محمد سيف عبدالله العديني
الحمد لله رب العالمين القائل {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد القائل: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج } وعلى صحابته الراشدين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين .
وبعد :لاشك أن موضوع الزواج العرفي إن كان سرياً فهو خطير ويحتاج إلى دراسة وتتبع ومعرفة أسبابه وإدراكه وما تترتب عليه من آثار وما تتعلق به أحكام شرعية وقانونية0 .
ولهذا فإنني سأتناول الموضوع على النحو التالي :
أولا : حكم الشرع في العلاقة التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي .
ثانيا : أنواع الزواج في الشريعة الإسلامية :
1ـ الزواج الصحيح .
2ـ الزواج الباطل .
3ـ الزواج الفاسد .
4ـ زواج المتعة .
5ـ زواج المسيار .
6ـ أوجه الفرق بين المتعة والمسيار .
7ـ الزواج العرفي .
8ـ وسائل علاج ظاهرة الزواج العرفي .
أولا : حكم الشرع على العلاقة التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي :
لا يمكن معرفة حكم الشرع على هذه العلاقة إلا بعد تكييف العلاقة التي تنشأ بين المرأة والرجل الأجنبي ، ووصف هذه العلاقة بالوصف الشرعي الذي يلائمها من خلال القواعد والضوابط الشرعية ومن خلال الشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية لعقد الزواج .
ونحن هنا أمام واحد من الخيارات التالية :
1ـ أما إن توصف هذه العلاقة (التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي ، بأنها علاقة زواج شرعي صحيح .
2ـ أو أنها زواج باطل .
3ـ أو أنها زواج فاسد .
4ـ أو أنها زواج متعة .
5ـ أو زواج مسيار .
6- أو زواج الأصدقاء ( فرند في الغرب ).
7ـ أو زواج عرفي .
8ـ أو زواج سري .
9ـ أو زنى ....
ولن نستطيع الجزم بأحد هذه الخيارات إلا بعد أن نعرف كل واحدة منها ، ثم نرى أيها ينطبق على موضوعنا، فيكون له حكمه .
فنقول وبالله التوفيق قبل أن نخوض في تعريفات أنواع الزواج المشار إليها إنفا نمهد لذلك بمقدمة موجزة نتكلم فيها عن الزواج وأهميته ومكانته لدى الشريعة الإسلامية .
الزواج في الشريعة الإسلامية :
الزواج في الشريعة الإسلامية يحتل مكانة عظيمة ، فالزواج يعد آية من آيات الله جل وعلا في خلقه ، ومن دلائل عظمة دينه وشرعه ، فيه تحفظ الأعراض والأنساب وبه تحصل المودة والسكينة والراحة والطمأنينة ، قال تعالىَ : {ومن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم .وعقد النكاح هو/ رباط شريف وعقد شراكة تعاونية بين أسرتين مثلتا بالرجل والمرأة شرعه الله تعالى رحمة بعبادة لبقاء النوع الإنساني ، وتنظيم الغرائز التي أودعهاالله فيه ، حفاظا على عفة الإنسان ودينه ، وأنسا لوحشته ، ووصلا لوحدته وتنظيماً لحياته قال تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
فواجب المسلمين المؤمنين وفقهم الله تعالى الاهتمام بتسهيل سبل وطرق أمر الزواج بتخفيف قيوده وتقليل نفقاته والتعاون عليه ، إقامة للسنة ودفعا للفساد والفتنة .
وقد حرم الإسلام الرهبانية ، وجعل التزوج سنة من سننه ، ودعا إلى تسهيل أمور الزواج ولم يعقدها ورغب ترغيبا شديدا في الزوج وحسن الاختيار ، وأن يكون الاختيار من المسلمات ، وجعل الأساس الأفضل والقيام المفضل هو التدين الواعي.
والإسلام يشدد على قدسية الإرتباط بين الرجل والمرأة ولذلك يشترط في هذا الإرتباط وجود عقد الزواج بشروطة الشرعية من المهر ، وبقاء المهر رمزيا ينفي صيغة شراء المرأة وبيعها والتحكم بها على أنها سلعة للبيع لأن المهر ليس الهدف منه شراء رقبة المرأة ، وإنما هو هدية تقدم لها لتعينها على تسهيل أمورها واحتياجاتها ورضى المرأة والرجل الشرط الرئيسي ، ووجود ولي الأمر حال العقد والشهود والإعلان .
أنواع الزواج :
أولاً : الزواج الصحيح .
الذي يقوم على النكاح الصحيح في الشريعة الإسلامية، هو ذلك الارتباط الذي يتم بين زوجين بعقد شرعي كامل الشروط يحل به الرجل للمرأة والمرأة للرجل شرعا ، وغايته تحصين الفروج ، وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة ، ويشترط لصحة العقد أمور تتعلق بالإيجاب والقبول والمجلس. ولا حاجة بنا إلى سردها هنا ، فما يهمنا هنا هو الغاية من الزواج (وهي إنشاء أسرة قوامها حسن العشرة) ،بينما زواج المتعة أو الزواج السري ، وزواج الصديق في الغرب (فرند) لا يحقق هذا الهدف ، وأما الشروط الشكلية المتعلقة بالتسجيل والمتولي لكناية العقد ، وهذه من الأمور التي لم تعرف عند الفقهاء من قبل ، كما أنها لم تشترط في قانون الأحوال الشخصية اليمني ، فلا فرق بحسب القانون اليمني بين العقد الذي يتولى كتابته أمين شرعي أو فقيه شرعي أو أمام مسجد أو رجل عادي ، فلا يوجد بحسب القانون اليمني ما يسمى بالزواج الرسمي ، والزواج العرفي كما في بعض البلدان العربية ، لأن التوثيق وفقا للقانون اليمني لا يعد شرطا لصحة العقد ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يشترط القانون اليمني ضرورة أن ينص في عقد الزواج على أنه عقد دائم أو غير مؤقت ، لأن مصدر القانون اليمني كما أسلفنا هو الشريعة الإسلامية والمقصود بها رأي الجمهور في المسائل الخلافية، والجمهور لا يقولون بصحة الزواج المؤقت ، المسمى بالمتعة .
وإذا ما نظرنا في الزواج الذي يقع بين الفتيات اليمنيات وبعض العرب الذين يفدون إلى بلادنا في فصل الصيف أو غيره ، فإننا سنجد أنفسنا أمام زواج من حيث الظاهر لا يختلف عما اشترطه فقهاء الإسلام في عقد الزواج الصحيح ، فالرضا من الزوجة والولي والشهود والمهر كل ذلك موجود وإنما هناك نصب وخداع من قبل طالب الزواج حيث أنه يتقدم للزواج ظاهرا بمظهر من يقصد تكوين أسرة قوامها حسن العشرة طبقا للهدف الشرعي للزواج ، ولكنه في الحقيقة يخفي أمرا آخر غير ذلك وهو قصد إشباع غريزته الجنسية فقط ، وينوي توقيت الزواج لمدة محددة يضمرها في نفسه ولا يبديها للزوجة ،وهذا يحدث عند بعض المسلمين الدارسين في الغرب يتزوجون المسيحيات أو اليهوديات ولكن لو أظهر نيته تلك لكان ذلك الزواج هو المتعة نفسها ولكان الحكم الشرعي والقضائي على تلك العلاقة بأنها علاقة محرمة شرعا ولا يعتبر زواجا خلافاً للمذهب الجعفري ، فالزوج بكتمانه لنية التوقيت قد تخلص من الحكم الشرعي والقانوني على تلك العلاقة بالبطلان والتحريم ، أما الآثار والسلبيات التي تطال الزوجة وذويها والمجتمع فإنها لا تقل خطرا عن الآثار التي تترتب على المتعة أن لم نقل أنها أكثر خطرا وضررا منها لأن الزوجة تصبح ضحية بدون سابق علم لها بما ينويه الزوج هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن هذه العلاقة المستحدثة في الغالب لا تنتهي بطلاق ولا فسخ ولا نحوه وإنما تنتهي بهروب الزوج وفراراه إلى بلده ، دون أن يتحمل شيئا من أعباء الزواج فلا نفقة ولا مهر إن كان بقي في ذمته شيء منه ولا نفقة إبن إن كان قد نتج عن تلك العلاقة مولود ، فإذا تأملنا بإمعان في هذه الآثار القاسية التي تلحق بالفتاة الضحية نجدها لا تختلف كثيرا عن الآثار التي تتركها جريمة الزنا ولكن ليس من السهل أن نسمي تلك العلاقة بالزنا ، لشبهة العقد ولأن المسألة تحتاج إلى إجتهاد من مجمعات فقهيه على مستوى اليمن أو على مستوى العالم الإسلامي بشكل عام ، فقد كثرت الأنواع المبتدعة في الزواج في كثير من البلاد العربية والإسلامية فوجد ما يمسى بالزواج السري وما يسمى بالزواج العرفي ، وفي بلادنا إن كان يحدث وخاصة بين الطلاب والطالبات أو غيرهم فهو سري وإن كان هناك اختلاف بين مفهومه بين قائل بأنه زواج مستوف لكافة شروط الزواج الصحيح بإستثناء التسجيل الرسمي ، وقائل أنه يعني تزويج المرأة نفسها بدون إذن من وليها ولا شهود ولا إعلان .
ثانياً : الزواج الباطل :
وهو الذي اختل فيه أمر أساسي ،أو فقد شرطا من شروط الانعقاد كزواج فاقد الأهلية إذا باشر العقد بنفسه وتزوج الرجل بمن هي محرمة عليه تحريما لا يشتبه الأمر فيه على الناس، وهو يعلم ذلك التحريم كالعقد على إحدى محارمه أو زوجة الغير .
حكمة : الزواج الباطل لا يترتب عليه أي أثر من آثار الزاج لأن وجوده كعدمه ، فلا يحل به الدخول ولا يجب به مهر ولا نفقه ولا طاعة، ولا يرد عليه طلاق ولا يثبت به نسب ولا عدة فيه بعد المفارقة ،ولا يثبت به توارث، ولا حرمة المصاهرة ، وإذا دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد كانت المخالطة بينهما حراما، ويجب عليهما الافتراق ، فإن لم يفترقا فرق القاضي بينهما، وعلى كل من يعلم بذلك الدخول أن يرفع الأمر إلى القاضي ،وعلى القاضي أن يفرق بينهما ، لأن هذا الدخول زنى وهو معصية كبيرة يجب رفعها ... والفقهاء لم يختلفوا في أنه زنى، ولكن اختلافهم في وجوب الحد
فذهب مالك والشافعي وابن حنبل : إلى أنه موجب لحد الزنى متى كان الفاعل عاقلا عالما بالتحريم .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يوجب الحد ، لأن صورة العقد شبهة تكفي لأن يدرأ بها الحد عنه ، ومع ذلك لم يعفه من العقوبة بل قال : إنه يعزر أشد التعزير لقبح فعله .
وإذا سقط عنه الحد وجب عليه مهر المثل بالغا ما بلغ لأن الدخول بالمرأة في الإسلام لا يخلو من حد أو مهر وهو مراد الفقهاء بقولهم الدخول لا يخلوا من عقر، ولا تجب العدة بعد التفريق ، لأنه لا عدة في الزنى حيث أنها تجب المحافظة على الأنساب من الاختلاط ولا يثبت بهذا العقد نسب يحافظ عليه .
ثالثاً : الزواج الفاسد :
وهو الذي تخلف فيه شرط من شروط الصحة بعد استيفائه لأركانه كالزواج بغير شهود عند من يشترط الشهادة والزواج المؤقت ، وزواج أخت مطلقته طلاقا بائنا في عدتها لأنه مختلف في حرمته ، كتزوجه بامرأة محرمة عليه بسبب الرضاع وهو لا يعلم بحرمتها بناء على إخبار الناس بإنه لا يوجد بينهما صلة محرمة ثم ظهر بعد الدخول أنها محرمة عليه .
حكمة :إنه لا يحل به دخول المرأة على الرجل ولا دخول الرجل على المرأة ولا يترتب عليه في ذاته شيء من آثار الزوجية فإن حصل بعده دخول حقيقي بالمرأة كان معصية يجب رفعها بالتفريق بينهما جبرا إن لم يفترقا باختيارهما ، ويترتب على ذلك الدخول الآثار الآتية :
1ـ لا يقام على الرجل والمرأة حد الزنى بالاتفاق لوجود الشبهة الدارئة للحد عنهما .
2ـ يجب على الرجل مهر المثل بالغا ما بلغ إن لم يكن سمي للمرأة مهرا عن العقد أو بعده فإن كان سمي لها مهرا وجب عليه الأقل من المسمى ومهر المثل .
3ـ تثبت بهذا الدخول حرمة المصاهرة .
4ـ تجب به العدة على المرأة من وقت افتراقهما أو وقت تفريق القاضي ، وهذه العدة عدة طلاق تحتسب بالاقراء أو الأشهر ، إذ لم تكن حاملا حتى في حالة وفاة الرجل ، لأن عدة الوفاة المقدرة بأربعة أشهر وعشرة أيام لا تكون إلا بعد زواج صحيح ولا تجب لها نفقة في هذه العدة .
5ـ يثبت نسب الولد إن وجد محافظة عليه من الضياع إما غير ذلك ، من الأحكام فلا توارث فيه إذا مات أحدهما ولو قبل التفريق بينهما ولا تجب به على الرجل نفقة ولا سكنى ، كما لا تجب عليها الطاعة للزوج ولا يقع على المرأة .
ثالثاً : زواج المتعة :
هو الزواج المؤقت الذي يكون محددا بمدة معينة تقل أو تكثر وله شروط عند القائلين بحله مذكورة في كتبهم ويأخذ به المذهب الجعفري من الشيعة وأما مذاهب السنة فقد أجمع الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية وكذا الزيدية والظاهرية على تحريم نكاح المتعة ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الجعفرية كما سبق .
رابعاً :زواج المسيار :
وينتشر زواج المسيار في الخليج ، وسببه وجود العوانس الأغنياء والموظفات ، فمن تحصين أنفسهن يقبلنزواج المسيار حيث يتنازلن عن حقهن في النفقة والعدل في السكن ،
إذاً فهوا الزواج من رجل بامرأة ويشترط عليها البقاء في بيت أهلها ويأت إليها متى شاء .
أوجه الفرق والوفاق بين زواج المسيار وزاج المتعة :
1ـ نكاح المتعة نكاح باطل عند مذاهب السنة ولا يمت بصلة للزواج الشرعي ، وعلى هذا فإن نكاح المتعة يختلف تماما عن زواج المسيار إلا في نقطة واحدة وهي عدم وجوب النفقة والسكنى على الرجل .
2ـ المتعة مؤقتة بزمن بخلاف المسيار فهو غير مؤقت ولا تنفك عقدته إلا بالطلاق .
3ـ لا يترتب على المتعة أي أثر من آثار الزواج الشرعي ، من وجوب نفقة وسكنى وطلاق وعدة وتوارث ، اللهم إلا إثبات النسب ، بخلاف المسيار الذي يترتب عليه كل الآثار السابقة اللهم إلا عدم وجوب النفق والسكنى والمبيت .
4ـ لاطلاق يلحق بالمرأة المتمتع بها ، بل تقع الفرقة مباشرة بانقضاء المدة المتفق عليها بخلاف المسيار .
5ـ إن الولي والشهود ليسوا شروطا في زواج المتعة بخلاف المسيار فإن شرط في صحته وكذا الولي عند الجمهور .
6ـ إن للمتمتع في نكاح المتعة التمتع بأي عدد من النساء شاء ، بخلاف المسيار فليس للرجل إلا التعدد المشروع وهو أربع نساء حتى ولو تزوجهن كلهن عن طريق المسيار .
خامساً :الزواج العرفي :
هو الزواج الذي يتم بين شاب وفتاة كأن يقول لها زوجيني نفسك فتقول له زوجتك نفسي ثم يكتبان ورقة بينهما أو عند محام وهذا النوع أصبح منتشرا في بلاد كثيرة ولاشك في بطلان هذا النوع ولا يعتبر هذا زواجا في الشرع بل هو زنا والعياذ بالله تعالى ، وقد يطلق الزواج العرفي على عقد استوفى شروط صحته (ولو على بعض المذاهب) إلا أنه لم يوثق في الجهة المختصة فيظل يسمى عقدا عرفيا قانونا لا شرعا كما هو الحال في بعض البلدان العربية وغيرها.
وعندي إن كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعا وهي مظهر من مظاهر الوعي الشرعي والقانوني وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقل دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم ، وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضمونا لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيره ، وقد أمر الله جل جلاله بتوثيق الدين حيث يقول سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (282) سورة البقرة .
فهذا الأمر الرباني في كتابة الدنانير والدراهم لما في الكتابة من حفظ الحقوق والعجيب أن حقوق الأعراض أهم بكثير، فمن باب أولى كتابة ما يتعلق بالعرض والنسب ، ويضاف إلى ما سبق أنه يجب على الناس الإلتزام بما نص عليه قانون الأحوال الشخصية، الذي رتب هذا الأمر أخيراً، فطاعة هذا القانون من باب الطاعة في المعروف وخاصة أنه يحقق مصالح الناس ويحفظ حقوقهم وبالذات حقوق المرأة والأطفال .
إننا بلد مسلم ، ومرجعيتنا الكتاب والسنة والدستور يقول ( الشريعة الإسلامية مصدر كل القوانين ) ولله الحمد ، ونحن نرجع إلى القضاء الشرعي في قضايانا المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وغيرها ، ونتحاكم إلى قانون الأحوال الشخصية اليمني وهو مستمد من الشريعة الإسلامية ، فيجب الالتزام به شرعا وقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم : [إنما الطاعة في المعروف] رواه البخاري ومسلم ، وعن إبن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة] رواه البخاري ومسلم .
وهنا أقول نفترض أنه تم الزواج السري وعاشرة المرأة الرجل وحملت وتطلب ذلك نفقه وتحمل مسؤولية وادعت المرأة أن فلانا زوجها ، وتطالبه بالنفقة وتحمل المسؤولية فأنكر عليها ، وقال لا أعرفها أبداً !!! واليوم تغيرت الأحوال وأصبح الناس يعيشون في مدن كبيرة ، فلا بد من التوثيق .
بل حتى الزواج العرفي الذي يتعامل به اليمنيون المتعارف عليه إن لم يوثق اليوم ، فقد ينكر الزوج أنه تزوج في الزواج غير المسجل فماذا يحدث للزوجة والأولاد ، ومن المعلوم إن بعض قوانين الأحوال الشخصية قد ألزمت المحاكم القضائية بعد سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا عند تقديم وثيقة رسمية وهذا ما استقر عليه القضاء المصري منذ عام 1931م ، ونصت عليه المادة (99) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمعدلة بالقانون رقم (78) لعام 1951م ، وقد أفتى دار الإفتاء المصري بتاريخ 1/2/1957م إن الفقرة الناصة على عدم سماع الدعوى عند إنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إذا كانت بوثيقة رسمية فإن هذه الفقرة لا تشترط الوثيقة الرسمية لصحة عقد الزواج وإنما هي شرط لسماع الدعوى ومن هذه القوانين قانون الأحوال الشخصية الكويتي فقد جاء في المادة (92) منه الفقرة (أ) لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية ، إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية أو سبق الإنكار أو القرار بالزوجية في أوراق رسمية .
وسائل علاج الظاهرة إن وجدت :
1ـ التوعية الكاملة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأحكام الزواج الشرعي من خلال الأحوال الشخصية اليمني، والتوعية بخطورة الزواج العرفي السري وحكمه الشرعي ومخالفته للشرع وخطر النتائج المترتبة على ذلك الزواج .
2ـ تكثيف التوعية الاجتماعية بواسطة المرشدين وخطباء المساجد بتحذير الناس وتعريفهم بأحكام الزواج الشرعي وخطر الزواج السري بين الشباب والشابات .
3ـ تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها وعمل الندوات لها في المدارس الثانوية والجامعة وإلزام طلاب الجامعات بعمل بحوث خاصة لتلك الظاهرة لنشر الوعي بين الشباب والشابات .
4ـ تكثيف التعميمات إلى الأمناء ومشايخ القبائل وخطباء المساجد وتوزيع قانون الأحوال الشخصية اليمني عليهم ، وإفراد العقوبات بملزمة ليعرف الجميع جرم ما يقومون به وعقوبته .
الحمد لله رب العالمين القائل {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد القائل: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج } وعلى صحابته الراشدين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين .
وبعد :لاشك أن موضوع الزواج العرفي إن كان سرياً فهو خطير ويحتاج إلى دراسة وتتبع ومعرفة أسبابه وإدراكه وما تترتب عليه من آثار وما تتعلق به أحكام شرعية وقانونية0 .
ولهذا فإنني سأتناول الموضوع على النحو التالي :
أولا : حكم الشرع في العلاقة التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي .
ثانيا : أنواع الزواج في الشريعة الإسلامية :
1ـ الزواج الصحيح .
2ـ الزواج الباطل .
3ـ الزواج الفاسد .
4ـ زواج المتعة .
5ـ زواج المسيار .
6ـ أوجه الفرق بين المتعة والمسيار .
7ـ الزواج العرفي .
8ـ وسائل علاج ظاهرة الزواج العرفي .
أولا : حكم الشرع على العلاقة التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي :
لا يمكن معرفة حكم الشرع على هذه العلاقة إلا بعد تكييف العلاقة التي تنشأ بين المرأة والرجل الأجنبي ، ووصف هذه العلاقة بالوصف الشرعي الذي يلائمها من خلال القواعد والضوابط الشرعية ومن خلال الشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية لعقد الزواج .
ونحن هنا أمام واحد من الخيارات التالية :
1ـ أما إن توصف هذه العلاقة (التي تتم بين المرأة والرجل الأجنبي ، بأنها علاقة زواج شرعي صحيح .
2ـ أو أنها زواج باطل .
3ـ أو أنها زواج فاسد .
4ـ أو أنها زواج متعة .
5ـ أو زواج مسيار .
6- أو زواج الأصدقاء ( فرند في الغرب ).
7ـ أو زواج عرفي .
8ـ أو زواج سري .
9ـ أو زنى ....
ولن نستطيع الجزم بأحد هذه الخيارات إلا بعد أن نعرف كل واحدة منها ، ثم نرى أيها ينطبق على موضوعنا، فيكون له حكمه .
فنقول وبالله التوفيق قبل أن نخوض في تعريفات أنواع الزواج المشار إليها إنفا نمهد لذلك بمقدمة موجزة نتكلم فيها عن الزواج وأهميته ومكانته لدى الشريعة الإسلامية .
الزواج في الشريعة الإسلامية :
الزواج في الشريعة الإسلامية يحتل مكانة عظيمة ، فالزواج يعد آية من آيات الله جل وعلا في خلقه ، ومن دلائل عظمة دينه وشرعه ، فيه تحفظ الأعراض والأنساب وبه تحصل المودة والسكينة والراحة والطمأنينة ، قال تعالىَ : {ومن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم .وعقد النكاح هو/ رباط شريف وعقد شراكة تعاونية بين أسرتين مثلتا بالرجل والمرأة شرعه الله تعالى رحمة بعبادة لبقاء النوع الإنساني ، وتنظيم الغرائز التي أودعهاالله فيه ، حفاظا على عفة الإنسان ودينه ، وأنسا لوحشته ، ووصلا لوحدته وتنظيماً لحياته قال تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
فواجب المسلمين المؤمنين وفقهم الله تعالى الاهتمام بتسهيل سبل وطرق أمر الزواج بتخفيف قيوده وتقليل نفقاته والتعاون عليه ، إقامة للسنة ودفعا للفساد والفتنة .
وقد حرم الإسلام الرهبانية ، وجعل التزوج سنة من سننه ، ودعا إلى تسهيل أمور الزواج ولم يعقدها ورغب ترغيبا شديدا في الزوج وحسن الاختيار ، وأن يكون الاختيار من المسلمات ، وجعل الأساس الأفضل والقيام المفضل هو التدين الواعي.
والإسلام يشدد على قدسية الإرتباط بين الرجل والمرأة ولذلك يشترط في هذا الإرتباط وجود عقد الزواج بشروطة الشرعية من المهر ، وبقاء المهر رمزيا ينفي صيغة شراء المرأة وبيعها والتحكم بها على أنها سلعة للبيع لأن المهر ليس الهدف منه شراء رقبة المرأة ، وإنما هو هدية تقدم لها لتعينها على تسهيل أمورها واحتياجاتها ورضى المرأة والرجل الشرط الرئيسي ، ووجود ولي الأمر حال العقد والشهود والإعلان .
أنواع الزواج :
أولاً : الزواج الصحيح .
الذي يقوم على النكاح الصحيح في الشريعة الإسلامية، هو ذلك الارتباط الذي يتم بين زوجين بعقد شرعي كامل الشروط يحل به الرجل للمرأة والمرأة للرجل شرعا ، وغايته تحصين الفروج ، وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة ، ويشترط لصحة العقد أمور تتعلق بالإيجاب والقبول والمجلس. ولا حاجة بنا إلى سردها هنا ، فما يهمنا هنا هو الغاية من الزواج (وهي إنشاء أسرة قوامها حسن العشرة) ،بينما زواج المتعة أو الزواج السري ، وزواج الصديق في الغرب (فرند) لا يحقق هذا الهدف ، وأما الشروط الشكلية المتعلقة بالتسجيل والمتولي لكناية العقد ، وهذه من الأمور التي لم تعرف عند الفقهاء من قبل ، كما أنها لم تشترط في قانون الأحوال الشخصية اليمني ، فلا فرق بحسب القانون اليمني بين العقد الذي يتولى كتابته أمين شرعي أو فقيه شرعي أو أمام مسجد أو رجل عادي ، فلا يوجد بحسب القانون اليمني ما يسمى بالزواج الرسمي ، والزواج العرفي كما في بعض البلدان العربية ، لأن التوثيق وفقا للقانون اليمني لا يعد شرطا لصحة العقد ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يشترط القانون اليمني ضرورة أن ينص في عقد الزواج على أنه عقد دائم أو غير مؤقت ، لأن مصدر القانون اليمني كما أسلفنا هو الشريعة الإسلامية والمقصود بها رأي الجمهور في المسائل الخلافية، والجمهور لا يقولون بصحة الزواج المؤقت ، المسمى بالمتعة .
وإذا ما نظرنا في الزواج الذي يقع بين الفتيات اليمنيات وبعض العرب الذين يفدون إلى بلادنا في فصل الصيف أو غيره ، فإننا سنجد أنفسنا أمام زواج من حيث الظاهر لا يختلف عما اشترطه فقهاء الإسلام في عقد الزواج الصحيح ، فالرضا من الزوجة والولي والشهود والمهر كل ذلك موجود وإنما هناك نصب وخداع من قبل طالب الزواج حيث أنه يتقدم للزواج ظاهرا بمظهر من يقصد تكوين أسرة قوامها حسن العشرة طبقا للهدف الشرعي للزواج ، ولكنه في الحقيقة يخفي أمرا آخر غير ذلك وهو قصد إشباع غريزته الجنسية فقط ، وينوي توقيت الزواج لمدة محددة يضمرها في نفسه ولا يبديها للزوجة ،وهذا يحدث عند بعض المسلمين الدارسين في الغرب يتزوجون المسيحيات أو اليهوديات ولكن لو أظهر نيته تلك لكان ذلك الزواج هو المتعة نفسها ولكان الحكم الشرعي والقضائي على تلك العلاقة بأنها علاقة محرمة شرعا ولا يعتبر زواجا خلافاً للمذهب الجعفري ، فالزوج بكتمانه لنية التوقيت قد تخلص من الحكم الشرعي والقانوني على تلك العلاقة بالبطلان والتحريم ، أما الآثار والسلبيات التي تطال الزوجة وذويها والمجتمع فإنها لا تقل خطرا عن الآثار التي تترتب على المتعة أن لم نقل أنها أكثر خطرا وضررا منها لأن الزوجة تصبح ضحية بدون سابق علم لها بما ينويه الزوج هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن هذه العلاقة المستحدثة في الغالب لا تنتهي بطلاق ولا فسخ ولا نحوه وإنما تنتهي بهروب الزوج وفراراه إلى بلده ، دون أن يتحمل شيئا من أعباء الزواج فلا نفقة ولا مهر إن كان بقي في ذمته شيء منه ولا نفقة إبن إن كان قد نتج عن تلك العلاقة مولود ، فإذا تأملنا بإمعان في هذه الآثار القاسية التي تلحق بالفتاة الضحية نجدها لا تختلف كثيرا عن الآثار التي تتركها جريمة الزنا ولكن ليس من السهل أن نسمي تلك العلاقة بالزنا ، لشبهة العقد ولأن المسألة تحتاج إلى إجتهاد من مجمعات فقهيه على مستوى اليمن أو على مستوى العالم الإسلامي بشكل عام ، فقد كثرت الأنواع المبتدعة في الزواج في كثير من البلاد العربية والإسلامية فوجد ما يمسى بالزواج السري وما يسمى بالزواج العرفي ، وفي بلادنا إن كان يحدث وخاصة بين الطلاب والطالبات أو غيرهم فهو سري وإن كان هناك اختلاف بين مفهومه بين قائل بأنه زواج مستوف لكافة شروط الزواج الصحيح بإستثناء التسجيل الرسمي ، وقائل أنه يعني تزويج المرأة نفسها بدون إذن من وليها ولا شهود ولا إعلان .
ثانياً : الزواج الباطل :
وهو الذي اختل فيه أمر أساسي ،أو فقد شرطا من شروط الانعقاد كزواج فاقد الأهلية إذا باشر العقد بنفسه وتزوج الرجل بمن هي محرمة عليه تحريما لا يشتبه الأمر فيه على الناس، وهو يعلم ذلك التحريم كالعقد على إحدى محارمه أو زوجة الغير .
حكمة : الزواج الباطل لا يترتب عليه أي أثر من آثار الزاج لأن وجوده كعدمه ، فلا يحل به الدخول ولا يجب به مهر ولا نفقه ولا طاعة، ولا يرد عليه طلاق ولا يثبت به نسب ولا عدة فيه بعد المفارقة ،ولا يثبت به توارث، ولا حرمة المصاهرة ، وإذا دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد كانت المخالطة بينهما حراما، ويجب عليهما الافتراق ، فإن لم يفترقا فرق القاضي بينهما، وعلى كل من يعلم بذلك الدخول أن يرفع الأمر إلى القاضي ،وعلى القاضي أن يفرق بينهما ، لأن هذا الدخول زنى وهو معصية كبيرة يجب رفعها ... والفقهاء لم يختلفوا في أنه زنى، ولكن اختلافهم في وجوب الحد
فذهب مالك والشافعي وابن حنبل : إلى أنه موجب لحد الزنى متى كان الفاعل عاقلا عالما بالتحريم .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يوجب الحد ، لأن صورة العقد شبهة تكفي لأن يدرأ بها الحد عنه ، ومع ذلك لم يعفه من العقوبة بل قال : إنه يعزر أشد التعزير لقبح فعله .
وإذا سقط عنه الحد وجب عليه مهر المثل بالغا ما بلغ لأن الدخول بالمرأة في الإسلام لا يخلو من حد أو مهر وهو مراد الفقهاء بقولهم الدخول لا يخلوا من عقر، ولا تجب العدة بعد التفريق ، لأنه لا عدة في الزنى حيث أنها تجب المحافظة على الأنساب من الاختلاط ولا يثبت بهذا العقد نسب يحافظ عليه .
ثالثاً : الزواج الفاسد :
وهو الذي تخلف فيه شرط من شروط الصحة بعد استيفائه لأركانه كالزواج بغير شهود عند من يشترط الشهادة والزواج المؤقت ، وزواج أخت مطلقته طلاقا بائنا في عدتها لأنه مختلف في حرمته ، كتزوجه بامرأة محرمة عليه بسبب الرضاع وهو لا يعلم بحرمتها بناء على إخبار الناس بإنه لا يوجد بينهما صلة محرمة ثم ظهر بعد الدخول أنها محرمة عليه .
حكمة :إنه لا يحل به دخول المرأة على الرجل ولا دخول الرجل على المرأة ولا يترتب عليه في ذاته شيء من آثار الزوجية فإن حصل بعده دخول حقيقي بالمرأة كان معصية يجب رفعها بالتفريق بينهما جبرا إن لم يفترقا باختيارهما ، ويترتب على ذلك الدخول الآثار الآتية :
1ـ لا يقام على الرجل والمرأة حد الزنى بالاتفاق لوجود الشبهة الدارئة للحد عنهما .
2ـ يجب على الرجل مهر المثل بالغا ما بلغ إن لم يكن سمي للمرأة مهرا عن العقد أو بعده فإن كان سمي لها مهرا وجب عليه الأقل من المسمى ومهر المثل .
3ـ تثبت بهذا الدخول حرمة المصاهرة .
4ـ تجب به العدة على المرأة من وقت افتراقهما أو وقت تفريق القاضي ، وهذه العدة عدة طلاق تحتسب بالاقراء أو الأشهر ، إذ لم تكن حاملا حتى في حالة وفاة الرجل ، لأن عدة الوفاة المقدرة بأربعة أشهر وعشرة أيام لا تكون إلا بعد زواج صحيح ولا تجب لها نفقة في هذه العدة .
5ـ يثبت نسب الولد إن وجد محافظة عليه من الضياع إما غير ذلك ، من الأحكام فلا توارث فيه إذا مات أحدهما ولو قبل التفريق بينهما ولا تجب به على الرجل نفقة ولا سكنى ، كما لا تجب عليها الطاعة للزوج ولا يقع على المرأة .
ثالثاً : زواج المتعة :
هو الزواج المؤقت الذي يكون محددا بمدة معينة تقل أو تكثر وله شروط عند القائلين بحله مذكورة في كتبهم ويأخذ به المذهب الجعفري من الشيعة وأما مذاهب السنة فقد أجمع الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية وكذا الزيدية والظاهرية على تحريم نكاح المتعة ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الجعفرية كما سبق .
رابعاً :زواج المسيار :
وينتشر زواج المسيار في الخليج ، وسببه وجود العوانس الأغنياء والموظفات ، فمن تحصين أنفسهن يقبلنزواج المسيار حيث يتنازلن عن حقهن في النفقة والعدل في السكن ،
إذاً فهوا الزواج من رجل بامرأة ويشترط عليها البقاء في بيت أهلها ويأت إليها متى شاء .
أوجه الفرق والوفاق بين زواج المسيار وزاج المتعة :
1ـ نكاح المتعة نكاح باطل عند مذاهب السنة ولا يمت بصلة للزواج الشرعي ، وعلى هذا فإن نكاح المتعة يختلف تماما عن زواج المسيار إلا في نقطة واحدة وهي عدم وجوب النفقة والسكنى على الرجل .
2ـ المتعة مؤقتة بزمن بخلاف المسيار فهو غير مؤقت ولا تنفك عقدته إلا بالطلاق .
3ـ لا يترتب على المتعة أي أثر من آثار الزواج الشرعي ، من وجوب نفقة وسكنى وطلاق وعدة وتوارث ، اللهم إلا إثبات النسب ، بخلاف المسيار الذي يترتب عليه كل الآثار السابقة اللهم إلا عدم وجوب النفق والسكنى والمبيت .
4ـ لاطلاق يلحق بالمرأة المتمتع بها ، بل تقع الفرقة مباشرة بانقضاء المدة المتفق عليها بخلاف المسيار .
5ـ إن الولي والشهود ليسوا شروطا في زواج المتعة بخلاف المسيار فإن شرط في صحته وكذا الولي عند الجمهور .
6ـ إن للمتمتع في نكاح المتعة التمتع بأي عدد من النساء شاء ، بخلاف المسيار فليس للرجل إلا التعدد المشروع وهو أربع نساء حتى ولو تزوجهن كلهن عن طريق المسيار .
خامساً :الزواج العرفي :
هو الزواج الذي يتم بين شاب وفتاة كأن يقول لها زوجيني نفسك فتقول له زوجتك نفسي ثم يكتبان ورقة بينهما أو عند محام وهذا النوع أصبح منتشرا في بلاد كثيرة ولاشك في بطلان هذا النوع ولا يعتبر هذا زواجا في الشرع بل هو زنا والعياذ بالله تعالى ، وقد يطلق الزواج العرفي على عقد استوفى شروط صحته (ولو على بعض المذاهب) إلا أنه لم يوثق في الجهة المختصة فيظل يسمى عقدا عرفيا قانونا لا شرعا كما هو الحال في بعض البلدان العربية وغيرها.
وعندي إن كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعا وهي مظهر من مظاهر الوعي الشرعي والقانوني وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقل دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم ، وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضمونا لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيره ، وقد أمر الله جل جلاله بتوثيق الدين حيث يقول سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (282) سورة البقرة .
فهذا الأمر الرباني في كتابة الدنانير والدراهم لما في الكتابة من حفظ الحقوق والعجيب أن حقوق الأعراض أهم بكثير، فمن باب أولى كتابة ما يتعلق بالعرض والنسب ، ويضاف إلى ما سبق أنه يجب على الناس الإلتزام بما نص عليه قانون الأحوال الشخصية، الذي رتب هذا الأمر أخيراً، فطاعة هذا القانون من باب الطاعة في المعروف وخاصة أنه يحقق مصالح الناس ويحفظ حقوقهم وبالذات حقوق المرأة والأطفال .
إننا بلد مسلم ، ومرجعيتنا الكتاب والسنة والدستور يقول ( الشريعة الإسلامية مصدر كل القوانين ) ولله الحمد ، ونحن نرجع إلى القضاء الشرعي في قضايانا المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وغيرها ، ونتحاكم إلى قانون الأحوال الشخصية اليمني وهو مستمد من الشريعة الإسلامية ، فيجب الالتزام به شرعا وقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم : [إنما الطاعة في المعروف] رواه البخاري ومسلم ، وعن إبن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة] رواه البخاري ومسلم .
وهنا أقول نفترض أنه تم الزواج السري وعاشرة المرأة الرجل وحملت وتطلب ذلك نفقه وتحمل مسؤولية وادعت المرأة أن فلانا زوجها ، وتطالبه بالنفقة وتحمل المسؤولية فأنكر عليها ، وقال لا أعرفها أبداً !!! واليوم تغيرت الأحوال وأصبح الناس يعيشون في مدن كبيرة ، فلا بد من التوثيق .
بل حتى الزواج العرفي الذي يتعامل به اليمنيون المتعارف عليه إن لم يوثق اليوم ، فقد ينكر الزوج أنه تزوج في الزواج غير المسجل فماذا يحدث للزوجة والأولاد ، ومن المعلوم إن بعض قوانين الأحوال الشخصية قد ألزمت المحاكم القضائية بعد سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا عند تقديم وثيقة رسمية وهذا ما استقر عليه القضاء المصري منذ عام 1931م ، ونصت عليه المادة (99) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمعدلة بالقانون رقم (78) لعام 1951م ، وقد أفتى دار الإفتاء المصري بتاريخ 1/2/1957م إن الفقرة الناصة على عدم سماع الدعوى عند إنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إذا كانت بوثيقة رسمية فإن هذه الفقرة لا تشترط الوثيقة الرسمية لصحة عقد الزواج وإنما هي شرط لسماع الدعوى ومن هذه القوانين قانون الأحوال الشخصية الكويتي فقد جاء في المادة (92) منه الفقرة (أ) لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية ، إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية أو سبق الإنكار أو القرار بالزوجية في أوراق رسمية .
وسائل علاج الظاهرة إن وجدت :
1ـ التوعية الكاملة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأحكام الزواج الشرعي من خلال الأحوال الشخصية اليمني، والتوعية بخطورة الزواج العرفي السري وحكمه الشرعي ومخالفته للشرع وخطر النتائج المترتبة على ذلك الزواج .
2ـ تكثيف التوعية الاجتماعية بواسطة المرشدين وخطباء المساجد بتحذير الناس وتعريفهم بأحكام الزواج الشرعي وخطر الزواج السري بين الشباب والشابات .
3ـ تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها وعمل الندوات لها في المدارس الثانوية والجامعة وإلزام طلاب الجامعات بعمل بحوث خاصة لتلك الظاهرة لنشر الوعي بين الشباب والشابات .
4ـ تكثيف التعميمات إلى الأمناء ومشايخ القبائل وخطباء المساجد وتوزيع قانون الأحوال الشخصية اليمني عليهم ، وإفراد العقوبات بملزمة ليعرف الجميع جرم ما يقومون به وعقوبته .