المرأة في الخطاب الإسلامي المعاصر
نقد الأسلوب الدفاعي
د. أم كلثوم بن يحي
[email protected]
الاستشهاد المرجعي للمقال: مجلة المدونة، مجمع الفقه الإسلامي، الهند، العدد الخامس، رمضان 1436هـ، تموز 2015م، ص،ص: 264-281.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين... أما بعد :
فقد كان الحديث عن المرأة وإشكالية التحرر في مطلع القرن العشرين ضمن الرباعية المفاهمية: المرأة، الشريعة، العادات، الغرب، لا يخرج عن أحد التوجهات التالية: الأول يرى أنّ الشريعة أعطت المرأة المسلمة حقوقاً سلبتها إياها التقاليد والعادات -وأحياناً الرجل- ومنعتها من ممارستها، والثاني يرى أن المرأة المسلمة بدأت تخرج عن أحكام الشريعة الإسلامية باتخاذها تجربة المرأة الغربية مرجعاً ونموذجاً([1])، والثالث يرى أن الإسلام دين استعبد المرأة وامتهن كرامتها.
أما في نهايات هذا القرن أخذ موضوع المرأة منحى جديدا وبدأ يتحرك بوتيرة متسارعة وملفتة للنظر في المجتمعات العربية والإسلامية، وكأن وعياً جديداً ظهر في التشكل حول موضوع المرأة، ولعل السبب في ظهوره تطور التعليم في المجتمعات الإسلامية الذي أنتج حالة صدام بين تطلعات المرأة المتعلمة والموروث الثقافي الذي تحكمه العادات والتقاليد، وقد ساعد عامل التعليم عاملين مهمين أحدهما عالمي ويتمثل في المؤتمرات والاتفاقات الدولية، والثاني تقني يتمثل في تطور شبكات التواصل الاجتماعي الذي دعمت قضايا المرأة ونقلتها للعالم صوتا وصورة([2]).
هذا الصدام الفكري استمد قوته من المفاهيم التي تميزت بالضبابية والجدلية والتي هي أشبه بكرة الثلج تبدأ صغيرة وتنتهي كبيرة، وما كانت لتكون كذلك لو أنها عولجت معالجة فقهية دقيقة من قبل أهل الاختصاص فور طرحها على الساحة الدينية، كمفهوم القوامة والولاية، ومفهوم الاختلاط، وقرار المرأة في البيت والعمل وغير ذلك من المسائل التي ما زالت تفتح للتنظير الفقهي حسب الجو العام للأمة المسلمة وحالتها الدينية التي تتأرجح بين التفريط والإفراط والوسطية.
المحور الأول: المرأة بين تفاضلية الأعراف وتماثلية الغرب وتكاملية الإسلام
1-1 المرأة في نظرية التفاضل العرفية:
تقوم هذه النظرية على تفضيل الذكر على الأنثى، وتدخل حيز التطبيق من لحظة الولادة شعارها في ذلك:"وليس الذكر كالأنثى"، وتستمر في كل جزئيات الحياة في المجتمع الذي تحكمه عادات بدائية بعيدة عن الإسلام الذي منح المرأة حقوقا كاملة تتفق وطبيعتها الجسدية والنفسية، قبل أن تتراكم التقاليد والعادات الغريبة على الإسلام لتغيّب حضورها وتعطّل شراكتها وتستثمر النصوص الدينية لتشييئها وتمليكها للرجل، وقهرها وظلمها وحرمانها من حقوقها الشرعية والإنسانية، في ذاتها وفي أولادها. ([3])
إن هذه النظرية التفاضلية أنتجت مجتمعا يعاني العرج يعتمد على الرجل في كل أموره ويهمش المرأة، ويمنعها من أداء دورها الجوهري في بناء الأمة الإسلامية، تقول السيدة صافي ناز كاظم:" أن حظ المرأة المتعلمة من الالتفات ـ إسلاميًا ـ لمحنة ظلمها الاجتماعي الذي أعادها إلى عذابات موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، تفسير مبتور للآية الكريمة: ﴿وقَرنَ في بيوتكنّ﴾ (الأحزاب:33) بدل إعادتها إلى وضعها الذي قرره لها الإسلام". ([4])
1-2 المرأة المتحررة في نظرية التماثل الغربية:
إن تعاطي الغرب مع المرأة مبني على فلسفة تبني فردية المرأة، وتحولّها إلى كائن قائم بذاته، خارج العائلة والمجتمع والأمة، يتفاعل مع الآخر انطلاقاً من فرديته واحتكاماً إلى قانون المماثلة والمساواة...كحبات الرمل: تتماثل، تتساوى، تتساكن، تتجاور، وتتفارق حين حدوث أي شيء يمس هـذا الكيان الفردي، أو يمنع نماءه ولا يحقق مصالحه من وجهة نظر صاحبه.. فردية متشابكة بنظام قيم مادية لا يثمّن التضحية والإيثار وما يشابههما من مفاهيم تقدّم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، بقرار حر من هذا الواحد الفرد([5]).
هذه الفلسفة أنتجت علاقة تنافسية تروج للحرية على أنها صراع وجود وفرض ذات يقوم على مبدأ المساواة التماثلية بين الجنسين في كل شيء، وكثيرة هي المؤتمرات التي عقدت والاتفاقيات التي وقعت حول المرأة ووضعها في العالم بدءا بميثاق الأمم المتحدة الذي أبرم في سان فرانسيسكوا في 26 جوان 1945م، ومرورا باتفاقية سيداو 1979م التي تبنت القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وانتهاء بمؤتمر بكين1995م.
هذه المؤتمرات والاتفاقيات وغيرها من القديمة والجديدة -مما لا يسعنا المقام لذكرها- ليست إلا تجسيدا لتبعية المرأة والاتجار بجسدها وبعث استرقاقها من جديد في زمن الحرية المقنعة، وإن كانت هذه المؤتمرات والاتفاقيات لا تخلو من بنود تحمي المرأة، ومن أهم النقاط التي ركزت عليها هذه المؤتمرات:
1- اعتبار الدين عاملا رئيسيا في تخلف المرأة وتعرضها للتمييز الجنسي.
2- مساواة المرأة للرجل مساواة مطلقة تعدت حدود الفطرة، والطبيعة الجسدية والعاطفية لكلا الجنسين.
3- الإقرار بالعلاقات الجنسية خارج الأسرة.
4- فرض نمط حياتي واحد على جميع شعوب الأرض دون مراعاة للخصوصية الثقافية والدينية وحتى البيئية لكل شعب.
إن هذه النظرية التنافسية استهوت المرأة وهي شابة وأقصتها وهي مسنة عندما حرمتها دفئ الأسرة وقوامة الرجل وعطف المجتمع، ولنا أن نستأنس بشهادة نساء غربيات أصبحن بفضل الله مسلمات كسمية جيمس التي تقول: "كثيراً ما يعثر على جثة أحد المسنين في بيته بعد موته بأيام، وربما أسابيع، وقد كانت هناك امرأة تحب تربية القطط، وبعد عدة أسابيع من موتها عثر على نصف جثتها في بيتها بعدما ما أكلت قططها نصفها الآخر"،([6]) لا أعتقد أن أي امرأة على سطح المعمورة تريد أن تكون هذه العجوز غربية كانت أو عربية تقدمية كانت أو رجعية، سامية كانت أو بربرية، لكن هذه هي الحياة التي تريدها لنا هذه المؤتمرات عن قصد أو عن غيره.
1-3 المرأة المتحررة في نظرية التكامل الإسلامية:
إن سياسة التماثل المواجهاتي التي أفرزها الفكر الغربي يقابلها التكامل الإنساني في الفكر الإسلامي الذي يجعل من العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وتعاون، لا علاقة تنافس وتضاد، وكيف تكون كذلك والمرأة تختلف عن الرجل بنية وتركيبة جسدية ونفسية.
لقد أحدث الإسلام ثورة سياسة واجتماعية لم يشهد لها التاريخ مثيل فيما يتعلق بالمرأة وسما بإنسانيتها فوق كل ما كان معهودا، وكفل لها حقوقا كانت قبله من المحظورات وجعلها شقيقة الرجل، وشريكته في شرف الاستخلاف على الأرض، وجعلهما مسئولان على السواء على ما عهد به المولى عز وجل إلى الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، (البقرة:30)، هذا هو المنهج الرباني الذي أكد عليه الحبيب المصطفى بقوله –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)([7]) .
ووفق هذا الفهم العميق للإسلام خرَّجتْ المدرسة النبوية نساء كن في عظمة هذه المدرسة وعظمة صاحبها، بين فقيهات وراويات الحديث، وبين مجاهدات بالمال والنفس، وبين سياسيات وشاعرات، إضافة إلى كونهن نجحن بامتياز في مهامهن كزوجات وأمهات، فكن أمهات ومربيات مرشدات لجيل التابعين خير الأجيال بعد جيل الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن المرأة المحمدية لم تكن أبدا محلا للامتهان، ولا وعاءً للإنجاب فقط، بل كانت عنصرا مؤسسا للدولة الإسلامية، وحتى زواجه صلى الله عليه وسلم وتعدده كان لأهداف سامية تتنوع بين هدف اجتماعي وآخر ديني أو سياسي، حيث عملت أمهات المؤمنين دوار رائدا في نشر الدعوة المحمدية والدفاع عنها لما جلسن للفتيا ورواية الحديث، كما وضعن إلى جانب الرسول أسس الدولة لما اشتركن في الحياة السياسية، واشتركن معه في غزواته وحروبه، ثم أكملن المشوار بعزم أكبر وإصرار أكثر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
كما كانت المرأة في عهد الراشدي مرجعا مهما يعتد به في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أكثرهن رواية للحديث السيدة عائشة التي بقيت قرابة نصف قرن بعد الحبيب المصطفى تروي أحاديثه وتنقيها من المكذوب والضعيف، فقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، يقول فيها أبو موسى:" ما أشكل علينا أصحاب محمد حديثا قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"([8]).
إن المرأة المسلمة هي من حفظت سنة الحبيب المصطفى ابتداء من السيدة عائشة وانتهاء بباقي الصحابيات، حيث وقع تعمد الكذب في الحديث عن الرسول صلى الله عليه من الكثير من
الرجال الذين حصرتهم كتب الجرح والتعديل، بينما لم يقع ذلك من النساء على كثرتهن بشهادة إمام الجرح والتعديل شمس الدين الذهبي:" وما علمت من النساء- أي من اتهمت بالكذب- ولا من تركوها"([9])، أما بالنسبة لحفظ القرآن الكريم فكان شرف ذلك من نصيب أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، فهي صاحبة النسخة الورقية للقرآن التي استنسخ منها سيدنا عثمان النسخ التي وزعت على الأمصار.
المحور الثاني: المرأة في الخطاب الإسلامي المعاصر وثنائية التنظير والتطبيق
نميز هنا بين نوعين من الخطاب الإسلامي حول المرأة، خطاب داخلي موجه للمسلمين في البلاد العربية والإسلامية، وخطاب خارجي موجه للغرب.
2-1 الخطاب الداخلي:
أولا: مآخذ على التنظير
ما يؤخذ على كثير من الدعاة الذين حالوا التنظير الفقهي لدور المرأة المجتمعي أنهم لم يخرجوا عن النسخة المكررة ذات العناوين المكررة، والشواهد المكررة والتي لا تخرج عن أحد الأساليب التالية:
- الأسلوب النمطي:
ويقصد به طريقة تناول موضوع المرأة في الخطاب الإسلامي والتي في كثير من الأحيان لا تخرج عن الأبجديات الأدبية التي سار عليها الدعاة من بداية القرن العشرين، والتي يستهل فيها الكاتب خطابه بالحديث عن واقع المرأة في قبل الإسلام في الحضارات القديمة وعند عرب الجاهلية، ثم يفصل في مسألة تحرير المرأة في الإسلام، ثم يتوقف بإسهاب عند واقع المرأة في أوروبا ما قبل عصر النهضة، ثم المرأة في أوروبا المعاصرة وما جنته عليها المواثيق الدولية من انحلال وضياع، ليختم بتحذير شديد اللهجة للمرأة المسلمة من أن تنجرف نحو التيار العلماني التغريبي، وليخلص إلى أهم التوصيات في خطابه بضرورة وعي المرأة بمسئوليتها تجاه المجتمع.
إننا عندما وصفناه بالنمطي لا نقصد التقليل من شأنه ولا من أهدافه ولا من صحة ما ذهب إليه، لكنه خطاب يراوح مكانه لا جديد فيه، خطاب يتحدث عن الواجب أكثر من تحدثه عن الحق، خطاب لا يستشرف المستقبل ولا يصنعه، ولا يلامس جوهر المرأة المعاصرة ولا يسهم في صقله وتشكيله الشكل الإسلامي المعاصر الذي يمنحها قوة الشخصية والقدرة على الاستمرارية معتزة بهويتها المحمدية وسط العولمة الفكرية التي يروج لها المنتصر سياسة وقوة وفكرا.
- أسلوب الممانعة:
وهو أسلوب يعتمد على الشحن العاطفي أكثر من اعتماده على التنظير الفقهي الذي يوظف فقه الواقع، ويساعده في ذلك البيئة المجتمعية الميَّالة إلى الجمود الديني والثقافي، والمحاطة بالقهر حيال المجتمع الخارجي حينا، والتخلف والبطالة حينا، المقيدة بالعرف أحيانا كثيرة.
كما أنه أسلوب يصنف المرأة كعامل رئيس في تخلف المسلمين والانحطاط الأخلاقي ويختزل عودة المسلمين لدينهم في عودة المرأة إلى حجابها، وإلى قرارها في بيتها، ويشدد عليها في عملها، وهذا وإن كان حقيقة فهو ليس كل الحقيقة؛ لأن المجتمع متخلف ليس لأن المرأة انحرفت عن مسارها بل لأن المجتمع بعنصريه الرجل والمرأة وبفئاته المجتمعية كلها انحرف عن المسار الرباني.
- التكرار والهروب من المسائل الجدلية خشية التعرض للرفض والاتهام:
وهو أسلوب يفتقد التجديد والتنظير الواقعي، ينتهج التكرار والإطناب في الحديث عن المثاليات، يكرر أقوال من سبقوه من المشايخ، ويعيد شرحها ويذيلها بالحواشي المكررة، مغفلا أو متغافلا أن من كتب عنهم عاشوا زمنا غير زمانه، وظروفا غير ظروفه، وتحديات غير تحدياته، يتحدث عن دور المرأة وكيف أنها أخلت به متناسيا دور الرجل والمجتمع بجميع أطيافه، وكل ذلك خشية أن يتهم في دينه، أو يتعرض فكره للرفض، وهو يكشف حالة العجز والهروب التي تعيشها الساحة الإسلامية على مستوى المسائل العالقة والحساسة والتي تحتاج تدخلا عاجلا من فقهاء الأمة.
ولعل أكثر العلماء جرأة وشجاعة في هذا المجال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه: "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة" الذي يعتبر أحد أهم المؤلفات النقدية في التفكير الديني، فهو يحتوي على ثورة إصلاحية تستنهض الفكر الديني، وتنفض عنه الرواسب الجامدة، والموروثات الجاهلة، والتقاليد الراكدة، والمذاهب الوافدة([10]).
ثانيا: مآخذ على التطبيق
- استحواذ المسائل الأخلاقية على الخطاب الموجه للمرأة على حساب مسائل التنمية والتعليم:
كثير ممن كتبوا عن المرأة ركزوا على المسائل الأخلاقية، وبخاصة السفور والاختلاط والتشبه بالكفار، وغيرها من الظواهر المرضية التي تستدعي معالجة فورية من الدعاة، لكنهم في المقابل أهملوا عدة جوانب لا تقل أهمية عن الجانب الأخلاقي كالأمية المتفشية بين النساء المسلمات، والعنف ضد المرأة، وتنمية المرأة المسلمة علميا ومهنيا لتأخذ مكانها الصحيح والمؤثر في بناء الحضارة الإسلامية كما وقفت قبلها الصحابيات جنبا إلى جنب مع الصحابة في بناء المشروع الإسلامي الذي أنتج إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف.
- حالة الانفصال بين التنظير الفكري لقضايا المرأة والواقع المعاش لها:
كثير من الدراسات الإسلامية التي تناولت موضوع المرأة هي دراسات لا تقدم حلول فعلية لوضع المرأة المتدهور في المجتمعات الإسلامية، فكثير من المسائل العالقة ما زالت تحتاج إلى تنظير فقهي دقيق يزيل اللبس حولها كمسؤولية الإنفاق على الأسرة ومرتب الزوجة، مفهوم القوامة، العنف الأسري، مشاركة الزوج في الأعمال المنزلية، وغيرها من القضايا النابعة من الواقع المعاش يوميا في مجتمعاتنا والتي يجب أن نعالجها المعالجة السليمة بأسلوب تقدمي متحضر([11]).
هذا الوضع الذي تعانيه المرأة المسلمة ليس وضعا جديدا إنما هو وضع قديم جديد، إننا حينما نقرأ مثلا لمحمد قطب وهو يصف وضع المرأة في وقته، نشعر أنه وضع مستصحب إلى وقتنا الحالي مع زيادة في السوء، يقول الشيخ محمد قطب:" إن الوضع السيئ الذي تعانيه المرأة الشرقية يرجع إلى ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وسيكولوجية ينبغي أن نلمّ بها، لنعلم من أين تأتينا هذه المفاسد، ونكون على هدى ونحن نحاول الإصلاح، هذا الفقر البشع الذي يعانيه الشرق منذ أجيال عدة، هذا الظلم الاجتماعي الذي يجعل قوماً يغرقون في الترف الفاجر، وغيرهم لا يجد لقمة الخبز والثوب الذي يكسو به العورات، هذا الكبت السياسي الذي يجعل من الحكام طبقة غير طبقة المحكومين، هذا الظلام التعس والإرهاق العصبي الذي يعيش فيه سواد الشعوب نتيجة هذه الظروف.. هذا كلّه هو المسئول عما تعيش فيه المرأة من الذلّ والاضطهاد، إن ما تحتاج إليه المرأة هو «عواطف» الاحترام والمودة بينها وبين الرجل. وأين تنبت هذه العواطف؟ في الفقر المدفع والكبت المرهق للجميع؟!" .([12])
ويضاف إلى المآخذ السابقة مآخذ أخرى لا تقل أهمية منها:
1- ضعف التأثير الملموس والقدرة على التغيير في بعض الخطابات الموجهة للمرأة، حيث أن غالبية النساء لهم أحكام مسبقة على هذا النوع من الخطابات بناء على قراءات سابقة.
2- كذلك يلاحظ غياب دراسات ميدانية عميقة حول أوضاع المرأة المسلمة الراهنة، ونسبة الأمية والنشاط الاجتماعي للمرأة خارج الأسرة، وكذلك نسبة الإبداع العلمي والفكري بين النساء، حيث أن أغلب الدراسات هي دراسات غربية، أو عربية ذات توجهات معارضة للتوجه الإسلامي، وبناء على ذلك يتم التشكيك فيها، غير أنه من غير الإنصاف أن نطلب من الناس عدم تصديق الرواية الغربية بدعوى زيفها، ونحن لا نملك الرواية الصادقة بل أننا حتى لم نبذل الجهد في تكوينها.
2-2 الخطاب الخارجي:
يتميز هذا النوع من الخطاب في كثير من الأحيان بانتهاجه الأسلوب الدفاعي، وتسخر فيه كل القدرات العلمية والملكات الفكرية للدعاة لتفنيد مزاعم الغرب حول المرأة في الإسلام، وهو بذلك مقيد بالنظرة الغربية ما يجعله يغفل أساس هذا الخطاب وهو المرأة فيعتمد التنظير الفكري لنفي الشبهات عن الإسلام أكثر من اهتمامه بالمرأة موضوع الخطاب وحالتها المجتمعية.
صحيح لهذا النوع من الخطاب دور هام في التعريف بالإسلام الصحيح وبمكانة المرأة في الإسلام، لكن الغربي الذي يوجه له الخطاب يرى تناقضا صارخا بين دفاع الدعاة عن المرأة في الإسلام وبين واقعها المعاش في المجتمعات الإسلامية بخاصة التي تعرف اضطرابات سياسية وطائفية.
وللمرأة الغربية نظرة سطحية عن المرأة المسلمة تشكلت من وسائل الإعلام التي صورت المجتمعات الإسلامية تصويرا مغلوطا ينافي الحقيقة الكاملة، معتمدة في ذلك مبدأ التعميم، ثم التخويف والتحذير، فالمرأة المسلمة في عيون المرأة الغربية هي امرأة مظلومة مقهورة لعدة أسباب منها:
- أنه لا مساواة في الإسلام بين الرجل والمرأة إطلاقا.
- أن مكانة المرأة في الإسلام نصف مكانة الرجل في الميراث وفي الشهادة.
- لا حق للمرأة المسلمة في طلب العلم، ولا في العمل.
- لا حرية للمرأة المسلمة في اختيار شريك حياتها"زوجها".
- أن المرأة المسلمة تباع للرجل مقابل المهر الذي يدفعه مقابل الاستمتاع بها، وبغيرها من النساء عن طريق التعدد.
- من حق الرجل ضرب زوجته وتأديبها في الإسلام.
- الطلاق في الإسلام من حق الرجل ولو كان تعسفيا، ولا حق للمرأة في ذلك.
- أن الإسلام يحبس المرأة ويفرض عليها الحجاب.
- أن الرجل المسلم موعود بحور العين في الجنة، بينما أكثر أهل النار من النساء([13]).
ويضاف إلى ما ذكر سابقا أن المرأة المسلمة مازالت في بعض الأقطار تناضل من أجل قضايا تعتبر من المسلمات لدى المرأة الغربية كالانتخاب والتعليم وسياقه السيارة والسفر والاستقلال المادي، وقوانين الجنسية الذي تحرم الأم من منح جنسيتها لأبنائها، وتجعل ذلك حكرا على الأب.
لكن هذا الترويج الغربي لوضع المرأة المسلمة يفنده مفكرو الغرب أنفسهم، كالمؤلف الفرنسي هنري دي كاستري الذي يقول:" من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئا مملوكا لزوجها لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية من شانها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية.... "([14])، ويواقفه الباحث الفرنسي المعاصر جاك ريسلر:".. لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث, وأن تورث, وأن تشتغل بمهنة مشروعة لكن مكانها الصحيح هو البيت، كما أن مهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالا ..وعلى ذلك رسم النبي صلى الله عليه وسلم واجبها(أيما امرأة مات زوجها , وهو راض عنها, دخلت الجنة"..وفي الحق أن تعدد الزوجات, بتقييده الانزلاق مع الشهوات الجامحة, قد حق بهذا التشريع الإسلامي تماسك الأسرة , وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني ".([15])
المحور الثالث: تجديد الخطاب الإسلامي المعاصر
3-1 أسباب الضعف الفكري عند المرأة
لكي يتم تجديد الخطاب الإسلامي المعاصر لابد أولا من الوقوف على أسباب الضعف الفكري عند المرأة وهي كثيرة نذكر منها:
- غياب الوعي عند المرأة:
تتحمل المرأة قدرا كبيرا من المسئولية عن الحالة التي آلت إليها وضعيتها في المجتمعات الإسلامية، ذلك أنها ما زالت المرأة تعاني من أوهام ومفاهيم خاطئة صارت ثقافة متوارثة أباً عن جد، وغدت نفسها تروج لها، رغم ما حققته من تقدم وتحرر على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية، فكثيرا ما تتعرض المرأة إلى لا يقبل شرعا من الضرب والتحقير والاستيلاء على المال، والحرمان من الدراسة وغير ذلك من الممارسات البغيضة التي تمارس باسم القوامة، وتصطبغ في كثير من الأحيان بصبغة الدين من قبل أشخاص علمهم الشرعي قليل، وزادهم من التقوى ضئيل.
فمن المؤسف أن يجد ممارسو العنف الجسدي واللفظي والنفسي ضد المرأة البيئة المساعدة حيث تعاني شريحة واسعة من المجتمع من أمراض نفسية تتعلق بمفهوم خاطئ متمثل في تفوق الرجل على المرأة، فضلا عن النظرة الدونية للمرأة وخاصة في المجتمعات التقليدية حيث العادات والتقاليد هي الفيصل في الحكم،([16]) يقول المفكر الفرنسي مارسيل بوازار:"..ليس في التعاليم القرآنية ما يسوغ وضع المرأة الراهن في العالم الإسلامي . والجهل وحده, جهل المسلمة حقوقها بصورة خاصة , هو الذي يسوغه .... ".([17]) ويقول المستشرق الانجليزي هاملتون كب:" حين ننتهي من حذف الانحرافات (الفقهية المتأخرة) وشجبها, تعود تعاليم القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم الأصلية إلى الظهور في كل نقائها ورفعتها وعدالتها المتساوية إزاء الرجل والمرأة معا، عندئذ نجد أن هذه التعاليم تعود إلى المبادئ العامة وتحدد الفكرة التي تجب أن توضع ويطبق القانون بمقتضاها أكثر من أن تعين صيغا حقوقية حاسمة، وهذه الفكرة, فيما يخص المرأة , لا يمكنها إلا أن تكون نابضة بالود الإنساني وبشعور الاحترام لشخصيتها والرغبة في محو الأضرار التي ألحقها بالمرأة سير المجتمع سيرا قاسيا وناقصا فيما مضى، وبعدما ننتهي من استخلاص هذه الفكرة وهضمها, يمكننا أن نفهم التشريع الخاص بالقرآن فهما صحيحا، حالما نتوصل إلى ذلك نرى أن الموقف الإسلامي تجاه المرأة, والطريقة الإسلامية في فهم شخصيتها ونظامها الاجتماعي, وطريقة حماية التشريع الإسلامي لها, تفوق كثيرا ما هي عليه في الديانات الأخرى"([18]).
- غياب قيادة نسوية فاعلة متحدة الرؤية والصف:
ليس المقصود من الغياب هو انعدام هذا النوع من النساء، إذ لا تخلو الساحة الإسلامية من نساء فاعلات قادرات على الانجاز، لكن المقصود هو الكم الموجود الذي يستطيع متحدا قيادة سفينة التجديد والبث في المسائل الجدلية حول المرأة جنبا إلى جنبا مع الرجل؛ لأن الرجل مهما دافع عن وضع المرأة في الإسلام فهو يدافع بالوكالة، وليس من يدافع بالوكالة كمن يدافع أصالة، بشهادة المرأة نفسها، حيث تقول الدكتورة منى يكن:" لا تزال المرأة المسلمة مبعدة عن دورها الاجتماعي والحياتي إلى حد كبير، ولا يزال هاجس إبقائها على الهامش ينغص عيشتها، ويقلق راحتها، ويقصيها عن الحركة، وتبقى مسألة الاعتراف للمرأة بفاعليتها، ودورها، وعدم فرض الوصايا العمياء عليها من أهم القضايا التي تشغل بالها"([19])، ويقول الإمام الغزالي: "المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في برامج التربية، ولا نظم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد، ولا ميادين الجهاد. ذكر اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش.. والحق أن قضايا المرأة تكتنفها أزمات عقلية وخلقية واجتماعية واقتصادية، والأمر يحتاج إلى مراجعة ذكية لنصوص وردت، وفتاوى توارثت، وعادات سيئة تترك طابعها على أعمال الناس، لابد من دراسة متأنية لما نشكو منه، ودراسة تفرق بين الوحي وما اندس فيه، وبين ما يجب محوه أو إثباته من أحوال الأمّة..".([20])
إن ما نصبو إليه اليوم قبل الغد شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في النهضة بل وقائدات لها، بهذا لا بغيره تنهض أمتنا إن كنا نحمل هم النهضة محمل الجد لا محمل التنظير السطحي والاجترار الذي لا يسمن ولا يغني من تخلف.
- استغلال الوازع الديني لوقف حركة المرأة التقدمية:
كثيرا ما يحدث للمرأة التي تملك الكفاءة العلمية والعملية، والقادرة على إحداث تغيير في المجتمع إرباك وتشويش فكري وديني عليها من قبل المجتمع المدجج بفتاوى بعض علماءه، لتجد نفسها مجبرة على الرجوع بخطواتها إلى نقطة الصفر، عندما يصور لها أن ما تقوم به ابتداع وخروج عن الشرع، وتشبه بغير المسلمين وما يقابل ذلك من وعيد ونهي وتشديد وتلبيس؛ لتجد المرأة المسلمة والتي تحمل قلبا مهموما بهموم الأمة وفكرا مستنيرا نفسها تدور في حلقة مفرغة يصعب عليها الخروج منها لأنها مسيجة بسياج الدين، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:" إن البيئات المتدينة في أرجاء شتى من العالم الإسلامي تتسم بالقصور والجمود، وتشدها إلى التراب طبائع معتلة، والجو الذي تحيا فيه يخالف مخالفة تامة جو القرآن الكريم المليء بالصحو والضوء والتألق والانطلاق".([21])
- حالة الخمول الفكري الذي تعاني منه المرأة بعد الزواج والإنجاب:
إضافة إلى انعدام الوعي عند المرأة والذي صنفناه كسبب رئيس للوضع الذي تعيشه، هناك سبب آخر متعلق بالمرأة ذاتها، وهو حالة الخمول الفكري الذي تعيش فيه بعد الزواج والإنجاب، وهذه ظاهرة قد لا يختلف عليها اثنين، وإذا كان علماء المسلمين الأوائل تفطنوا لهذا الخطر في إهمال دور المرأة خارج حدود الأسرة فمن باب أولى أن يتفطن العلماء المعاصرون لهذا الخلل الكبير في ظل التحديات الكثيرة كثرة أعداء هذه الأمة وكثرة مصائبها.
- أساليب المرأة التربوية مع ابنها رجل المستقبل:
إننا عندما نتحدث عن الظلم الذي يقع على المرأة الشرقية وبخاصة من الرجل يجب أن نتوقف قليلا ونطرح السؤال التالي: من أي مدرسة تخرج هذا الرجل، ثم نتذكر قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
إن الرجل الشرقي المتسلط الذي كون المجتمع الذكوري في البلاد الإسلامية، هو بالأساس طفل تربى على يدي أمه(المرأة)، فنَعِم بالتفضيل من الأنثى على الأنثى لمجرد كونه ذكر، ومُنِح حقوقا وامتيازات من الأنثى فقط لأنه ذكر ما يعزز عنده مبدأ أفضلية الذكر على الأنثى، ومن شب على شيء شاب عليه.
3-2 حلول عملية للارتقاء بوضع المرأة المسلمة في الخطاب الإسلامي المعاصر الداخلي والخارجي:
أ- استثمار الهدي النبوي في التعامل مع المرأة:
كان للمرأة المسلمة في المدرسة المحمدية دورا بارزا لا يقل أهمية عن شقيقها الرجل، ولم يقتصر دورها على ما يحاول قاصري الفهم من أمتنا حصره في أعمال بيتية وتربية للأولاد على عظم هذه الأعمال وعظم قدرها، لكن كانت إضافة إلى ذلك موضع مشورة للرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مؤثرة في قراره السياسي، وكانت مهاجرة ومجاهدة وشهيدة، وعالمة وأديبة وشاعرة وفقيهة.
إننا إذا كنا حقا نسعى لفك العزلة عن المرأة المسلمة ونرجو إشراكها في عملية التنمية لا بد من استثمار الهدي النبوي في كيفية معاملة المرأة، حيث يبرز الرجل كعنصر هام في مساعدة المرأة في ذلك من خلال مد يد العون لها وتفهم تعدد انشغالاتها التي فرضها العصر الذي نعيش فيه، ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم خير قدوة، فهو الزوج المساعد المتفهم والغير متطلب في زمن بسيط مهام المرأة فيه واضحة وبسيطة والتحديات قليلة، إضافة إلى تعدد زوجاته ما يخول له الاعتماد التام عليهن، على خلاف الوضع الحالي حيث التحديات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وحيث المرأة في حاجة ماسة إلى رجل يقتدي بالحبيب المصطفى الذي تصفه السيدة عائشة فتقول عندما سئلت عن ما كان يصنع الرسول في بيته:" كان في مهنة أهله، وإذا حضرت الصلاة قام إليها"([22])، وفي رواية الطبري:" كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم ويقم في البيت ويعين الخادم في خدمته"([23]).
ب- استثمار وتوظيف فكر معتنقات الإسلام في كتابة الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة:
لعل أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، النساء الغربيات اللواتي اعتنقن الإسلام؛ ذلك لأنهن ولدن في البيئة الغربية وتربين على الطريقة الغربية واستطعن بصفاء فكرهن من جهة وبفهمهن العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقن الإسلام، كما استطعن في كثير من الأحيان أن يدافعن عنه أحسن ممن ولدن مسلمات؛ لأن لهن قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إن أقل ما يمكن فعله شكرا لله على نعمة الإسلام، ورغبة في نشر تعاليمه السمحة في أرجاء المعمورة، هو نشر هذا النوع من الفكر المستنير وتوظيفه لخدمة الإسلام، والتعريف به عند غير المسلمين، بل وحتى تثبيت أقدام شبابنا المسلم الذي خدعته مظاهر الحضارة الغربية، وبخاصة المرأة المسلمة، كشهادة الألمانية التي اعتنقت الإسلام منى عبد الله ماكلوسكي:" ... إن المرأة المسلمة معززة مكرمة في كافة نواحي الحياة, ولكنها اليوم مخدوعة مع الأسف ببريق الحضارة الغربية الزائف، ومع ذلك فسوف كتشف يوما ما كم هي مضللة في ذلك, بعد أن تعرف الحقيقة ". ([24])
كما يمكن لنا أن نستثمر شهادة النساء الغربيات اللواتي نسبن الفضل لأهله، فيما يتعلق بسبق الإسلام في احترام المرأة كزيغريد هونكه التي تقول:" إن احترام العرب لعالم النساء واهتمامهم به ليظهران بوضوح عندما نرى أنهم خصوه بفيض من العطور وبأنواع الزينة, التي وان لم تكن غير مجهولة قبلهم, إلا أنها فاحت بثروة الشرق العطرية الزكية, وبالأساليب الفائقة في تحضيرها، كذلك فإن العثنون الذي كان يزين الوجوه الحليقة, منذ حملات الصليبيين, على طريقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أصبح نموذجا يقلده الرجال".([25])
ومن الشهادات الكثيرة التي يمكن توظيفها للفصل في بعض المفاهيم الخاطئة حول دور المرأة في المجتمع المسلم، شهادة الإنجليزية المسلمة ايفلين كوبولد التي تقول فيها:" لم تكن النساء (المسلمات) متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشا منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة". ([26])
ثم تقول في موضع آخر عن مفهوم القوامة والدرجة كما عهدته في الغرب، ثم وجدته فريدا عظيما في الإسلام:" لما جاء الإسلام رد للمرأة حرياتها, فإذا هي قسيمة الرجل لها من الحق ما له وعليها ما عليه ولا فضل له عليها إلا بما يقوم به من قوة الجلد وبسطة اليد, واتساع الحيلة, فيلي رياستها فهو لذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه وينفق عليها من كسب يده , فأما فيما سوى ذلك فهما في السراء والبأساء على السواء. ذلك ما أجمله الله بقوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾، وهذه الدرجة هي الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق, وكما قرن الله سبحانه بينهما في شؤون الحياة, قرن بينهما في حسن التوبة وادخار الأجر وارتقاء الدرجات العليا في الدنيا والآخرة، وإذا احتمل الرجل مشقات الحياة, ومتاعب العمل وتناثرت أوصاله, وتهدم جسمه في سبيل معاشه ومعاش زوجه فليس ذلك بزائد مثقال حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها وأحسنت القيام في شأن دارها. "([27])
وتقول في موضع آخر مفندة مزاعم الغرب حول اضطهاد الإسلام للمرأة:"كتبت اللادى ماري مونتكاد, زوجة السفير الإنكليزي في تركيا إلى شقيقتها تقول : (يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب, وهو ما أود تكذيبه فان مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها, ولولا أنني في تركيا, وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك سبيل, وإني استمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى, لذهبت اصدق ما يكتب هؤلاء الكتاب, ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم, ولا أبالغ إذا أقررت لك أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في الآستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوروبا ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية....))". ([28])
ولنا أن نستثمر دفاع السيدة سالي جان مارش عن ما يسميه البعض القيود التي يفرضها الإسلام على المرأة:".. على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل الإسلام, فإن هذه القيود ليست إلا ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها ولخير الأسرة, والحفاظ عليها متماسكة قوية, وأخيرا فهي لخير المجتمع الإسلامي بشكل عام".
وفي المقابل يجب أن نقف وقفة جدية عند السلبيات التي تطرقت لها السيدات الغربيات المسلمات عندما تحدثن عن مآخذهن على المسلمين، وهي كثيرة نأخذ منها:
1- أن عدم التزام المسلمين - المقيمين بالغرب على الأخص- بالإسلام لا يؤثر فيهم فقط بل يؤثر في غيرهم من غير المسلمين، إذ يعطي صورة مشوهة عن الإسلام.
2- أن المسلمين المقيمين في الغرب لا يبذلون الجهد الكافي والصبر الجميل في التعريف بدينهم، وهو ما يراه المسلمون الجدد تقصير منهم باعتبار الإسلام آخر الديانات وموجه للبشرية جمعاء.
ج- توظيف كتابات المؤلفين الغرب عن الإسلام:
من الكتب التي تناولت الإسلام بموضوعية عالية: "إنسانية الإسلام" لمارسيل بوازار، و"الطريق إلى مكة" لليوبولد فايس (محمد أسد)، و"دفاع عن الإسلام" للورا فيشيا فاغليري، ودراسات في حضارة الإسلام ، والاتجاهات الحديثة في الإسلام لهاملتون جب وغيرهم كثير. ([29])
ومن الشهادات المشرقة عن الإسلام شهادة المستشرق الفرنسي اميل درمنغم صاحب كتاب" حياة محمد"حيث يقول:" من المزاعم الباطلة أن يقال إن المرأة في الإسلام قد جردت من نفوذها زوجة وأما كما تذم النصرانية لعدها المرأة مصدر الذنوب والآثام ولعنها إياها , فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين وان المرأة فيه لا تحسد بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا, ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي ,ولا يجهل الإسلام ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري"([30]).
وشهادة المفكر والقانوني مارسيل بوازار:" أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم أنها حامية حمى حقوق المرأة التي لا تكل ....".
وشهادة الطبيب والمؤرخ الفرنسي كوستاف لوبون:" إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب, وقد ظهر مما قصه المؤرخون انه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثا في أوربة..إن الأوربيين اخذوا عن العرب مبادىء الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة، فالإسلام إذن لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه, وذلك خلافا للاعتقاد الشائع، وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئا من الحرمة للنساء, وإذا تصفحت كتب التاريخ ذلك الزمن وجدت ما يزيل كل شك في هذا الأمر, وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى ". ([31])
وشهادة الدكتور نظمي لوقا:" (( ليس الإسلام-على حقيقته-عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة، بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة لا يفضلها إلا بفضل, ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال، وذلك حسب عقيدة لتكون صالحة لكل طور اجتماعي على تعاقب الأطوار والعصور, على سنة العدل التي لم يجد لها عصرنا اسما أوفق من (تكافؤ الفرص), الذي يلغي كل التفريق, ويسقط كل حجة, ويقضي على كل تميز إلا بامتياز ثابت صحيح".([32])
وشهادة المسلم من أصل أمريكي جاري واندر:" من خلال معايشتي للمسلمين اكتشفت العلاقة الرائعة بين أفراد الأسرة المسلمة , وتعرفت كيف يعامل الآباء المسلمون أبناءهم , وعرفت العلاقة الوثيقة التي تربط أفراد الأسرة المسلمة , كما أعجبت بالمكانة التي يتمتع بها كبار السن بين المسلمين، وفي الوقت الذي أجد فيه كبار السن في الغرب وفي بلادي أمريكا , قمة الحضارة الغربية المادية المعاصرة, يلقى بهم في مؤسسات العجزة, وينبذون فلا يلتفت إليهم احد, أجد الجد والجدة المسلمين في مركز الأسرة وبؤرتها من حيث الحفاوة والتكريم، لقد أحببت ذلك كثيرا ...".([33])
قد يعترض البعض على توظيف نصوص المستشرقين في الدفاع عن الإسلام، ويسارع إلى التشكيك في نواياهم الخفية والجلية، إلا أنه ليس عيبا ولا عارا ولا مخالفا للشرع أن نستأنس بأقوال لمفكرين أنصفوا الإسلام أكثر من أبنائه سواء كانوا ممن بهروا بالحضارة الغربية وتنكروا لدينهم، أو كانوا ممن جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة فهم الإسلام الصحيح.
كما أنه ليس من الكفر أن نذكر ما للغرب من محاسن تفوق فيها على المسلمين، ففي صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس"، فقال له عمرو :"أبصر ما تقول"، قال:" أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال-يعني عمرو بن العاص-:" لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك"([34])، أكاد أجزم لو أن أحد من المشايخ والدعاة كان هو قائل هذه العبارة لوجد من يصفه بالعلماني وبالمغترب، ومن يذهب إلى حد تكفيره.
الخاتمة:
بعد هذا العرض المختصر لوضع المرأة في المجتمعات الإسلامية، وطريقة تعامل الدعاة مع الخطاب المكتوب عنها أو لها، نخرج بحقيقة واضحة للخواص والعوام مفادها أن هذا النوع من الخطاب يواجه تحديات جبارة على مستوى التنظير الفقهي، وعلى مستوى التطبيق الواقعي، وعلى مستوى الخطاب الخارجي، وبناء عليه يتحتم على كل من يكتب في هذا النوع من الخطاب أن يعي أهمية ما يكتب فيه وما يكتب عنه، وأن يرفع التحدي ويشد الحزام إذا كنا فعلا صادقين في نصرتنا لهذا الدين وفي التعريف به للآخرين.
قد أكون كامرأة مسلمة محظوظة بأن حققت الكثير مما كنت أريده في حياتي، وأتساءل هل هذا مدعاة للفخر والبهجة، ثم أتذكر أحوال الأمة عامة والمرأة المسلمة خاصة فتتحول البهجة إلى غضبة قلبية وذبحة فكرية، ويتحول الفخر إلى شعور بالمسئولية يتعاظم شيئا فشيئا في وجداني لأسأل نفسي مجددا بعد سؤال الفخر: هل سنحاسب كمسلمين عن غيرنا من غير المسلمين لأننا في زمن القرية الكونية لم نعرفهم بالإسلام كما أراده الله ورسوله، بل قد نكون سببا في عزوفهم عنه، هل نعيش حياة الضلال والإضلال؟؟؟؟؟
قائمة المراجع:
- الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط (2)،1405هـ، 1985م.
- الألباني، صحيح سنن أبي داوود، مكتبة المعارف- الرياض، ط (2)، 1421ه.
- الحكيم، سعاد ، المرأة المسلمة نحو تأصيل لنموذج عالمي، مجلة التفاهم، العدد:20 ، 2007م، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=477
- خليل، عماد الدين، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، ط(1)، 1992م.
- أبو داوود، سنن أبي داوود، دار الفكر، بيروت، لبنان.
- الفكر الحركي الإسلامي وسبل تجديده. ندوة: مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، الكويت: الأمانة العامة للأوقاف، ط1، 1993م.
- فوزية العشماوي، تجديد الفكر الإسلامي منهج التعامل مع قضايا المرأة المسلمة، المؤتمر العام الواحد والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
- الغزالي، محمد، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، ط6، 1996م، دار الشروق، القاهرة.
- الغزالي، محمد، تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، ط4، 1996م، دار الشروق، القاهرة.
- ابن سعد، محمد بن منيع، الطبقات الكبرى، دار التحرير للطبع والنشر، القاهرة، 1967م/ 1970م.
- السيوطي، جلال الدين، طبقات الحفاظ، تحـ: محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1973م.
- صافي ناز كاظم، في مسألة السفور والحجاب، 1982م، القاهرة، مكتبة وهبة.
- الطبري، محب الدين، السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، دار الحديث، القاهرة.
- محمد قطب، واقعنا المعاصر، دار الشروق، القاهرة.
- الميلاد، زكي، الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة، مجلة الكلمة، السنة الثامنة، العدد:30، 2001م-1421هـ.
- النووي، يحي بن شرف ، شرح النووي على مسلم1996م، دار الخير.
- بن يحي أم كلثوم، الموروث الديني وثقافة العنف في المجتمع، الواقع والمأمول، بحث مقدم إلى الملتقى الوطني حول دور التربية في الحد من ظاهرة العنف الذي نظمه مخبر الأرغنوميا والوقاية يومي 07 و08 ديسمبر 2011، جامعة الجزائر 2، بوزريعة، الجزائر.
- Summayya James: My Journey To Islam, English woman's story.
نقد الأسلوب الدفاعي
د. أم كلثوم بن يحي
[email protected]
الاستشهاد المرجعي للمقال: مجلة المدونة، مجمع الفقه الإسلامي، الهند، العدد الخامس، رمضان 1436هـ، تموز 2015م، ص،ص: 264-281.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين... أما بعد :
فقد كان الحديث عن المرأة وإشكالية التحرر في مطلع القرن العشرين ضمن الرباعية المفاهمية: المرأة، الشريعة، العادات، الغرب، لا يخرج عن أحد التوجهات التالية: الأول يرى أنّ الشريعة أعطت المرأة المسلمة حقوقاً سلبتها إياها التقاليد والعادات -وأحياناً الرجل- ومنعتها من ممارستها، والثاني يرى أن المرأة المسلمة بدأت تخرج عن أحكام الشريعة الإسلامية باتخاذها تجربة المرأة الغربية مرجعاً ونموذجاً([1])، والثالث يرى أن الإسلام دين استعبد المرأة وامتهن كرامتها.
أما في نهايات هذا القرن أخذ موضوع المرأة منحى جديدا وبدأ يتحرك بوتيرة متسارعة وملفتة للنظر في المجتمعات العربية والإسلامية، وكأن وعياً جديداً ظهر في التشكل حول موضوع المرأة، ولعل السبب في ظهوره تطور التعليم في المجتمعات الإسلامية الذي أنتج حالة صدام بين تطلعات المرأة المتعلمة والموروث الثقافي الذي تحكمه العادات والتقاليد، وقد ساعد عامل التعليم عاملين مهمين أحدهما عالمي ويتمثل في المؤتمرات والاتفاقات الدولية، والثاني تقني يتمثل في تطور شبكات التواصل الاجتماعي الذي دعمت قضايا المرأة ونقلتها للعالم صوتا وصورة([2]).
هذا الصدام الفكري استمد قوته من المفاهيم التي تميزت بالضبابية والجدلية والتي هي أشبه بكرة الثلج تبدأ صغيرة وتنتهي كبيرة، وما كانت لتكون كذلك لو أنها عولجت معالجة فقهية دقيقة من قبل أهل الاختصاص فور طرحها على الساحة الدينية، كمفهوم القوامة والولاية، ومفهوم الاختلاط، وقرار المرأة في البيت والعمل وغير ذلك من المسائل التي ما زالت تفتح للتنظير الفقهي حسب الجو العام للأمة المسلمة وحالتها الدينية التي تتأرجح بين التفريط والإفراط والوسطية.
المحور الأول: المرأة بين تفاضلية الأعراف وتماثلية الغرب وتكاملية الإسلام
1-1 المرأة في نظرية التفاضل العرفية:
تقوم هذه النظرية على تفضيل الذكر على الأنثى، وتدخل حيز التطبيق من لحظة الولادة شعارها في ذلك:"وليس الذكر كالأنثى"، وتستمر في كل جزئيات الحياة في المجتمع الذي تحكمه عادات بدائية بعيدة عن الإسلام الذي منح المرأة حقوقا كاملة تتفق وطبيعتها الجسدية والنفسية، قبل أن تتراكم التقاليد والعادات الغريبة على الإسلام لتغيّب حضورها وتعطّل شراكتها وتستثمر النصوص الدينية لتشييئها وتمليكها للرجل، وقهرها وظلمها وحرمانها من حقوقها الشرعية والإنسانية، في ذاتها وفي أولادها. ([3])
إن هذه النظرية التفاضلية أنتجت مجتمعا يعاني العرج يعتمد على الرجل في كل أموره ويهمش المرأة، ويمنعها من أداء دورها الجوهري في بناء الأمة الإسلامية، تقول السيدة صافي ناز كاظم:" أن حظ المرأة المتعلمة من الالتفات ـ إسلاميًا ـ لمحنة ظلمها الاجتماعي الذي أعادها إلى عذابات موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، تفسير مبتور للآية الكريمة: ﴿وقَرنَ في بيوتكنّ﴾ (الأحزاب:33) بدل إعادتها إلى وضعها الذي قرره لها الإسلام". ([4])
1-2 المرأة المتحررة في نظرية التماثل الغربية:
إن تعاطي الغرب مع المرأة مبني على فلسفة تبني فردية المرأة، وتحولّها إلى كائن قائم بذاته، خارج العائلة والمجتمع والأمة، يتفاعل مع الآخر انطلاقاً من فرديته واحتكاماً إلى قانون المماثلة والمساواة...كحبات الرمل: تتماثل، تتساوى، تتساكن، تتجاور، وتتفارق حين حدوث أي شيء يمس هـذا الكيان الفردي، أو يمنع نماءه ولا يحقق مصالحه من وجهة نظر صاحبه.. فردية متشابكة بنظام قيم مادية لا يثمّن التضحية والإيثار وما يشابههما من مفاهيم تقدّم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، بقرار حر من هذا الواحد الفرد([5]).
هذه الفلسفة أنتجت علاقة تنافسية تروج للحرية على أنها صراع وجود وفرض ذات يقوم على مبدأ المساواة التماثلية بين الجنسين في كل شيء، وكثيرة هي المؤتمرات التي عقدت والاتفاقيات التي وقعت حول المرأة ووضعها في العالم بدءا بميثاق الأمم المتحدة الذي أبرم في سان فرانسيسكوا في 26 جوان 1945م، ومرورا باتفاقية سيداو 1979م التي تبنت القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وانتهاء بمؤتمر بكين1995م.
هذه المؤتمرات والاتفاقيات وغيرها من القديمة والجديدة -مما لا يسعنا المقام لذكرها- ليست إلا تجسيدا لتبعية المرأة والاتجار بجسدها وبعث استرقاقها من جديد في زمن الحرية المقنعة، وإن كانت هذه المؤتمرات والاتفاقيات لا تخلو من بنود تحمي المرأة، ومن أهم النقاط التي ركزت عليها هذه المؤتمرات:
1- اعتبار الدين عاملا رئيسيا في تخلف المرأة وتعرضها للتمييز الجنسي.
2- مساواة المرأة للرجل مساواة مطلقة تعدت حدود الفطرة، والطبيعة الجسدية والعاطفية لكلا الجنسين.
3- الإقرار بالعلاقات الجنسية خارج الأسرة.
4- فرض نمط حياتي واحد على جميع شعوب الأرض دون مراعاة للخصوصية الثقافية والدينية وحتى البيئية لكل شعب.
إن هذه النظرية التنافسية استهوت المرأة وهي شابة وأقصتها وهي مسنة عندما حرمتها دفئ الأسرة وقوامة الرجل وعطف المجتمع، ولنا أن نستأنس بشهادة نساء غربيات أصبحن بفضل الله مسلمات كسمية جيمس التي تقول: "كثيراً ما يعثر على جثة أحد المسنين في بيته بعد موته بأيام، وربما أسابيع، وقد كانت هناك امرأة تحب تربية القطط، وبعد عدة أسابيع من موتها عثر على نصف جثتها في بيتها بعدما ما أكلت قططها نصفها الآخر"،([6]) لا أعتقد أن أي امرأة على سطح المعمورة تريد أن تكون هذه العجوز غربية كانت أو عربية تقدمية كانت أو رجعية، سامية كانت أو بربرية، لكن هذه هي الحياة التي تريدها لنا هذه المؤتمرات عن قصد أو عن غيره.
1-3 المرأة المتحررة في نظرية التكامل الإسلامية:
إن سياسة التماثل المواجهاتي التي أفرزها الفكر الغربي يقابلها التكامل الإنساني في الفكر الإسلامي الذي يجعل من العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وتعاون، لا علاقة تنافس وتضاد، وكيف تكون كذلك والمرأة تختلف عن الرجل بنية وتركيبة جسدية ونفسية.
لقد أحدث الإسلام ثورة سياسة واجتماعية لم يشهد لها التاريخ مثيل فيما يتعلق بالمرأة وسما بإنسانيتها فوق كل ما كان معهودا، وكفل لها حقوقا كانت قبله من المحظورات وجعلها شقيقة الرجل، وشريكته في شرف الاستخلاف على الأرض، وجعلهما مسئولان على السواء على ما عهد به المولى عز وجل إلى الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، (البقرة:30)، هذا هو المنهج الرباني الذي أكد عليه الحبيب المصطفى بقوله –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)([7]) .
ووفق هذا الفهم العميق للإسلام خرَّجتْ المدرسة النبوية نساء كن في عظمة هذه المدرسة وعظمة صاحبها، بين فقيهات وراويات الحديث، وبين مجاهدات بالمال والنفس، وبين سياسيات وشاعرات، إضافة إلى كونهن نجحن بامتياز في مهامهن كزوجات وأمهات، فكن أمهات ومربيات مرشدات لجيل التابعين خير الأجيال بعد جيل الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن المرأة المحمدية لم تكن أبدا محلا للامتهان، ولا وعاءً للإنجاب فقط، بل كانت عنصرا مؤسسا للدولة الإسلامية، وحتى زواجه صلى الله عليه وسلم وتعدده كان لأهداف سامية تتنوع بين هدف اجتماعي وآخر ديني أو سياسي، حيث عملت أمهات المؤمنين دوار رائدا في نشر الدعوة المحمدية والدفاع عنها لما جلسن للفتيا ورواية الحديث، كما وضعن إلى جانب الرسول أسس الدولة لما اشتركن في الحياة السياسية، واشتركن معه في غزواته وحروبه، ثم أكملن المشوار بعزم أكبر وإصرار أكثر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
كما كانت المرأة في عهد الراشدي مرجعا مهما يعتد به في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أكثرهن رواية للحديث السيدة عائشة التي بقيت قرابة نصف قرن بعد الحبيب المصطفى تروي أحاديثه وتنقيها من المكذوب والضعيف، فقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، يقول فيها أبو موسى:" ما أشكل علينا أصحاب محمد حديثا قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"([8]).
إن المرأة المسلمة هي من حفظت سنة الحبيب المصطفى ابتداء من السيدة عائشة وانتهاء بباقي الصحابيات، حيث وقع تعمد الكذب في الحديث عن الرسول صلى الله عليه من الكثير من
الرجال الذين حصرتهم كتب الجرح والتعديل، بينما لم يقع ذلك من النساء على كثرتهن بشهادة إمام الجرح والتعديل شمس الدين الذهبي:" وما علمت من النساء- أي من اتهمت بالكذب- ولا من تركوها"([9])، أما بالنسبة لحفظ القرآن الكريم فكان شرف ذلك من نصيب أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، فهي صاحبة النسخة الورقية للقرآن التي استنسخ منها سيدنا عثمان النسخ التي وزعت على الأمصار.
المحور الثاني: المرأة في الخطاب الإسلامي المعاصر وثنائية التنظير والتطبيق
نميز هنا بين نوعين من الخطاب الإسلامي حول المرأة، خطاب داخلي موجه للمسلمين في البلاد العربية والإسلامية، وخطاب خارجي موجه للغرب.
2-1 الخطاب الداخلي:
أولا: مآخذ على التنظير
ما يؤخذ على كثير من الدعاة الذين حالوا التنظير الفقهي لدور المرأة المجتمعي أنهم لم يخرجوا عن النسخة المكررة ذات العناوين المكررة، والشواهد المكررة والتي لا تخرج عن أحد الأساليب التالية:
- الأسلوب النمطي:
ويقصد به طريقة تناول موضوع المرأة في الخطاب الإسلامي والتي في كثير من الأحيان لا تخرج عن الأبجديات الأدبية التي سار عليها الدعاة من بداية القرن العشرين، والتي يستهل فيها الكاتب خطابه بالحديث عن واقع المرأة في قبل الإسلام في الحضارات القديمة وعند عرب الجاهلية، ثم يفصل في مسألة تحرير المرأة في الإسلام، ثم يتوقف بإسهاب عند واقع المرأة في أوروبا ما قبل عصر النهضة، ثم المرأة في أوروبا المعاصرة وما جنته عليها المواثيق الدولية من انحلال وضياع، ليختم بتحذير شديد اللهجة للمرأة المسلمة من أن تنجرف نحو التيار العلماني التغريبي، وليخلص إلى أهم التوصيات في خطابه بضرورة وعي المرأة بمسئوليتها تجاه المجتمع.
إننا عندما وصفناه بالنمطي لا نقصد التقليل من شأنه ولا من أهدافه ولا من صحة ما ذهب إليه، لكنه خطاب يراوح مكانه لا جديد فيه، خطاب يتحدث عن الواجب أكثر من تحدثه عن الحق، خطاب لا يستشرف المستقبل ولا يصنعه، ولا يلامس جوهر المرأة المعاصرة ولا يسهم في صقله وتشكيله الشكل الإسلامي المعاصر الذي يمنحها قوة الشخصية والقدرة على الاستمرارية معتزة بهويتها المحمدية وسط العولمة الفكرية التي يروج لها المنتصر سياسة وقوة وفكرا.
- أسلوب الممانعة:
وهو أسلوب يعتمد على الشحن العاطفي أكثر من اعتماده على التنظير الفقهي الذي يوظف فقه الواقع، ويساعده في ذلك البيئة المجتمعية الميَّالة إلى الجمود الديني والثقافي، والمحاطة بالقهر حيال المجتمع الخارجي حينا، والتخلف والبطالة حينا، المقيدة بالعرف أحيانا كثيرة.
كما أنه أسلوب يصنف المرأة كعامل رئيس في تخلف المسلمين والانحطاط الأخلاقي ويختزل عودة المسلمين لدينهم في عودة المرأة إلى حجابها، وإلى قرارها في بيتها، ويشدد عليها في عملها، وهذا وإن كان حقيقة فهو ليس كل الحقيقة؛ لأن المجتمع متخلف ليس لأن المرأة انحرفت عن مسارها بل لأن المجتمع بعنصريه الرجل والمرأة وبفئاته المجتمعية كلها انحرف عن المسار الرباني.
- التكرار والهروب من المسائل الجدلية خشية التعرض للرفض والاتهام:
وهو أسلوب يفتقد التجديد والتنظير الواقعي، ينتهج التكرار والإطناب في الحديث عن المثاليات، يكرر أقوال من سبقوه من المشايخ، ويعيد شرحها ويذيلها بالحواشي المكررة، مغفلا أو متغافلا أن من كتب عنهم عاشوا زمنا غير زمانه، وظروفا غير ظروفه، وتحديات غير تحدياته، يتحدث عن دور المرأة وكيف أنها أخلت به متناسيا دور الرجل والمجتمع بجميع أطيافه، وكل ذلك خشية أن يتهم في دينه، أو يتعرض فكره للرفض، وهو يكشف حالة العجز والهروب التي تعيشها الساحة الإسلامية على مستوى المسائل العالقة والحساسة والتي تحتاج تدخلا عاجلا من فقهاء الأمة.
ولعل أكثر العلماء جرأة وشجاعة في هذا المجال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه: "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة" الذي يعتبر أحد أهم المؤلفات النقدية في التفكير الديني، فهو يحتوي على ثورة إصلاحية تستنهض الفكر الديني، وتنفض عنه الرواسب الجامدة، والموروثات الجاهلة، والتقاليد الراكدة، والمذاهب الوافدة([10]).
ثانيا: مآخذ على التطبيق
- استحواذ المسائل الأخلاقية على الخطاب الموجه للمرأة على حساب مسائل التنمية والتعليم:
كثير ممن كتبوا عن المرأة ركزوا على المسائل الأخلاقية، وبخاصة السفور والاختلاط والتشبه بالكفار، وغيرها من الظواهر المرضية التي تستدعي معالجة فورية من الدعاة، لكنهم في المقابل أهملوا عدة جوانب لا تقل أهمية عن الجانب الأخلاقي كالأمية المتفشية بين النساء المسلمات، والعنف ضد المرأة، وتنمية المرأة المسلمة علميا ومهنيا لتأخذ مكانها الصحيح والمؤثر في بناء الحضارة الإسلامية كما وقفت قبلها الصحابيات جنبا إلى جنب مع الصحابة في بناء المشروع الإسلامي الذي أنتج إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف.
- حالة الانفصال بين التنظير الفكري لقضايا المرأة والواقع المعاش لها:
كثير من الدراسات الإسلامية التي تناولت موضوع المرأة هي دراسات لا تقدم حلول فعلية لوضع المرأة المتدهور في المجتمعات الإسلامية، فكثير من المسائل العالقة ما زالت تحتاج إلى تنظير فقهي دقيق يزيل اللبس حولها كمسؤولية الإنفاق على الأسرة ومرتب الزوجة، مفهوم القوامة، العنف الأسري، مشاركة الزوج في الأعمال المنزلية، وغيرها من القضايا النابعة من الواقع المعاش يوميا في مجتمعاتنا والتي يجب أن نعالجها المعالجة السليمة بأسلوب تقدمي متحضر([11]).
هذا الوضع الذي تعانيه المرأة المسلمة ليس وضعا جديدا إنما هو وضع قديم جديد، إننا حينما نقرأ مثلا لمحمد قطب وهو يصف وضع المرأة في وقته، نشعر أنه وضع مستصحب إلى وقتنا الحالي مع زيادة في السوء، يقول الشيخ محمد قطب:" إن الوضع السيئ الذي تعانيه المرأة الشرقية يرجع إلى ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وسيكولوجية ينبغي أن نلمّ بها، لنعلم من أين تأتينا هذه المفاسد، ونكون على هدى ونحن نحاول الإصلاح، هذا الفقر البشع الذي يعانيه الشرق منذ أجيال عدة، هذا الظلم الاجتماعي الذي يجعل قوماً يغرقون في الترف الفاجر، وغيرهم لا يجد لقمة الخبز والثوب الذي يكسو به العورات، هذا الكبت السياسي الذي يجعل من الحكام طبقة غير طبقة المحكومين، هذا الظلام التعس والإرهاق العصبي الذي يعيش فيه سواد الشعوب نتيجة هذه الظروف.. هذا كلّه هو المسئول عما تعيش فيه المرأة من الذلّ والاضطهاد، إن ما تحتاج إليه المرأة هو «عواطف» الاحترام والمودة بينها وبين الرجل. وأين تنبت هذه العواطف؟ في الفقر المدفع والكبت المرهق للجميع؟!" .([12])
ويضاف إلى المآخذ السابقة مآخذ أخرى لا تقل أهمية منها:
1- ضعف التأثير الملموس والقدرة على التغيير في بعض الخطابات الموجهة للمرأة، حيث أن غالبية النساء لهم أحكام مسبقة على هذا النوع من الخطابات بناء على قراءات سابقة.
2- كذلك يلاحظ غياب دراسات ميدانية عميقة حول أوضاع المرأة المسلمة الراهنة، ونسبة الأمية والنشاط الاجتماعي للمرأة خارج الأسرة، وكذلك نسبة الإبداع العلمي والفكري بين النساء، حيث أن أغلب الدراسات هي دراسات غربية، أو عربية ذات توجهات معارضة للتوجه الإسلامي، وبناء على ذلك يتم التشكيك فيها، غير أنه من غير الإنصاف أن نطلب من الناس عدم تصديق الرواية الغربية بدعوى زيفها، ونحن لا نملك الرواية الصادقة بل أننا حتى لم نبذل الجهد في تكوينها.
2-2 الخطاب الخارجي:
يتميز هذا النوع من الخطاب في كثير من الأحيان بانتهاجه الأسلوب الدفاعي، وتسخر فيه كل القدرات العلمية والملكات الفكرية للدعاة لتفنيد مزاعم الغرب حول المرأة في الإسلام، وهو بذلك مقيد بالنظرة الغربية ما يجعله يغفل أساس هذا الخطاب وهو المرأة فيعتمد التنظير الفكري لنفي الشبهات عن الإسلام أكثر من اهتمامه بالمرأة موضوع الخطاب وحالتها المجتمعية.
صحيح لهذا النوع من الخطاب دور هام في التعريف بالإسلام الصحيح وبمكانة المرأة في الإسلام، لكن الغربي الذي يوجه له الخطاب يرى تناقضا صارخا بين دفاع الدعاة عن المرأة في الإسلام وبين واقعها المعاش في المجتمعات الإسلامية بخاصة التي تعرف اضطرابات سياسية وطائفية.
وللمرأة الغربية نظرة سطحية عن المرأة المسلمة تشكلت من وسائل الإعلام التي صورت المجتمعات الإسلامية تصويرا مغلوطا ينافي الحقيقة الكاملة، معتمدة في ذلك مبدأ التعميم، ثم التخويف والتحذير، فالمرأة المسلمة في عيون المرأة الغربية هي امرأة مظلومة مقهورة لعدة أسباب منها:
- أنه لا مساواة في الإسلام بين الرجل والمرأة إطلاقا.
- أن مكانة المرأة في الإسلام نصف مكانة الرجل في الميراث وفي الشهادة.
- لا حق للمرأة المسلمة في طلب العلم، ولا في العمل.
- لا حرية للمرأة المسلمة في اختيار شريك حياتها"زوجها".
- أن المرأة المسلمة تباع للرجل مقابل المهر الذي يدفعه مقابل الاستمتاع بها، وبغيرها من النساء عن طريق التعدد.
- من حق الرجل ضرب زوجته وتأديبها في الإسلام.
- الطلاق في الإسلام من حق الرجل ولو كان تعسفيا، ولا حق للمرأة في ذلك.
- أن الإسلام يحبس المرأة ويفرض عليها الحجاب.
- أن الرجل المسلم موعود بحور العين في الجنة، بينما أكثر أهل النار من النساء([13]).
ويضاف إلى ما ذكر سابقا أن المرأة المسلمة مازالت في بعض الأقطار تناضل من أجل قضايا تعتبر من المسلمات لدى المرأة الغربية كالانتخاب والتعليم وسياقه السيارة والسفر والاستقلال المادي، وقوانين الجنسية الذي تحرم الأم من منح جنسيتها لأبنائها، وتجعل ذلك حكرا على الأب.
لكن هذا الترويج الغربي لوضع المرأة المسلمة يفنده مفكرو الغرب أنفسهم، كالمؤلف الفرنسي هنري دي كاستري الذي يقول:" من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئا مملوكا لزوجها لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية من شانها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية.... "([14])، ويواقفه الباحث الفرنسي المعاصر جاك ريسلر:".. لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث, وأن تورث, وأن تشتغل بمهنة مشروعة لكن مكانها الصحيح هو البيت، كما أن مهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالا ..وعلى ذلك رسم النبي صلى الله عليه وسلم واجبها(أيما امرأة مات زوجها , وهو راض عنها, دخلت الجنة"..وفي الحق أن تعدد الزوجات, بتقييده الانزلاق مع الشهوات الجامحة, قد حق بهذا التشريع الإسلامي تماسك الأسرة , وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني ".([15])
المحور الثالث: تجديد الخطاب الإسلامي المعاصر
3-1 أسباب الضعف الفكري عند المرأة
لكي يتم تجديد الخطاب الإسلامي المعاصر لابد أولا من الوقوف على أسباب الضعف الفكري عند المرأة وهي كثيرة نذكر منها:
- غياب الوعي عند المرأة:
تتحمل المرأة قدرا كبيرا من المسئولية عن الحالة التي آلت إليها وضعيتها في المجتمعات الإسلامية، ذلك أنها ما زالت المرأة تعاني من أوهام ومفاهيم خاطئة صارت ثقافة متوارثة أباً عن جد، وغدت نفسها تروج لها، رغم ما حققته من تقدم وتحرر على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية، فكثيرا ما تتعرض المرأة إلى لا يقبل شرعا من الضرب والتحقير والاستيلاء على المال، والحرمان من الدراسة وغير ذلك من الممارسات البغيضة التي تمارس باسم القوامة، وتصطبغ في كثير من الأحيان بصبغة الدين من قبل أشخاص علمهم الشرعي قليل، وزادهم من التقوى ضئيل.
فمن المؤسف أن يجد ممارسو العنف الجسدي واللفظي والنفسي ضد المرأة البيئة المساعدة حيث تعاني شريحة واسعة من المجتمع من أمراض نفسية تتعلق بمفهوم خاطئ متمثل في تفوق الرجل على المرأة، فضلا عن النظرة الدونية للمرأة وخاصة في المجتمعات التقليدية حيث العادات والتقاليد هي الفيصل في الحكم،([16]) يقول المفكر الفرنسي مارسيل بوازار:"..ليس في التعاليم القرآنية ما يسوغ وضع المرأة الراهن في العالم الإسلامي . والجهل وحده, جهل المسلمة حقوقها بصورة خاصة , هو الذي يسوغه .... ".([17]) ويقول المستشرق الانجليزي هاملتون كب:" حين ننتهي من حذف الانحرافات (الفقهية المتأخرة) وشجبها, تعود تعاليم القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم الأصلية إلى الظهور في كل نقائها ورفعتها وعدالتها المتساوية إزاء الرجل والمرأة معا، عندئذ نجد أن هذه التعاليم تعود إلى المبادئ العامة وتحدد الفكرة التي تجب أن توضع ويطبق القانون بمقتضاها أكثر من أن تعين صيغا حقوقية حاسمة، وهذه الفكرة, فيما يخص المرأة , لا يمكنها إلا أن تكون نابضة بالود الإنساني وبشعور الاحترام لشخصيتها والرغبة في محو الأضرار التي ألحقها بالمرأة سير المجتمع سيرا قاسيا وناقصا فيما مضى، وبعدما ننتهي من استخلاص هذه الفكرة وهضمها, يمكننا أن نفهم التشريع الخاص بالقرآن فهما صحيحا، حالما نتوصل إلى ذلك نرى أن الموقف الإسلامي تجاه المرأة, والطريقة الإسلامية في فهم شخصيتها ونظامها الاجتماعي, وطريقة حماية التشريع الإسلامي لها, تفوق كثيرا ما هي عليه في الديانات الأخرى"([18]).
- غياب قيادة نسوية فاعلة متحدة الرؤية والصف:
ليس المقصود من الغياب هو انعدام هذا النوع من النساء، إذ لا تخلو الساحة الإسلامية من نساء فاعلات قادرات على الانجاز، لكن المقصود هو الكم الموجود الذي يستطيع متحدا قيادة سفينة التجديد والبث في المسائل الجدلية حول المرأة جنبا إلى جنبا مع الرجل؛ لأن الرجل مهما دافع عن وضع المرأة في الإسلام فهو يدافع بالوكالة، وليس من يدافع بالوكالة كمن يدافع أصالة، بشهادة المرأة نفسها، حيث تقول الدكتورة منى يكن:" لا تزال المرأة المسلمة مبعدة عن دورها الاجتماعي والحياتي إلى حد كبير، ولا يزال هاجس إبقائها على الهامش ينغص عيشتها، ويقلق راحتها، ويقصيها عن الحركة، وتبقى مسألة الاعتراف للمرأة بفاعليتها، ودورها، وعدم فرض الوصايا العمياء عليها من أهم القضايا التي تشغل بالها"([19])، ويقول الإمام الغزالي: "المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في برامج التربية، ولا نظم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد، ولا ميادين الجهاد. ذكر اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش.. والحق أن قضايا المرأة تكتنفها أزمات عقلية وخلقية واجتماعية واقتصادية، والأمر يحتاج إلى مراجعة ذكية لنصوص وردت، وفتاوى توارثت، وعادات سيئة تترك طابعها على أعمال الناس، لابد من دراسة متأنية لما نشكو منه، ودراسة تفرق بين الوحي وما اندس فيه، وبين ما يجب محوه أو إثباته من أحوال الأمّة..".([20])
إن ما نصبو إليه اليوم قبل الغد شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في النهضة بل وقائدات لها، بهذا لا بغيره تنهض أمتنا إن كنا نحمل هم النهضة محمل الجد لا محمل التنظير السطحي والاجترار الذي لا يسمن ولا يغني من تخلف.
- استغلال الوازع الديني لوقف حركة المرأة التقدمية:
كثيرا ما يحدث للمرأة التي تملك الكفاءة العلمية والعملية، والقادرة على إحداث تغيير في المجتمع إرباك وتشويش فكري وديني عليها من قبل المجتمع المدجج بفتاوى بعض علماءه، لتجد نفسها مجبرة على الرجوع بخطواتها إلى نقطة الصفر، عندما يصور لها أن ما تقوم به ابتداع وخروج عن الشرع، وتشبه بغير المسلمين وما يقابل ذلك من وعيد ونهي وتشديد وتلبيس؛ لتجد المرأة المسلمة والتي تحمل قلبا مهموما بهموم الأمة وفكرا مستنيرا نفسها تدور في حلقة مفرغة يصعب عليها الخروج منها لأنها مسيجة بسياج الدين، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:" إن البيئات المتدينة في أرجاء شتى من العالم الإسلامي تتسم بالقصور والجمود، وتشدها إلى التراب طبائع معتلة، والجو الذي تحيا فيه يخالف مخالفة تامة جو القرآن الكريم المليء بالصحو والضوء والتألق والانطلاق".([21])
- حالة الخمول الفكري الذي تعاني منه المرأة بعد الزواج والإنجاب:
إضافة إلى انعدام الوعي عند المرأة والذي صنفناه كسبب رئيس للوضع الذي تعيشه، هناك سبب آخر متعلق بالمرأة ذاتها، وهو حالة الخمول الفكري الذي تعيش فيه بعد الزواج والإنجاب، وهذه ظاهرة قد لا يختلف عليها اثنين، وإذا كان علماء المسلمين الأوائل تفطنوا لهذا الخطر في إهمال دور المرأة خارج حدود الأسرة فمن باب أولى أن يتفطن العلماء المعاصرون لهذا الخلل الكبير في ظل التحديات الكثيرة كثرة أعداء هذه الأمة وكثرة مصائبها.
- أساليب المرأة التربوية مع ابنها رجل المستقبل:
إننا عندما نتحدث عن الظلم الذي يقع على المرأة الشرقية وبخاصة من الرجل يجب أن نتوقف قليلا ونطرح السؤال التالي: من أي مدرسة تخرج هذا الرجل، ثم نتذكر قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
إن الرجل الشرقي المتسلط الذي كون المجتمع الذكوري في البلاد الإسلامية، هو بالأساس طفل تربى على يدي أمه(المرأة)، فنَعِم بالتفضيل من الأنثى على الأنثى لمجرد كونه ذكر، ومُنِح حقوقا وامتيازات من الأنثى فقط لأنه ذكر ما يعزز عنده مبدأ أفضلية الذكر على الأنثى، ومن شب على شيء شاب عليه.
3-2 حلول عملية للارتقاء بوضع المرأة المسلمة في الخطاب الإسلامي المعاصر الداخلي والخارجي:
أ- استثمار الهدي النبوي في التعامل مع المرأة:
كان للمرأة المسلمة في المدرسة المحمدية دورا بارزا لا يقل أهمية عن شقيقها الرجل، ولم يقتصر دورها على ما يحاول قاصري الفهم من أمتنا حصره في أعمال بيتية وتربية للأولاد على عظم هذه الأعمال وعظم قدرها، لكن كانت إضافة إلى ذلك موضع مشورة للرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مؤثرة في قراره السياسي، وكانت مهاجرة ومجاهدة وشهيدة، وعالمة وأديبة وشاعرة وفقيهة.
إننا إذا كنا حقا نسعى لفك العزلة عن المرأة المسلمة ونرجو إشراكها في عملية التنمية لا بد من استثمار الهدي النبوي في كيفية معاملة المرأة، حيث يبرز الرجل كعنصر هام في مساعدة المرأة في ذلك من خلال مد يد العون لها وتفهم تعدد انشغالاتها التي فرضها العصر الذي نعيش فيه، ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم خير قدوة، فهو الزوج المساعد المتفهم والغير متطلب في زمن بسيط مهام المرأة فيه واضحة وبسيطة والتحديات قليلة، إضافة إلى تعدد زوجاته ما يخول له الاعتماد التام عليهن، على خلاف الوضع الحالي حيث التحديات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وحيث المرأة في حاجة ماسة إلى رجل يقتدي بالحبيب المصطفى الذي تصفه السيدة عائشة فتقول عندما سئلت عن ما كان يصنع الرسول في بيته:" كان في مهنة أهله، وإذا حضرت الصلاة قام إليها"([22])، وفي رواية الطبري:" كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم ويقم في البيت ويعين الخادم في خدمته"([23]).
ب- استثمار وتوظيف فكر معتنقات الإسلام في كتابة الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة:
لعل أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، النساء الغربيات اللواتي اعتنقن الإسلام؛ ذلك لأنهن ولدن في البيئة الغربية وتربين على الطريقة الغربية واستطعن بصفاء فكرهن من جهة وبفهمهن العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقن الإسلام، كما استطعن في كثير من الأحيان أن يدافعن عنه أحسن ممن ولدن مسلمات؛ لأن لهن قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إن أقل ما يمكن فعله شكرا لله على نعمة الإسلام، ورغبة في نشر تعاليمه السمحة في أرجاء المعمورة، هو نشر هذا النوع من الفكر المستنير وتوظيفه لخدمة الإسلام، والتعريف به عند غير المسلمين، بل وحتى تثبيت أقدام شبابنا المسلم الذي خدعته مظاهر الحضارة الغربية، وبخاصة المرأة المسلمة، كشهادة الألمانية التي اعتنقت الإسلام منى عبد الله ماكلوسكي:" ... إن المرأة المسلمة معززة مكرمة في كافة نواحي الحياة, ولكنها اليوم مخدوعة مع الأسف ببريق الحضارة الغربية الزائف، ومع ذلك فسوف كتشف يوما ما كم هي مضللة في ذلك, بعد أن تعرف الحقيقة ". ([24])
كما يمكن لنا أن نستثمر شهادة النساء الغربيات اللواتي نسبن الفضل لأهله، فيما يتعلق بسبق الإسلام في احترام المرأة كزيغريد هونكه التي تقول:" إن احترام العرب لعالم النساء واهتمامهم به ليظهران بوضوح عندما نرى أنهم خصوه بفيض من العطور وبأنواع الزينة, التي وان لم تكن غير مجهولة قبلهم, إلا أنها فاحت بثروة الشرق العطرية الزكية, وبالأساليب الفائقة في تحضيرها، كذلك فإن العثنون الذي كان يزين الوجوه الحليقة, منذ حملات الصليبيين, على طريقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أصبح نموذجا يقلده الرجال".([25])
ومن الشهادات الكثيرة التي يمكن توظيفها للفصل في بعض المفاهيم الخاطئة حول دور المرأة في المجتمع المسلم، شهادة الإنجليزية المسلمة ايفلين كوبولد التي تقول فيها:" لم تكن النساء (المسلمات) متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشا منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة". ([26])
ثم تقول في موضع آخر عن مفهوم القوامة والدرجة كما عهدته في الغرب، ثم وجدته فريدا عظيما في الإسلام:" لما جاء الإسلام رد للمرأة حرياتها, فإذا هي قسيمة الرجل لها من الحق ما له وعليها ما عليه ولا فضل له عليها إلا بما يقوم به من قوة الجلد وبسطة اليد, واتساع الحيلة, فيلي رياستها فهو لذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه وينفق عليها من كسب يده , فأما فيما سوى ذلك فهما في السراء والبأساء على السواء. ذلك ما أجمله الله بقوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾، وهذه الدرجة هي الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق, وكما قرن الله سبحانه بينهما في شؤون الحياة, قرن بينهما في حسن التوبة وادخار الأجر وارتقاء الدرجات العليا في الدنيا والآخرة، وإذا احتمل الرجل مشقات الحياة, ومتاعب العمل وتناثرت أوصاله, وتهدم جسمه في سبيل معاشه ومعاش زوجه فليس ذلك بزائد مثقال حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها وأحسنت القيام في شأن دارها. "([27])
وتقول في موضع آخر مفندة مزاعم الغرب حول اضطهاد الإسلام للمرأة:"كتبت اللادى ماري مونتكاد, زوجة السفير الإنكليزي في تركيا إلى شقيقتها تقول : (يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب, وهو ما أود تكذيبه فان مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها, ولولا أنني في تركيا, وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك سبيل, وإني استمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى, لذهبت اصدق ما يكتب هؤلاء الكتاب, ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم, ولا أبالغ إذا أقررت لك أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في الآستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوروبا ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية....))". ([28])
ولنا أن نستثمر دفاع السيدة سالي جان مارش عن ما يسميه البعض القيود التي يفرضها الإسلام على المرأة:".. على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل الإسلام, فإن هذه القيود ليست إلا ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها ولخير الأسرة, والحفاظ عليها متماسكة قوية, وأخيرا فهي لخير المجتمع الإسلامي بشكل عام".
وفي المقابل يجب أن نقف وقفة جدية عند السلبيات التي تطرقت لها السيدات الغربيات المسلمات عندما تحدثن عن مآخذهن على المسلمين، وهي كثيرة نأخذ منها:
1- أن عدم التزام المسلمين - المقيمين بالغرب على الأخص- بالإسلام لا يؤثر فيهم فقط بل يؤثر في غيرهم من غير المسلمين، إذ يعطي صورة مشوهة عن الإسلام.
2- أن المسلمين المقيمين في الغرب لا يبذلون الجهد الكافي والصبر الجميل في التعريف بدينهم، وهو ما يراه المسلمون الجدد تقصير منهم باعتبار الإسلام آخر الديانات وموجه للبشرية جمعاء.
ج- توظيف كتابات المؤلفين الغرب عن الإسلام:
من الكتب التي تناولت الإسلام بموضوعية عالية: "إنسانية الإسلام" لمارسيل بوازار، و"الطريق إلى مكة" لليوبولد فايس (محمد أسد)، و"دفاع عن الإسلام" للورا فيشيا فاغليري، ودراسات في حضارة الإسلام ، والاتجاهات الحديثة في الإسلام لهاملتون جب وغيرهم كثير. ([29])
ومن الشهادات المشرقة عن الإسلام شهادة المستشرق الفرنسي اميل درمنغم صاحب كتاب" حياة محمد"حيث يقول:" من المزاعم الباطلة أن يقال إن المرأة في الإسلام قد جردت من نفوذها زوجة وأما كما تذم النصرانية لعدها المرأة مصدر الذنوب والآثام ولعنها إياها , فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين وان المرأة فيه لا تحسد بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا, ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي ,ولا يجهل الإسلام ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري"([30]).
وشهادة المفكر والقانوني مارسيل بوازار:" أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم أنها حامية حمى حقوق المرأة التي لا تكل ....".
وشهادة الطبيب والمؤرخ الفرنسي كوستاف لوبون:" إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب, وقد ظهر مما قصه المؤرخون انه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثا في أوربة..إن الأوربيين اخذوا عن العرب مبادىء الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة، فالإسلام إذن لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه, وذلك خلافا للاعتقاد الشائع، وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئا من الحرمة للنساء, وإذا تصفحت كتب التاريخ ذلك الزمن وجدت ما يزيل كل شك في هذا الأمر, وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى ". ([31])
وشهادة الدكتور نظمي لوقا:" (( ليس الإسلام-على حقيقته-عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة، بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة لا يفضلها إلا بفضل, ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال، وذلك حسب عقيدة لتكون صالحة لكل طور اجتماعي على تعاقب الأطوار والعصور, على سنة العدل التي لم يجد لها عصرنا اسما أوفق من (تكافؤ الفرص), الذي يلغي كل التفريق, ويسقط كل حجة, ويقضي على كل تميز إلا بامتياز ثابت صحيح".([32])
وشهادة المسلم من أصل أمريكي جاري واندر:" من خلال معايشتي للمسلمين اكتشفت العلاقة الرائعة بين أفراد الأسرة المسلمة , وتعرفت كيف يعامل الآباء المسلمون أبناءهم , وعرفت العلاقة الوثيقة التي تربط أفراد الأسرة المسلمة , كما أعجبت بالمكانة التي يتمتع بها كبار السن بين المسلمين، وفي الوقت الذي أجد فيه كبار السن في الغرب وفي بلادي أمريكا , قمة الحضارة الغربية المادية المعاصرة, يلقى بهم في مؤسسات العجزة, وينبذون فلا يلتفت إليهم احد, أجد الجد والجدة المسلمين في مركز الأسرة وبؤرتها من حيث الحفاوة والتكريم، لقد أحببت ذلك كثيرا ...".([33])
قد يعترض البعض على توظيف نصوص المستشرقين في الدفاع عن الإسلام، ويسارع إلى التشكيك في نواياهم الخفية والجلية، إلا أنه ليس عيبا ولا عارا ولا مخالفا للشرع أن نستأنس بأقوال لمفكرين أنصفوا الإسلام أكثر من أبنائه سواء كانوا ممن بهروا بالحضارة الغربية وتنكروا لدينهم، أو كانوا ممن جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة فهم الإسلام الصحيح.
كما أنه ليس من الكفر أن نذكر ما للغرب من محاسن تفوق فيها على المسلمين، ففي صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس"، فقال له عمرو :"أبصر ما تقول"، قال:" أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال-يعني عمرو بن العاص-:" لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك"([34])، أكاد أجزم لو أن أحد من المشايخ والدعاة كان هو قائل هذه العبارة لوجد من يصفه بالعلماني وبالمغترب، ومن يذهب إلى حد تكفيره.
الخاتمة:
بعد هذا العرض المختصر لوضع المرأة في المجتمعات الإسلامية، وطريقة تعامل الدعاة مع الخطاب المكتوب عنها أو لها، نخرج بحقيقة واضحة للخواص والعوام مفادها أن هذا النوع من الخطاب يواجه تحديات جبارة على مستوى التنظير الفقهي، وعلى مستوى التطبيق الواقعي، وعلى مستوى الخطاب الخارجي، وبناء عليه يتحتم على كل من يكتب في هذا النوع من الخطاب أن يعي أهمية ما يكتب فيه وما يكتب عنه، وأن يرفع التحدي ويشد الحزام إذا كنا فعلا صادقين في نصرتنا لهذا الدين وفي التعريف به للآخرين.
قد أكون كامرأة مسلمة محظوظة بأن حققت الكثير مما كنت أريده في حياتي، وأتساءل هل هذا مدعاة للفخر والبهجة، ثم أتذكر أحوال الأمة عامة والمرأة المسلمة خاصة فتتحول البهجة إلى غضبة قلبية وذبحة فكرية، ويتحول الفخر إلى شعور بالمسئولية يتعاظم شيئا فشيئا في وجداني لأسأل نفسي مجددا بعد سؤال الفخر: هل سنحاسب كمسلمين عن غيرنا من غير المسلمين لأننا في زمن القرية الكونية لم نعرفهم بالإسلام كما أراده الله ورسوله، بل قد نكون سببا في عزوفهم عنه، هل نعيش حياة الضلال والإضلال؟؟؟؟؟
قائمة المراجع:
- الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط (2)،1405هـ، 1985م.
- الألباني، صحيح سنن أبي داوود، مكتبة المعارف- الرياض، ط (2)، 1421ه.
- الحكيم، سعاد ، المرأة المسلمة نحو تأصيل لنموذج عالمي، مجلة التفاهم، العدد:20 ، 2007م، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=477
- خليل، عماد الدين، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، ط(1)، 1992م.
- أبو داوود، سنن أبي داوود، دار الفكر، بيروت، لبنان.
- الفكر الحركي الإسلامي وسبل تجديده. ندوة: مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، الكويت: الأمانة العامة للأوقاف، ط1، 1993م.
- فوزية العشماوي، تجديد الفكر الإسلامي منهج التعامل مع قضايا المرأة المسلمة، المؤتمر العام الواحد والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
- الغزالي، محمد، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، ط6، 1996م، دار الشروق، القاهرة.
- الغزالي، محمد، تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، ط4، 1996م، دار الشروق، القاهرة.
- ابن سعد، محمد بن منيع، الطبقات الكبرى، دار التحرير للطبع والنشر، القاهرة، 1967م/ 1970م.
- السيوطي، جلال الدين، طبقات الحفاظ، تحـ: محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1973م.
- صافي ناز كاظم، في مسألة السفور والحجاب، 1982م، القاهرة، مكتبة وهبة.
- الطبري، محب الدين، السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، دار الحديث، القاهرة.
- محمد قطب، واقعنا المعاصر، دار الشروق، القاهرة.
- الميلاد، زكي، الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة، مجلة الكلمة، السنة الثامنة، العدد:30، 2001م-1421هـ.
- النووي، يحي بن شرف ، شرح النووي على مسلم1996م، دار الخير.
- بن يحي أم كلثوم، الموروث الديني وثقافة العنف في المجتمع، الواقع والمأمول، بحث مقدم إلى الملتقى الوطني حول دور التربية في الحد من ظاهرة العنف الذي نظمه مخبر الأرغنوميا والوقاية يومي 07 و08 ديسمبر 2011، جامعة الجزائر 2، بوزريعة، الجزائر.
- Summayya James: My Journey To Islam, English woman's story.
([1]) سعاد الحكيم، المرأة المسلمة نحو تأصيل لنموذج عالمي، مجلة التفاهم، العدد:20 ، 2007م، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=477
([2]) زكي الميلاد، الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة، مجلة الكلمة، السنة الثامنة، العدد:30، 2001م-1421هـ.
([3]) سعاد الحكيم، المرجع نفسه.
([4]) صافي ناز كاظم، في مسألة السفور والحجاب، 1982م، القاهرة، مكتبة وهبة، ص:20.
([5]) سعاد الحكيم، المرجع نفسه.
([6]) Summayya James: My Journey To Islam, English woman's story, p60 .-61.
([7]) رواه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، رقم الحديث: 105.
([8]) السيوطي، جلال الدين، طبقات الحفاظ، طبقات الحفاظ، تحـ: محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1973م،
ص:8 .
ص:8 .
([9]) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الألباني، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط (2)،1405هـ، 1985م: (2/256).
([10]) زكي الميلاد، الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة، مجلة الكلمة، السنة الثامنة، العدد:30، 2001م-1421هـ.
([11]) فوزية العشماوي، تجديد الفكر الإسلامي منهج التعامل مع قضايا المرأة المسلمة، المؤتمر العام الواحد والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ص:2.
([12]) ينظر بتصرف: محمد قطب، واقعنا المعاصر، دار الشروق، القاهرة، ص: .
([13]) ينظر: فوزية العشماوي، تجديد الفكر الإسلامي منهج التعامل مع قضايا المرأة المسلمة، المؤتمر العام الواحد والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ص:3.
([14]) عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، ط(1)، 1992م، ص: 411.
([15]) عماد الدين خليل، المرجع السابق، ص:415.
([16]) أم كلثوم بن يحي، الموروث الديني وثقافة العنف في المجتمع، الواقع والمأمول، بحث مقدم إلى الملتقى الوطني حول دور التربية في الحد من ظاهرة العنف الذي نظمه مخبر الأرغنوميا والوقاية يومي 07 و08 ديسمبر 2011، جامعة الجزائر 2، بوزريعة، الجزائر.
([17]) عماد الدين خليل، المرجع السابق، ص: 410.
([18]) عماد الدين خليل، المرجع السابق، ص: 424.
([19]) الفكر الحركي الإسلامي وسبل تجديده. ندوة: مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، الكويت: الأمانة العامة للأوقاف، ط1، 1993م، ص268.
([20]) الغزالي، محمد، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، ط6، 1996م، دار الشروق، القاهرة،ص:33 وما بعدها.
([21]) الغزالي، محمد، تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، ط4، 1996م، دار الشروق، القاهرة، ص: 46.
([22]) ابن سعد، محمد بن منيع، الطبقات الكبرى، دار التحرير للطبع والنشر، القاهرة، 1967م/ 1970م.، ص:(1/127).
([23])الطبري، محب الدين، السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، دار الحديث، القاهرة، 1989م،ص: 22.
([24]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:433.
([25]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:436.
([26]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:425..
([27]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:425..
([28]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:425..
([29]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص: 17.
([30]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص: 410.
([31]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه ، ص:430.
([32]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:431.
([33]) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، ص:440.
([34]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس، برقم 2898، ينظر: النووي، يحي بن شرف ، شرح النووي على مسلم1996م، دار الخير:( 4/347).