مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2016/09/29 22:41
لمسات قيمة لمحمد اقبال
 
 
لمسات قيمة لمحمد اقبال
 
مقدمة:
هو اقبال بن الشيخ نور محمد(1) ، كان والد ه يكنى بالشيخ تتهو ، أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف ، ولد في سيالكوت ،احدى مدن البنجاب الغربية ، ولد في الثالث من ذي القعدة 1294هـ الموافق ل 9 تشرين الثاني نوفمبر 1877 و هو المولود الثاني من الذكور.
أصل اقبال يعود الى أسرة برهمية ،حيث كان أسلافه ينتمون الى جماعة من الياندبت في كشمير ،و اعتنق الاسلام أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (1421-1473) قبل حكم الملك المغولي الشهير (أكبر ) و نزح جد اقبال الى سيالكوت التي نشأ فيها اقبال و درس اللغة الفارسية و العربية الى جانب لغته الأردية ، رحل اقبال الى أوروبا  وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة ميونيخ في ألمانيا ،و كان شديد الصلة بواقع المجتمع الهندي ،و أصبح رئيسا لحزب العصبة الاسلامية في الهند ثم العنصر البارز في مؤتمر الله اباد التاريخي حيث نادى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس و رأى تأسيس دولة اسلامية اقترح لها اسم باكستان ، توفي اقبال في سنة 1938 ،و قد اشتهر بفلسفته و شعره كانت لمحمد اقبال سفريات عديدة ، حيث زار أفغانستان على اثر زيارة وجهها له نادر شاه ملك افغانستان ،و قد مر في احدى رحلاته على مصر و قابل بعض شبابها و أعجب بشاب مصري و يقول في الشأن : ان الشاب فرح جدا عندما علم أن اقبال مسلم و يقرأ القرآن ،و قيل ان اقبال لبس الطربوش بسبب المحادثة التي جرت بينه و بين هذا الشاب و يذكر الأستاذ الندوي أن اقبال زار فلسطين و كان مما قاله :
و لما نزلنا منزلا طله الندى             أنيقا و بستانا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان و حسنه            مني فتمنينا فكنت الأمانيا و حسنه
 
هي شخصية محمد اقبال ، شاعر الاسلام كما يلقبونه ، حيث خلفت وفاته في الأدب فراغا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد بعيد ، فموت هذا الشاعر العالمي مصيبة تفوق احتمال الهند .هذا وقد عرض كتاب "الاسلام و المجتمع المفتوح الاخلاص و الحركة في فكر محمد اقبال " لكاتبه سليمان بسير ديان  من ترجمة السيد ولد أباه ، حيث تناول الكتاب في تقديم فكر محمد اقبال في وجهه الراهن ،حيث كشف اللثام عن التوترات الأصلية التي أراد هذا الفكر حلها ،بين الاعلاء  من شأن الانسان و الانفتاح على الله ، و بين الاخلاص و الحركة ، و بين الفلسفة و معنى الواقع و بين الكونية و الانتماء ، بل ان السيد بشير نجح فيما هو أفضل من ذلك ، فباستثمار هذا الفكر في اطار اهتمامات اليوم استأنف الاتجاه الأساس لمقاربة اقبال فقرب بين أصوات شديدة التباعد عبر القرون و الثقافات الى حد أنها أصبحت قادرة على أن تتحدث فيما بينها ، و أنها لنعمة كبرى لأن هذه الأصوات الكثيرة مما تقوله بعضها لبعض .
يقال عن صوت اقبال أنه " صوت انسان تجاوز كل تقوقع على الهوية" (2).
هذا و سنتطرق في بحثنا الى التعريف بهذه الشخصية اللامعة شخصية محمد اقبال من خلال عرض بعض أعماله التي تترجم عنها فكره و اقتناعه بما يراه توافقيا في مجتمعات يريد للإسلام أن يتبوأ دائما المرتبة  الفضلى من المنهج و الدستور الذي يرسم الحياة الطبيعية و الواقعية لأي مسلم، و قد ثارت في مخيلتي اشكالية عنوتها كما يلي :
الى اي مدى حققت اعمال محمد اقبال الهدف المرجو منه و هو الامتياز للشعر في اعطاء الاسلام ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم بذاك الرجل القيادي المميز كحامل لرسالة التوحيد بين المسلمين في شتى بقاع المعمورة ؟.
و لأجل الاجابة عن هذه الاشكالية ارتايت اختيار المنهج الوصفي التحليلي لما سيرد على السيرة الذاتية لمحمد اقبال حتى أحاول وضع بحثي بما يوافق عنوانه في اللمسات القيمة لمحمد اقبال و لأجل ذلك اخترت الخطة التالية :
المبحث الأول :التعريف بمحمد اقبال
المطلب الأول : ثبات الشخصية و اتزانها لدى محمد اقبال
المطلب الثاني : من روائع محمد اقبال الشعرية
المبحث الثاني :تناول الأدباء لأعمال محمد اقبال في مؤلفاتهم
المطلب الأول: عالمية أدب محمد اقبال
المطلب الثاني: دور الأمة العربية لدى محمد اقبال
خاتمة
 
 
المبحث الأول : التعريف بمحمد اقبال
ألفة الكد شعار الجمــــــــل               شيمة الصبر وقار الجمل
صامت الأخفاف يمشي ماضيا              زورقا في البيد يسري هاديا
نقشت وجه الصحاري أرجله                شادر النوم قليلا أكله
ثملا يختال تحت المحمل                    راقصا يقدم شطر المنزل
في المدى من راكبيه أصبر                هائم بالسير عجبا يخطر
فاحمل الفرض قويا لا تهاب                وارجون من عنده حسن المآب
اجهدن في طاعة يا ذا الخسار             فمن الجبر سيبدو الاختبار
بامتثال الأمر يعلو من رسب              وهوى الطاغي و لو كان اللهب
هذه أبيات من احدى قصائد محمد اقبال ، و حتى المحاضرات هي الأخرى لمسة فنية من لمسات الشاعر التي لا تخلو من فنيات الابداع حسا مرهفا يتذوقه أي قارئ لها .
سبع محاضرات حول مواضيع دينية ودنيوية متنوعة كان قد ألقاها باللغة الإنكليزية سنة 1928 بجامعات مادرس وحيدراباد وميزور عقب سنوات دراسته في لاهور وكامبريدج وميونخ.
"لقد صرفت أغلب أوقات حياتي في دراسة الفلسفة الغربية. وغدت رؤية هذه الفلسفة شيئا مألوفا لدي الآن عن وعي، و عن لاوعي أيضا، أخضع وقائع الإسلام إلى التحليل من زاوية نظر هذه الفلسفة. وكان من نتيجة ذلك أنني قد لاحظت في العديد من المرات أنني لا أستطيع التعبير عن هذه الإشكاليات بلغة الأوردو." عبارات أفصح مما يمكن أن تقوله مجلدات بأكملها.
  
    و بالتالي لا غرابة إذن أن يكون هذا الكتاب سهل القراءة بالنسبة للغربيين إنها رؤيتنا الغربية للإسلام هذه التي يحمل محمد إقبال تأثيراتها العميقة لغةً ومفهوما وطريقة تفكير. إلا أن وضوحه النادر ودقته والديناميكية الحية لآليات تفكيره تطغى بكل تأكيد على هذه التأثيرات.
    هذا الفكر ليس مجرد شهادة عتيقة على حقبة زمنية قد تجاوزتها الأحداث منذ زمن طويل، بل إنه ما يزال يمثل مغامرة ذهنية من درجة أولى ، ويعود الفضل في ذلك كليا إلى صاحبه كرجل قد استطاع أن يلم بصفة واثقة بمعارف متأتية من تقاليد فكرية متنوعة؛ من ابن عربي وفخر الدين الرازي إلى أنشتاين وبرغسون وفرويد.
فحسب لودفيغ امان فان محمد اقبال لم يتحول من خلال دراسته للمفكرين الغربيين إلى أوروبي متنصل من الدين ، إن التأثر بالغرب لم يبلغ هذا الحد لدى إقبال، وهكذا فإن المرجع في ما يتعلق بالمسائل الروحية يظل قائما دوما على مقولة النور القادم من الشرق
وعندما يدعو إقبال إلى إعادة بناء الفكر الديني فإنه يعني ما يقوله- ولذلك هو يقيم معادلة متوازنة بين مسلكين برهانين متوازيين- ، اذ  هناك من ناحية عمل على تسويغ تقبّل العلوم الحديثة، أو العلوم الطبيعية بصفة أدق وهو ما يتوفق إليه عن طريق إقامة الدليل على أصولها الإسلامية.
إن الطابع الميداني التجريبي الذي يميز القرآن قد شجع المسلمين على أن يصبحوا مؤسسي العلوم الحديثة، ويعدّ ميلاد الإسلام بالنسبة إليه مرادفا لمولد العقل الاستقرائي، وهو ما يمثل ثورة ذهنية على الفلسفة النظرية اليونانية، وقد تم استيعاب المنهج التجريبي للعرب وتطويره من طرف أوروبا في ما بعد.
 
 
المطلب الأول : ثبات الشخصية و اتزانها لدى محمد اقبال
     يعيد محمد إقبال إنتاج التجارب الصوفية بشكل جديد، شكل يسهم في تأسيس تصوف "البقاء" لا الفناء، وهو بالتأكيد امتداد لمدرسة العارف الكبير جلال الدين الرومي، الذي يشكل الجزء الأكبر من بنائه الفكري، المدرسة التي تسعى للتأكيد على الذات الإنسانية إزاء الله، عن طريق منحها حرية ميتافيزيقية، وحرية أنطولوجية (3) أيضًا إزاء هويتها، أو هويات الآخرين(4).
إن الأنا(5) عند إقبال ليست أنا ثابتة، كما أن الأنا المطلقة ليست عنصرًا كونيًا، وصفت بالنور، ويلتبس مفهومها على الأذهان، إن الأنا الإنساني عنده في حالة خلق مستمر، يقول ديان موضحًا: "وحركة الفكر لا تصبح ممكنة إلا بسبب حضور اللا متناهي حضورًا ضمنيًا في ذات متناهية"، والتي عبّر القرآن عنها بالزيادة في الخلق؛ فالعلاقة بين المتناهي واللا متناهي، هي علاقة حضور دائم، تقف فيه الأنا الإنسانية موقفًا مستقرًا، ويتجلى في الوقت نفسه المطلق كما ترى ذرة غبار نفسها في ضوء الشمس.
والذي يميز فلسفة إقبال كما يرى ديان عن الفلسفات الملتقطة من الأفلاطونية المحدثة، والذي يميزه عن فيلسوف أرسطي، مثل ابن رشد لا يثبت إمكان الخلود إلا للعقل الفاعل، هو إثباته للأنا الإنسانيه المستقلة، و"أن العالم شيء واقعي، وأن الروح الإنساني كيان فردي متميز" يقول ديان في ذلك يعلن اقبال بوضوح أن الهدف  الأعلى للأنا الانساني
"ليس هو الاستغراق في التأمل، ليس مشاهدة شيء ما، وإنما أن يكون شيئًا ما". على أنه يقول: "وجدنا أن الفرد الكامل لا يمكن أن يتصور نفسه إلا بصفته الفرد الذي لم تبق فيه ذرة نزوع "عدائي" للخروج من الذات، وبما أن هذا الفرد كامل، فإنه بالضرورة (متفرد بنفسه مثل الأنا، لا كفؤ له) ، إلا أن علاقة اللا متناهي تظل فيما تحوزه من معرفة، وما تفعله من تأثير، مرتبطة باللا متناهي ارتباط وثيق، يقول ديان: "إن فلسفة إقبال تنزع إجمالاً إلى تجاوز فكرة الخلق الخارج عن خالقه والنظر إلى الفاعلية المبدعة للذات العليا بصفتها فعلاً مستمرًا ضمن حاضر أزلي".
فهم يتحرك في العالم والموجودات حاملاً المطلق داخله، والمفهوم الذي تأثر فيه إقبال مفهوم برجسون عن الديمومة، فهو يشارك بحريته في صناعة الفعل الإلهي، والتي سماها ديان "كوسمولوجيا الظهور لدى إقبال"، حيث إن العالم ليس إشكالية متناهية حسب عبارة جاستون برجييه.
1-ملامح فنية لشخصية محمد اقبال :
ومن هذا البعد الفني الثابت في شخصية محمد اقبال فقد رزق التقدير و الاحترام من ملايين المسلمين في الهند و الباكستان ،يعتقدون فيما تعتقده الأمة في المرشد الملهم ،و الباحث المتحرر ،و القائد الرائد ، و المفكر المصلح ،و الفيلسوف المنقذ السياسي الموجه ،و لم يرزق مثل هذا الاحترام و التقدير أحد من اعلام مسلمي شبه القارة قبل القرن العشرين ،لا في الهند فحسب بل في جميع العالم الاسلامي و العربي ،باستثناء الامام المحدث الفقيه الشيخ عبد الحي اللكنوي في أوائل القرن و العلامة الامام المفكر الداعية الأديب الشيخ أبي الحسن على الحسني الندوي في أواخر القرن رحمهما الله.
ديوان الأسرار والرموز  لمحمد إقبال   و هناك من الكتب و الأثر الذي يفسر الشخصية :
 
 مثل «ديوان الأسرار والرموز» هو كتاب جمع وتَرْجَمَ فيه عبدُ الوهاب عزام ديوانين من دواوين الشاعر الفيلسوف الكبير محمد إقبال؛ هما «أسرار إثبات الذات»، و«رموز نفي الذات»، وهاتان المنظومتان بالأخص من أعمال إقبال هما اللتان تُبرزان مذهبه وتشرحان فلسفته. وقد نُظِمَت هذه الأبيات بالفارسية وترجمها إلى العربية الدكتور عبد الوهاب عزام ترجمة راقية، راعى فيها النص والمعنى. وقد استغرقت ترجمته لهذا العمل الرائع حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة. ولولا صحةُ عزمه، وعِظَمُ رغبته، وإتقانُه للغة الفارسية، ومعرفتُه العميقة لأفكار إقبال؛ لَمَا تيسَّر له ترجمةُ هذا الكتاب، خاصةً وأن إقبال شاعر كبير، يُثري نصَّه بالكثير من المعاني الإنسانية الفياضة.
 
وقد رسمت قصيدة أن حطمت الصعب قدت العالما للشاعر القدير محمد اقبال بعض من ملامح القوة لديه في هذه الأبيات المنتقاة من القصيدة:
ان حطمت الصعب قدت العالما            نافذ الأمر عليه حكمــــــا
مشرقا في الأرض ما دار الفلك            فترى الملك الذي يخلد لك
نائب الحق على الأرض سعيد             حكمه في الكون خلد لا يبيد
هو بالجزء و بالكل خبيــــــــر             و بأمر الله في الارض امير
في فسيح الأرض يمضي طاويا           عزمه على البساط الباليــــا
ينجلي من فكره مثل الزهــــــــر          غير هذا الكون اكون أخــــر
ينضج الفكرة فينا بالضـــــــرم            يخرج الأصنام من بيت الحرم
رن عود القلب من مضاربــــــه           يقظ في الحــــــق نومان بــــه
وهو بنفسه محمد اقبال من كان يعترف بأصل توافق الأسس العقلية للإسلام اقتداءا بسنة الرسول صلى الله عليه و سلم و هذا الاقرار هو لمسة تشرح جانبا ايمانيا من شخصيته في قوله أن التماس الأسس العقلية للإسلام قد بدأ بالرسول نفسه فقد كان دائنا يدعو ربه فيقول " اللهم اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك" ، و آثار أصحاب النظر العقلي من المتصوفة و غير المتصوفة في العصور الأخيرة تشغل فصلا قيما جدا في تاريخنا الثقافي ، من حيث أنه تجلت رغبة ملحة في وضع نظام الأفكار المتسقة المنسجمة ، كما تجلى فيها روح من الاخلاص للحق العظيم ،مع ما كان لهذا العهد من قصور جعل الحركات الدينية المختلفة في الاسلام أقل ثمرة مما كان يقدر لها لو أنها جاءت في عهد غيره ،ان الفلسفة اليونانية –على ما نعرف جميعا- كانت قوة ثقافية عظيمة في تاريخ الاسلام ، و لكن التدقيق في درس القرآن الكريم و في تمحيص مثالات المتكلمين على اختلاف مدارسهم التي نشأت ملهمة بالفكر اليوناني يكشفان عن حقيقة بارزة هي: ان الفلسفة اليونانية مع أنها وسعت آفاق النظر العقلي عند 
 
 مفكري الاسلام غشت على ابصارهم في فهم القرآن" (6).
2-فكر محمد اقبال حول الأمة الاسلامية :
لقد اختار إقبال لنفسه اللغة العربية كمادة دراسية منذ حياته المدرسية
ولعل ذلك في مرحلة بكالوريوس وقام بتدريس اللغة العربية في جامعة لندن لمدة ستة
أشهر، خلال 1907ـ 1908م، نيابة عن أستاذه السير تامس آرلند ، و نراه يذكر
ديوان الحماسة كما يذكر امرأ القيس و عنتره و المتنبىء في كتاباته المبعثرة ، و قد
وصف الشعر العربي بأنه ليس في الشعر العالمي ما يضاهيه في كونه مباشرا و صريحا
ومتدفقا بروح المروءة كما وصف العربي بأنه مولع بالواقع لا يسترعي اهتمامه بريق الألوان و قد قال في هذا الشأن(7) :
لا بأس إذا كان الدنّ عجميا
فإن خمرتي عربية حجازية،
ولا ضرر إذا كانت أغنيتي هندية
فإن نغمة صوتي هي نغمة عربية حجازية
وكانت البقاع العربية تكون كانت البقاع  العربية تكون عالم أحلام إقبال. ومما يدل على ذلك كثرة ما ورد في شعره من ذكر هذه البقاع كالحرمين الشريفين و الحجاز و العراق
وسوريا و فلسطين و مراكش و مصر و طرابلس و النجف و الكوفة و بغداد و بدر
ودجلة و الفرات و دمشق و نجد و بلاد الأندلس ، مثل قرطبة و غرناطة لماضيها العربي
وكم كان اقبال يتمنى و لا سيما في السنوات الأخيرة من حياته أن يحج البيت و أن
يتشرف بزيارة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ،و ديوانه الأخير "أرمغان حجاز"
 هدية  الحجاز الذي نشر بعد وفاته يحمل طابع هذا الاشتياق الشديد الى أرض الحرمين الشريفين و كان يسعد بهذا السفر ليل نهار في خياله و ان لم يتحقق في عالم الحقيقة و منه يقول في شعره (8):

 أنا في طريقي إلى المدينة المنورة
وإن أصبحت طاعناً في السن
أنشد أناشيدي التـــــــــي
ملؤها نشوة الغـــــــــــــرام
ومثلي كمثل الطائر الـــــذي
قضى نهاره في رحاب الصحراء
وقد أظله وقت الأصيـــــــــل
فيخفق بجناحيه يسرع في الطيران
لا يهمـــــــه شــــــــــــيء
إلا الوصول إلى عشــــه
قبل مغيــــب الشمــــس
وأُتيح لإقبال أن يسافر إلى بعض الأقطار العربية، خلال شهر ديسمبر سنة 1931
وهو متوجه إلى فلسطين للحضور في مؤتمر العالم الإسلامي –فمر في طريقه
بالإسكندرية والقاهرة ورحب به المسلمون، وأقيمت حفلات، منها هذه الحفلة التي
سجل ذكرها الدكتور عبد الوهاب عزام قائلاً:
ومر إقبال بالقاهرة في طريقه إلى المؤتمر الإسلامي ببيت المقدس فاحتفلت به جمعية شبان المسلمين فحضرت الحفلة فكلفني أستاذي الشيخ 
 عبد الوهاب النجار، رحمه الله، أن أعرف الحاضرين بالضيف الكريم ،فتكلمت و أنشدت أبياتا من شعر اقبال ،أحسبها أول ما سمع من شعره في بلاد العرب .
وأقام إقبال بالقاهرة(9) لعدة أيام وطاف ببساتينها الجميلة على شاطئ النيل وزار
الهرم الأكبر والأوسط و الأصغر، كما شاهد أبا الهول وجال في متحف القاهرة وسافر
إلى الفسطاط، فرأى جامع عمرو بن العاص وحضر إلى ضريح الإمام الشافعي فجلس
هناك ملياً يتلو القرآن الكريم ثم ذهب إلى جامعة الأزهر وجلس مع الطلاب يستمع
إلى دروس التفسير والحديث والمنطق ولاقى شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي ثم
سافر بالقطار إلى بيت المقدس وبقي هناك حوالي أسبوع وحضر في جلسات المؤتمر،
وتأثر الشباب العربي بشخصيته في كل مكان.
    أما فلسطين فأثرت في نفس إقبال تأثيرا عميقا و تفتحت قريحته في أجوائها فقال   
قصيدته الطويلة الشهيرة "ذوق و شوق" التي صرح في بدايتها في ديوانه "بال جبريل" (جناح جبريل ) أن أكثرها نظم في فلسطين ، و بعد عودته الى لاهور تكلم الى بعض الصحفيين فقال فيما قال : أن السفر الى فلسطين كان من أمتع أسفاري في حياتي
ولقد أعجبني الشباب في سوريا لأني رأيت فيهم من الإخلاص والأمانة مالم أره
إلا في شباب ايطاليا الفاشستيين ، وإني متيقن أن مؤامرة توطين اليهود في فلسطين
سوف تفشل، وأتمنى بكل قلبي أن يقوم أبناء العربية بتأسيس جامعات، وأن ينقلوا
العلوم الحديثة إلى اللغة العربية(10).
 
 المطلب الثاني :من روائع محمد اقبال الشعرية (11)
ان ما يحملك على الاعجاب بشعر محمد إقبال هو الطموح ،والحب ،والإيمان . وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره وفي رسالته أعظم مما تجلى في شعر معاصر ، في هذا الجو المشحون بالفكر الغربي ، وفي هذا العالم المتجاهل لقيمته وقوته ورسالته ومكانه في قيادة الامم ، تزداد قيمة شاعر يولد في بلاد بعيدة عن مهد الإسلام في سلالة برهمية قريبة العهد بالهداية الاسلامية في بيئة كان يحكم فيها الانجليز وتسود فيها الثقافة الغربية، ويكون هو خير مثال للشاعر المؤمن والعالم والداعي والفيلسوف الحصيف .

الفرع الأول: لمسات جمالية في قصائد محمد اقبال

كان من روائع الفن لدى محمد اقبال ما قاله في قصيدته الجميلة(12): انما يبقى الحياة المقصد
انما يبقى الحياة المقصد             جرس في ركبها ما تقصد
سر عيش في طلاب مضمر        أصله في أمل مستتــــــــر
أحي في قلبك هذا الأمــــلا         لا يحل طينك قبرا مهمــلا
يخفق القلب به بين الصدور        هو في صدرك مرآة تيـــــر
يهب الترب جناحا يصعــــد        و لموسى العقل خضرا يرشد
انما يحيا الفؤاد الآمـــــــــل        و اذا حي يموت الباطـــــــل
و في لمسة أخرى يقول محمد اقبال :
أيها الجابي من الأسد الخراج        صرت كالثعلب خبا باحتياج
ذلك الاعواز اصل العلـــــــل        كل آلامك من ذا المعضـــــل 
سالب الرفعة من فكر رفيـــــع           مطفي الشمع من الذهن البديع
من كنوز الدهر أخرج ما تريد           و خذ الصهباء من دن الوجود
و عن الرحل ترجل كعمـــــــر          احذرن من منة الناس الحـــــذر
صاح حتام اجتداء المنصــــب           فيم كالطفل ركوب القصـــــب
تجد الافلاس بالســـــؤال أذل            و ترى السائل أخزى و أقــــــل
فلاق الذات سؤال و اجتــــداء           فبدت سيناؤها دون ضيــــــــاء
ان يكن في الرزق و الجد عناء         و طغى حولك سيل من بـــــــلاء
لا ترم في الأرض رزقا بالبكاء        لا ترج المـــــاء من عين ذكـــــاء
احذر الخزي أمام المصطفــــى         يوم يخزى كل ساع ما و فـــــــي
من سماط الشمس يقتات القمـــر        فعليه وسم نعماهـــا ظهــــــــــر
و في قصيدة أخرى(13) رائعة الوصف عن جمال النفس..و هذا الوصف أحوج ما تكون له النفس البشرية حينما تتطلع الى صفاء الضمير و نقاء الروح لتجد لها بدا من الطمأنينة فكانت هذه المقتطفات من الأبيات :
جمل نفسك تربو بالعلف           في اباء و عناد و صلــــــف
فكن الحر وقدها بزمـــام           تبلغن من ضبطها اعلى مقام
كل من في نفسه لا يحكم          هو في حكم سواه مرغـــــــــم
انما صورت من طين لزب       سيط في أمشاجه خوف و حب
خيفة الدنيا و خوف الآخرة       خوف موت و رزايا فاقـــــــرة
حب جاه و ثراء و بلـــــد             حب زوج و قريب وولـــــد
من مزاج الطين و الماء البدن        مركب الأهواء مغلوب الفتن
من يمسك بعصا من لا الاه           فلتحطم طلسم الخوف يــــــداه
كل من بالحق أحيــا نفســه            لا ترى الباطل يحنى رأســــــه
ليس يدنو الخوف منه أبدا             ليس غير الله يخشى أحـــــــــــدا
كل من موطنه اقليــــم لا             من قيود الزوج و الولـــد خــــلا
معرض عما سوى الله الأحد        يضع السكين في حلق الولــــــــــد
واحد من نفسه في عسكـــر         يبذل الــــــروح بيــــــوم الخطـــــر

الفرع  الثاني :  النبي صلى الله عليه و سلم في أشعار محمد اقبال(14)

أهم ما يميز إقبال هو أنه شاعر على درجة عالية من الثقافة خلقت عنده سعة فى الأفق و الإدراك وقوة للتحكم فى عواطفه وتوجيهها الوجهة الصحيحة . فهو كشاعر حباه الله بإحساس مرهف ونفس شفافة وعواطف رقيقة ، وهو ملهم موهوب متدفق فى شعره، لكن تحت سيطرة كاملة منه على هذا التدفق الإلهامى ، فلا يسمح لنفسه بنظم شعر يرى فيه ولو قليلا من المخالفة الدينية حتى ولو اعتمل هذا الشعر بداخله وأجبره على صوغه فى ألفاظ وتراكيب، فإن فعل ذات مرة فإنه يحذفه من ديوانه ولا يسمح بطبعه أو نشره، ولم يكن يتسنى لإقبال كل هذا لولا ثقافته الشاملة العميقة، إضافة إلى فطرته التى هذبها البيت والعائلة وخاصة والده، كما أن ثقافة إقبال هذه ساعدته على تحديد هدفه واستيضاح طريق الوصول إليه، فإقبال إذن لا ينساق وراء الإلهام الشعرى، وإنما يخضعه لسيطرته، فيطلقه إن كان موافقا لشريعة ربه، ويحجمه إن كان غير ذلك.
لقد كان حب إقبال لرسول الله صلى الله عليه وسلم محور حياته ومرتكز شعره، وظل هذا الحب يسيره ويوجهه حتى لاقى ربه . وهو يرى أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فحوى الدين و خلاصته، وأن ما عدا ذلك هو عكس ذلك، يقول
 صل نفسك بالمصطفى، فالدين هو ذلك، وإن لم تفعل فأنت أبو لهب  
إذن محور شعر إقبال هو قوله تعالى : ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ) ، فهو يريد أن يرى المسلمين فى مكانتهم اللائقة بهم كأمة لخير البشر، ويؤمن أن الرسول صلى 
الله عليه وسلم هو المثال الكامل لكل مسلم، وأن أتباعه يجب أن يتم على أكمل وجه ، وهو كما قلنا شاعر مثقف وصاحب رؤية محددة فيما يخص المسلم ، وليس شاعرا تقليديا ينشئ القصيدة مدحا لمجرد المدح، وإنما يبغى من وراءها تحقيق الهدف الذى كرس حياته وشعره من أجله بالتأسي بمحمد صلى الله عليه وسلم وإتباع طريقه ونهج هداه.
الفرع الأول : أجمل القصائد التي قيلت في النبي صلى الله عليه وسلم

يقرر الدكتور محمد السعيد جمال الدين أن آداب الشعوب الإسلامية في العصر الحديث لم تعرف شاعراً من الشعراء عبّر عن محبته العميقة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بأساليب شتى وطرائق متنوعة ، كما عبّر شاعر الإسلام محمد إقبال 1877 - 1938 م ، وهو صاحب فكرة إنشاء وطن مستقل للمسلمين في شبه القارة الهندية. 
فما من ديوان من دواوينه يخلو من أثر لهذا الحب العميق ! وهو حب فريد من نوعه ، عميق في مدلوله ، يأخذ بمجامع القلوب ان قلب المسلم عامرٌ بحب المصطفى.

هو أصلُ شرفِنا ، ومصدر فخرنا في هذا العالم. 
لقد فتح باب الدنيا بمفتاح الدين ، فداه أبي وأمي ، لم تلد مثله أم ، ولم تُنجبْ مثله الإنسانية
لماذا لا أحبه ؟ وأحِنُّ إليه ! وأنا إنسان 
وقد بكى لفراقه الجِذع ، وحنّت ْ إليه سارية المسجد
إنّ تربة المدينة أحبُّ إليّ من العالم كلّه ، أنعِمْ بمدينة فيها الحبيب
من ديوان ( أسرار خودي) : أسرار النفس ، ترجمه شعراً الدكتور عبد الوهاب عزام ، والترجمة هذه للدكتور السعيد. 
ويقول إقبال - رحمه الله - مادحاً الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا رأس مال البائسين ويا منار الحائرينْ
اُدعُ الإله يهبْ لأمتك الشجاعة واليقين 
ويعيذهم من شر خوفِ الموت مِن قبل الممات ْ!؟ 
الخوفُ يُفني البائسين وهم على قيد الحياة !؟ 
يا من هدمت اللات والعزى وحرّرت الحرمْ 
وبنيت أعلى أمةٍ تُهدى بسيرتها الأمم 
ذِكرُ الإله ، ويقظةُ الوجدان في إنس وجانْ 
مِن فيض وحيك يا صلاة الصبح يا صوت الأذان 
وحرارة ُالإيمان في القلب المشوق ِ إلى النضال ْ 
وسراجُ ليل الفكر : لا معبود إلا ذو الجلال 
مِن فيض روحك كلُّ هذا الفضلِ والعزّ المكين ْ
وبناءِ صرح المجد في توحيد ربّ العالمين  
إنْ كان عمري قد بدا خُلواً من المحصول جدْبا 
مازلتُ أملك ُ مُضغةً يدعونها في الحُب قلبا  
أخفيتُه لأكون فرداً في هداك وفي رضاك ْ 
وعليه خاتمُ حُبّكً الغالي فليس به سِواك 
( من ديوان : وما العمل يا أمم الشرق ، ترجمة الشيخ الصاوي شعلان
ويقول مناجياً الله تعالى 
إنْ حلّتْ منيّتي ، وانقضى أجلي 
فاقبل يا ربّ معذرتي يوم الحشر 
وإن كان لا بُدّ من حسابي 
 فأسألك يا إلهي أن تحاسبني بنجوة ( مسارة ) من سيدي المصطفى 
فأنا أستحي أن أنتسب إليه ، وأكون من أمته ، وأقترف هذه الذنوب والمعاصي !؟ 
( من ديوان : أرمغان حجاز ، ترجمها الدكتور السعيد)  

المبحث الثاني: تناول الأدباء لأعمال محمد اقبال في مؤلفاتهم

العلامة الدكتور محمد إقبال - الملقَّب بشاعر الإسلام - رجلٌ عبقري(15)، لا يكاد يُشبهه أحدٌ من أفذاذِ أمَّة التوحيد في عصرنا الحديث؛ إذ إنَّ ما تمتَّع به من قدراتٍ ومواهبَ، وما اضطلع به من مهامَّ لخدمة قضيةِ المسلمين في شبه القارة الهندية بخاصة، وقضايا المسلمين في العالم الإسلامي الكبير بعامة - بوَّأَه منزلةً يغبِطُه عليها رجالاتُ الأمَّة وأفذاذُها، وقد غلبتْ شهرتُه كشاعرٍ على شهرتِه كفيلسوفٍ ورجُلِ دولةٍ و قانون؛ لِما تميز به شعره من سموِّ المعنى ونُبل الغاية، وهو الشاعر الذي قد قصر شِعرَه - أو كاد - على قضيةِ نهضةِ المسلمين وقوتهم؛ ليستردُّوا حقوقَهم، وليضطلعوا بدورِهم في هداية البشرية التي أعمَتْها الأطماعُ المادية عن قِيَم الحقِّ والعدل والحرية، والأخْذِ بيد المستضعَفين، ونُصرة المظلومين، ولِما تميَّز به شعرُ إقبال أيضًا من قوة التأثير في النفس؛ لما اشتمل عليه من قوةِ العاطفة، وصِدْق النيّة، وسلامة الطويَّة، ولِما ضمَّنه إقبال من عميقِ الفكرة، وثاقب النَّظرة، وجمال الصوغ وروعة الخيال.فكيف تناول الكتاب و الأدباء اعمال محمد اقبال القيمة و ايها نالت استحسانا لدى القراء و العامة من الناس من سحرتهم شخصية محمد إقبال

المطلب الأول:عالمية أدب محمد اقبال

لعل أول عمل يمكن الرجوع إليه لمن يريد أن يتتبع ويؤرخ للأعمال والمؤلفات(16) التي بحثت وعالجت موضوع التجديد في الفكر الإسلامي خلال القرن العشرين، هو عمل الدكتور محمد إقبال في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام والذي هو عبارة عن محاضرات، ألقاها إقبال باللغة الإنجليزية ما بين عام 1928م ـ 1929م، تلبية لطلب الجمعية الإسلامية في مدراس بالهند، وأكملها في مدينتي حيدر أباد وعلي كرة الهنديتين، وصدرت في كتاب باللغة الإنجليزية مع بداية ثلاثينات القرن العشرين، وترجمت إلى اللغة العربية وصدرت في القاهرة، منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
وقد اشتهر إقبال كثيراً بهذا الكتاب، ويعد كتابه الأساسي الذي يشرح فيه أفكاره وتأملاته، والفلسفة التي يتبناها ويدافع عنها، وطبيعة المهمة الفكرية التي يفترض أن ينهض بها المفكر المسلم في العالم الحديث.

الفرع الأول :عالمية الأدب الاسلامي لدى الدكتور عبد الباسط بدر(17)

ومع بداية التطورات القومية في الدولة العثمانية ، وظهورها نزعةً قوية عند بعض الأدباء الأتراك في نهاية القرن التاسع عشر ، ظهر تيار مضاد يحافظ على القيم الإسلامية ويعمقها في الأدب التركي الحديث ، ويعالج مشكلات المسلمين في الدولة العثمانية المتهاوية ، وقد تزعم هذا التيار الشاعر الكبير محمد عاكف أرصوي الذي عاصر معاناة تركيا في الحرب العالمية الأولى ، واحتلال جيوش الحلفاء أرضها ، وسقوط الخلافة ، والذي جعل شعره منبرًا إسلاميًا قويًا ، يستثير المشاعر الإيمانية في نفوس الأتراك ، ليدافعوا عن دينهم وأرضهم ، وقد شاعت قصائده بين الأتراك بقوة ، وصارت إحداها فيما بعد النشيد القومي التركي.. وما زالت حتى الآن - بعد حذف عبارات قليلة منها - ، ويعد محمد عاكف رائد مدرسة أدبية كاملة ، حملت هموم المسلمين في تركيا وتطلعاتهم طوال الفترة الكمالية ، واستطاعت هذه المدرسة أن تتصدى للتيار القومي والعلماني ، وأن تحافظ على النسيج الإسلامي في الأدب التركي ، وأن تعززه. 
ومن شعره الإسلامي في المحنة قصيدة بعنوان (لا يأس) افتتحها بقوله تعالى (ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون) ثم قال يحذّر الأتراك من الاستسلام لليأس ويستنهضهم لإعادة مجدهم الإسلامي: 
أين مني نفحة من الأمل فيك ، 
أتحسب أنه قط انطفأ ؟ 
ما كان لفجر الحق الأزلي أن يُمْحى 
أيها الظالم
بعد قليل ترى ما أظلم أيام غدك 
ويا أيها القلب المؤمن الذي حار وهو يعبد الحق ، 
إن صدرًا واحدًا فقط يعيش بدون أمل ، وهو صدر الكافر
أيجتمع اليأس والإيمان ؟ 
حاشا لله ، وقد علمت وأيقنت أنه ضرب من المحال 
فلماذا إذن أذللت عنقك ووقفت مطرّق الرأس ؟ 
ألا تشفق على ذريتك ، إن لم تشفق على نفسك ؟ 
لو أطبقت على الآفاق آلاف الكوارث ، 
لما انهارت هذه الأمة . ما دمنا نتجنب أن نقول : إنها سوف تضمحل 
ما كانت لتنهار ، كلا ، لن تنهار ولن تسقط 
فاقتل أنت اليأس العاوي وأيقظ العزم ؛ 
فحسبها نفحة من الإيمان حتى تعود إلى الحياة ، فلينتعش أملك ، ما هذه الخيبة ؟ وما هذا الخسران ؟ 
إبدا بإسكات الآلام الماضية ، 
وبث الأمل القوى في أبنائك ؛ 
وتوكل على الله واعتصم بحبل السعي واخضع للحكمة … 
هذا هو الطريق ، ولا أعرف صراطًا مستقيمًا سواه. 
*الأدب الإسلامي في اللغة الأردية: 
وإذا انتقلنا إلى الأدب الأردي الذي ينتشر بين ملايين المسلمين في شبه القارة الهندية ، وبين مئات الألوف المهاجرين منها إلى آفاق العالم ، فسنجد صورة أخرى للعلاقة الحميمة بين الأدب الإسلامي ، تناظر زميلتها التركية ، وتكاد تفوقها ، لولا قرب العهد بهذا الأدب
ذلك أن اللغة الأردية قد تشكّلت في صورتها الحالية في القرن الحادي عشر الهجري ، وكانت قبل ذلك لغة محلية متأثرة بالهندية القديمة ، ثم تأثرت بالحضارة الإسلامية وباللغة العربية التي انتقلت إليها مع الإسلام ، وبالفارسية أيضًا ، وعندما احتل الإنجليز الهند وفرضوا ثقافتهم عليها ، دخلت اللغة الأردية عناصر من اللغة الإنجليزية أيضًا . غير أن الآثار العربية هي أقوى الآثار فيها ، فقد استفادت الأردية من العربية في قواعدها وعروضها وحروف الكتابة ، وفي بعض الجوانب البلاغية ، وفي عدد كبير من الألفاظ ، مباشرة أو عن طريق الفارسية التي نقلت من العربية ، واستفادت من اللغة الفارسية في تلك الجوانب أيضًا ولكن بقدر أقل. 
وقد أصبحت الأردية لغة الثقافة بين المسلمين ، بفضل الأعمال الأدبية التي كتبها عدد من الأدباء البارعين ، أمثال ميرزا غالب ، والسيد أحمد خان ، ومحمد حسن آزاد ، ومنشي سجاد حسين ، وألطاف حسين "حالي" ، ومحمد إقبال.. إلخ إضافة إلى الكتابات الفكرية والإسلامية التي كتبها الدعاة والمصلحون.
الفرع الثاني:محمد اقبال و الأدباء السعوديون(18)

لقد تطورت العلاقات المختلفة السياسية والعلمية والثقافية والاقتصادية في عصرنا الحاضر بين الشعوب العربية والشعب الباكستاني، وكذلك زادت المشاركة الثقافية الفكرية بين الأدبين العربي والأردي، كنتيجة طبيعية للعلاقات التاريخية الإسلامية المستمرة بين الطرفين منذ صدر الإسلام إلى الآن، ويعد أدب محمد إقبال مثالاً متميزاً في التأثير والتأثر العربي الباكستاني. 
يُعد العلامة الدكتور محمد إقبال (شاعر باكستان) من كبار المفكرين والشعراء في العالم الإسلامي، وكما أنه اشتهر بأدبه وفكره في شبه القارة الهندية، فإن صيته انتشر في البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، وحظي باهتمام رجال الفكر والأدب الذين قاموا بدراسة أشعاره وترجمتها إلى لغات مختلفة، وبنشر الكتب والمقالات عنه لبيان مكانته الأدبية والفكرية، لأن إقبال لم يكن شاعراً أديباً فحسب، بل كان مفكراً حكيماً، وحقوقياً بارعاً، وزعيماً سياسياً، ولذلك أصبحت جوانب من فكره وحياته مواضيع للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه في عدد من الجامعات في العالم.
لقد تحدث محمد إقبال في دواوينه عن البلاد العربية عامة وعن المملكة العربية السعودية خاصة، ويحتاج بيان ذلك إلى دراسة مستقلة ، ولكنني هنا أقدم بعضاً من آراء محمد إقبال في هذا المجال.
يذكّر محمد إقبال الأمة العربية بمجدها وعظمتها في الماضي، ويدعوها إلى الفكر والعمل، وإلى الوحدة والإتحاد ليعود إليها ذلك المجد العظيم فيقول: 
وي كأن لم تشرقوا في الكائنات
بُهدى الإيمان والمنح الرشيد
ونسيتم في ظلام الحادثات
قيمة الصحراء في العيش الرغيد
كل شعب قام يبني نهضة
وأرى بنيانكم منهدماً
في قديم الدهر كنتم أمة
لهف نفسي كيف صرتم أمما؟
فكروا في عصركم واستبقوا
طالما كنتم جمالاً للعُصُر

و املؤوا الصحراء عزماً واخلقوا
مرة أخرى بها روح عُمر

المطلب الثاني :دور الأمة العربية لدى محمد اقبال(19)

لقد خصص محمد إقبال –قبل وفاته بقليل، في سنة 1938م– قصيدة من أبدع قصائده للحديث عن الأمة العربية، ليسجل فيها فضلها وسبقها في حمل الرسالة الإسلامية، والأخذ بيد الإنسانية من ظلمات الضلال والجهل والقيد إلى نور الإيمان والعلم والحرية، وافتتاحها لتاريخ جديد وفجر سعيد..
يتحدث محمد إقبال في تلك القصيدة عن الأمة العربية، وما أصابها من مصائب بسبب الاستعمار ثم يتحدث عن بلاد الحرمين الشريفين ومكانتها العظيمة بين البلاد والإسلامية ودورها الكبير في نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربهما وفي البداية يذكر شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي كانت على يدها نهضة هذه الأمة وسعادتها، بل نهضة الإنسانية وسعادتها، فيقول: 
"أيتها الأمة العربية، التي كتب الله لباديتها، وصحرائها الخلود، مَنْ غيركِ الذي أكرمه الله بالسبق على قراءة القرآن؟ مَنْ غيركِ الذي أطلعه الله على سر التوحيد، فنادى بأعلى صوته: لا إله إلا الله إن ذلك الرسول الكريم أعاد الخصب والنمو إلى هذه الصحراء فأنبتت الأزهار والرياحين. وإن الحرية الحقيقية قد نشأت في ظل الإسلام وإن الجسد البشري كان بلا قلب وروح، فأعطاه الإسلام القلب والروح وأفاض الحياة بالعلوم والمدنية، وأنجب أبطالاً وقادة مؤمنين، أقاموا المعارك الفاصلة بين الحق والباطل لينتشر الخير في كل مكان".

الفرع الأول : محمد إقبال يعاتب الأمة العربية(20)

بعد ما مدح محمد إقبال رجالات الأمة العربية، وذكر حماستهم الإسلامي وغضبتهم في الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في العصور السابقة، وأبدى لذلك فرحه وسروره، نجده يقف برهة، ويشعر بالحزن بما يرى في عصره من خمود العرب بعد النشاط، والفرقة بعد الوحدة، فيخاطبهم معاتباً ويقول: 
يا أيها العرب، أسفاً على هذا الخمود والجمود، ألا ترون الأمم الأخرى، كيف تقدمت وسبقت! أما أنتم فقد كنتم أمة واحدة قوية، أمة الإسلام فصرتم اليوم أمماً وتفرق جمعكم، عودوا إلى رشدكم ووحدوا الصفوف وارفعوا شأن أمتكم.
محمد إقبال يخاطب الأمة الإسلامية في الشرق
يخاطب محمد إقبال المسلمين في الشرق، ويذكرهم بأمجادهم العظيمة، ويدعوهم إلى الاتحاد موضحاً ما يجب عليهم عمله، ففي قصيدة له بعنوان (والآن ماذا يجب أن نصنع يا أمم الشرق ؟) يقول:
تئن الخلائق في الأرض طرا
وقد سامها الغرب ظلماً وجوراً
فيا أمم الشرق فيم التواني
لقد آن أن يصبح الشرق حراً
مضى الليل وإنجاب عهد الظلام
وبعد الدجى ينهض الصبح فجراً
لقد آن للروح أن تستفيق
وللشرق أن يستبين الدليلا
فتى الشرق أنت الوفي الأمين
فأظهر يد العزم للناس جهرا
ووحد بلادك صوب العلا
بإيمانها تلق عزاً ونصراً
وهكذا جعل محمد إقبال أدبه لتوجيه الأمتين العربية والإسلامية نحو الاتحاد والعمل، ليعود المجد إلى المسلمين كما كان ويعيشوا في عزة وكرامة عاملين لخير الإنسانية في كل أرجاء العالم.

الفرع الثاني:هل كان محمد اقبال صوفيا؟

صدّر هرمان هسه Hermann Hesse ’رسالة الخلود‘ (جاويد نامه) لإقبال ترجمة آن ماري شيمل بقوله: "ينتمي السير محمد إقبال إلى ثلاثة أحياز روحية، وهذه الأحياز الروحية الثلاثة هي منابع آثاره العظيمة، وهي: حيّز القارة الهندية، وحيّز العالم الإسلامي، وحيّز الفكر الغربي".
ويمكننا أن نقول مع هسه إذا كان إقبال هنديَّ الأصل إلاّ أنه أحسن قراءة القرآن كما علّمه والده، وفي سنٍّ مبكّرة استطاع أن يفهم من رسالة القرآن ومن رحلة النبي ما يجعله يعيد بناء فلسفة وفكر قديم، وليس القرآن وحده المرجع عند إقبال، بل الذي قرأ القرآن قرأ الفيدانتا، وقرأ نصوص التّصوّف العربي والفارسي.
وفي الوقت الذي اطّلع فيه إقبال على هيجل طالع مؤلفات ابن عربي، وإذا كان قد قرأ برجسون وساجله، فلم يترك بساتين سنائي الغزنوي، وإذ بدا في حياته الأولى ناقدًا بحدّة لكتابات حافظ الشيرازي، الذي رأى فيها دعمًا لوحدة الوجود وتغييبًا لعوام المسلمين في الهند، فإنه لم يجد مرشدًا ودليلاً في رحلة حياته ومعراجه وكتاباته الشعرية سوى جلال الدّين الرومي، وكتب أغلب قصائده وأشعاره بنفس أسلوب الرّومي وعلى نفس الوزن (المثنوي) حتى أنّه سُمّي ’رومي هذا العصر. وكُرّم من قِبل بلدية قونيه بوسط الأناضول حيث أُقيم له نصبٌ تذكاريٌّ في حديقة مقام الرّومي.
فمن هو محمّد إقبال؟ ومن أين جاء؟ وماذا قدّم؟ وكيف قطع خطواته على خطِّ الحياة وخاض بحار الشعر والفلسفة والسياسة؟.
وُلد مُحمّدُ إقبال في سيالكوت بالبنجاب الغربية في الثالث من ذي القعدة عام 1294هـ ، الموافق للتاسع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1877م. وتعود أصول إقبال إلى أسرة من براهمة كشمير، عُرفت باسم سبرو، وهي كلمة سنسكريتية الأصل تعني السبّاق إلى العلوم والمعارف، ومن هو على دراية بالقراءة والكتابة والمُدارسة، وكما يصف إقبال هذه العائلة، كانت من الذكاء والمعرفة بمكان كبير.
ويخبرنا جاويد إقبال أن هذه الأسرة كانت متديّنة إلى حدٍّ كبير، فكان جدّه الأعلى، الذي اعتنق الإسلام في القرن الرابع عشر الميلادي، واحدًا من مشايخ الطرق الصوفية البارزين في كشمير، ويصفه إقبالُ نفسه بأنه كان أحد الأولياء المرموقين في عصره (1421-1470م) ، وبعض أسلاف إقبال بالطبع أضحوا صوفيّين، ويقال إن أحدهم ألّف في التصوّف، وكان والد إقبال نفسه محبًّا للصوفيّة مبجّلاً لهم، ولعله كان من أتباع الطريقة القادرية التي عرفها إقبال منذ طفولته.
 
خاتمة :
يقول إقبال "إنني بفطرتي وتربيتي أنزع إلى التصوف وقد زادتني فلسفة أوروبا نزوعًا إليه، فإن فلسفة أوروبا جملتها تتوجّه إلى وحدة الوجود، ولكنّ تدبّر القرآن الكريم ومطالعة تاريخ الإسلام قد أشعرني بغلطي، ومن أجل تعاليم القرآن عدلت عن أفكاري السابقة ... إن الرّهبانية ظهرت في كلّ أمة وعملت لإبطال الشريعة والقانون. والإسلام في حقيقته هو دعوة استنكار هذه الرهباني والتّصوف الذي ظهر بين المسلمين –أعني التّصوف -(21) أخذ من رهبانية كلّ أمّة وجهد أن يجذب إليه كلَّ نحلة ... ليست عقيدة وحدة الوجود من تعليم القرآن، فإن القرآن يبيّن المغايرة التّامة بين الخالق والمخلوق.
يبدو من هذا البحث ان شخصية محمد اقبال شخصية عظيمة لا تكفيها الصفحات للغوص في أغوارها ، و ما لمسات اعماله الجمالية إلا ارث كبير لا يستهان به و يحتاج للتعمق و التدقيق أثناء القراءة لما يحتويه من حكم و عبر و فكر نير ،ينير درب المسلمين للنهوض نحو مجد تقليد لامتهم.
يعبّر إقبال في منظومته (22)عن حبه وشغفه بمرشده الرّوحي مولانا جلال الدّين الرّومي. وكما اتخذه في رحلة سابقة رائد ودليلاً ومرشدًا يتخذه في ’أمم الشرق‘ هادياً وينظم على لسانه الأشعار، من مثل: "كن مثل إبراهيم في الإيمان ... حتى تزيلَ معابد الأوثان". ومن أشعار المنظومة: "وإذا الأبصارُ لم تدرك هداها ... من سراج القلبِ ضلّت في ضحاها"، ومنها:
"كُلٌّ يعيش في إطار نفسه ... والعيشُ والمتعةُ في الدّنيا مناه
يخشى البلى قبل حلول رمسه ... فاعجب لميتٍ لم يزل قيد الحياة"
وفي مثنوي (مسافر) يسجّل إقبال انطباعاته عندما زار أضرحة الأولياء، من مثل سنائي الغزنوي.
 
 
قائمة المراجع :

1-ويكيبيديا ،الموسوعة محملة الرابط التالي:
Ar.wikipedia.org/wiki/محمد اقبال
2-سليمان بشير ديان ،الاسلام و المجتمع المفتوح ،الاخلاص و الحركة في فكر محمد اقبال ، ترجمة السيد :ولد أباه ،دار جداول ،فيراير 2014.
3-الأنطولوجيا :الفلسفة و التصوف ،قسم من الفلسفة مرادف لعلم ما بعد الطبيعة ،يبحث  في طبيعة الوجود الأولية ،علم الوجود ،علم الكائن.
4-سليمان بشير ديان ،المرجع السابق.
5-سليمان بشير ديان ، المرجع السابق ، يمكن تحميله على الرابط التالي:
www.mominoun.com/zrticles/228/
6-من قصيدة ألفة الكر شعار الجمل لمحمد اقبال .
7-لودفيغ امان ، ترجمة علي مصباح ، تجديد الفكر الديني في الاسلام ن ترجمة عن الانجليزية الى اللغة الألمانية أكسل مونتي و توماس شتيمر، 2005،مقاطع مأخوذة من موقع قنطرةqantra.de على الرابط التالي:
Ar.qantara.de/content/Lmfkr-Isly-mhmd-qbl.
8-سيد عبد الماجد الغوري،ديوان محمد اقبال ، الجزء الأول، دمشق ، بيروت، دار بن الكثير، الطبعة الثالثة ، 2007،ص 6.
9-محمد اقبال ،تجديد الفكر الديني في الاسلام ،ترجمة عباس محمود ،باكستان ،دار الهداية للطباعة و النشر و  التوزيع ،2000، الطبعة الثانية ،ص9  و 10.
10-د.خورشيد رضوي،أفكار العلامة محمد اقبال حول علم العرب و اتحاد الأمة الاسلامية ،جامعة الكلية الحكومية بلاهور ، دون ذكر السنة ،ص11.
11-د.خورشيد رضوي،المرجع السابق ،ص 17.
12-د.خورشيد رضوي، المرجع السابق ،ص 17.
13-أبيات من قصيدة : انما يبقى الحياة المقصد
14-أبيات قصيدة :أيها الجابي من الأسد.
15-أبيات من قصيدة : جمل نفسك تربو بالعلف.
16-النبي صلى الله عليه وسلم في شعر العلامة اقبال ، مقال للأستاذ الدكتور ابراهيم محمد ابراهيم ن على موقع الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب على الرابط التالي:
www.wata.cc/forums/showthread.php?38302
17-عبد اللطيف الجوهري ، الشاعر محمد اقبال و خطابه لأمة العرب ، مقال نشر في موقع الألوكة على الرابط التالي:
www.alukah.net/culture/0/47968
18-زكي الميلا، محمد اقبال و تجديد الفكر الديني في الإسلام مقال نشر في موقع ايران و العرب على الرابط التالي:
Iranarab.com/Default.asp?page =view Article
19-د.عبد الباسط بدر، عالمية الأدب الاسلامي ، عن مجلة الأدب الاسلامي ، يمكن تحميل المجلة على الرابط التالي:
Articles.islamweb.net/media/index.php?
20-محمد اقبال و الأدباء السعوديون –الروابط الفكرية- مجلة العربية ، العدد 479 ،سبتمبر 2016.
21-بندكي نامة (رسالة العبودية)
22-اعادة بناء الفكر الديني في الاسلام
23-محمد اقبال و الأدباء السعوديون ،المرجع السابق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 

أضافة تعليق