كلنا نحب الفلاح والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وكلنا نريد أن نصل باجتهادنا إلى الصواب وهذا مرهون بنا وبتفكيرنا وتخطيطنا، وأخذنا بالأسباب المتاحة، ونحن إذا قرأنا آيات القرآن التي فيها الفوز والفائزون والفلاح والمفلحون، سنجد أن الله جعلها نتائج لأعمال عظيمة قام بها المؤمنون العاملون المتفائلون والمؤملون بإصلاح الحياة الدنيا طلبا لرضى الله ودخول الجنة، وبهذا يقول تعالى «الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون»، وهنا نتساءل: ما هو أهم وأخطر عائق أمام تحقيق الفوز وإعداد الفائزين وتحقيق الفلاح وإعداد المفلحين؟ سنقول هناك عوائق كثيرة فردية وجماعية، داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية، ولكن نريد العائق الأكبر والأخطر الذي ورثناه من ثقافة الماضي السلبي، أو صنعناه بأنفسنا ونحن قادرون على التخلص منه وتجاوزه.
الأخوة القراء: أتدون ما هو هذا العائق؟ إنه خطير جدا، إنه يقود رقاب معظم الشعب كالنعاج إلى جزار الاستبداد والظلم وبه يظلمون أنفسهم مع الرضا، إن هذا العائق يجعل معظم أبناء الشعب ومثقفيه جنوداً يسمعون ويطيعون لجلاديهم، وظالميهم، وناهبي ثروتهم ومنتهكي حقوقهم ومصدري الرذائل إلى مجتمعهم، إن هذا العائق هو الذي أفشل ثورة 1948م وأفشل تحقيق مبادئ ثورة 26 سبتمبر وأفشل خطط التنمية وأفشل نجاح الوحدة اليمنية الوطنية، وأفشل نجاح التعددية السياسية الحزبية، هذا العائق الخطير جدا، أفشل تطبيق مبادئ العدالة والحرية والمساواة وعطل مؤسسات الدولة وأفشل تحقيق أهداف كل الانتخابات، بأن تكون حرة ونزيهة وأفشل الحوار بين القوى السياسية، وأفشل نجاح أهداف التعداد السكاني، والمساكن والخارطة المدرسية، هذا العائق الخبيث واللعين هو الحامل والحارس الأمين للفساد والمفسدين، وهو الذي يرفع كل فاسد وظالم وغبي إلى قيادة الأمة ومؤسسات الدولة، وهذا العائق هو الذي يغرس مبادئ الإحباط واليأس والقنوط والعجز والكسل، ويغرس القناعة بالتبعية والتقليد.
هذا العائق للأسف موجود عند معظم الناس، أتدرون ما هو؟ إنه الأمية السياسية أو الجهل السياسي وقاعدته الأمية الثقافية التي لا تتعامل بعلم ووعي مع متغيرات الحياة ومتطلباتها ومستجداتها. فما هي الأمية؟ وما حقيقتها؟
نقول فلان أمي وفلانة أمية أي يعانون من عدم القدرة على القراءة والكتابة، هل هذا هو تعريف الأمية؟ الجواب: لا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا لا يقرءون ولا يكتبون إلا عددا محدودا جدا، بل إن القرآن وصف العرب بالأميين، «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين»، وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون» وذكر القرآن بأن اليهود كانوا يطلقون معنى الأميين على العرب، ولهذا يضحكون عليهم ويحتقرونهم ويبتزونهم وبهذا قال الله تعالى « ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون»، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: نحن أمة أمية. إذاً، ما هو تعريف الأمية الحقيقية؟
إن الله تعالى عندما تحدث عن الأمية لم يقتصر على عدم القراءة والكتابة، وإنما أطلق معنى الأمية على ضعف الفهم والوعي، وسوء الفهم، بل والفهم الجزئي، وبهذا قال الله تعالى «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون»، وفسر ابن تيمية هذا فقال: إن الأميين هنا هم الذين يتلون القرآن ويحفظونه بلا فهم ولا دراية ولا وعي، وأن معنى الأماني: أي تلاوة بلا فهم، ولذلك قال تعالى «لا يعلمون الكتاب»، ولم يقل «لا يتلون الكتاب».
وقال ابن تيمية: «إن سوء الفهم هو الذي جعل الخوارج يخرجون ببدعة تكفير المسلمين» وكذلك بسبب ثقافتهم الصحراوية وطابع تدينهم الجزئي المتشدد والمسيء الظن بالمسلمين ورفضهم آراء الآخرين، وأما منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم فتعرف الأمية فتقول: الأمية هي العجز عن التفكير العلمي، والعجز عن تعلم وفهم الجديد.
إن الأمية هي: عدم اتباع المنهج العلمي الشامل في التربية والتعليم، والإدارة والسياسة وفي نفس الوقت ممارسة منهج الأمية في أساليب التعليم التلقيني النقلي الاستسلامي، وهذا انعكس على سلوكنا وتفكيرنا وخططنا وتعاملنا مع ما نقرأ ونحلل ونفهم، حتى عممت هذه الممارسة على النخبة عند بعض دكاترة الجامعة ومشائخ العلم والصحفيين وأعضاء الأحزاب وقيادتها، وأصبح عندنا الأميون الكبار، والأميون الحكام.
إن الأمية السياسية تعني الجهل بأسس الدولة الحديثة وأنواع سلطاتها وحدود مسئولية هذه السلطات، وعندنا في اليمن الجهل بمفهوم الدولة الديمقراطية الشوروية الذي حدد الدستور قواعدها، وعندنا الجهل بحدود أدوار وعمل حزب، وأجهزة الدولة المختلفة، والجهل بالتعامل التنظيري مع متغيرات العمل السياسي وفهم نصوص الشرع وقواعدها وإسقاطها على المتغيرات.
الأخوة القراء: وحتى لا تقولوا ضخمت معنى الأمية السياسية، أضرب لكم أمثلة ببعض مواد الدستور اليمني التي تعتبر قواعد عامة ثابتة وملتزمة لكل سلطات الدولة، وهذه المواد الأصل أنها قضت على كل مظاهر المنازعات المنهجية، وقضت على كل مظاهر الأمية السياسية عند بعض المثقفين والمدرسين والصحفيين وغيرهم وحسمتها، اطلعوا على عشر مواد من مواد دستور الجمهورية اليمنية:
المادة (3): الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات.
المادة (4): الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة.
المادة (5): يقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية، وذلك بهدف تداول السلطة سلميا.
المادة (12): يراعى في فرض الضرائب والتكاليف العامة مصلحة المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.
المادة (24): تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
المادة (41): المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات.
المادة (110) يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحترام الدستور والقانون، وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية.
المادة (149) القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا وإداريا.
المادة (159): يتولى الإدارة والإشراف والرقابة على إجراءات الانتخابات العامة والاستفتاء العام لجنة عليا مستقلة ومحايدة.
المادة (160): القسم الدستوري لرئيس الجمهورية و... (أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكا بكتاب الله وسنة رسول الله، وأن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أراعي مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه) نريد من المثقفين ومشائخ العلم أن يكتبوا ويطالبوا بتطبيق مواد الدستور وأن يقارنوا بين مواد الدستور والممارسة الواقعية.
أيها القراء: ألا تلاحظون أن الأمية موجودة عند معظم قيادات الدولة، وعند بعض قيادات الأحزاب، وبعض المثقفين فما بالنا عند عامة الشعب!؟ وللحديث بقية.
ارتياح: قرأت مجلة أبواب كاملة والأجمل والأروع أن كل موادها المحضرة عكست الصورة القريبة إلى واقع وهموم اليمنيين وبصورة واضحة، تحية لمبدعيها وعلى رأسهم المبدع نبيل الصوفي.
.الأهالي نت