المرأة مكانتها وحقوقها ودورها السياسي في الإسلام
-محمد سيف العديني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين ، وبعد:
لفهم وإستيعاب العنوان سوف نتناول العناوين التالية :
أولا:
عند الحديث عن حقوق الإنسان عموما والمرأة خصوصا في الإسلام لابد من الانطلاق من قواعد ومقاصد الشريعة الإسلامية وأهمها :
1ـ التفرقة بين نصوص الشريعة ما يفهم منها .
2ـ تجريد النصوص الشرعية من ثقافة المسلمين التاريخية .
3ـ الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان .
4ـ الانطلاق من معايير التفاضل في الشريعة الإسلامية .
1ـ التفرقة بين نصوص الشريعة وما يفهم منه .
لابد أن نفرق بين النصوص الشرعية كوحي سماوي ممثلة بنصوص القرآن ، أو النصوص الموحى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كوحي بالمعنى لقوله تعالى ، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ،{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إنا علينا جمعه وقرءانه*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
فالشريعة هي خطاب الله للمكلفين ،لا يحدها زمان ولا مكان ولا إنسان ،وأما ما يفهم من هذه النصوص فيسمى فقه إسلامي ، أو فكر إسلامي ،أو تصور إسلامي ،أو تراث إسلامي، أو مذاهب إسلامية ، وما يفهم من النصوص الشرعية يتغير بحسب ظروف الزمان والمكان والأحوال ، وما يفهم من نصوص الشريعة قابل للصواب والخطأ والتغيير والتبديل ، وغالبا ما تختلط بالثقافة المجتمعية بصوابها وخطئها ، وهذا ما يحدث عند الحديث عن المرأة يحشد المؤلف أو المتكلم كماٌ هائلا من الأحاديث ويستمد منها الفهم والتصور ، وقد يكون خاطئا ولا يستخدم الضوابط العلمية لفهم الحديث ومنع هذا الاختلاط . وهذه الضوابط هي :
1 0 فهم الحديث في ضوء القرآن.
2 0 جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد.
3 0 فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها .
4 0 التميز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت في الحديث .
5 0التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث .
6 0 والتفرقة بين الغيب والشهادة .
7 0 والتأكد من مدلولات الحديث(1).
وأعمال هذه الضوابط ستمنع استخدام الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ، وستمنع وجود فهم خاطئ عن المرأة يتصادم مع مقاصد الشريعة الإسلامية ، وستساعد على فهم التفرقة بين الشريعة كنصوص وبين اجتهاد علماء وفقهاء المسلمين من هذه النصوص وستبين بأن النص الذي يمثل الشريعة هو النص الذي تتوفر فيه شروط النص الشرعي وهي :
1-أن يكون النص قطعي الثبوت وذلك من خلال تواتر النص، والقرآن الكريم كله قطعي الثبوت.
2-أن يكون النص قطعي الدلالة وذلك بوضوح المقصد بشكل لا لبس فيه ولا احتمال لفهم آخر، وهذا متوفر في النص القرآني والنبوي.
3-أن يكون النص من القرآن الكريم أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المجمع على صحته وإن يفهم بالضوابط التي ذكرت، وهذا هو النص الذي هو محل تسليم ومحل استمرار بالديمومية ، وأما ما سوى النص كوحي فلا قداسة له ولا تعظيم ولا تسليم ويحق نقده وتعديله بحسب المستجدات والظروف والأحوال، وكذلك لابد أن نستصحب العلم بأنه لا مشرع ابتداءً إلا الله عز وجل ،والرسول صلى الله عليه وسلم شارح ومبين ومفصل أو مشرع بالتبعية بأمر الله سبحانه ، وأن التشريع الدائم للناس لا يكون إلا من عند الله ، فالحرام ما حرمه الله ، والحلال ما أحله الله ، والواجب ما أوجبه الله في رسالته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عدى ذلك من اجتهادات فإنما هي مؤقتة اقتضتها ظروف الزمان والمكان والأحوال ، وهي اجتهادات وفهوم استنبطت من شرع الله وهي محل أخذ ورد وتعديل وإلغاء وبحسب المستجدات ، وأما شرع الله فهو الحاكم والمرجع لكل الاجتهادات ، وهذا ما يساعد على تطور حركة الإصلاح والتجديد والإحياء عند المسلمين.
2ـ تجريد النصوص الشرعية من ثقافة وتاريخ المسلمين:
[ عند الحديث عن الرجال والنساء ، يتم إساءة فهم النصوص الشرعية بما يوحي بنقصان أهلية المرأة ]
غالبا عند الحديث عن لقاء الرجال والنساء تحضر أحاديث الفتنة المتنوعة ونُنسَى ضوابط العلاقة الإجتماعية والتربوية الشرعية التي تضبط اللقاء بين الرجال والنساء ، وكذلك يتم إساءة فهم نصوص شرعية صحيحة عند بعض المتكلمين والفقهاء والشراح، وتتحول هذه الإساءة إلى ممارسة سلوكية عملية يبرمج بها العقل الباطن، وبزيادة ضغط العادات والتقاليد تتعزز الإساءة حتى تصل إلى حقوق النساء ، وخاصة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي ويحدث تهميش لدورهن .
والدارس لوضع واقع المرأة سيجد بأن هناك تناسب طردي بين الفهم الصحيح لنصوص الشرع من قبل الرجال والنساء وتمتع المرأة والرجل بحقوقهم ، وكلما كان الجهل حاضر كان الانتهاك لحقوق الضعفاء من الرجال والنساء ، والنساء أكثر.
وللعلم فإن إساءة فهم النصوص الشرعية لم يكن خاصا بالنساء وإنما تعداه إلى التأثير على حقوق الأمة الاجتماعية والسياسية ، وذلك بسبب هيمنة الاستبداد الاجتماعي والسياسي ، ولقد فسرت النصوص الشرعية التي تتحدث عن علاقة الأمة بحكامها تفسيرا طبقيا استبداديا مثل نصوص البيعة والسمع والطاعة والفتن وعززوها بنصوص مثبطة كنصوص المهدي المنتظر، واشتراط الساعة بهدف ترسيخ عقيدة الجبرية ، وكل هذا خدمة لتوجه المستبدين من الحكام مما أوحى بأن الإسلام دين يشجع على الاستبداد وإذلال الأمة بواسطة حكامها ، الحكم ستبد بالأمة والرجل ستبد بالمرأة...
والدارس لوضع الأمة المسلمة سيجد بأن هناك تناسب طردي بين الفهم والوعي الصحيح للنصوص الشرعية والقيام بالواجبات والمطالبة بالحقوق من قبل الأمة ، وهذا ينسحب على وضع المرأة المسلمة
3ـ الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان:
[ عند الحديث عن المرأة لابد من الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان]
هنالك اصول تساعد على الفهم السليم لمكانة المرأة ومن لم يأخذ بها يسئ فهم النصوص وأهمها:
الأصل الأول :
إن الإنسان في نصوص الشرع مكرم على سائر المخلوقات ..، وله الحرية في اختيار مصيره الأخروي ، وله الحرية في حياته الدنيوية والقائمة على ركنين قيامة بالواجبات ومطالبته بالحقوق، والإسلام يحرص على الحفاظ على حريات كل الناس ، وإلا لا قيمة لمسؤولية الإنسان عن أعماله ، ولا قيمة للشرائع السماوية أو الشرائع البشرية ، ولا قيمة لحساب الإنسان في الآخرة إذا لم يتمتع بالحرية فلا مسؤولية بدون حرية ولا حرية بدون مسؤولية .
الأصل الثاني :
إن المفاضلة بين الناس في النصوص الشرعية لم تقم على اللون والسلالة أو الذكورة والأنوثة أو الجهة الجغرافية أو الطائفة ،فالشعوب والألوان والجهة ، إنما هدفها التعارف ..{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات ، والذكورة والأنوثة بخصائصها واحتياج كل منهما للآخر هدفها التكامل لتحقيق الاستخلاف والعبودية لله سبحانه وتعالى ، والمرأة لم تختار نفسها لتكون امرأة أو تختار لونها ونوع أسرتها ، والرجل لم يختار نفسه ليكون رجلا أو يختار لونه ونوع أسرته وإنما التفاضل يكون بالأعمال المكتسبة إراديا ، فالتفاضل والتكريم عند الله للناس قائم على مدى قرب وبعد الإنسان من ربه سبحانه لقوله تعالى : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (56) سورة المدثر ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ*وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، والتفاضل في الحياة الدنيا بين الناس الراشدين العقلاء قائم على مدى تمتع الانتساب بالعطاء من خلال معارفه المكتسبة ، ومهاراته المكتسبة ، وكفاءته المكتسبة ، وقدراته المكتسبة ، سواء في الأعمال الاجتماعية أو الإدارية أو السياسية .
الأصل الثالث:
[الأخذ بالمعايير الشرعية التي تمنع وجود مفاهيم خاطئة]
هناك معايير شرعية تهدف إلى منع إساءة فهم النصوص الشرعية أو إظهار تناقضها مع بعضها أو إظهار تصادمها مع مصلحة الناس ، لأن الشريعة جاءت لمصلحة الإنسان فهي إما جلب مصالح أو درء مفاسد .
ونذكر من هذه المعايير أهمها :
1 0 جمع كل النصوص القرآنية للموضوع المراد فهمة ، ونجعلها مرجعا حاكما على نصوص السنة بنصوص القرآن .
2 0 جمع كل نصوص السنة الصحيحة في الموضوع المراد فهمة مع التأكد من صحة النص وربطها بنصوص القرآن .
3 0 الرجوع إلى سنة رسول الله العملية والتقريرية فيما يخص الموضوع المراد فهمة وخاصة فيما يخص النساء ، لأن المسلمين بعد القرون المفضلة عادوا إلى عادات وتقاليد الجاهلية فيمها يخص المرأة ودورها وعلاقتها .
4 0 عند الاستدلال وإصدار الأحكام أو استخراج فقه للناس لابد من الأخذ باعتبار الخصائص العامة للإسلام وهي : الربانية ، والإنسانية ، والشمولية ، والوسطية ،والاعتدال ، والواقعية ، والثبات والمرونة.
وكذلك الأخذ بالاعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية ،وشروط مسؤولية الإنسان وإدراك خصائص النفس الإنسانية وإدراك ظروف الواقع ومتطلبات المستقبل .
الأصل الرابع :
[استصحاب معاير الشريعة في التفاضل بين الناس يجنب إساءة فهم النصوص الشرعية ]
عند قراءة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يصف بها السناء ويوجه الرجال إلى الرفق والاحترام والتقدير لهن ، ومراعاة شعورهن وأحاسيسهن وطبيعتهن ، ثم يوجه بتحريم استخدام العنف ضدهن ، ويأمر بتكريمهن والصبر عليهن ، سواء كن في مقام البنت أو الأم أو الأخت أو الجدة أو العمة ، ولقد أطلق على النساء القريبات [الرحم] الذي يعبر عن الرحمة والتراحم والمودة والتلطف مثل أقواله صلى الله عليه وسلم : (رفقا بالقوارير) ، ، (خيركم خيركم لأهله) ، (لا يكرم المرأة إلا كريم ولا يهنها إلا لئيم) .
وهناك أحاديث كثيرة قالها رسول الله من باب الإخبار والرفق والتعجب، وبعض الفقهاء والمتحدثين يخلطون بين أهلية المرأة التي نصت عليها نصوص الشريعة الإسلامية وبين النصوص الخاصة بالآداب والأخلاق التربوية العامة والخاصة التي حث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على مراعاة نفسية المرأة وخصائصها ، وحث على احترامها وتقديرها ، ويخلطون بين أداء الواجبات المقررة شرعا وبين الالتزام بالآداب ، وذلك للقيام بالواجبات ، وهذا الخلط أدى إلى وجود تصور أن المرأة ناقصة القدرات العقلية ، وهذا ساعد على إضعاف دور المرأة في القيام بالواجبات الشرعية ، ودورها في الشأن العام ، سواء الواجبات الاجتماعية ،والواجبات الدعوية ، والواجبات التربوية ، والواجبات السياسية ، والواجبات الجهادية المختلفة وحتى نتخلص من هذا الخلط لابد أن نستصحب وأن نعتقد بأن الشريعة الإسلامية أكدت على وحدة النوع الإنساني وتساوي شقيه الذكور والإناث في القيمة الإنسانية، وفي مصدر الخلقة وأصل التكوين ، يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء( 1 ) . ويقول تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًاَ} (72) سورة النحل (2) فالخطاب للذكر والأنثى ، فالرجل ومن نفس نوعه ،وقد أنشأهما من مصدر واحد وعبر نظام وطريقة واحدة يقول تعالى :{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى*أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} (36ـ39) سورة القيامة(3).
وبين الله بأن هدف الجميع تحقيق العبودية لله سبحانه : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات (4) وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( إنما النساء شقائق الرجال ) (5)، وهنا نفهم بأن الذكورة والأنوثة لا تكون ميزة للتفوق .
4ـ الانطلاق من معايير التفاضل في الشريعة الإسلامية :
والتفاضل ، وديننا الإسلامي أقر معايير وقيما كسبية اختيارية للتفاضل، فمن كان أقرب إلى تلك المعايير فهو الأفضل رجلاً كان أو امرأة، ومن استقراء نصوص الشريعة وضعت معـايير شرعية ومن أهمها ثلاثة معايير :-
المعيـار الأول : العلم الذي يميز الإنسان عما سواه من المخلوقات، وبه يعرف ربه ويدرك ذاته ويفهم ذاته ويفهم ما حوله ، فكل من كان أكثر نصيباً من العلم أصبح أكثر أهلية وجداره، واحترام وتقدير من الرجال والنساء يقول تعالى : {أقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (9) سورة الزمر(6) ،{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٌٍ} (11) سورة المجادلة (7)، وقول رسول الله (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )(8) .
المعيــار الثـاني : التقوى وتعني الالتزام بمنهج الله تعالى أمراً ونهياً فالأوفر حظاً منها هو الأقرب إلى الله، والأعلى شأناً عنده من أي عرق أو قبيلة ذكراً أو أنثى، يقول تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (9) ،.وقال تعالى : ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) (10) .
المعيــار الثالث : الكفاءة والعمل لأي عمل كان سواء كان سياسي أو اجتماعي أو تعليمي أو اقتصادي ، فحركة الإنسان في الاتجاه الصحيح وإنجازه وفاعليته في الحياة هي التي تحدد موقعه في الدنيا والآخرة قال تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) (11)،( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) (12)، وهذه المعايير تفرز نتائج ومعطيات مؤثرة لصالح حياة الفرد والمجتمع.
وهي معايير كسبيه يمكن لأي إنسان رجل أو امرأة أن يحصل منها بمقدار سعيه وجهده ،وهي ليست كاللون والعرق أو الشكل الذي لا دخل لإرادة الإنسان فيه ،ولو كانت الذكورة من معايير التفاضل عند الله لكان ذلك خلل ،فالعدل والإنصاف أن الاتقاء بالقيم الإسلامية ميدانها التنافس في الحياة الدنيا للجميع ، وبإمكان المرأة أن تشمر عن ساعد جدها وتستنهض قدراتها وإمكانياتها لتحرز أكبر قدر من التفوق وتحقق أعلى درجة من التقدم في آفاق العلم والعمل والالتزام بتقوى الله، وليست هناك مساحة في أشواط السباق خاصة بالرجال محظورة على النساء ، ولذلك تحدث القرآن عن إتاحة فرص التقدم أمام المرأة كالرجل في مختلف المجالات ، يقول تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا أو أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا أو قتلوا لأكفرن عن سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابً من عند الله والله عنده حسن الثواب ) (1)، ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (2) ، إن التسابق في ميدان القيم الفاضلة يعتمد على الإرادة الجازمة ، وهذا ما ينقص المرأة المسلمة اليوم ، ويعتمد على القابلية للمعرفة ،ومن نعم الله على الناس منحهم الإرادة والعقل وهما منحتان إلاهيتان للإنسان ،لا يختص بالرجال دون النساء .
*الاصلاح نت
-محمد سيف العديني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين ، وبعد:
لفهم وإستيعاب العنوان سوف نتناول العناوين التالية :
أولا:
عند الحديث عن حقوق الإنسان عموما والمرأة خصوصا في الإسلام لابد من الانطلاق من قواعد ومقاصد الشريعة الإسلامية وأهمها :
1ـ التفرقة بين نصوص الشريعة ما يفهم منها .
2ـ تجريد النصوص الشرعية من ثقافة المسلمين التاريخية .
3ـ الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان .
4ـ الانطلاق من معايير التفاضل في الشريعة الإسلامية .
1ـ التفرقة بين نصوص الشريعة وما يفهم منه .
لابد أن نفرق بين النصوص الشرعية كوحي سماوي ممثلة بنصوص القرآن ، أو النصوص الموحى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كوحي بالمعنى لقوله تعالى ، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ،{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إنا علينا جمعه وقرءانه*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
فالشريعة هي خطاب الله للمكلفين ،لا يحدها زمان ولا مكان ولا إنسان ،وأما ما يفهم من هذه النصوص فيسمى فقه إسلامي ، أو فكر إسلامي ،أو تصور إسلامي ،أو تراث إسلامي، أو مذاهب إسلامية ، وما يفهم من النصوص الشرعية يتغير بحسب ظروف الزمان والمكان والأحوال ، وما يفهم من نصوص الشريعة قابل للصواب والخطأ والتغيير والتبديل ، وغالبا ما تختلط بالثقافة المجتمعية بصوابها وخطئها ، وهذا ما يحدث عند الحديث عن المرأة يحشد المؤلف أو المتكلم كماٌ هائلا من الأحاديث ويستمد منها الفهم والتصور ، وقد يكون خاطئا ولا يستخدم الضوابط العلمية لفهم الحديث ومنع هذا الاختلاط . وهذه الضوابط هي :
1 0 فهم الحديث في ضوء القرآن.
2 0 جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد.
3 0 فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها .
4 0 التميز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت في الحديث .
5 0التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث .
6 0 والتفرقة بين الغيب والشهادة .
7 0 والتأكد من مدلولات الحديث(1).
وأعمال هذه الضوابط ستمنع استخدام الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ، وستمنع وجود فهم خاطئ عن المرأة يتصادم مع مقاصد الشريعة الإسلامية ، وستساعد على فهم التفرقة بين الشريعة كنصوص وبين اجتهاد علماء وفقهاء المسلمين من هذه النصوص وستبين بأن النص الذي يمثل الشريعة هو النص الذي تتوفر فيه شروط النص الشرعي وهي :
1-أن يكون النص قطعي الثبوت وذلك من خلال تواتر النص، والقرآن الكريم كله قطعي الثبوت.
2-أن يكون النص قطعي الدلالة وذلك بوضوح المقصد بشكل لا لبس فيه ولا احتمال لفهم آخر، وهذا متوفر في النص القرآني والنبوي.
3-أن يكون النص من القرآن الكريم أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المجمع على صحته وإن يفهم بالضوابط التي ذكرت، وهذا هو النص الذي هو محل تسليم ومحل استمرار بالديمومية ، وأما ما سوى النص كوحي فلا قداسة له ولا تعظيم ولا تسليم ويحق نقده وتعديله بحسب المستجدات والظروف والأحوال، وكذلك لابد أن نستصحب العلم بأنه لا مشرع ابتداءً إلا الله عز وجل ،والرسول صلى الله عليه وسلم شارح ومبين ومفصل أو مشرع بالتبعية بأمر الله سبحانه ، وأن التشريع الدائم للناس لا يكون إلا من عند الله ، فالحرام ما حرمه الله ، والحلال ما أحله الله ، والواجب ما أوجبه الله في رسالته التي أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عدى ذلك من اجتهادات فإنما هي مؤقتة اقتضتها ظروف الزمان والمكان والأحوال ، وهي اجتهادات وفهوم استنبطت من شرع الله وهي محل أخذ ورد وتعديل وإلغاء وبحسب المستجدات ، وأما شرع الله فهو الحاكم والمرجع لكل الاجتهادات ، وهذا ما يساعد على تطور حركة الإصلاح والتجديد والإحياء عند المسلمين.
2ـ تجريد النصوص الشرعية من ثقافة وتاريخ المسلمين:
[ عند الحديث عن الرجال والنساء ، يتم إساءة فهم النصوص الشرعية بما يوحي بنقصان أهلية المرأة ]
غالبا عند الحديث عن لقاء الرجال والنساء تحضر أحاديث الفتنة المتنوعة ونُنسَى ضوابط العلاقة الإجتماعية والتربوية الشرعية التي تضبط اللقاء بين الرجال والنساء ، وكذلك يتم إساءة فهم نصوص شرعية صحيحة عند بعض المتكلمين والفقهاء والشراح، وتتحول هذه الإساءة إلى ممارسة سلوكية عملية يبرمج بها العقل الباطن، وبزيادة ضغط العادات والتقاليد تتعزز الإساءة حتى تصل إلى حقوق النساء ، وخاصة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي ويحدث تهميش لدورهن .
والدارس لوضع واقع المرأة سيجد بأن هناك تناسب طردي بين الفهم الصحيح لنصوص الشرع من قبل الرجال والنساء وتمتع المرأة والرجل بحقوقهم ، وكلما كان الجهل حاضر كان الانتهاك لحقوق الضعفاء من الرجال والنساء ، والنساء أكثر.
وللعلم فإن إساءة فهم النصوص الشرعية لم يكن خاصا بالنساء وإنما تعداه إلى التأثير على حقوق الأمة الاجتماعية والسياسية ، وذلك بسبب هيمنة الاستبداد الاجتماعي والسياسي ، ولقد فسرت النصوص الشرعية التي تتحدث عن علاقة الأمة بحكامها تفسيرا طبقيا استبداديا مثل نصوص البيعة والسمع والطاعة والفتن وعززوها بنصوص مثبطة كنصوص المهدي المنتظر، واشتراط الساعة بهدف ترسيخ عقيدة الجبرية ، وكل هذا خدمة لتوجه المستبدين من الحكام مما أوحى بأن الإسلام دين يشجع على الاستبداد وإذلال الأمة بواسطة حكامها ، الحكم ستبد بالأمة والرجل ستبد بالمرأة...
والدارس لوضع الأمة المسلمة سيجد بأن هناك تناسب طردي بين الفهم والوعي الصحيح للنصوص الشرعية والقيام بالواجبات والمطالبة بالحقوق من قبل الأمة ، وهذا ينسحب على وضع المرأة المسلمة
3ـ الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان:
[ عند الحديث عن المرأة لابد من الانطلاق من أصول الشريعة وتصورها عن الإنسان]
هنالك اصول تساعد على الفهم السليم لمكانة المرأة ومن لم يأخذ بها يسئ فهم النصوص وأهمها:
الأصل الأول :
إن الإنسان في نصوص الشرع مكرم على سائر المخلوقات ..، وله الحرية في اختيار مصيره الأخروي ، وله الحرية في حياته الدنيوية والقائمة على ركنين قيامة بالواجبات ومطالبته بالحقوق، والإسلام يحرص على الحفاظ على حريات كل الناس ، وإلا لا قيمة لمسؤولية الإنسان عن أعماله ، ولا قيمة للشرائع السماوية أو الشرائع البشرية ، ولا قيمة لحساب الإنسان في الآخرة إذا لم يتمتع بالحرية فلا مسؤولية بدون حرية ولا حرية بدون مسؤولية .
الأصل الثاني :
إن المفاضلة بين الناس في النصوص الشرعية لم تقم على اللون والسلالة أو الذكورة والأنوثة أو الجهة الجغرافية أو الطائفة ،فالشعوب والألوان والجهة ، إنما هدفها التعارف ..{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات ، والذكورة والأنوثة بخصائصها واحتياج كل منهما للآخر هدفها التكامل لتحقيق الاستخلاف والعبودية لله سبحانه وتعالى ، والمرأة لم تختار نفسها لتكون امرأة أو تختار لونها ونوع أسرتها ، والرجل لم يختار نفسه ليكون رجلا أو يختار لونه ونوع أسرته وإنما التفاضل يكون بالأعمال المكتسبة إراديا ، فالتفاضل والتكريم عند الله للناس قائم على مدى قرب وبعد الإنسان من ربه سبحانه لقوله تعالى : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (56) سورة المدثر ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ*وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، والتفاضل في الحياة الدنيا بين الناس الراشدين العقلاء قائم على مدى تمتع الانتساب بالعطاء من خلال معارفه المكتسبة ، ومهاراته المكتسبة ، وكفاءته المكتسبة ، وقدراته المكتسبة ، سواء في الأعمال الاجتماعية أو الإدارية أو السياسية .
الأصل الثالث:
[الأخذ بالمعايير الشرعية التي تمنع وجود مفاهيم خاطئة]
هناك معايير شرعية تهدف إلى منع إساءة فهم النصوص الشرعية أو إظهار تناقضها مع بعضها أو إظهار تصادمها مع مصلحة الناس ، لأن الشريعة جاءت لمصلحة الإنسان فهي إما جلب مصالح أو درء مفاسد .
ونذكر من هذه المعايير أهمها :
1 0 جمع كل النصوص القرآنية للموضوع المراد فهمة ، ونجعلها مرجعا حاكما على نصوص السنة بنصوص القرآن .
2 0 جمع كل نصوص السنة الصحيحة في الموضوع المراد فهمة مع التأكد من صحة النص وربطها بنصوص القرآن .
3 0 الرجوع إلى سنة رسول الله العملية والتقريرية فيما يخص الموضوع المراد فهمة وخاصة فيما يخص النساء ، لأن المسلمين بعد القرون المفضلة عادوا إلى عادات وتقاليد الجاهلية فيمها يخص المرأة ودورها وعلاقتها .
4 0 عند الاستدلال وإصدار الأحكام أو استخراج فقه للناس لابد من الأخذ باعتبار الخصائص العامة للإسلام وهي : الربانية ، والإنسانية ، والشمولية ، والوسطية ،والاعتدال ، والواقعية ، والثبات والمرونة.
وكذلك الأخذ بالاعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية ،وشروط مسؤولية الإنسان وإدراك خصائص النفس الإنسانية وإدراك ظروف الواقع ومتطلبات المستقبل .
الأصل الرابع :
[استصحاب معاير الشريعة في التفاضل بين الناس يجنب إساءة فهم النصوص الشرعية ]
عند قراءة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يصف بها السناء ويوجه الرجال إلى الرفق والاحترام والتقدير لهن ، ومراعاة شعورهن وأحاسيسهن وطبيعتهن ، ثم يوجه بتحريم استخدام العنف ضدهن ، ويأمر بتكريمهن والصبر عليهن ، سواء كن في مقام البنت أو الأم أو الأخت أو الجدة أو العمة ، ولقد أطلق على النساء القريبات [الرحم] الذي يعبر عن الرحمة والتراحم والمودة والتلطف مثل أقواله صلى الله عليه وسلم : (رفقا بالقوارير) ، ، (خيركم خيركم لأهله) ، (لا يكرم المرأة إلا كريم ولا يهنها إلا لئيم) .
وهناك أحاديث كثيرة قالها رسول الله من باب الإخبار والرفق والتعجب، وبعض الفقهاء والمتحدثين يخلطون بين أهلية المرأة التي نصت عليها نصوص الشريعة الإسلامية وبين النصوص الخاصة بالآداب والأخلاق التربوية العامة والخاصة التي حث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على مراعاة نفسية المرأة وخصائصها ، وحث على احترامها وتقديرها ، ويخلطون بين أداء الواجبات المقررة شرعا وبين الالتزام بالآداب ، وذلك للقيام بالواجبات ، وهذا الخلط أدى إلى وجود تصور أن المرأة ناقصة القدرات العقلية ، وهذا ساعد على إضعاف دور المرأة في القيام بالواجبات الشرعية ، ودورها في الشأن العام ، سواء الواجبات الاجتماعية ،والواجبات الدعوية ، والواجبات التربوية ، والواجبات السياسية ، والواجبات الجهادية المختلفة وحتى نتخلص من هذا الخلط لابد أن نستصحب وأن نعتقد بأن الشريعة الإسلامية أكدت على وحدة النوع الإنساني وتساوي شقيه الذكور والإناث في القيمة الإنسانية، وفي مصدر الخلقة وأصل التكوين ، يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء( 1 ) . ويقول تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًاَ} (72) سورة النحل (2) فالخطاب للذكر والأنثى ، فالرجل ومن نفس نوعه ،وقد أنشأهما من مصدر واحد وعبر نظام وطريقة واحدة يقول تعالى :{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى*أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} (36ـ39) سورة القيامة(3).
وبين الله بأن هدف الجميع تحقيق العبودية لله سبحانه : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات (4) وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( إنما النساء شقائق الرجال ) (5)، وهنا نفهم بأن الذكورة والأنوثة لا تكون ميزة للتفوق .
4ـ الانطلاق من معايير التفاضل في الشريعة الإسلامية :
والتفاضل ، وديننا الإسلامي أقر معايير وقيما كسبية اختيارية للتفاضل، فمن كان أقرب إلى تلك المعايير فهو الأفضل رجلاً كان أو امرأة، ومن استقراء نصوص الشريعة وضعت معـايير شرعية ومن أهمها ثلاثة معايير :-
المعيـار الأول : العلم الذي يميز الإنسان عما سواه من المخلوقات، وبه يعرف ربه ويدرك ذاته ويفهم ذاته ويفهم ما حوله ، فكل من كان أكثر نصيباً من العلم أصبح أكثر أهلية وجداره، واحترام وتقدير من الرجال والنساء يقول تعالى : {أقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (9) سورة الزمر(6) ،{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٌٍ} (11) سورة المجادلة (7)، وقول رسول الله (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )(8) .
المعيــار الثـاني : التقوى وتعني الالتزام بمنهج الله تعالى أمراً ونهياً فالأوفر حظاً منها هو الأقرب إلى الله، والأعلى شأناً عنده من أي عرق أو قبيلة ذكراً أو أنثى، يقول تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (9) ،.وقال تعالى : ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) (10) .
المعيــار الثالث : الكفاءة والعمل لأي عمل كان سواء كان سياسي أو اجتماعي أو تعليمي أو اقتصادي ، فحركة الإنسان في الاتجاه الصحيح وإنجازه وفاعليته في الحياة هي التي تحدد موقعه في الدنيا والآخرة قال تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) (11)،( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) (12)، وهذه المعايير تفرز نتائج ومعطيات مؤثرة لصالح حياة الفرد والمجتمع.
وهي معايير كسبيه يمكن لأي إنسان رجل أو امرأة أن يحصل منها بمقدار سعيه وجهده ،وهي ليست كاللون والعرق أو الشكل الذي لا دخل لإرادة الإنسان فيه ،ولو كانت الذكورة من معايير التفاضل عند الله لكان ذلك خلل ،فالعدل والإنصاف أن الاتقاء بالقيم الإسلامية ميدانها التنافس في الحياة الدنيا للجميع ، وبإمكان المرأة أن تشمر عن ساعد جدها وتستنهض قدراتها وإمكانياتها لتحرز أكبر قدر من التفوق وتحقق أعلى درجة من التقدم في آفاق العلم والعمل والالتزام بتقوى الله، وليست هناك مساحة في أشواط السباق خاصة بالرجال محظورة على النساء ، ولذلك تحدث القرآن عن إتاحة فرص التقدم أمام المرأة كالرجل في مختلف المجالات ، يقول تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا أو أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا أو قتلوا لأكفرن عن سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابً من عند الله والله عنده حسن الثواب ) (1)، ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (2) ، إن التسابق في ميدان القيم الفاضلة يعتمد على الإرادة الجازمة ، وهذا ما ينقص المرأة المسلمة اليوم ، ويعتمد على القابلية للمعرفة ،ومن نعم الله على الناس منحهم الإرادة والعقل وهما منحتان إلاهيتان للإنسان ،لا يختص بالرجال دون النساء .
*الاصلاح نت