية. وعندما تولّى الخديو توفيق العرش، تقلد «رياض باشا» رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح «الوقائع المصرية»، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم إليه «سعد زغلول»، و«إبراهيم الهلباوى»، والشيخ «محمد خليل»، وغيرهم، وأنشأ فى الوقائع قسمًا غير رسمى إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان هو محررها الأول. وظل الشيخ «محمد عبده» فى هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل «الوقائع» منبرًا للدعوة إلى الإصلاح. اشترك فى ثورة أحمد عرابى ضد الإنجليز، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم بالنفى إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغانى إلى باريس سنة 1884م، وأسس صحيفة العروة الوثقى، وفى سنة 1885م غادر باريس إلى بيروت، وفى العام ذاته أسس جمعية سرية بذات الاسم، العروة الوثقى. وفى سنة 1886م اشتغل بالتدريس فى المدرسة السلطانية وفى بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى. وفى سنة 1889م، عاد محمد عبده إلى مصر بعفو من الخديو توفيق وقد اشترط عليه اللورد كرومر البريطانى ألا يعمل بالسياسة فقبل.
*نقلاً عن صحيفة روزاليوسف*